باليرمو تفتح طريقاً جديداً لليبيا

توافق إيطالي مصري... وهزيمة لتنظيم الإخوان... وتجدد الاشتباكات في طرابلس

خالد المشري، رئيس مجلس الدولة السامي في ليبيا، وفايز السراج، رئيس وزراء ليبيا، وجوزيبي كونتي، رئيس وزراء إيطاليا، وغسان سلامة، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، وعقيلة صالح عيسى، رئيس مجلس النواب الليبي، خلال صورة جماعية بمؤتمر ليبيا في 13 نوفمبر 2018 في باليرمو، إيطاليا. (غيتي)

باليرمو تفتح طريقاً جديداً لليبيا

·     يخشى الليبيون من أن يستغل تنظيم داعش هشاشة الوضع الأمني في البلاد، لمواصلة تنفيذ هجمات دامية هنا وهناك. 
·     يوجد في طرابلس خلايا نائمة للتنظيم المتطرف الذي ارتكب فظائع عدة في مدن ليبية منها العاصمة نفسها خلال الفترة الماضية. 
·     المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا تخشى من اغتنام الجماعات الإرهابية (داعش) حالة تشظي وهشاشة النظام الأمني بالعاصمة لتنفيذ أعمال إرهابية تربك المشهد وتعمق الأزمة السياسية في البلاد.

القاهرة والحدود الليبية المصرية: فتح مؤتمر باليرمو في إقليم صقلية الإيطالي، بشأن ليبيا، طريقاً جديداً لمستقبل هذه الدولة الغنية بالنفط، والتي تعيش في الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011 حتى الآن. لكن وبعد يومين من انتهاء أعمال المؤتمر تجددت الاشتباكات في العاصمة طرابلس، ما يثير المخاوف من عودة الوضع الأمني الهش أصلا إلى التدهور أكثر مما كان عليه في السابق.
لقد كانت الأطراف الإقليمية الداعمة للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، تسعى لفرض أجندتها على مخرجات المؤتمر، وعلى رأس هذه الأجندة، نقل ملف توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، من الرعاية المصرية، إلى رعاية إحدى الدول الإسلامية المطلة على البحر المتوسط. وباءت هذه المحاولة بالفشل. وعلى أثر ذلك توقعت أجهزة أمنية ليبية أن تلعب الدول التي شعرت بهزيمتها في المؤتمر، دورا في إثارة مزيد من الفوضى في البلاد.
ويقول مصدر عسكري ليبي إن تنظيم الإخوان وبمساعدة من دول إقليمية كان يعمل خلال الأيام التي سبقت المؤتمر الذي انعقد يومي 12 و13 من هذا الشهر، إلى إبعاد مصر عن ملف ليبيا، والتخلي عن المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي الذي يقوم محاربة الإرهاب، وفي القلب منه جماعة الإخوان. وتابع موضحا أنه، ولهذا السبب كان المشير حفتر يرفض حضور المؤتمر حتى الساعات الأخيرة.
وأجرى رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، اتصالات مكثفة بكثير من الأطراف في أوروبا وفي منطقة الشرق الأوسط، وأفريقيا، للحشد للمؤتمر الذي ينظر إليه بعض الأوروبيين باعتباره محورا من محاور التنافس التاريخي بين الإيطاليين والفرنسيين على الملف الليبي. وفي نهاية المطاف تسبب المؤتمر في إماطة اللثام عن كثير من الوجوه التي كانت تعمل من خلف الستار، خاصة تلك التي تؤازر جهود التنظيمات المتطرفة في المنطقة.
ويقول الدكتور محمد زبيدة، القيادي في مؤتمر القبائل الليبية، لـ«المجلة» إن المساعي التي كانت تقف خلفها جماعة الإخوان، قبيل المؤتمر، كان الهدف منها إضعاف الجيش الوطني الليبي، بقيادة حفتر، وإدماج الميليشيات المختلفة في المؤسسة العسكرية، وعزل مصر عن مجريات تسوية الملف الليبي، حتى يتمكن الإخوان وداعموهم من الانفراد بمستقبل ليبيا.

 

فايز السراج وجوزيبي كونتي، خلال مؤتمر ليبيا في باليرمو، إيطاليا. (غيتي)
 
 


وعلى عكس ما كان يجري التحضير له من جانب قيادات من التنظيم الدولي لـ«الإخوان»، وقيادات من الجماعة الليبية المقاتلة، وممثلي دول أخرى تدعم هذا التوجه، فوجئ الجميع بتوافق مصري إيطالي، على التسوية في ليبيا، وفقا لوجهة النظر المصرية التي تتماشى إلى حد كبير مع خطة المبعوث الدولي لليبيا، الدكتور غسان سلامة. وشعر محور الإخوان بأنه تلقى ضربة لم تكن في الحسبان. وأعلن مبعوث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، للمؤتمر، الانسحاب.
لقد أدت مشاركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في مؤتمر باليرمو، وبالتحديد في القمة المصغرة للقادة المعنيين بالشأن الليبي التي انعقدت في اليوم التالي على هامش المؤتمر، إلى تغيير دفة الأمور. ويقول أحد المشاركين الليبيين في المؤتمر إن حضور الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، ورؤساء وزراء إيطاليا، وروسيا، والجزائر، ورئيس المجلس الأوروبي ووزير الخارجية الفرنسي، أعطى للمؤتمر زخما مغايرا لما كان يطمح إليه الإخوان والدول الداعمة لهم. ويضيف أن المشير حفتر قرر المشاركة في باليرمو، بعد أن اطمأن في الساعات الأخيرة التي سبقت بدء المؤتمر، إلى أن مخرجاته لن تصطدم بالجهود التي يقوم بها لمكافحة الإرهاب والجماعات المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة.
وشارك في فعاليات المؤتمر أيضا رئيس المجلس الرئاسي الليبي، فايز السراج، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة خالد المشري، وهو قيادي متشدد في تنظيم الإخوان. ويقول المصدر المقرب من قائد الجيش الوطني، والذي شارك في أعمال باليرمو، إن المؤتمر انقسم إلى شقين، الشق الأول هو الذي جرت أنشطته في يوم 12 نوفمبر (تشرين الثاني)، وكان يقتصر على محاولة إيجاد توافق بين أبرز القيادات الليبية المختلفة بعضها مع بعض، وعلى رأس هؤلاء السراج وحفتر. إلا أنه لم يسفر عن النتائج المرجوة، رغم قيام رئيس الوزراء الإيطالي بجذب يد حفتر لوضعها في يد السراج.
أما الشق الثاني، وهو الأهم، فقد بدأت أعماله في صباح اليوم التالي من خلال القمة المصغرة التي حملت عنوان «دول الجوار الليبي». ويضيف أن الإصرار على أن يقتصر اجتماع القمة على دول الجوار الليبي، مع بعض الشركاء الأوروبيين الفاعلين، كالإيطاليين والفرنسيين وممثلي البعثة الأممية لليبيا، أدى إلى شعور بالغضب لدى أطراف إقليمية كانت تتطلع إلى الوجود في القمة المصغرة وفرض وجهة نظرها التي تعبر عن وجهة نظر الجماعات المسلحة بما فيها الجماعات المتطرفة في ليبيا.
واستعرضت القمة المصغرة جهود المجتمع الدولي في التوصل إلى حل للأزمة الليبية، والتي أضحت تمثل تهديدًا لأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والبحر المتوسط، وذلك من خلال التوصل لتسوية سياسية شاملة في ليبيا، ودعم جهود الأمم المتحدة في هذا الإطار، والحفاظ على وحدة الأراضي الليبية وسلامتها الإقليمية، واستعادة دور مؤسسات الدولة الوطنية فيها بما يوفر الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات في ليبيا. وتضمنت مخرجات القمة أن تواصل مصر مساعيها لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية.
ومن جانبه وجه رئيس الكونغرس التباوي الليبي، عيسى عبد المجيد، انتقادات شديدة للمؤتمر وما تحاول أن تقوم به إيطاليا من تدخلات في الشأن الليبي، لكنه أثنى على الدور المصري لحل الأزمة الليبية، والوقوف بقوة ضد الجماعات الإرهابية والمجموعات المسلحة. وبعد ساعات من انتهاء مؤتمر باليرمو هاجمت إحدى الميليشيات مطار طرابلس الدولي، وسيطرت عليه من ميليشيا أخرى منافسة، وسط مخاوف من تجدد الاقتتال في طرابلس بعد نحو شهرين من هدنة أشرفت عليها البعثة الأممية. وشدد رئيس حزب الائتلاف الجمهوري الليبي، عز الدين عقيل، على أن استمرار وجود الميليشيات المسلحة في بلاده سيعقد مساعي أي حل.
وفي القاهرة، قال السفير بسام راضي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، عقب انتهاء أعمال قمة باليرمو، إن الرئيس السيسي أكد في مداخلته على أن الأزمة في ليبيا مركبة ومتشعبة الجوانب «الأمر الذي يتحتم معه أن يكون أي مقترح للحل شاملاً مختلف جوانب الأزمة، سياسياً وأمنيًا واقتصادياً، ومتسقاً مع الاتفاق السياسي وخطة المبعوث الأممي في مجملها، وأن يتحمل جميع الليبيين مسؤولية تنفيذه، وأن يكون دور المجتمع الدولي داعمًا للتسوية في ليبيا، من دون أي انحياز لأي طرف من الأطراف».
 

رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي (إلى اليمين)، والمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة عقد في 13 نوفمبر 2018 خلال مؤتمر صحافي عقب انتهاء فعاليات مؤتمر ليبيا الذي عقد في باليرمو. (غيتي)


وشدد الرئيس المصري على أنه «من الهام كذلك توحيد مسار الحل السياسي، وعدم إتاحة الفرصة للأطراف التي ترغب في عرقلة الحل للمناورة بين مسارات دولية متوازية». كما أكد على ضرورة مراعاة التوازن والحفاظ على تمثيل جميع مكونات المجتمع الليبي في كافة المؤسسات، وعلى رأسها المجلس الرئاسي والحكومة، تأكيدًا لملكية الليبيين لمقدراتهم، ومشاركتهم جميعًا في السلطة دون أي تدخل خارجي، مشيرًا إلى أن مصر تقف على مسافة واحدة بين جميع الليبيين، حيث يستند موقفها تجاه ليبيا إلى اعتبارات حماية الأمن القومي والاستقرار في البلدين، أخذًا في الاعتبار ما يجمع بين البلدين من روابط تاريخية واجتماعية وسياسية وجغرافية واقتصادية وثيقة.
وخلال قمة باليرمو، استعرض الرئيس المصري ثوابت موقف بلاده من الأزمة الليبية، مؤكدًا ضرورة التوصل لتسوية شاملة يقودها وينفذها الليبيون من جميع أنحاء البلاد، ويكون قوامها تنفيذ الاتفاق السياسي الليبي، كما أكد على أهمية دعم الجهود التي تقودها الأمم المتحدة لإنجاز تسوية سياسية شاملة في هذا البلد، وتنفيذ كافة عناصر مبادرتها التي قُدمت في سبتمبر (أيلول) عام 2017. من دون اجتزاء أو اختزال للأزمة في جانب واحد فقط من جوانبها.
وأشار السفير راضي إلى أن الرئيس المصري حرص كذلك على تأكيد أهمية مكافحة الإرهاب بشكل حاسم في ليبيا، ومنع تحولها إلى نقطة تمركز للتنظيمات الإرهابية، استغلالاً لحالة الفراغ السياسي التي قد تنشأ نتيجة عدم الإسراع بتسوية الأزمة، وأنه من الضروري كذلك مواجهة كافة التنظيمات الإرهابية ومن يقف وراءها ويمدها بالسلاح والدعم المالي واللوجيستي والإعلامي ويوفر ملاذات آمنة للإرهابيين، ولا يجب مكافأة أي طرف إقليمي أو دولي تورط في دعم الإرهاب ومعاملته كما لو كان جزءًا من الحل في ليبيا.
وفي مقر القمة المصغرة التي عقدت في فيلا تسمى إيجيا، استقبل كونتي، كلا من السيسي، والسبسي، والسراج، وحفتر، وسلامة. بالإضافة إلى كل من رئيس الوزراء الروسي، ديمتري ميدفيديف، ورئيس الوزراء الجزائري، أحمد أويحيى، ورئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، ووزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان. وقال كونتي: مؤتمر باليرمو ليس مجرد فرصة لالتقاط الصور التذكارية التقليدية، بل الأهم من ذلك سيكون العمل الذي سنقوم به في وقت لاحق لاستمرارية هذه العملية.
وخلال لقائه مع الرئيس المصري، تطرق كونتي إلى ما تمثله مصر، كركيزة أساسية للأمن والاستقرار، في منطقة الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن بلاده حريصة على تعزيز التعاون الثنائي مع مصر خاصة في ظل ما تشهده من تطورات إيجابية على صعيد التنمية الاقتصادية، وما يتم تنفيذه من مشروعات كبرى تساهم في تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي.
وقال السفير راضي إن اللقاء جرى فيه كذلك استعراض آخر تطورات الملف الليبي حيث أعرب رئيس الوزراء الإيطالي عن تقدير بلاده للدور الفعال الذي تقوم به مصر لاستعادة الاستقرار والأمن ودعم المؤسسة العسكرية الوطنية في ليبيا.
وفي نهاية المؤتمر، أكدت مصادر من الحكومة الإيطالية، على أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بشأن ليبيا يتجاوز التوقعات، حيث تم الاتفاق على تنفيذ الاتفاق السياسي وبناء مؤسسات الدولة الليبية، أي إن مخرجات المؤتمر لم تبتعد كثيرا عن الجهود التي تقوم بها البعثة الأممية ومعها الجهود المصرية لحل الأزمة الليبية.
وفي تعليق تلفزيوني على مجريات مؤتمر باليرمو، استبعد السفير حسين هريدي، المساعد الأسبق لوزير الخارجية المصري حلا قريبا للأزمة الليبية. وقال إن الأزمة في هذا البلد لا تعد مجرد مشكلة داخلية تخص ليبيا والليبيين، ولكنها قضية أخذت أبعادا إقليمية في أعقاب إسقاط المصريين لحكم جماعة الإخوان في يونيو (حزيران) 2013.
ولم يتمكن فؤاد أقطاي، نائب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، من فرض وجهة النظر التركية أو الوجود بقوة في المؤتمر، مما أسفر في نهاية المطاف عن إعلانه الانسحاب من الفعاليات في يومها الثاني، وأعلن صراحة أن بلاده تشعر بـ«خيبة أمل كبيرة»، مشيرا إلى ما قال إنها محاولات لتحييد تركيا عن القضية الليبية. وتطرق في تصريحاته قبل مغادرته باليرمو إلى أن المؤتمر الذي شارك فيه «مجموعة من اللاعبين» من شأنه أن يزيد التوتر في منطقة البحر المتوسط.
وتدهورت الأحوال السياسية والأمنية والاقتصادية في ليبيا منذ إسقاط نظام القذافي. وفي آخر تعليق من الأمم المتحدة عن أوضاع الليبيين الصعبة، قالت إن انعدام الأمن الغذائي في ليبيا لا يزال يمثل تحديا، وذلك بسبب النزوح المطول، إضافة إلى تعطل الأسواق وانخفاض إنتاج السلع الغذائية في البلاد.
وقال هيرفيه فيرهوسل، المتحدث باسم برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، في تصريحات تزامنت مع قمة باليرمو، إن ما يقرب من 60 في المائة من السكان الليبيين نازحون داخليا، إضافة إلى أن نحو 1.3 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية، في حين كان عدد من يعانون من انعدام الأمن الغذائي قد بلغ نهاية العام الماضي نحو 630 ألف شخص.
ومن جانبها جددت الجامعة العربية التزامها بدعم خريطة الطريق لحل الأزمة الليبية، وذلك خلال مشاركتها في مؤتمر باليرمو. وأكد أحمد أبو الغيط، الأمين العام للجامعة، في الكلمة التي ألقاها نيابة عنه الأمين العام المساعد لشؤون الأمن القومي، السفير خليل الذوادي، أن الجامعة حرصت منذ مشاركتها في الاجتماعات التمهيدية التي عقدت في باليرمو على تقديم كل العون للأفكار المطروحة أمامنا، وللدور المركزي الذي يقوم به المبعوث الأممي غسان سلامة، في سبيل إنجاح المؤتمر والخروج بتوافقات ليبية – ليبية خالصة، يدعمها المجتمع الدولي، على المسارات الثلاثة الاقتصادية والأمنية والسياسية.
وأضاف قائلا: لقد كشفت الاشتباكات المسلحة التي تجددت في العاصمة طرابلس، ومن قبلها الهجمات المسلحة التي تعرضت لها منطقة الهلال النفطي، عن التهديد الذي تظل تمثله الجماعات والميليشيات المسلحة على سلامة الدولة والكيان الوطني الليبي. وجدد الترحيب بالدور الذي قامت به البعثة الأممية في سبيل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في طرابلس يوم 4 سبتمبر، واتفاق تثبيته يوم 9 سبتمبر، إلا أنه أكد على ضرورة «التوصل إلى حل دائم وجذري لمشكلة هذه الميليشيات وتحييد قدرتها على تخريب أي مسار سياسي أو عملية انتخابية يتوافق الليبيون عليها».

 


فيديريكا موغيريني، الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية شاركت في مؤتمر ليبيا في باليرمو (غيتي)
 


ودعت الجامعة العربية أيضا إلى مواصلة الضغط الأممي والدولي في اتجاه إنفاذ الترتيبات الأمنية التي تم التوصل إليها في العاصمة طرابلس وضواحيها، عبر تعزيز دور آلية المراقبة والتحقق التي تنص عليها، وإعادة انتشار التشكيلات المسلحة وتخزين أسلحتها الثقيلة، وأي خطوات أخرى تزيل قدرتها– دون رجعة- على تهديد السلم والأمن في العاصمة والتغول في مؤسسات الدولة.
وعن فرص نجاح المسار السياسي، أكدت الجامعة على أنه «لا يمكن لأي مسار سياسي أن ينجح بمعزل عن توحيد المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية للدولة الليبية، ومن ثم فإننا نجدد دعمنا للمسار الهام الذي ترعاه الحكومة المصرية في القاهرة، وللجهد الذي تُشرف عليه البعثة الأممية في سياق لجنة الترتيبات الأمنية في طرابلس، ولآليات التنسيق الحدودية القائمة في الجنوب بين ليبيا والسودان وتشاد والنيجر».
وقال الدكتور سلامة، للصحافيين في نهاية المؤتمر، إن حفتر التزم بخطة عمل للأمم المتحدة، وبعقد مؤتمر وطني ليبي في مطلع 2019 قبيل إجراء الانتخابات. وكان سلامة قد شدد في كلمته في المؤتمر على أن ليبيا تعاني من مشكلة تتعلق بالشرعية، وبالاتهام المتبادل بشأنها، قائلا إن الحل هو الاحتكام للإرادة الشعبية. ومن جانبه أعلن السراج عن تأييده لخطة الأمم المتحدة التي ترمي لإجراء انتخابات العام المقبل.
وعلى الصعيد الميداني، وفي آخر تطور للوضع الأمني في العاصمة الليبية، تجددت الاشتباكات المتقطعة في عدة مناطق في قلب طرابلس، لكن جنوب العاصمة شهد تحركات عسكرية واقتتالا للسيطرة على مطار طرابلس الدولي، ما أثار قلق الكثير من المنظمات الإنسانية والحقوقية. وقالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا يوم الخميس الماضي، إنه «في ظل هشاشة الهدنة التي عاشتها طرابلس خلال الآونة الأخيرة وفي ظل حرمان قاطنيها من الحماية والرعاية التي تفرضها قواعد حقوق الإنسان بموجب الإعلان العالمي والبروتوكولات الملزمة لصياغة حق الحياة، ها هي الحرب تتجدد من جديد».
وقالت إنه بغض النظر عن فحوى التجاذبات السياسية الخفية لهذا النزاع، فإن التحركات العسكرية الواسعة لطرفي النزاع على الأرض ستؤدي لا محالة إلى خسائر بشرية غير محدودة، وبخاصة مع انتشار السلاح على نحو واسع، وانتشار الميليشيات المسلحة «المناطقية» التي لطالما انجرف بعضها للالتفاف على شرعية القانون، ويعاني جميعها من نقص في الانضباط.
ويخشى الليبيون من أن يستغل تنظيم داعش هشاشة الوضع الأمني في البلاد، لمواصلة تنفيذ هجمات دامية هنا وهناك. ويعتقد أن طرابلس يوجد فيها خلايا نائمة للتنظيم المتطرف الذي ارتكب فظائع عدة في مدن ليبية منها العاصمة نفسها خلال الفترة الماضية. وأعربت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا عن خشيتها من اغتنام الجماعات الإرهابية (داعش) حالة تشظي وهشاشة النظام الأمني بالعاصمة لتنفيذ أعمال إرهابية تربك المشهد وتعمق الأزمة السياسية في البلاد.

font change