رئاسيات الجزائر 2019... الغموض يستمر

أصوات تتعالى لتمديد فترة ولاية بوتفليقة إلى عامين آخرين

رئاسيات الجزائر 2019... الغموض يستمر

* الرئيس بوتفليقة يوجه للتحضير إلى ندوة وطنية يكون هدفها تحصين الدولة من كل المخاطر والتحديات وتحقيق إجماع وطني حول مشروع بناء الجزائر الجديدة ومؤسسات قوية وعصرية تواكب التطورات، فضلا عن وضع تصوّر جديد لحلحلة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. 
* حالة الشّك والغموض بشأن السيناريوهات المحتملة للاستحقاق الانتخابي، زاد من تعقيدها عدم إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن موقفه.
* خلال الأشهر الأخيرة، تسابق رموز الموالاة إلى دعوة بوتفليقة لاستكمال المسيرة، لكن تلك الدعوات خف صوتها.
* توجه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بتعليمات إلى التجنّد لتعديل الدستور، عبر إدراج مادة تسمح بتأجيل الرئاسيات بحسب متطلبات الوضع الحالي.
* رئيس حزب تجمع أمل الجزائر: الإجماع الوطني المنشود، والذهاب إلى مرحلة جديدة، أولى من تنظيم انتخابات رئاسية لا تحقق نتائج وتبقي الوضع على ما هو عليه. 
 

الجزائر: مع استعداد الجزائريين لتوديع عام 2018، تزداد معهم حالة الشك والغموض بشأن المستقبل السياسي لبلادهم، في ظل استمرار حالة الغموض التي تلف انتخابات الرئاسة المقرر إجراؤها ربيع العام المقبل وفقا لما يقره الدستور.
حالة الشّك والغموض بشأن السيناريوهات المحتملة لهذا الاستحقاق الانتخابي الهام، بالنظر إلى التحديات التي تواجه الجزائر داخليا وخارجيا، كرّسها وزاد من تعقيدها عدم إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة موقفه من دعوات أحزاب الموالاة لإعلان ترشحه لولاية رئاسية خامسة رغم ظروف مرضه، وظهوره النادر أمام الجزائريين بعد آخر كلمة له أمامهم عام 2018، حينما ألقى خطابه الشهير في مدينة سطيف أمام أنصاره معلنا أن جيله قدم ما عليه وآن الأوان لأن ينسحب ويسلّم المشعل للشباب، لكن ذلك لم يتحقق رغم مرور أكثر من ست سنوات كاملة، بل على العكس تعالت الأصوات إلى تمديد سنوات حكمه أكثر.
فخلال الأشهر الأخيرة، تسابق رموز الموالاة إلى دعوة بوتفليقة لاستكمال المسيرة، لكن تلك الدعوات خف صوتها، وبدأت تتلاشى خلال الأسابيع القليلة القادمة، وبدأت تبرز أصوات تدعو الرجل لاستكمال المسيرة لكن بشكل مغاير ومختلف، من خلال اقتراح عدم إجراء انتخابات الرئاسة في موعدها المقرر في أبريل (نيسان) المقبل، وتمديد فترة الولاية الرئاسية الحالية لمدة قد تصل إلى العامين، مع إجراء ندوة وطنية تحمل اسم «مبادرة الإجماع الوطني» تجمع كل الأطياف السياسية معارضة وموالاة للوصول إلى توافق لتسيير مرحلة ما بعد بوتفليقة، بعد انتهاء المدة التي ستمدد بها فترة ولايته الرئاسية الحالية التي تنتهي أبريل القادم.
المبادرة السابقة أول من أعلن عنها كان وزير الأشغال العمومية الأسبق عمار غول المقرّب من بوتفليقة، ورئيس حزب تجمع أمل الجزائر، أحد الأحزاب المشكلة لما يسمى »التحالف الرئاسي»، والذي يضم الأحزاب الداعمة لبوتفليقة، وهي حزب جبهة التحرير الوطني، وهو حزب الأغلبية في البرلمان، وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي يرأسه الوزير الأول، أي رئيس الحكومة أحمد أويحيى، وحزب الجبهة الوطنية الشعبية، الذي يرأسه وزير الصحة الأسبق عمارة بن يونس المنشق عن الحزب المعارض التجمع الوطني من أجل الثقافة والديمقراطية.



مبادرة غول المعروف بالتحرك بالإيعاز من دوائر السلطة برأي متتبعين تعبر عن وجهة نظر لدى جهة معينة في السلطة، ارتأت جس نبض الشارع السياسي بشأنه، عبر طرحه بواسطة واحدة من الأذرع الموالية لها.
وقال غول في مؤتمر صحافي إن «الإجماع الوطني المنشود، والذهاب إلى مرحلة جديدة، أولى من تنظيم انتخابات رئاسية لا تحقق نتائج وتبقي الوضع على ما هو عليه». وأضاف أن «تراكمات الوضع الداخلي تتطلب التوقف عن حالة الاستقطاب الحادة، والتجاذبات المتفاقمة، والذهاب إلى إجماع وطني يمهّد لمباشرة مرحلة سياسية جديدة في البلاد«.
ورغم عدم إعلان الموالاة عن عقد لقاء يوم 18 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، إلا أن وسائل إعلام محلية نقلت تفاصيل عن لقاء ضم قيادات تلك الأحزاب المذكورة بحضور رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، ورئيس البرلمان معاذ بوشارب الذي يشغل أيضا منصب أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني، والوزير الأول أحمد أويحيى أمين عام التجمع الوطني الديمقراطي، ونائب وزير الدفاع قائد أركان الجيش الفريق فايد صالح، ووزراء الخارجية عبد القادر مساهل والداخلية نور الدين بدوي والعدل الطيب لوح.
وحسب ما نقلته يومية «الخبر» الخاصة فقد تقرّر خلال اللقاء وبأمر من الرئيس بوتفليقة التحضير إلى ندوة وطنية يكون هدفها تحقيق «الإجماع الوطني» حول التحديات التي تمر بها الجزائر، فيما تدرس وتبحث الرهانات في مجالات الأمن والاقتصاد والسياسة والثقافة والإعلام والأوضاع الاجتماعية وموقع الجزائر إقليميا ودوليا.
وتهدف أيضا الندوة التي دعا إليها بوتفليقة إلى «السعي إلى تحصين الجزائر من كل المخاطر والتحديات وتحقيق إجماع وطني حول مشروع بناء الجزائر الجديدة ومؤسسات قوية وعصرية تواكب التطورات، فضلا عن وضع تصوّر جديد لحلحلة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية«.
وسيكون الإعلان عن تاريخ الندوة ومكان انعقادها، من طرف الرئيس بوتفليقة، إما عن طريق بيان من رئاسة الجمهورية، يشرح فيه أسباب ودوافع الندوة الوطنية، ويدعو خلالها كافة الأحزاب السياسية من موالاة ومعارضة، وفعاليات في المجتمع المدني، إلى المشاركة فيها بقوة، أو من خلال رسالة خاصة توجه إلى الجميع تتضمن أيضا تفاصيل الندوة وأبعادها.
كما توجه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بتعليمات إلى التجنّد لتعديل الدستور، عبر إدراج مادة تسمح بتأجيل الرئاسيات بحسب متطلبات الوضع الحالي، خصوصا مع وجود قرار بضرورة عقد ندوة وطنية تحقق الإجماع الوطني. وتم اللجوء إلى خيار تعديل الدستور، في ظل الحديث الذي يدور من قبل أطراف تتحدّث عن نية انتهاك السلطة الحاكمة للدستور، بلجوئها إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية القادمة من دون الاستناد إلى حكم دستوري.
موقف المعارضة من فكرة التمديد كانت متباينة بين مرحب بها لكن بشروط وبين رافض لها بشكل مطلق.
وبحضور قادة التحالف الرئاسي تساءلت زعيمة حزب العمال التروتسكي خلال كلمة لها عقب انتخابها رئيسة للحزب للمرة السابعة على التوالي خلال مؤتمرها السابع الجمعة الماضي عن الهدف من تأجيل الانتخابات وتمديد عهدة الرئيس قائلة: «ما الهدف من مبادرة الإجماع الوطني؟ ومن يستدعيها؟ ومن يشارك فيها؟ معتبرة الإجابة عن هذه الأسئلة أمرا حاسما بالنسبة إلى حزب العمال لتحديد موقفه من المبادرة».
حنون خاطبت ممثلي أحزاب السلطة بقولها أيضا: «نحن لا نتجاهل أي مسألة تتعلق بمصير البلاد بما فيها مبادرتكم حول عقد ندوة وطنية لكن نريد إجابات واضحة وحاسمة حول أهدافها الخفية ومن يستدعيها؟ ومن يشارك فيها؟»، لتضيف: «إذا كلفت الندوة الوطنية بمهمة تعديل الدستور حسب ما يفسرها أصحابها فهل سيتم الحفاظ على مكاسب الثورة والطبيعة الاجتماعية للدولة الجزائرية؟«، لتكون بذلك زعيمة حزب العمال قد رحبت بالمبادرة بطريقة غير مباشرة أو كما يفسر عارفون بأنه تهرب من تقديم موقف نهائي لغاية وضوح الرؤية.



وخلال اجتماع لمكتبه السياسي السبت 22 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، أكد رئيس الحكومة الأسبق ورئيس حزب طلائع الحريات المعارض علي بن فليس أن «الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد في ظل الغموض الذي يلف الرئاسيات قد أثّرت بشكل كبير على السير العادي للنظام السياسي برمته«. فالسلطة السياسية القائمة حسب بيان صدر عقب الاجتماع تسلمت «المجلة» نسخة منه لم «تكن أكثر تسلطا، ومجال الحقوق والحريات هو الآخر لم يكن أكثر تضييقا، والحكامة هي أيضا لم تكن أكثر سوءا مما هي عليه الآن كما أن الفساد ازداد استفحالا وانتشارا».
هذه الأوضاع- يتابع بن فليس: «ازدادت خطورة وتعقيدا، وذلك بسبب الارتباك السائد، على الخصوص، مع اقتراب استحقاق الانتخابات الرئاسية، والذي جعل الحقل والمحيط السياسي الوطني أكثر ضبابية وأكثر غموضا وتعتيما، مما يعرض البلد إلى عدم استقرار مؤكد وخطير».
في هذا الظرف العسير والمتميز بالغموض، يؤكد بن فليس: «تُحضّر سيناريوهات لمحاولة إنقاذ النظام السياسي القائم وتمكينه من القفز وتجاوز الانسداد السياسي الحالي لمصلحته الخاصة الضيقة«.
إن مثل هذه المبادرات برأيه «تشكل في حد ذاتها اعترافا، من قبل أطراف في السلطة السياسية القائمة، بالوضع الحرج الذي يمر به البلد، وهي ذات السلطة التي لم تقر ولم تعترف يوما لا بالأزمة العميقة والمؤكدة التي يمر بها البلد ولا بمسؤوليتها عن ذلك».
يقول بن فليس: «إن النظام السياسي القائم لم يكلف نفسه عمدا بالرد على الاقتراحات المسؤولة والجادة الصادرة عن أحزاب سياسية من المعارضة ومن شخصيات وطنية من أجل خروج توافقي من الأزمة، ولم يتردد ذات النظام السياسي من تحميل أصحاب هذه المبادرات بمحاولة زرع الفتنة ومحاولة زعزعة استقرار البلد، فإن دوائر سياسية من داخل هذه السلطة ذاتها اكتشفت اليوم، وعلى بعد أربعة أشهر فقط من استنفاذ العهدة الرئاسية، أن للحوار والتشاور فضائل».
وكشف بن فليس أنه اقترح ضمن برنامجه للحملة الانتخابية لرئاسيات 2014. حوارا غير مقص من أجل خروج توافقي وسلمي ودائم وتدرجي من الأزمة، وهو ذات الاقتراح الذي تبناه المؤتمر التأسيسي للحزب في إحدى لوائحه، حوار تكمن أولى مراحله في بناء شرعية شعبية من خلال انتخابات شفافة وحرة ومفتوحة، فالحوار بالنسبة لحزب طلائع الحريات حسب بن فليس «لا يجب أن يكون أداة ظرفية للسماح بديمومة السلطة السياسية القائمة واستمرار استيلاء قوى غير دستورية على القرار السياسي».
وبرأيه «لا معنى للحوار ما لم يكن حصريا في مصلحة الشعب، وما لم يكن فوق أي اعتبار آخر، حوار تشارك وتنخرط فيه كل القوى الحية للأمة دون إقصاء، حوار يندرج في إطار الاحترام الصارم والكامل للدستور ولقوانين الجمهورية، تُحدد شروطه وجدول أعماله وشكله ورزنامته وقائمة المشاركين فيه عن طريق التوافق».
بن فليس يرفض فكرة التمديد أو تأجيل الانتخابات حينما أكد أنه «مقتنع بأن إجراء انتخابات حرة وصحيحة ونزيهة وشفافة في الآجال الانتخابية المحددة دستوريا، من شأنه أن يجنب بلدنا خطر عدم الاستقرار ويمكّن حقا، الشعب الجزائري من التعبير عن اختياراته بكل سيادة».
حركة مجتمع السلم المحسوبة على حركة الإخوان المسلمين، وعقب اجتماع مكتبها التنفيذي، أكدت أن «تأجيل الانتخابات مشروع سياسي ينبثق من مبادرة التوافق الوطني«، واشترطت من أجل التأجيل أن «يكون محل قبول وتوافق في مؤسسات الدولة كلها بعد مناقشته بين مختلف الأطراف السياسية سلطة ومعارضة، وأن يتحقق التوافق الوطني بخصوصه في إطار مجهود جاد للحوار تشرف عليه المؤسسات الرسمية بما يحقق عقدا سياسيا مجتمعيا يمنحه الشرعية المطلوبة ويجعل التعديل الجزئي للدستور تأطيرا قانونيا مناسبا وذا مصداقية، وذلك وفق ما وقع في كثير من دول العالم«.


وقالت الحركة إن «مشروع التأجيل يجب أن يتضمن عقدا سياسيا معلنا يضمن إجراء إصلاحات سياسية عميقة تضمن توازن المؤسسات وإمكانية التنافس الانتخابي الشفاف في المنظور القريب، وكذا إصلاحات اقتصادية تمنع البلد من الانهيارات المحتملة وتحد من حالة الفساد المتفشي والاحتكارات المالية الكبرى المبنية على الرشوة والمحسوبية والابتزاز والتعاملات التفضيلية على حساب تعدد وتنويع المؤسسات الاقتصادية في القطاع الخاص والقطاع العام».
كما «دعت إلى أن لا يتحول التأجيل إلى عهدة جديدة دون انتخابات، وذلك بالاتفاق على فترة زمنية في حدود سنة ستكون كافية لوضع الأسس القانونية للإصلاحات السياسية والاقتصادية والتقرب أكثر بين مختلف المكونات لبناء توافق وطني لعهدة كاملة بعد التأجيل وفق ما تنص عليه مبادرة التوافق الوطني«.
وشدّدت على أنه «في حالة ترشح رئيس الجمهورية لعهدة خامسة يبقى التوجه العام داخل الحركة هو مقاطعة الانتخابات«، وفي «حالة التمديد دون توافق ولا إصلاحات فإن موقف الحركة سيكون الرفض واستمرار المقاومة السياسية والنضال الدائم لتحقيق التوافق والإصلاحات السياسية والاقتصادية مهما كانت الصعوبات«.
القيادي في جبهة العدالة والتنمية وعضو البرلمان حسن غريبي، اتهم في حديثه لـ«المجلة» أحزاب المعارضة التي تدعو لفكرة التمديد بممارسة «الانتهازية على حساب الجزائر».
عريبي قال عمن وصفهم بـ»معارضة الكرتون والصالونات وأروقة الفنادق»، إنهم «يمارسون التملق للسلطة لتحقيق مكاسب حزبية ضيقة«، وقال: «إن دعوة النشاز لتمديد عهدة الرئيس هي دعوة نصب واحتيال لا يوجد لها أي مبرر أخلاقي ولا قانوني ولا يرضاه دستور البلاد الذي وضعوه وأكدوا أن لا تمديد إلا في حالة الحرب»!.
ومن خلال معرفته بواقع شخصية الرئيس بوتفليقة يؤكد عريبي ويجزم أنه «لن يقبل هذه الإهانة التي يسعى أصحابها إلى الظفر بمزيد من المكاسب والمصالح على حساب الأمة والدولة معا».
وإذ عبّر عن تفهمه لأصوات دعاة التمديد لعهدة الرئيس من قطب الموالاة، فإنه عبّر عن استهجانه من أن تصدر من أحزاب المعارضة بقوله: «أستهجن أن تصدر هذه الأصوات من أناس كنا نعهدهم ونظنهم من المعارضة كما زعموا في فندق مازافرون ذات يوم، فهل الفشل والإحباط السياسي وطغيان المصلحة الشخصية والحزبية هو الذي أعمى البصائر وأنساهم دورهم في توجيه الرأي العام وتنويره والدفاع عن مشروع المجتمع الذي يحملونه، أم هو السقوط في بئر التملق الذي لا دين له ولا موقع سياسيا ولا وطن؟ أم هي العورة السياسية قد انكشفت بعدما ضلت لسنوات مغطاة بدثار الشعارات الفضفاضـة؟«.

 
font change