«حزب الله» وخلافة عون

«حزب الله» وخلافة عون

* سيطرة «حزب الله» على مفاصل السياسة اللبنانية لا تهم العالم كما يبدو، لأن العرب والغرب شعروا أن اللبنانيين غير مهتمين بأكثر من المبارزات الشعرية من مواقع التواصل الاجتماعي.
طبعاً يعشق اللبنانيون نظرية المؤامرات، ويربطون دائماً الأحداث الإقليمية والعالمية بمواقف الأطراف السياسية اللبنانية، وهم لا يأخذون بعين الاعتبار أن لبنان لم يعد محط اهتمام عربي وغربي إلا فيما يتعلق بأمر اللاجئين السوريين. أما فيما خص «حزب الله» فالحديث بخصوصه من قبل الغرب لا يكون مع اللبنانيين إنما مباشرة مع إيران.
فحتى اللبنانيون من أخصام «حزب الله» المفترضين سلموا بموضوع سيطرته على مفاصل البلد. والحجة التي يطلقونها دائماً حين يسئلون عن موقفهم من «حزب الله» تكون أن الحزب مشكلة إقليمية لا تستطيع دول إقليمية حلها فما بالكم بلبنان المنقسم على ذاته طوائف ومذاهب.
طبعاً في هذا الأمر اعتراف بعجز الدولة كمفهوم سياسي قادر على حلّ المشاكل التي تعترضه. لكن هنا لا تكمن المشكلة فلبنان بلد ضعيف البنية بسبب تركيبته الطائفية، إنما قبول الطوائف الأخرى بواقع الحال واستسلامهم بالكامل لمشيئة «حزب الله»، والعمل على أن الغد والقوى الإقليمية ستساهم في حل تلك المشكلة بشكل أو بآخر، وعلى هذا الأساس تتعامل القوى السياسية بشكل «برغماتي» كما يحلو لهم وصف تصرفاتهم، مع واقع الحال.
واقع الحال هذا يتعلق بطموحات السياسيين غالبا، ويتمحور اليوم عند الموارنة على خلافة الرئيس عون. ومن الواضح أن تلك الخلافة تمر بالضاحية وتتطلب رضا أمين عام «حزب الله» اليوم أكثر من أي وقت مضى. فحزب الله وحلفاؤه يشكلون الأكثرية النيابية التي تستطيع انتخاب رئيس للجمهورية والتي تملك مفاتيح تسمية رئيس الحكومة. هذا من الناحية الدستورية. أما من الناحية العلمية فحزب الله يملك جيشاً مسلحاً ومنظماً يستطيع التدخل في لبنان ساعة يشاء، خاصة مع تراجع المعارك في سوريا إن كان هناك من يتجرأ ويعترض على قراراته. هذا ناهيك بوجود أشخاص في مراكز حساسة في الدولة اللبنانية ينتمون أو يوالون الحزب. وهذا ما يفهمه جيداً المرشحون الموارنة على اختلاف انتماءاتهم.
يقول الصحافي في «النهار» سركيس نعوم، لإحدى الإذاعات اللبنانية أن وزير خارجية لبنان جبران باسيل أحد المرشحين لخلافة عمه الرئيس عون، عرض على الحزب تنحى الجنرال عون لأسباب صحية شرط انتخابه هو بديلا. وهذا العرض طبعاً قدم لـ«حزب الله»، وليس لأي فريق سياسي آخر. فشرط نجاحه هو رهن موافقة «حزب الله» عليه.
وعلى هذا الأساس يغازل المرشح الآخر جعجع «حزب الله» ويسعى إلى التقليل من انتقاده له، خاصة في هذه المرحلة، ويبحث دائماً عن تسويات معه على أساسات واهية يتولى تحريرها مكتبه الصحافي. فساعة يبشرنا بضرورة إقامة حلف ماروني شيعي كبديل للحلف الماروني السني الذي كان في أساس لبنان. طبعاً هذا الطرح لا يستحق التوقف عنده لسبب بسيط هو فض الحزب لأي شراكة كانت، ولأسباب أخرى تقوم على ضعف الدور المسيحي منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية. ولكن بعيداً عن سخافة هذا الطرح فإن جعجع فهم أمرا بسيطاً، هو أن خلافة عون تمر بالضاحية.
هذا الأمر ينطبق أيضا على الطائفة السنية. «حزب الله» في نهاية المطاف هو أداة عسكرية وسياسية للحرس الثوري الإيراني. فهو عندما دخل الحرب السورية لم يكترث لتأثير هذه المشاركة على الوضع الداخلي أو على توازنات الطوائف اللبنانية التي يصفها البعض بالدقيقة. هو تخطى عقدة حساسية التوازنات ودعم الرئيس الأسد، وساعد النظام في سوريا على الصمود ومنع استبداله بأي نظام آخر.
أما عند الطائفة الشيعية فالمعترضون على «حزب الله» قليلون والمستفيدون من هيمنته على الدولة ومؤسساتها هم كثر.
سيطرة «حزب الله» على مفاصل السياسة اللبنانية لا تهم العالم كما يبدو. هذا لأن العرب والغرب شعروا أن اللبنانيين غير مهتمين بأكثر من المبارزات الشعرية من مواقع التواصل الاجتماعي. فتدهور أحوالهم الاقتصادية والمعيشية من كهرباء وغيره لا تدفعهم إلى الشارع من أجل الاعتراض. أما زعماؤهم فجل ما يشغل بالهم المناصب.
هذا للأسف حال لبنان اليوم، ومن يريد خلافة عون يجب أن يحظى برضى «حزب الله».
 
font change