هل ما زالت مصر بعيدة عن النموذج التركي؟

هل ما زالت مصر بعيدة عن النموذج التركي؟

[caption id="attachment_55228932" align="aligncenter" width="610" caption="المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر"]المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر[/caption]


نشر موقع «ويكيليكس» الصيف الماضي، برقية دبلوماسية أميركية، وصفت مصر بأنها "قوة إقليمية اقتصادية وسياسية وثقافية كبرى".
ولكن المشاكل الاقتصادية أصابت الكثير من المصريين بالإحباط. كان نصيب الفرد في مصر من إجمالي الناتج القومي متماشيا مع نصيب الفرد في كوريا الجنوبية منذ 30 عاما، ولكنه اليوم يقارن بإندونيسيا».

قد تبدو البرقية وكأنها تتنبأ بالغيب، حيث ذكرت أنه «كانت هناك أعمال شغب بسبب الخبز في عام 2008 لأول مرة منذ عام 1977.

قنبلة موقوتة



وتوقفت الإصلاحات السياسية، ولجأت الحكومة المصرية إلى أساليب قمعية ضد الأفراد والجماعات، لا سيما جماعة الإخوان المسلمين التي يستمر نفوذها في ازدياد، فعلى الرغم من أن قوة وانتشار المظاهرات الشعبية التي أطاحت بمبارك أثارت شعورا بالدهشة، فإن كثيرا من المحللين طالما اعتبروا مصر في ظل حكم مبارك، قنبلة موقوتة بسبب الظلم الاقتصادي الاجتماعي والسياسي.

عندما وصل الربيع العربي إلى مصر، كان الجيش المصري في وسط المواجهة بين المتظاهرين والنظام، ووجد القادة العسكريون أنفسهم أمام خيارين صعبين: إما الدفاع عن النظام - الذي أثبت الجيش ذاته في ظله أنه أقوى مؤسسة في مصر - أو الوقوف إلى جانب الثورة. غير أن العسكريين لجأوا إلى الخيار الثاني.




وعلى الرغم من أن رفض الجيش استخدام العنف أمر جدير بالثناء، فإن اختياره الوقوف إلى جانب التغيير، لا يخلو من اعتبارات استراتيجية ومصالح خاصة في الوقت نفسه. وعندما أدرك القادة أن إنقاذ مبارك ليس ممكنا، أرادوا التأكد من أن الجيش سيكون له دور محوري في ضمان مرور البلاد عبر المرحلة الانتقالية بسلام إلى عهد ما بعد مبارك.

يشير العديد من النقاد إلى مفارقة قيام ثورة مصر الشعبية من أجل الإطاحة بمبارك بينما انتهى بها الحال في قبضة المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي عينه مبارك ذاته، فالجيش المصري ليس مجرد ممثل عن النظام السابق، بل يوصف أيضا أنه دولة داخل الدولة.

الإخوان المسلمون



وكما يقول ويندل ستيفينسون في «ذا نيويوركر»: «طالما كانت المؤسسة العسكرية أقوى مؤسسة في الدولة المصرية، وهي لا تتحكم في الأمن والدفاع فقط، بل أيضا في مجال اقتصادي شاسع، يشمل المصانع وبناء الطرق ومشروعات الإسكان».

إلى جانب الجيش توضع في الحسبان قوة سياسية أخرى هي جماعة الإخوان المسلمين، ومنذ بداية الثورة في مصر، أوضح العديد من السياسيين والمحللين مخاوفهم بشأن إمكانية استحواذ الإخوان المسلمين على الحركة الشعبية، تماما كما حدث مع الثورة الإيرانية عام 1979، فعندما اندلعت الثورة، وصف دبلوماسي عربي، نقلت تصريحاته «نيويورك تايمز»، الحركة الديمقراطية المصرية بالقطار الذي أشعل وقوده طلاب الجامعات ونشطاء حقوق الإنسان، وأضاف: «في النهاية سيكون على الطلاب مغادرة القطار والعودة إلى الدراسة وسيذهب نشطاء حقوق الإنسان إلى أعمالهم، هل تعرف من سيكون في القطار عندما يصل إلى محطته في النهاية؟ الإخوان المسلمون».

على الأرجح أن قدرا كبيرا من الاستقرار السياسي في مصر الجديدة في المستقبل القريب، يكمن في تحقيق التوازن بين المجلس العسكري والإخوان، لقد أفرط مبارك على مدار أعوام، في التأكيد على قوة الإخوان من أجل إظهار نظامه في صورة الحصن ضد تهديدهم المفترض، لذلك ما زال من الصعب تقدير الحجم الفعلي لقاعدة تأييد الإخوان بين الشعب، وعلى الرغم من عدم وجود شيء مؤكد، فإن ما يثير قلق الكثيرين أن حزب الحرية والعدالة، الذي أسسه الإخوان، هو المرشح للفوز في الانتخابات البرلمانية التي من المقرر إجراؤها في نوفمبر (تشرين الثاني) بأغلبية الأصوات.

بمجرد انتخابه، سيعين البرلمان لجنة لصياغة دستور جديد، حيث إن البيان الدستوري الحالي مؤقت ويهدف إلى تنظيم العملية السياسية حتى إجراء الانتخابات في نوفمبر، وهنا تكمن أهمية الانتخابات البرلمانية، وفي هذا السياق يمكن تفسير وثيقة الحقوق التي تجري كتابتها، بالإضافة إلى وثيقة أخرى تتضمن معايير اختيار الأشخاص الذين سيشكلون لجنة صياغة الدستور، بأنها خطوة وقائية للحد من نفوذ الإخوان والأحزاب الإسلامية الأخرى في البرلمان القادم.

[caption id="attachment_55228934" align="alignright" width="300" caption="شباب الثورة يحذّر من صفقة في الخفاء لمرحلة ما بعد مبارك"]شباب الثورة يحذّر من صفقة في الخفاء لمرحلة ما بعد مبارك[/caption]

هناك قضايا عديدة يمكن أن تثير التوترات بين المجلس العسكري والإخوان، منها، ربما يطالب حزب الحرية والعدالة بسرعة الانتقال إلى الحكم المدني الكامل، لا سيما بعد الشعور الشعبي الراهن بأن الثورة تمر بمرحلة مماطلة. وهذا ما قد لا يقبله المجلس العسكري، خاصة قبل إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة.

مصدر آخر للخلاف بين قادة الجيش والجماعة، هو القلق من دور الإسلام والشريعة في الحياة السياسية المصرية في المستقبل، طالما كان التخلص من علمنة السياسة المصرية أحد أهم أهداف الإخوان السياسية.

طريق طويل



والأمر الثالث، من المؤكد أن الجيش والإخوان على خلاف فيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل، ويمكن تفسير اقتحام متظاهرين للسفارة الإسرائيلية في القاهرة أخيرا بأنه إشارة إلى إعادة تعريف مقبلة لهذه العلاقات.

ولكن حتى يحين موعد إجراء الانتخابات، على الأقل، من غير المرجح أن يقع خلاف علني كبير بين المجلس العسكري والإخوان المسلمين، علاوة على ذلك، سيكون على الإخوان أن يوازنوا بين فكر جماعتهم واعتبارات سياسية أكثر براغماتية، وهو ما يفعلونه حتى الآن بالفعل، أولا وقبل كل شيء، لن تعادي الجماعة المجلس العسكري، وهذا سيسمح لها باختيار مرشحها للرئاسة، على الرغم من التصريحات السابقة التي نفت هذه النية.

يجب على المجلس العسكري أيضا أن يحذر من تهميش قوة مؤثرة بحجم الإخوان، من أجل تجنب مزيد من الاتهامات بكونه عقبة أمام الثورة الديمقراطية.

في ظل هذه الأجواء، ثمة من يقارن في الوقت الراهن بين مصر الجديدة والمشروع المثمر في تركيا، حيث يتعايش كل من الإسلام والسياسة والديمقراطية في معادلة ناجحة. وهناك من يشير إلى أن النموذج التركي سيحقق لمصر حياة أفضل، ولكنها مقارنة في غير محلها، عندما يتم تجاهل التطورات التركية الأخيرة، فقد استطاعت حكومة أردوغان تقييد النفوذ التقليدي للجيش التركي سياسيا ودستوريا، في المقابل ما زال الطريق طويلا للغاية أمام مصر.

مانويل ألميدا
font change