الإنتخابات التشريعية في إيران.. تنافس على "التشدّد"

الإنتخابات التشريعية في إيران.. تنافس على "التشدّد"

[caption id="attachment_55230788" align="aligncenter" width="600" caption="تسجيل على انتخابات يغيب عنها الاصلاحيون "]تسجيل على انتخابات يغيب عنها الاصلاحيون [/caption]


و تعتبر هذه المرة الأولى التي لا تشارك فيها الحركة التي تضم غالبية القوى المعارضة للوضع الحالي، والكثير من المنتقدين لحكومة أحمدي نجاد والذين يعتبرون الإنتخابات المقبلة صورية، وأن المشاركة فيها تتعارض مع قيم و مبادئ الديمقراطية و حقوق المواطنة و المصالح القومية، بل وحتى مع دستور الجمهورية الاسلامية نفسها، والشعارات التي نادى بها الامام الخميني حول دور الشعب، وما يسمى بالمشاركة الشعبية الاسلامية.

و على الرغم من امتناع الإصلاحيين عن المشاركة في العملية السياسية في ظل الظروف الحالية التي تمر بها إيران وذلك بسبب الإنسداد السياسي و التشتت في إيجاد حلول بديلة عن عدم المشاركة في الإنتخابات، إلا أن المراقبين يستبعدون حدوث إضطرابات مماثلة كما حصل عقب الإعلان عن نتائج الإنتخابات الرئاسية التي جرت في يونيو/ حزيران 2009، مادامت النتائج ستكون محسومة لصالح تيار المحافظين بشقيه الاصولي المقرب من المرشد علي خامنئي، والمنحرف كما يسميه خصومه، وهو الذي يلتف حول الرئيس ويقوده صهره اسفنديار رحيم مشائي. .

تحول في العملية الانتخابية!


بعدم سماحه بمشاركة الإصلاحيين في العملية السياسية في البلاد، أقدم النظام الحاكم في إيران على نوع من التحول الإستراتيجي في تركيبة القوى المشاركة في الإنتخابات البرلمانية المقبلة التي ستقتصر المشاركة فيها على بعض التيارات و الأحزاب الأصولية و التي هي بدورها منقسمة بين مناصري المرشد علي خامنئي و مؤيدي للرئيس محمود أحمدي نجاد.

وحتى قبل هذه الإنتخابات كانت العادة مشاركة فصيلين سياسيين، الفصيل الأول كان يضم رجال الدين من التيارين الأصولي و المحافظ، و الثاني الإصلاحيين والحركة الخضراء، و التي كان المرشد علي خامنئي يقرر النتائج بتدخله المستمر فيها.

و يعود هذا التقليد السياسي إلى فترة حياة مؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني، و بالتحديد في عام 1981 عندما أقر نظام الحزب الواحد عقب إقصاء الأحزاب و التيارات السياسية الأخرى من المشاركة في العملية السياسية في البلاد، و الذي يعترف فقط بالأحزاب و التيارات السائرة على خط مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران. إلا أن النظام الحالي يعترف فقط بالأفراد الذين يلتزمون بقيم و مبادئ الثورة الإسلامية و أصل النظام و الدستور و يطيعون تعليمات و أوامر المرشد بشكل عملي، وهذا ما يقرره مجلس صيانة الدستور.

و كان بعض المسؤولين الإيرانيين قد لمح و بشكل علني عن إقصاء جميع التيارات او الأحزاب السياسية التي لا تأتمر بأوامر مرشد الجمهورية الإسلامية، و من أبرز هؤلاء "علي سعيدي " ممثل خامنئي في الحرس الثوري الذي قال "لا يسمح سوى للأصوليين بالمشاركة في الإنتخابات المقبلة".


[caption id="attachment_55230789" align="alignright" width="300" caption="اسفنديار رحيم مشائي"]اسفنديار رحيم مشائي[/caption]


و كما يبدو من النهج التي يتبعه النظام الحاكم في إيران منذ الإنتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت في صيف 2009، فان السماح لعودة الإصلاحيين للحياة السياسية في نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، منوط بتوبتهم و بعودتهم لعباءة ولي الفقيه المتمثل بالمرشد علي خامنئي .
ويعتقد المراقبون للشأن الإيراني أن هذا الأمر من شأنه زيادة التوجهات المعارضة للنظام و خروج التيارات التي كانت تعتبر و لوقت قريب من داخل النظام التيار الإصلاحي فيه.
هذا التوجهات نحو الحكم المطلق تعني قرارا بأن لا حاجة لمشاركة الأحزاب و التيارات المنتقدة للنظام في العملية الإنتخابية و في الحياة السياسية، ما اعتبره البعض علامة ضعف من النظام أمام خصومه السياسيين، خصوصاً في ظل خضوع البلاد لضغوط خارجية.

حسم مسبق!


وعلى الرغم من أن المعارضة تعتقد أن نتائج الانتخابات محسومة ونتائجها معدة سلفا فإن التيار الأصولي لم يظهر حتى استعدادا لدعوة الإصلاحيين للمشاركة في الإنتخابات حتى يعطوا صبغة شرعية لأي عملية إنتخابية في المستقبل حتى لو كان هذا إعلاميا. فالأصوليون يتهمون الإصلاحيين و حركتهم الخضراء بالخروج على النظام و الإنضمام للقوى المعارضة لنظام الجمهورية الإسلامية وبالعمالة للقوى غربية، ويطلقون عليهم تسميات كــ "مثيري الفتنة" و "أعداء الثورة الإسلامية" .

وعلى الرغم من أن قلة من الإصلاحيين هي من بقيت تمارس الحياة السياسية داخل النظام السياسي الراهن في إيران، كأحزاب سياسية مشاركة في العملية السياسية مثل حزبي "مردم سالاري" و "حزب التضامن" أو كأفراد مثل بعض نواب البرلمان الذين يشكلون كتلة الأقلية في البرلمان ساعين بذلك لإستغلال الظروف القانونية المتاحة لهم من أجل المحافظة على شرعية نشاطاتهم، فان ذلك لايعني مشاركة إصلاحية في الانتخابات القادمة.

غياب الإصلاحيين في الإنتخابات البرلمانية أوجد فراغا سياسيا كبيرا يحاول الأصوليون شغله فالمنافسة على مقاعد البرلمان هي جزء من حرب على السلطة في غياب الاختلافات السياسية أو العقائدية التي عهدناها في الإنتخابات السابقة.
وهنا أيضا قد يصل الصراع السياسي ذروته عندما تخرج الأمور عن السيطرة وتتحول المنافسة بين المرشحين الأصوليين المقربين من السلطة بجناحيها "المرشد والرئيس" إلى حرب مستعرة. صراع يمكن أن تصل انعكاساته إلى الشارع بما يخلق تحديا أمنيا جديدا قد يهز النظام.

غياب الاصلاحيين!


إذاً ستنحصر المنافسة داخل التيار الأصولي بين ثلاثة أحزاب، هي "جبهة الأصوليين المتحدة" و "جبهة الإستقامة" و حلقة المقربين من الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد.
وبالإضافة إلى هذه الأحزاب الثلاثة يمكن الإشارة إلى حضور أحزاب أخرى في هذه المنافسة الإنتخابية و هي "جبهة المقاومة" المقرب من قائد الحرس الثوري السابق "محسن رضائي" الى جانب من يوصفون بـ "شبه الإصلاحيين" من داخل المنظومة نفسها.

لا يمكن اعتبار أحمدي نجاد و حلقة المقربين منه في الحكومة من الأصوليين، فبغض النظر عن أنهم كانوا من الأعضاء السابقين في حزب المؤتلفة الأصولي، إلا أنهم يشاركون في هذه الإنتخابات تحت مسمى أنصار الحكومة. و يعتقد البعض أن مجموعة أحمدي نجاد و أنصاره يدخلون الإنتخابات بقوائم إنتخابية غير رسمية تعرف بإسم "مريدي إمام الزمان".
و حسب تصريحات المسؤولين في مجلس صيانة الدستور فمن المستبعد السماح للمقربين من أحمدي نجاد بالمشاركة في الإنتخابات، إلا أن نوابا في البرلمان و قيادات في الأجهزة الأمنية تحدثوا عن أن تيار أحمدي نجاد يخطط للإستحواذ على نصف مقاعد البرلمان و ذلك من خلال قوائم غير معلنة أو شخصيات لا يعرف انتماؤها الحقيقي للرأي العامز
كذلك ترجح أوساط برلمانية لجوء هذا التيار حتى إلى تزوير نتائج الإنتخابات للحصول على أكبر عدد ممكن من مقاعد البرلمان و ذلك من خلال استغلال الإمكانيات التي ستوفرها لهم الحكومة.

و رغم أن 5283 مرشحا بينهم 390 امرأة قدموا طلبات ترشيحهم للمشاركة في الانتخابات التشريعية إلا أن تلك الطلبات ستعرض على مجلس صيانة الدستور الذي يفترض أن يوافق على ترشيح أغلبهم. ويشار في هذا الصدد إلى أن مجلس صيانة الدستور المكون من رجال دين وقانون يبتّ في إقرار ترشيح الأشخاص المسجلين إلى انتخابات البرلمان (290 مقعدا)، كما أنه يشرف على الانتخابات ويصادق على نتائجها.

تيار الرئيس!


تحركات حلقة المقربين من الرئيس الإيراني قد تكون أوسع من هذا بحيث يحاول أحمدي نجاد بسط سيطرته على مختلف مناحي الحياة في إيران و من بينها البرلمان و ليس من المستبعد أن يلجأ لترغيب بعض المرشحين الذين ليس لديهم أي برنامج إنتخابي بالمال.


[caption id="attachment_55230790" align="alignleft" width="232" caption="بروين أحمدي نجاد"]بروين أحمدي نجاد[/caption]


فمن المعروف أن الرئيس الإيراني كان و لا يزال يلجأ لبعض الخطوات غير المتعارف عليها في المجتمع السياسي في إيران لرفع شعبيته في الشارع من بينها صرف أموال طائلة لإعمار المناطق النائية التي يضمن فيها أصوات الناخبين، و الدخول في صراع سياسي مع المرشد علي خامنئي و الترويج لأفكار مناهضة لرجال الدين، و السماح بانفتاح ثقافي نسبي للتقرب من الطبقة المتوسطة و مثقفي البلاد و استغلال الإمكانيات الإعلامية و المالية الحكومية لذلك.

و هنا يمكن الإشارة إلى ترشح بعض المقربين من أحمدي نجاد للإنتخابات البرلمانية من الذين يستعينون بالإمكانات الحكومية التي يوفرها أحمدي نجاد لهم، و من بين هؤلاء شقيقته "بروين أحمدي نجاد" و "عباس أميري فر" الذي يعتبر أحد المقربين من رئيس مكتب رئاسة الجمهورية و مستشار أحمدي نجاد السابق "إسفنديار رحيم مشائي".

و لا ننسى كذلك أن عناصر حلقة المقربين من أحمدي نجاد قد يلجؤون إلى حيل أخرى من شأنها خفض شعبية منافسيهم من التيار الأصولي في الإنتخابات , من بينها ؛ الترويج لفقدان تيار أحمدي نجاد الأمل في الحصول على مقاعد كافية في البرلمان و التدخل في المنافسة الإنتخابية بشكل يحدث خللا ً في الإنتخابات و حث وسائل الإعلام المقربة على التشكيك المستمر في مشاركة الناخبين في الإنتخابات البرلمانية بحيث يصيب رغبة و حماس الشارع الإيراني الفتور بحيث ينخفض مستوى مشاركتهم في الإنتخابات المقبلة .

حتى أن بعض الأوساط الأمنية كـ "حسين طائب" مسؤول وحدة استخبارات الحرس الثوري قال إن حلقة المقربين من أحمدي نجاد عمدت إلى إيجاد قوائم وصفها بالتضليلية عبر وضع أسماء بعض مرشحي "الجبهة الأصولية المتحدة" في قوائم مرشحيهم من أجل تضليل الرأي العام وتخريب الحملة الإنتخابية للتيار الأصولي .
كذلك أشارت بعض الأوساط الأمنية إلى قيام حكومة أحمدي نجاد بالسماح لرؤساء الحملات الإنتخابية للمرشحين من قائمة تيار الرئيس من الوصول بسهولة إلى معلومات إستخبارية ووثائق سرية للغاية من اجل تخريب و تشويه صورة منافسيهم و إعطاء أرقام غير واقعية من نسبة المشاركة في الإنتخابات و ذلك من أجل تقليل نسبة المشاركة في الإنتخابات بحيث ينتهي الأمر لصالح المرشحين من قائمة تيار أحمدي نجاد.


عموما فان الإنتخابات القادمة ستكون سببا في توسيع نطاق الخلافات داخل التيار الأصولي. وهذا الإنقسام الحاد بين الأحزاب الأصولية واضح وجلي من خلال عدم وجود أي قوائم موحدة لهذه الأحزاب في حملتها الإنتخابية.
و رغم سعي رجال دين من أمثال "محمد رضا مهدوي كني " و "محمد يزدي" لتوحيد صفوف الأصوليين في الإنتخابات البرلمانية و تشكيل تحالفات أصولية، إلا أن هذه الجهود باءت بالفشل عندما دخلت جبهة الإستقامة الأصولية، التي تضم قوى راديكالية و شابة و بعض المنتسبين للقوى الأمنية و العسكرية و أنصار ولاية الفقيه المتشددين، الإنتخابات في قائمة مستقلة.


نجاح محمد علي

font change