جوزيف ناي يتحدث عن الربيع العربي و السلطة في القرن الحادي والعشرين

جوزيف ناي يتحدث عن الربيع العربي و السلطة في القرن الحادي والعشرين

[caption id="attachment_2157" align="aligncenter" width="640" caption="جوزيف ناي"]جوزيف ناي[/caption]

جوزيف ناي هو أحد الأكاديميين المرموقين والمؤثرين في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية الأميركية، والذي أسس بالاشتراك مع روبرت كوهين، مركز الدراسات الليبرالية الجديدة في العلاقات الدولية. وبابتكاره مصطلحي «القوة الناعمة»، و«القوة الذكية»، شكل ناي كيف يفكر العالم ويناقش الشؤون الدولية. وكانت كتاباته مصدرا رئيسيا لتطور السياسة الخارجية لأوباما.
جوزيف ناي، أستاذ مرموق بجامعة هارفارد والعميد السابق لكلية كيندي للحكومة. وهو يرأس حاليا أميركا الشمالية باللجنة الثلاثية. ويتضمن عمل ناي بالمراكز الرسمية: مساعد وزير الدفاع للشؤون الأمنية الدولية، ورئيس مجلس الاستخبارات الوطني. وقد نشر ما يزيد عن 12 كتابا بما في ذلك «القوة الناعمة: وسائل النجاح في السياسة الدولية»، «فهم النزاع الدولي»، «قوة القيادة» و«وثبة نحو القيادة: الطبيعة المتغيرة للقوة الأميركية».

«المجلة»: يستكشف كتاب «مستقبل القوة» الذي نشر مؤخرا، الحراك الجديد للقوة في القرن الحادي والعشرين. كيف تتغير القوة وتتطور في هذا القرن الجديد؟ ما هي العناصر الأساسية التي تحكم تطور القوة في العالم اليوم؟
- أرى أن هناك تغيرين أساسيين للقوة في القرن الحادي والعشرين. أحدهما هو التحول بين الدول من الغرب إلى الشرق والذي يمكنك أن تطلق عليه تعافي آسيا، فقد عاد وضع آسيا إلى التوزيع الطبيعي، نظرا لأنها كانت تمثل نصف سكان العالم وبالتالي نصف إنتاجه وهو ما غيرته الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر. والتغير الثاني للقوة هو توزيعها بعيدا عن كل الدول الغربية إلى أطراف من غير الدول، نتاجا للانخفاض الاستثنائي لتكلفة عمليات الحوسبة والاتصالات والتي نتجت عن ثورة المعلومات الحالية. وهو ما مكن أساسا الأطراف من غير الدول والأفراد لكي تفعل أشياء كانت من قبل تقتصر على الحكومات أو المؤسسات الكبرى.

[caption id="attachment_2162" align="alignleft" width="151" caption="القوة الناعمة"]القوة الناعمة[/caption]

«المجلة»: لماذا تعرف القوة في القرن الحادي والعشرين باعتبارها رقعة شطرنج ثلاثية الأبعاد؟
- إذا ما نظرت إلى توزيع القوة في القرن الحادي والعشرين، ستجد أنه يساعد على فهم استعارة رقعة الشطرنج ثلاثية الأبعاد نظرا لأن القوة يتم توزيعها على نحو مختلف في المناطق المختلفة. في القمة، هناك العلاقات العسكرية بين الدول والتي يصبح فيها العالم أحادي القطب. فالولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة، وهي تمثل نصف الإنفاق العسكري للعالم، وهي الدولة الوحيدة التي يمكنها التخطيط للقوة العسكرية على مستوى العالم. وإذا ما ذهبت للمستوى المتوسط، والعلاقات الاقتصادية بين الدول، فإن العالم متعدد الأقطاب، وأصبح كذلك منذ عقدين، والآن بإمكان أوروبا أن تعمل ككيان واحد وعندما يحدث ذلك، فإن اقتصادها سوف يصبح أقوى من الاقتصاد الأميركي. وهناك أيضا الصين، البرازيل، الهند، واليابان وغيرها، من الدول التي يمكنها المساعدة على إقامة التوازن مع القوة الأميركية.
وإذا ما وصلنا إلى المستوى الأدنى من العلاقات بين الدول، وهو خروج الأمور عن سيطرة الحكومات. وهنا يأتي تشظي السلطة والكيانات غير الدولية، والذي يمكن أن يتضمن: التدفق المالي الذي يفوق موازنات العديد من الحكومات، الإرهاب، الإرهاب الإلكتروني، التغير المناخي، والأوبئة. وهنا تتوزع القوة على نحو فوضوي. فليس من المنطقي أن تطلق على ذلك أحادي القطب أو متعدد الأقطاب. فالطريقة الوحيدة التي يمكننا بها التعامل مع تلك القضايا هي تنظيم شبكات تعاون بين الحكومات للتعامل معها. فهناك ثلاث توزيعات مختلفة للقوة بناء على المناطق التي تنظر إليها. فمن الخطأ أن تأخذ بعض المحاور أو المفاهيم التي يمكن أن تتفق مع القوة العسكرية أو الاقتصادية مثل أحادية القطب أو تعددية القطب وتطبيقها على المستوى الدولي حيث لا تنطبق تماما. وذلك خطأ إجرائي.
«المجلة»: وصف العديد من المحللين الأحداث في الشرق الأوسط باعتبارها لحظة ثورية تماثل الأحداث التي اجتاحت أوروبا في 1989. وقد ربط آخرون بين الربيع العربي و1848. هل تعتقد أن الشرق الأوسط يشهد تغيرا للقوة وإذا ما كان ذلك صحيحا، فما هو دور توزيع القوة في تشكيل الانتفاضة العربية؟
- لقد رأينا ثورة المعلومات وهي تؤثر بقوة على سياسات الشرق الأوسط، فإذا ما نظرنا لمصر، لم نكن لنجد سوى الرؤية الكلاسيكية المتعلقة بأنه لا يوجد حل وسط بين مبارك والإخوان المسلمين. وأساسا، لم يخلق ذلك التنامي للمعلومات فقط كيانا جديدا تم تمثيله في ميدان التحرير ولكنه خلق أيضا التقنيات والتكنولوجيا مثل «تويتر» و«فيس بوك» التي ساعدتهم على التنسيق فيما بينهم. الآن، لا يعني ذلك أن العملية انتهت. فنحن في المرحلة الأولى من عملية متعددة المراحل، وبالتالي فنحن لا نعرف إلى أين ستتجه الأمور. فنحن الآن نشهد سياسة، فمصر على سبيل المثال، أصعب مما كانت عليه قبل عشرة أو عشرين عاما. ولكن تأثير ذلك على باقي المنطقة ما زال غير واضح. وبالفعل هناك تأثير معدٍ نظرا للغة والثقافة، فما حدث في تونس ينتقل إلى المنطقة بأكملها. ولكن كل دولة مختلفة تماما في خصائصها ومن ثم فلا يجب أن نتوقع أن تحدث نفس الأشياء في كل دولة. ومن ثم، فعلى الرغم من أن هناك عوامل شبه بين ما يحدث الآن وما حدث في عام 1848، فإننا يجب أن نتذكر أيضا أن ما حدث في 1848 كان انتشارا للثورات الليبرالية في أوروبا لم يسفر عن ديمقراطية.

[caption id="attachment_2163" align="alignleft" width="150" caption="قوة القيادة"]قوة القيادة[/caption]

«المجلة»: لقد احتاجت الثورات الأوروبية إلى 100 عام أو أكثر لكي تحقق التغيير. فهل تعتقد أن الشرق الأوسط بحاجة إلى تلك المدة الطويلة لكي يحقق التغيير؟
- ليس بالضرورة، لأنك، في الوقت الراهن، أصبح لديك قدرة أكبر على الحشد السريع بالإضافة إلى الاتصالات. وأعتقد أنه من الخطأ أن ننظر إلى القياس التاريخي بشكل حرفي. فقد قال المؤلف التاريخي، مارك توين، ذات مرة: «لا يكرر التاريخ أبدا نفسه، فالأمر لا يتجاوز القافية في أفضل الأحوال». وبالتالي فلا أعتقد أننا سوف نشهد 1848 أو 1989 مرة أخرى في الشرق الأوسط. فهناك مجرد أفكار عامة مشتركة، ولكن ما سوف يحدث في الشرق الأوسط سوف تكون له أصول شرق أوسطية خالصة.
«المجلة»: لقد كانت هناك تساؤلات تتعلق بالقيادة الأميركية في أعقاب الانتفاضة العربية. فيقول بعض منتقدي أوباما إنه التزم خطابا مغايرا يحتفي بكل بالنماذج الواقعية ونماذج التدخل الليبرالية. فهل استجابت أميركا بفعالية للتغيرات التي تجتاح المنطقة؟
- حسنا، ذلك صحيح على نحو ما. حيث تتضمن السياسة الخارجية الموائمة بين مجموعة من القيم تحمل في العادة تناقضا. فعلى أوباما أو أي رئيس آخر، مثلا فيما يتعلق بمصر، أن يحافظ على علاقات طيبة مع الجيش المصري الذي ما زال القوة الأكبر، وفي الوقت نفسه، عليه أن يحافظ على علاقته بجيل الشباب في ميدان التحرير. فالأمر كالسير على الحبل، حيث يجب عليك أن تحافظ على التوازن. وأعتقد أن أوباما كان يتهادى على ذلك الحبل دون أن يسقط عنه.
«المجلة»: هل لدى أوباما مبادئ واضحة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية وإذا كان الوضع كذلك، هل تغير ذلك إثر الربيع العربي؟
- بصفة عامة، لدي شكوك بشأن مصطلح المبادئ، لأنه ينتج، بصفة عامة، عن الصحافة وليس عن الرئيس أو السياسات نفسها ولكنني أعتقد أن أوباما كانت لديه استراتيجية عامة تتمثل في «استراتيجية الأمن الوطني» التي أصدرها البيت الأبيض. وهي الاستراتيجية التي يطلقون عليها «القوة الذكية»، القدرة على الجمع بين موارد القوة الصلبة والقوة الناعمة داخل استراتيجيات ناجحة وهو ما يعني، ضرورة أن تستخدم في بعض الأوقات القوة الصلبة وفي أخرى أن تلجأ للقوة الناعمة. ويجب أن نكتشف كيف يمكن الجمع بين الاثنين. إن الخطة العامة التي كان يحاول أوباما استخدامها كأفكاره منظمة لسياسته الخارجية، كانت تعتمد على التعامل مع انتقال القوة الذي مثله بزوغ نجم آسيا، خاصة الصين، وفي الوقت نفسه التعامل مع تشظي القوة وهو ما يعني تنظيم أفضل للاتصالات بجيل جديد مكنته ثورة المعلومات. ولا أعرف إذا ما كان يصح أن نطلق على ذلك مبادئ أم لا. فعادة، تحب الصحافة مصطلح المبادئ ولكن ذلك المصطلح لا يعكس ثراء الفكرة خلفه.

[caption id="attachment_2166" align="alignleft" width="206" caption="فهم النزاع الدولي"]فهم النزاع الدولي[/caption]

«المجلة»: في تشظي السلطة، تساهم الكيانات غير الدولية في تشكيل المشهد. هل لدى الكيانات غير الدولية إمكانات القوة الناعمة؟
- أجل، إلى حد كبير، فالكيانات غير الدولية لديها قد كبير من القوة الناعمة. فإذا ما نظرت إلى المؤسسات، ستجد أنها دائما ما تهتم باسمها التجاري وإذا ما نظرت إلى المنظمات غير الحكومية، ستجد أنهم يحاولون عقاب المؤسسات بالإساءة لاسمها التجاري. فسوف تهاجم حركة السلام الخضراء شركة «شل». وترغب «شل» بدورها في الحفاظ على سمعتها، فيما تحاول حركة السلام الخضراء أن تلطخ اسم الشركة كنوع من الضغط السياسي. فهناك صراعات حقيقية حول القوة الناعمة بين الكيانات غير الدولية.
«المجلة»: أين تضع الحركات الإسلامية وحركات الإسلام السياسي في معادلة القوة تلك؟
- إن الدين هو أحد المصادر الهائلة للقوة الناعمة. ففي النهاية، يجذب الدين الناس وتلك قوة ناعمة. وعندما تفرق بين الإسلام والحركات الإسلامية، سنجد أن للإسلام قوته الناعمة. فهو يجذب مليارات الناس. وإذا كانت الحركات الإسلامية تعني الآيديولوجية السياسية، التي تتبنى نوعا محددا من الإسلام وتحاول فرضه على الآخرين، إذن، فلها أيضا قوة ناعمة ولكنني أشك أن ينجح ذلك. فإذا ما نظرنا لابن لادن، سنجد أن لديه ولدى تنظيم القاعدة أيضا قوة ناعمة. فلم يوجه بن لادن سلاحا ضد هؤلاء الناس الذين اتبعوه إلى مركز التجارة العالمي. ولم يدفع لهم مالا. بل جذبهم إلى رؤيته المشوهة للإسلام، فهم فعلوا ذلك من أجل القوة الناعمة لابن لادن. ولكن ما نعرفه هو أن القوة الناعمة لنسخة بن لادن من الحركات الإسلامية قد تراجعت. حيث تشير الاستطلاعات إلى تراجع نسخة بن لادن للحركات الإسلامية في جميع أنحاء العالم، كلما مر الوقت، وأنها أصبحت أقل تأثيرا حتى قبل مقتله.
«المجلة»: منذ توليه السلطة، أكثر من أي رئيس آخر منذ عقود، حاول أوباما نشر رسالة جديدة حول العلاقات الأميركية بالعالم العربي. وبعد قضائه ثلاث سنوات في المنصب، أخفق أوباما في الحد من مناهضة أميركا في المنطقة. فهل تعتقد أن ذلك دليل على أن المنطقة محصنة ضد القوة الناعمة الأميركية؟
- كلا، أعتقد أن ذلك يشير إلى أن هناك أبعادا متعددة للقوة الناعمة. فعلى سبيل المثال، وحتى خلال الحرب العراقية التي كانت سياسة بوش تفتقر فيها إلى الشعبية، أظهرت استطلاعات «بيو» أن هناك أبعادا للسياسة الأميركية لها جاذبيتها، خاصة تلك المتعلقة بالعلوم والتكنولوجيا. وبالمثل، فإذا ما رجعت لفترة سابقة، ونظرت مثلا إلى حرب فيتنام، التي كانت السياسات الحكومية الأميركية فيها غير شعبية تماما وعندما أضرت السياسات الحكومية بالقوة الناعمة، كان الناس يتظاهرون في الشوارع ضد الولايات المتحدة ولكنهم لم يغنوا «الشيوعية الدولية» بل كانوا يرددون كلمات لوثر كينغ «يجب أن نتخطى ذلك». إذن، هناك أبعاد للثقافة الأميركية يمكن أن تصبح جذابة حتى إذا لم تكن السياسة الحكومية الأميركية كذلك.
«المجلة»: هل تتوقع حدوث تغيير في الصين بالتوازي مع الربيع العربي؟
- أعتقد أن الصين سوف تتغير تدريجيا، ولكنها تحتاج إلى بعض الوقت. فأنا لا أتوقع حدوث ثورة ياسمين في الصين ولكنني أعتقد أننا سوف نشهد تحررا تقليديا للصين خلال العقد المقبل كلما ارتفع دخل الفرد.
«المجلة»: وبالنسبة لإيران. هل تعتقد أن شيئا ما يحدث هناك؟
- أجد أن اكتشاف حقيقة ما يحدث في إيران أمر أصعب. ولكنني أتمنى أن يسود تطور الأفكار الليبرالية الذي شهدناه في أعقاب الانتخابات الأخيرة، في النهاية، ولكن حكومة الباسيج هي من يهيمن على السلطة إلى حد بعيد. وبالتالي فلا أعتقد أن ذلك سوف يحدث قريبا.
«المجلة»: هل تعتقد أن مفاهيمنا التقليدية بشأن مقاربة العلاقات الدولية ما زالت صالحة لطريقة تعاملنا مع الشرق الأوسط؟ وهل ستصبح بلا قيمة؟ وما الذي حدث لميزان القوة أو حجة الواقعية في الشرق الأوسط؟
- ما زال توازن القوة ضروريا ولكنه لم يعد الطريقة الوحيدة للتفكير. فكما يقول المؤرخ الشهير، إيه جيه بي تايلور، حول أوروبا في القرن التاسع عشر، فإن القوة العظمى هي دولة ينتصر سلاحها وذلك مهم، ولكن في عصر المعلومات، فإن القوة تتعلق أيضا بمن يستطيع تسييد قصته. فإذا ما نظرت إلى كيفية تطبيق مفاهيم نظرية العلاقات الدولية على منطقة مثل الشرق الأوسط أو أي مكان آخر في العالم، يجب أن تكون قادرا على التفكير في الأبعاد الثلاثية للقوة: الجيش، الاقتصاد، والقوة الناعمة والتفكير في كيف يمكنك الجمع بينها لتحقيق استراتيجية فعالة. فإذا ما فكرت فقط بشأن بعد واحد للقوة، فسوف تخسر على المدى البعيد. ومن ثم، فإن المسألة الرئيسية لا تتعلق بالتخلي عن القديم ولكن بالمزاوجة بينها وبين الجديد.

 

حوار أجراه اندرو بوين
font change