الدول الخليجية أكثر قدرة من واشنطن على حل الأزمة اليمنية

الدول الخليجية أكثر قدرة من واشنطن على حل الأزمة اليمنية

[escenic_image id="5522868"]

هناك اعتقاد سائد لدى واشنطن بأن الولايات المتحدة لديها حل لكل مشكلة. فثراء الأمريكيين وإبداعهم وإنجازاتهم تعزز فكرة أن لكل مشكلة حلًا أمريكيًا الصنع. وأدى الانفجار المعلوماتي خلال العقدين الماضيين إلى ترسيخ فكرة؛ أن الناس في واشنطن ينبغي أن يكون لهم رأي في جميع هذه الحلول. وتبدأ المشكلة من الكونجرس. فمن النادر أن يُسأل أحد أعضاء الكونجرس عن رأيه في قضية ويجيب قائلًا: "هذا أمر لست مهتمًا به" أو "ليست لدي فكرة". فالافتراض المسبق هو أن كل شخص في واشنطن يحتاج لأن تكون لديه فكرة، وإذا لم يتمكن من التوصل لفكرته، فينبغي عليه أن يستعيرها من آخر. 

وعلى مدى ستة أسابيع، انصب الحديث في واشنطن حول ما ينبغي أن تفعله الحكومة الأمريكية حيال اليمن. هل ينبغي على الولايات المتحدة تقديم المزيد من المساعدات العسكرية لليمن؟ وهل يتعين عليها أن تبدأ في برنامج ضخم للمساعدات الاقتصادية؟ وهل يجب أن تساعد اليمن على تأسيس برنامج إصلاح حكومي وتسهم في تطبيق برنامج للقضاء على التطرف، وتعزز من تدريب القوات الخاصة؟ اليمن دولة ضعيفة وفقيرة، والولايات المتحدة دولة قوية وغنية. وترى الأغلبية أن البرنامج المناسب للمساعدات، يمكن من خلاله التعاون بين الدولتين لتحقيق أهداف مشتركة.

والواقع أن التداخل بين الأهداف الأمريكية واليمنية يعد أقل مما كان متصورًا، فبالنسبة للرئيس اليمني، علي عبد اللـه صالح،  يعد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أقل إثارة للقلق من التمرد المستعر في شمال وجنوب البلاد، ومن انخفاض عوائد النفط ومشكلة المياه، واستشراء البطالة. وفي الواقع فإن بعض القيادات اليمنية تعتبر وجود أتباع تنظيم القاعدة في الفترة من (2000-2003) في البلاد، فرصة أكثر من كونهم مصدر تهديد، فالإلتزام العسكري الأمريكي تجاه اليمن يؤدي إلى حصول تلك الدولة على المزيد من الأسلحة والتدريب، وهو ما يمكن استخدامه لمواجهة الكثير من التهديدات التي لا علاقة لها بتنظيم القاعدة.

ويواجه اليمن مجموعة كبيرة من المشكلات، التي يعد الكثير منها فعليًا غير قابل للحل على المدى القريب، وسوف يكون على أصدقاء الولايات المتحدة ــ خاصة أصدقائها العرب في مجلس التعاون الخليجي ــ تقديم الكثير من المساعدة في هذا الصدد، ففيما يتعلق بهذا الصراع وغيره من الصراعات، تميل الولايات المتحدة إلى تحقيق تغيير بشكل سريع والانتقال إلى النظر في أمور أخرى، فهناك الكثير من الدول التي تواجه مشكلات، وهناك الكثير من التحديات الآخذة في التصاعد، وهو ما لا يسمح بقيام الولايات المتحدة بتوجيه اهتمامها خلال عقود زمنية كاملة للتنمية في دولة أو في أخرى، وذلك في عالم ما بعد الحرب الباردة.        

وفى الوقت الحالي، فإن دول مجلس التعاون الخليجي الصديقة للولايات المتحدة، أصبحت في وضع أفضل من الولايات المتحدة نفسها وهو ما يجعلها أكثر تأثيرًا في السياسة اليمنية. فهذه الدول تفهم السياسة القبلية ولا تنفر منها، كما أنها قادرة على ترويض الدول الشاردة سواء بالإكراه أو بالاحتواء، وجعْلها جزءًا من النسيج العام.

كما أن دول مجلس التعاون الخليجي دول غنية وجيوبها مثقلة بالأموال. ففي ديسمبر/ كانون أول 2009، أعلنت الإمارات العربية المتحدة عن تقديم مساعدات بقيمة 650 مليون دولار إلى اليمن، كما قامت المملكة العربية السعودية من جانبها بضخ ملايين من الأموال التي لا حصر لها في هذا البلد. ومثل هذه المساعدات المالية الكبيرة لا تمثل شيئًا يذكر في ميزانية تلك الدول، كما أنه من السهل على هذه البلاد أن تنفق هذه الأموال الطائلة وتقدم هذه المساعدات، بخلاف الكونجرس الأمريكي، الذي يصعب الحصول على أموال منه مع العجز السنوي في الميزانية الأمريكية الذي يتجاوز التريليون دولار.

كذلك، فإن لدى دول مجلس التعاون الخليجي شرعية تفتقر إليها الولايات المتحدة، حيث لن تتهمهم اليمن بأنهم دخلاء أجانب أو كفار لا يفقهون شيئًا عن الإسلام والمسلمين، فهم أطراف إقليمية فاعلة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من العائلات الحاكمة في الإمارات تعود أصولها لليمن، مما يجعلهم على صلة قرابة ومودة باليمن تمتد إلى قرون عديدة خلت.

وأخيرًا، وهذا هو المهم، فإن دول مجلس التعاون الخليجي لديها مصالح حقيقية مشتركة مع اليمن، تمامًا مثلما أن اليمن لديه مصلحة مشتركة مع تلك الدول. ففي الثمانينيات، كان أكثر من مليون من اليمنيين يقومون بأعمال شاقة في حقول النفط في المملكة العربية السعودية، إلى جانب إدارتهم لمجموعة من الأنشطة التجارية الصغيرة، مثل محلات البقالة. لكن غادروا المملكة بعد غزو صدام حسين للكويت، وحتى الآن لم يتعاف الاقتصاد اليمني بعد من تدفق العمال العاطلين عن العمل الذين عادوا لبلادهم، والخسائر الفادحة التي حدثت في الأجور. ولسنوات عديدة ظلت دول مجلس التعاون الخليجي عاجزة عن اتخاذ قرار بضم اليمن لمجلس التعاون وإعطاء الأفضلية للعمال اليمنيين المهاجرين باعتبارهم من أبناء المجلس. وسيكون هذا الأمر بمثابة حافز كبير وقوي فيما سيتخذه اليمن من مواقف سياسية في المستقبل. ولكن إذا ما حدث انفجار داخلي في اليمن، فإن دول مجلس التعاون الخليجي ستكون أول من يصاب بشظايا هذا الانفجار بحكم الجوار.

وتُغدق الولايات المتحدة الموارد على القوات اليمنية الخاصة، وحرس السواحل وشرطة الحدود. وفي واشنطن، يعد المال دليلًا على الاهتمام، وبعد الهجوم الفاشل في يوم عيد الميلاد، لا يمكن لأحد في واشنطن أن يعطي انطباعًا بأنه غير مهتم باليمن. ولكن أهم مهمة لواشنطن تعتبر رخيصة نسبيًا، وهى المساعدة في تشكيل وتنسيق تحركات دول مجلس التعاون الخليجي. ولا توجد دولة واحدة في المجلس تستطيع أن تؤدي هذه المهمة بنجاح. وتعتبر المملكة العربية السعودية، التي تمتلك ثروة هائلة وتتشارك مع اليمن في حدود واسعة، شريكًا ضروريًا.

أما دولة الإمارات العربية المتحدة فلا تتمتع بالخبرة ولا بالأيدي العاملة لدعم عمليات في بلد يفوق سكانه تعداد سكان الإمارات الأصليين بخمس وعشرين مرة. أما قطر فقد أبدت اهتمامًا مستمرًا بالتفاوض للتوصل إلى اتفاقات لوقف إطلاق النار في اليمن وأماكن أخرى، ولكن البلد الصغير لا يمتلك المال الكافي لتفعيل تلك الاتفاقيات. ورغم أن عُمان تعد أفقر دول مجلس التعاون الخليجي، ولكنها تشترك في الحدود مع اليمن فإنها تبدي مخاوفها علنًا من أن تنتقل مشكلات اليمن إليها.

وسوف يكون دور الولايات المتحدة الفاعل هادئًا، ويساعد على تعزيز القيادة العربية بشأن هذه القضية، وتحديد أطر المشكلات ووضع الحلول لها، كما يسهل من التنسيق ومتابعة مدى الالتزام بالحلول الموضوعة. وسوف تحتاج جداول الأعمال إلى التفاوض حولها وألا تتعارض، وتستطيع الولايات المتحدة أن تلعب دورًا مفيدًا للغاية في هذا أيضًا. ويمكن لاجتماعات الولايات المتحدة الهادئة مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي أن تحقق تقدمًا كبيرًا، حيث يتمتع كل منهم بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة. وهناك اجتماع في الرياض في وقت لاحق من هذا الشهر برعاية دول مجلس التعاون الخليجي، يعد فرصة هائلة لمواصلة السير على الطريق الصحيح. لكن تبقى الحاجة لأن تحقق الولايات المتحدة تأثيرًا قويًا بالقدر المطلوب على هذه الجهود.

font change