الشعراء السوريون.. حين يكون الوطنُ جريحَ النص!

الشعراء السوريون.. حين يكون الوطنُ جريحَ النص!

[caption id="attachment_55248784" align="aligncenter" width="620"]الشاعر السوري المثير للجدل أدونيس الشاعر السوري المثير للجدل أدونيس[/caption]


يقول الراحل نزار قباني: "ليس هناك خيارات كثيرة أمام الشعر، فهو إما أن يكون مع الناس أو أن يكون ضدهم، ولا قيمة لشعر يقف في الوسط وينضم إلى مجموعة الحياد".
لكن هل وقف الشعر إلى جانب الناس هذه المرة أم وقف ضدهم؟ ومن أيِّ زاوية ينظر الشعراء إلى هذا الأمر؟
أسئلة تتبادر إلى الذهن إذا أردنا مراجعة مواقف الشعراء من الأزمة السورية، وكيف تعاطوا معها ووقفوا منها، خصوصًا أنهم كانوا كثيرًا ما يكتبون مشاعرهم تجاه قضية الأمة العربية من حولهم، فكيف واليوم قد أصبحت بلادهم هي القضية؟!

إذا قمنا بمراجعة ردود أفعال بعض الشعراء السوريين تجاه الأزمة التي تمر بها سوريا فبالتأكيد سنقرأ مواقف متباينة تتأرجح ما بين التأييد التام للنظام والمعارض له، هذا من جهة، ومن جهة أخرى نرى طرفًا تبنَّى موقفًا ضبابيًّا يقف في وسط هذا كله.



أدونيس.. مستشار الرئيس!




يحضر على رأس قائمة الشعراء.. الشاعر الأكثر جدلاً في الوقت الحاضر؛ وذلك بسبب رسالته التي وجهها إلى الرئيس بشار الأسد، فإننا نلاحظ أنه بهذه الرسالة قد اتخذ موقف المستشار المصلح للرئيس، ولم يأخذ موقف الشاعر والمثقف. فلقد وضع برسالته هذه قائمة مليئة بالنقد لأسلوب الحكم وطرق إصلاحه، حتى إنه تطرَّق إلى الدستور وتعديلاته، وأمور أخرى، هي رسالة مليئة بالنصح والإرشاد، لكنه لم يطالب فيها الأسد بالتنحي.
ومما جاء في هذه الرسالة نقرأ: "السيّد الرئيس! لا يشكّ أحدٌ في أنّ المطالبة بالديموقراطية لا تتضمّن بالضرورة أنّ الذين يقومون بهذه المطالبة هم ديموقراطيّون حقًّا.
لا تتحقق الديموقراطية إلا بأمرين:
1 ـ أن أنتمي -بوصفي مواطنًا (رجلاً أو امرأة)- إلى المجتمع بوصفه وحدة لا تتجزأ، قبل انتمائي إلى دين أو قبيلة أو طائفة أو إثنية.
2 ـ أن أعترف بالآخر المختلف (رجلاً أو امرأة) بوصفه مثلي عضوًا في هذا المجتمع، وله حقوقي نفسها، وحرياتي نفسها. ومن الصحيح أنّ الفكر يوجّه أو قد يوجّه. لكنه لا يحكم. ولهذا فإنّ فكر المعارضة يجب أن يكون، هو أيضًا، واضحًا وشاملًا ودقيقًا. علمًا أنّ المعارضة حق للنّاس، وشرط أساسيّ للديمقراطية. وعليها أن تعلِن نقدَها إذا كانت اعتراضاتها جزئية، أو تعلن مشروعاتها وخططَها البديلة إذا كانت اعتراضاتها شاملة. وما دامت المعارضة -أو بعضها- في سوريا، تطالب بإسقاط النظام، فإنّ عليها أن تقول خططها وأهدافها لما بعد إسقاط النظام، كما أنّ عليها أن تقول إلى أيِّ مدى، ووصولاً إلى أيِّ جذور، تريد أن تصل في مشروعها التغييري".


[caption id="attachment_55248787" align="alignleft" width="212"]الشاعر السوري حنا حيمو الشاعر السوري حنا حيمو[/caption]

حنا حيمو .. "سوريّا بدّا حريّة"





الشاعر حنا حيمو أبدى معارضته وسخطه الشديد على نظام الأسد، حيث يقول: "المجتمع السوري ذاق القهر والاستبداد منذ وصول البعث للسلطة، لكن القهر والتحكم برقاب الناس ازداد مع وصول آل الأسد للحكم، عسكرة المجتمع، وتحكُّم المخابرات بأنفاس المواطنين أجبر الآلاف على الهجرة خوفًا من الاعتقال، سجون البلد امتلأت بالمعتقلين السياسيين الذين في الحقيقة كانوا أول فعلٍ ثوري أنتجَ ثورة شعبنا الحالية. كنتُ من ضمن الآلاف المهجّرين، ممنوعًا من زيارة بلدي لمدة خمسة وعشرينَ عامًا، وكنت مطلوبًا للمخابرات حيًّا أو ميّتًا. لم أكن أُتقنُ الصمت لا في داخل البلد ولا خارجه، وكان الشعر وسيلتي، اليوم ومنذ بدء الثورة وأنا أكتب لشحذ الهمم وإيصال صوت الأحرار للجميع، الشعر هو الأداة الفاعلة للتأثير، الشعوب العربية تتفاعل مع الشعر، وهو لذلك أداة ثورية فاعلة".

وفي قصيدة أخرى بعنوان (يا عار إلى الرئيس الوريث بشار الأسد)، يقول: يا عار.. امضِ مخفورًا بدماء إخوَتي.. مثقلاً بثلاين من فضة.. واحمل نُطَفَكَ النَّتنة.. عن حيض أرضنا.. أعلامكَ الغريبة عن ريحنا.. وسُحنتك البليدة عن سمائنا.. امض مدجّجًا بصراخنا.. بلهيب بيوتنا.. بدخان محاصيلنا.. ببخار أنهارنا.. وحُرقَةِ أمّهاتنا.. امض يا عار.. ألم تسمع شوارعنا تهتف لك: (سوريّا بدّا حريّة)؟!



هاني نديم.. معسكرين قاسيين




الشاعر هاني نديم يرى أن "الشاعر لا يملك خيارًا في أن يكون مع وضد، إنه دومًا مع الناس، ولكن في الحالة السورية، ما إن استبشرت الناس خيرًا في تغيير مدني وحراك مؤسساتي يطال فساد العديد من أجهزة الدولة، حتى عسكرت الثورة بشكل عنيف، وتدخَّل في الوطن القاصي والداني، صمت الكثير خوفًا مما يحدث، وأغلق باب التكهنات، الناس المقهورة أيضًا وجدت نفسها بين معسكرين قاسيين.. إن ما يحدث في سوريا اليوم خرج عن كل المفاهيم، الثورة سرقها التطرف الممول لصالح دول ما أنزل الله بها من سلطان، حتى باتت الكتائب على كثرتها تتقاتل على جبهات القتال قبل إسقاط النظام.. لا أريد سوى أن تعود سوريا -كما ربَّتنا- سيدة البلاد، وتاج الأوطان".
في قصيدة "سور الله العظيم" نقرأ له في هذا المقام: يا لفرطِ هيبتها.. هذا المجدُ.. قبّل كفّها وجرى وأتوْها.. لم يتركوا جرحًا إلا وألقموه ملحًا.. أعداؤها، أبناؤها.. أزرارها والعرى.. وهي كصوت النسر في الرياح.. مسحت على شعر الأغاني.. فاسّاقطت قمرًا.. سوريا.. يا سور الله.. لا حُجبًا ولا سُحَرا.. لولاك في الأرض.. هذي السماء لم تسقطِ المطرا..!



خلف الخلف.. قبر لأطفال المجزرة!





الشاعر خلف علي الخلف صبَّ جام غضبه وسخطه على النظام السوري، ففي قصيدة "قبرٌ لأطفال المجزرة" يقول : "هؤلاء الأطفال الذين قتلوا اليوم.. ادفنوهم جميعًا بقبرٍ واحدٍ.. سيتعرفون على بعض سريعًا.. يصبحون أصدقاء.. ويلعبون معًا.. ادفنوا معهم ألعابهم.. الأطفال يتمسكون بألعابهم حتى وهم نيام.. وموتُ الأطفال -حتى لو كانوا مقتولين- مجرد نومٍ طويل.. الأطفالُ المقتولون لا يكبرون.. لذلك هم بحاجة دائمة لألعابهم.. التي أطلقوا عليها أسماءً وألقابًا.. ويخاطبونها طوال الوقت بأحاديث حميمية.. من ليس لديه لعبة.. اشتروا له واحدة.. لا تستخفوا بالأمر.. فإقامتهم ستطول إلى الأبد.. سيملّون من البكاء.. وهم ينادون أمهاتهم.. الأمهاتُ اللواتي يسمعن صراخ أطفالهن.. لن يستطعن الذهاب لهم.. ولا تهدئتهم.. ولا التحايل عليهم بأكاذيب مكشوفة.. ليكفوا عن البكاء".

[caption id="attachment_55248786" align="alignleft" width="198"]الشاعر السوري خلف الخلف الشاعر السوري خلف الخلف[/caption]

محمد عبد المولى .. وقوف في المنتصف




الشاعر محمد عبد المولى يرى أنه "لا يمكن التعبير عن الموقف مما يجري في سوريا بشكل مبسط؛ لأن ما يجري بلغ مرحلة معقدة على أيِّ صعيدٍ كان. قبل هذا ليس الأمر متعلقًا بموقف بالنسبة لي، فالموقف ربما يكون من قضية عامة منفصلة عن الذات، يتبناها الشاعر ويصطفّ وراءها. لكن سوريا ليست قضيةً موضوعيةً خارجية، بل هي معضلةٌ ذاتية وشأنٌ مصيريّ عندي. والتعبير عن هذه المعضلة يقتضي التفكير في كثير من القضايا الأخرى، بحيث يكون الموقف من هذه القضايا بمجملها هو الموقف برمّته. ينبغي اتخاذ موقف مضادّ من التيارات التكفيرية الغريبة الموظفة لدى استخبارات عالمية وإقليمية؛ لأن هذا الموقف يكمل الموقف المضاد من نظام سوريا الاستبدادي الديكتاتوري. فالطرفان يصبّان في الجهة نفسها التي عملت وتعمل على تدمير (معنى) سوريا. إذْ لم تقم هذه الانتفاضة العظيمة من أجل أن يسرقها العقل التكفيري الذي يريد العودة بنا إلى الوراء في التاريخ، بل قامت من أجل تنقيح مسار تاريخ سوريا المسروق من قبل النظام الأسديّ. لديّ إيمان مستمرّ أنني إذا كنتُ ضد هذا النظام بصورةٍ مطلقة، فأنا لستُ مع المعارضة بشكل مطلق، وأجد نفسي الآن على الصعيد الثقافي والوطني واقفًا ضدّ طرفين هما من حيث الظاهر متناقضان، ولكنهما متطابقان في تعطيل مصير سوريا باعتباره مصيري حتى الشخصي".

وفي ختام جولتنا مع الشعراء السوريين نجد أنه على الرغم من وجود شعراء مؤيدين لنظام الأسد، إلا أننا لم نقرأ قصيدة إلى الآن تؤيد النظام السوري بشكل واضح وصريح!. شعراء سوريا اليوم -من حيث يدرون ولا يدرون- يساهمون في كتابة تاريخ بلادهم، هم يشاركون بشكل مباشر وغير مباشر في تغيير الأحداث وصنعها. ونعيد هنا طرح سؤال نزار قباني حين سأل: " لماذا لا يكون الشعر شجرة يأكل منها الجميع.. ثوبًا يلبسونه.. ولغة مشتركة يتكلمونها.. العالم العربي، أيها الأصدقاء، بحاجة إلي جرعة شعر بعد أن جفَّ فمُه.. وتخشَّب قلبُه.. إن الشعراء أيها الأصدقاء، مدعوون لغرس السنابل الخضراء في كل زاوية من زوايا الوطن العربي".

font change