مواجهة حزب الله وحركة أمل في جنوب لبنان

هل تنجح مبادرات توحيد المعارضة؟

مواجهة حزب الله وحركة أمل في جنوب لبنان

* هناك ضرورة لخوض نقاشات وحوارات بين أحزاب المعارضة والنخب السياسية والمجموعات المدنية حول ترتيب العلاقة بين أطرافها وتنظيمها
* أزمة كورونا ومن بعدها انفجار مرفأ بيروت فرض تأجيل اللقاءات التي كانت تعقد بهدف توحيد المعارضة
* بدر الدين: هناك حراك جدي موجود في الجنوب إلا أن طريقة إظهاره مختلفة عن باقي المناطق
* سلامة: المزاج الشعبي تغيّر وحاجز الخوف انكسر
* علاء الدين: عمل المعارضة في الجنوب كان أصعب من كل المناطق

أعادت الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي خلط الأوراق على الساحة السياسية اللبنانية، فبعد أشهر من الاحتجاجات التي اتسعت رقعتها وصولاً الى مناطق الجنوب التي لم تشهد حراكا معارضا جديا منذ سنوات طويلة أصبحت هناك ضرورة وحاجة لخوض نقاشات وحوارات بين نخبها وأحزابها السياسية ومجموعاتها المدنية وضرورة ترتيب العلاقة بين أطرافها وتنظيمها، تمهيداً لاجتماعها في كيان أو ائتلاف أو هيئة واحدة قادرة على تشكيل نواة معارضة جدّية لمواكبة التطورات السياسية وتعزيز فُرصها في إحداث خرق جدّي في أي انتخابات نيابية مقبلة.
 
مبادرات لتوحيد المعارضة الجنوبية
شكلت الأزمات المتتالية التي شهدها لبنان- سواء الاقتصادية وانهيار سعر الصرف أم الاجتماعية مع انضمام فئات كبيرة إلى خانة الأكثر فقراً أم السياسية التي ترى في فساد السلطة الحاكمة وأحزابها سبباً رئيسياً للتحول إلى «دولة فاشلة»- دافعاً أساسياً لقوى المعارضة في المطالبة بعملية التغيير.
من هنا انطلقت المبادرات التي تسعى لجمع شمل المعارضة الجنوبية بغية تقديم بديل للمواطنين. ووفقاً لمصدر خاص بـ«المجلة» فثمة خلاصة تجمع عليها قوى المعارضة الجنوبية على اختلاف تسمياتها وهي الحاجة لوجود تواصل وتنسيق فيما بينها بغية تذليل العقبات التي تحول دون توحدها. ويضيف المصدر أن «أزمة كورونا ومن بعدها انفجار مرفأ بيروت فرض تأجيل اللقاءات التي كانت تعقد في هذا الصدد، إلا أن محركات التواصل لم تنقطع نهائياً وهي في انتظار اللحظة السياسية المناسبة للإعلان عن نتائجها».
ومن ناحيتها، ترى الناشطة في منطقة النبطية نعمت بدر الدين في حديث لـ«المجلة» أن «هناك حراكا جديا موجودا في الجنوب إلا أن طريقة إظهاره مختلفة عن باقي المناطق، حيث يظهر مرّة من خلال خيام الاعتصام في صور وصيدا والنبطية وحاصبيا ومرجعيون وغيرها من المناطق الجنوبية، ومرّة أخرى يتخذ شكل مسيرة احتجاجية أو وقفة تضامنية». وأضافت بدر الدين أن «العنوان الأساسي ينطلق من أن هناك حاجة ماسة لاجتماع الأحزاب والمجموعات المعارضة وضرورة تواصلهم بشكل يومي». وتلفت إلى وجود العديد من المبادرات الافتراضية في هذا الصدد والتي تسعى لعقد أولى اللقاءات لها».
إحدى هذه المبادرات تحمل اسم «تواصل وتعاون- الجنوب» وهي جزء من مجموعة أكبر تضم مختلف المحافظات اللبنانية، وتهدف إلى التنسيق على مستوى الوطن مع إعطاء خصوصية لكل منطقة، وذلك من خلال تفعيل النقاشات والتشبيك بين المجموعات والأفراد، وتحديد الأولويات المطلبية من قبل كل منطقة لمؤازرتها من خلال الناشطين في باقي المناطق. كما أن ثمة مبادرة أخرى، تسعى لتفعيل الحوار بين الجنوبيين وتبادل الهواجس وتتميز بأنها لا تقتصر على قاطني الجنوب وإنما كذلك على أبناء الجنوب الذين يقطنون العاصمة.
وترى بدر الدين أن «هناك إدراكا لدى الجميع لضرورة التوحد، فهي ليست مجرد ترف، ولا بديل عن التنسيق وتقبل الاختلاف في وجهات النظر حيال بعض الملفات». وتابعت بدر الدين أنه «يتوجب علينا إيصال رسالة بأن هناك عملية تغيير تحتاج لطرح بديل للناس، وهذا البديل عليه فهم واقع وتركيبة الجنوب ويكون قادرا على جذب أصوات الجنوبيين في الانتخابات المقبلة».
الانقسام في المعارضة الجنوبية انعكس بشكل واضح وجلي في الانتخابات النيابية الأخيرة، «ولو تمكنت قوى المعارضة الجنوبية من التوحد ضمن لائحة واحدة لكانت هناك فرصة كبيرة بالحصول على مقعد نيابي في دائرة حاصبيا- مرجعيون. فنتيجة عدم التوافق بين مجموعات أدى إلى وجود 6 لوائح معارضة مما شتت الأصوات»، بحسب بدر الدين.
ويمكن القول إن المعارضة الجنوبية تتوزع بين أحزاب يسارية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي اللبناني ومجموعات مدنية مستقلة وشخصيات نخبوية وأفراد مستقلين، ولكل من هذه الأطراف منطلقاته وتجربته السياسية، ولا يخفي عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي يوسف سلامة في حديث لـ«المجلة» وجود «هواجس لدى بعض مجموعات المجتمع المدني من الأحزاب المعارضة، لذا كنّا حريصين على التعاون التام مع الجميع».
وأضاف سلامة: «الجنوب ليس جزيرة منعزلة عن الوطن، إذ إن مختلف الساحات ملتزمة بالتنسيق الشامل، والحزب الشيوعي كان سبّاقا في الدعوة إلى التلاقي والتعاون، وهكذا كنّا جزءا من مبادرة لقاء التغيير». وينفي سلامة «وجود أي خلاف بين القوى المعارضة وإنما تعدد آراء وهذا أمر طبيعي لأننا لسنا جسما واحدا»، مشيراً إلى وجود «لجنة مشتركة تضم مختلف ساحات الجنوب».
ويرى سلامة أن «المعارضة تواجه السلطة كمنظومة فساد، وحركة أمل وحزب الله جزء من هذه المنظومة، لذا فإن المواجهة تحتاج إلى إمكانات كبيرة». كما يلفت إلى أنه «سبق وتعرضنا كثوار لعدّة هجمات، ولكنها انعكست إيجاباً علينا، فمثلاً كان هناك قرار بمنع ثوار النبطية من نصب خيمة إلا أنه بعد هجوم مناصري الأحزاب علينا أصررنا على ضرورة إقامتها بحجم أكبر مما كنّا نطالب به سابقاً».
 
2- مظاهرة معارضة في مدينة صور الجنوبية («المجلة»)

أسباب عدم توحد المعارضة الجنوبية
رغم الحاجة لتوحد المعارضة الجنوبية إلا أن هذا الهدف بقي بعيد المنال لغاية الآن، فهذه المجموعات والشخصيات والأحزاب لم تتمكن من تنظيم صفوفها ضمن ائتلاف أو تجمع واسع يعبّر عن قسم كبير من الجنوبيين، حيث بقيت «الشخصانية» مسيطرة على التعامل والتعاطي بين هذه القوى، ولم تتمكن من الخروج بخطاب واضح ورؤية مشتركة لمختلف القضايا السياسية المطروحة على الساحة اللبنانية باستثناء إجماعها على الوقوف في وجه حزب الله وحركة أمل انطلاقاً من خلفيات مختلفة.
كما تمكنت الأحزاب الحاكمة في الجنوب من رفع عدد من الشّعارات الهادفة إلى إبعاد الجمهور الشيعي عن قوى المعارضة، فتحولت هذه المعارضة من مهاجم لأداء حركة أمل وحزب الله إلى موقع الدفاع. فضلاً عن غياب الشخصيات القادرة على جذب الجمهور الشيعي المستقل وغير المنتمي إلى حزب الله وحركة أمل. وفي هذا الصدد يقول الناشط في  منطقة العرقوب الجنوبية سليم علاء الدين لـ«المجلة» أن «هناك مساعي ومحاولات بشكل مستمر لجمع المعارضة، إلا أن الصعوبة تتمثل في أن هذه القوى لا تنطلق من روحية واحدة ولا من عقلية ورؤية واحدة». وأضاف علاء الدين: «ما زال لدينا كمعارضة رواسب من هذا النظام». مؤكداً في الوقت عينه أنه «يجب البحث بشكل مستمر عن القضايا المشتركة».
وختم علاء الدين أن «عمل المعارضة بالجنوب كان أصعب من كل المناطق، إذ إن الحكم في لبنان تاريخياً هو حكم طوائف وفي الوقت الراهن يقع الجنوب ضمن نفوذ الطائفة الأقوى».
 
الانتخابات النيابية والقدرة على إحداث اختراق
وشهدت الانتخابات النيابية الأخيرة عام 2018 خلافات كبيرة بين القوى المعارضة الجنوبية وقد ترجم ذلك في تعدد اللوائح المعارضة باستثناء دائرة صور- الزهراني التي خاضت فيها المعارضة الانتخابات ضمن لائحة «معاً نحو التغيير» التي نالت 11500 صوت. وقد لعب الاستنفار الطائفي والمذهبي في تلك الفترة دوراً بارزاً في منع حصول المعارضين على عدد أكبر من الأصوات.
ولا تنفصل إمكانية تحقيق خرق لقوى المعارضة على مستوى الجنوب بقدرتها على تحقيق ذلك في مختلف المناطق اللبنانية على الرغم من صعوبة المعركة الجنوبية. فقد أشار الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين في حديث لـ«المجلة» إلى أن «المجموعات المدنية برهنت عن حضور ودور وتمكنت من استقطاب جمهور كبير في المراحل الأولى ولكن بعد 17 نوفمبر وعدم بروز قيادة ومشروع واحد تراجع التأييد لهذه القوى». وأضاف أن «النقمة ضد القوى السياسية تتفاقم لكنها لم تتحول إلى تأييد للقوى المعارضة لأنها لم تطرح مشروعا جديا ولم تبرز قيادات فعلية، إضافة إلى أن هذه المجموعات مشتتة ومتناحرة فيما بينها».
وتابع شمس الدين: «أستبعد ولادة قيادة أو مشروع موحد لأن هناك خلافات جوهرية فيما بينها، ومن المرجح أن تؤدي حالة التشتت التي تعيشها إلى إضاعة حظوظها في أي انتخابات مقبلة سواء كانت فرعية أم عامة». ويرى شمس الدين أن «توحد المعارضة في انتخابات 2018 كان سيساعدها على الفوز بمقعد أو اثنين في دائرتي الشوف- عاليه  وبيروت الثانية، في حين أن حظوظ القوى المعارضة في الجنوب تكاد تكون معدومة، فصحيح أن المرشح السابق عماد الخطيب كاد أن يحقق الخرق في دائرة الجنوب الثالثة إلا أنه ليس مرشح المجموعات المدنية وإنما تيار المستقبل».
هذا الواقع يعزز فرضية سيطرة القوى السياسية الحالية على البرلمان المقبل دون التمكن من إحداث تغيير كبير في المشهد السياسي في البلاد، إلا أن الفارق الوحيد بحسب شمس الدين أن «نسب الاقتراع قد تتراجع من 7 إلى 10 نقاط لأن المواطنين لم تعد لديهم ثقة بالطبقة السياسية، في حين أن المجموعات المدنية لم تتمكن من كسب ثقتهم، وبالتالي هناك نقمة على الطرفين».
إذن، يبدو أن كلمة السر لتحقيق أي تغيير مقبل يكون من خلال تشكيل تحالف كبير ولوائح قوية ذات رؤية وخطاب واضح المعالم ومشروع قابل للتحقيق، والاستفادة من التجارب السابقة لتفادي العقبات والصعوبات التي تحول دون ذلك، فضلاً عن ترشيح شخصيات قادرة على إقناع الناخبين بقدرتها على إحداث تغيير في حال وصولها إلى الندوة البرلمانية. وفي هذا الصدد قال علاء الدين: «تجربة الانتخابات الأخيرة كانت فيها محاولة لتوحيد صفوف القوى المعارضة، إلا أن هذه التجربة فشلت وعملنا على تقييمها ومعرفة نقاط الخلل، وإذا تمكنّا من العمل على تفادي هذا الخلل فيمكن أن نفوز بأحد المقاعد في الانتخابات المقبلة».
وتابع علاء الدين: «هناك حالة جديدة فرضتها أحداث 17 نوفمبر بحيث تمكنت الحالة المعارضة الجنوبية من رفع الصوت، على الرغم من تعرضها للبلطجة والاعتداءات والاتهامات».
ومن جهته، قال سلامة لـ«المجلة» إنه «في حال إجراء انتخابات نيابية على أساس القانون الانتخابي الحالي فإن السلطة ستُعيد إنتاج نفسها، ودائرة الجنوب من أصعب الدوائر التي يمكن خوض معارك انتخابية فيها في ظل قانون (مفصّل على مقاس) أحزاب السلطة».
وأضاف: «على هذا الأساس رفضنا القوانين المعلبة، وموقفنا واضح لجهة المطالبة بقانون انتخابي على أساس لبنان دائرة واحدة وخارج القيد الطائفي»، ويلفت إلى أنه «في هذه الحالة يمكن للمعارضة الجنوبية أن تتمثّل في البرلمان خصوصاً أن المزاج الشعبي تغير وحاجز الخوف انكسر».
 
3- الناشطة نعمة بدر الدين


حركة المعارضة الجنوبية تمر بحالة من الصعود والهبوط
قبل انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) المنصرم، كانت أزمة المحروقات تطغى على المشهد الجنوبي، حيث ينتظر المواطنون في طوابير أمام المحطات للحصول على المحروقات، مما أدى إلى ازدهار السوق السوداء في ظل غطاء سياسي من حركة أمل وحزب الله، فدعت القوى الجنوبية المعارضة إلى مسيرة احتجاجية جابت شوارع مدينة النبطية، وكان من المقرر استكمال هذه التحركات إلا أن وقع الانفجار على اللبنانيين حال دون ذلك.
كانت هذه المسيرة نقطة فاصلة في الحركة الاحتجاجية الجنوبية، إذ إنها أعادت مشاهد الحشود الضخمة من جديد بعد أشهر من انكفاء المعارضين واقتصار نشاطهم على وقفات رمزية، وهذا ما يبيّن بحسب بدر الدين أن «حركة المعارضة الجنوبية تمر بحالة من الصعود والهبوط وفقاً للمواضيع الساخنة المطروحة»، وتستدل على ذلك بالمشاركة الكثيفة لهذه المعارضة في التحركات الاحتجاجية ضد سدّ بسري بعد الإعلان عن عودة الأشغال فيه.


 

font change