الانتخابات الأميركية وخبرة الأسد السياسية

الانتخابات الأميركية وخبرة الأسد السياسية

* يستمر بشار الأسد بالسخرية من الجميع بمن فيهم أقرب حلفائه، يمارس دور الابتزاز الذي يجيده بحرفية، يؤجل توقيع اتفاقيات اقتصادية مع الروس... هو أيضا ينتظر سيد البيت الأبيض، ويحاول أن يجمع بين يديه أكبر قدر من خيوط اللعبة ليقول للعالم، الحليف قبل الخصم، أنتم بحاجتي أيضاً

في مقابلة له مع محطة «إن بي سي» (NBC)الأميركية في دمشق قبل سنوات، وتحديداً قبل الانتخابات الأميركية الأخيرة، عبر بشار الأسد عن قلقه من أن دونالد ترامب (المرشح للرئاسة الأميركية حينها)، لا يمتلك خبرة في السياسة الخارجية، وسأل الأسد: «ومن كان يمتلك مثل تلك الخبرة من قبل؟ أوباما، أو جورج بوش، أو كلينتون من قبلهما؟ لم يكن أيٌ منهم يمتلك أي خبرة. هذه مشكلة الولايات المتحدة».
لم يكتف بشار حينها بالإعراب عن قلقه، بل اقترح يومها أن «تبحث (الولايات المتحدة) عن رجل دولة يمتلك خبرة حقيقية في السياسة لسنوات، وليس بناءً على شغله لمنصب في الكونغرس لبضع سنوات أو لكونه وزيرًا للخارجية على سبيل المثال. هذا لا يعني امتلاكه للخبرة. رجل الدولة ينبغي أن يتمتع بخبرة أكبر بكثير، ولذلك لا نعتقد أن معظم رؤساء الولايات المتحدة كانت لديهم خبرة جيدة في السياسة».
من يسمع نصائح بشار الأسد للولايات المتحدة، يظن لوهلة أنه هو شخصيا ذو باع طويل بالعمل المؤسساتي والسياسي، ولم يؤت به بالصدفة على وجه السرعة من العاصمة البريطانية حيث كان يدرس بعد مقتل أخيه في حادث سير. ولا كأن سوريا تحولت بعهده إلى دولة فاشلة، فبالنسبة له سوريا هي النظام والنظام هو شخصه.
منذ انقلاب الأسد الأب وسيطرته على مفاصل الحكم، إلى توريثه لنجله بشار وأكثر من تسع سنوات من ثورة الشعب السوري وحرب النظام عليهم، تعاقب على حكم الولايات المتحدة الأميركية 9 رؤساء، يتباهى نظام الأسد بأن جميعهم رحلوا بينما بقي هو بموقعه.
في الواقع تتمتع الديكتاتوريات عموما بنفس طويل لا تملكه الدول الديمقراطية، ففي دولة مثل سوريا ونظام مثل نظام الأسد عامل الوقت ليس مهما، طالما أن لا أحد يقدر على محاسبتهم أو مساءلتهم، وما زاد الطين بلة تراجع الرئيس الأميركي السابق عن تهديده وخطوطه الحمراء، يوم استخدم الأسد الكيماوي ضد شعبه، ولم يحاسب بل على العكس تمت مكافأته بصفقة عقدت بين إدارة أوباما والروس، فبقي الأسد يمارس كل أنواع التعذيب والقتل بحق السوريين.
قبل أيام أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه كان ينوي تصفية بشار الأسد عقب الهجوم بالسلاح الكيماوي على خان شيخون في أبريل (نيسان) 2017، «كنت أفضل قتله، لقد جهزت للأمر تماما... لقد اعتبرت بالتأكيد أنه ليس شخصا جيدا، لكن كانت لدي فرصة للتخلص منه لو أردت، وكان ماتيس (وزير الدفاع الأميركي يومها) ضد ذلك... ماتيس كان ضد غالبية تلك الأشياء». مرة جديدة خدمت ديمقراطية الغرب ديكتاتور سوريا، فيوم أرادت الإدارة الأميركية معاقبة الأسد عارض أوباما الأمر، ويوم أراد ترامب معاقبته عارضت الإدارة الأمر، هي دول يخضع القرار فيها لآليات وبيروقراطية وتراتبية، بينما في سوريا الأمر للأسد وحده، ولا يهم كم يزهق من أرواح ونحن ننتظر.
اليوم ونحن على أبواب الانتخابات الأميركية، ينقسم السوريون بين مؤيدين لإعادة انتخاب ترامب وآخرين مؤيدين لانتخاب جو بايدن، وإن كان كثيرون لا ينسون أن بايدن كان من ضمن فريق إدارة أوباما بل كان نائبه، أوباما الذي أضاع فرصة التغيير الحقيقية في سوريا قبل ظهور المتطرفين يوم كان السوريون يقاتلون لأجل حريتهم وكرامتهم. ينقسمون ويتحاورون ويعارضون لساعات وساعات بانتظار الانتخابات، دون أن يكون لأي طرف أي تأثير أو رؤية واضحة.
غريب، كيف وصلنا إلى مرحلة انتظار الآخر ليمد يده لينقذنا، دون أن نبدي أي استعداد حتى لمد يدنا. مؤسسات المعارضة السورية غائبة تماما عن المشهد، لم نعد نسمع أخبارهم إلا عندما يحين موعد تبديل الكراسي بين بعضهم البعض، النخب والشخصيات المعارضة المستقلة، اكتفت بلعب دور الناشط الواعظ على صفحات التواصل الاجتماعي ومجموعات الواتساب. وإن كانت القضية السورية أصبحت قضية ثانوية بنظر المجتمع الدولي، وحلها مرتبط بحل الموضوع الإيراني، والعلاقة مع روسيا، وإن كان هذا الأمر واقعيا بالنسبة للدول الكبرى دوليا وإقليميا، ولكن كيف باتت قضية بحجم قضية الشعب السوري والتضحيات التي قدمها قضية هامشية بنظر السوريين؟ فبعيدا عن بعض النشاط الخجول لبعض أبناء الجالية السورية في أميركا، لا شيء يفعله السوريون سوى الانتظار والتمني أن تكون النتيجة لصالحهم، وفي هذه الأثناء يستمر بشار الأسد بالسخرية من الجميع بمن فيهم أقرب حلفائه، يمارس دور الابتزاز الذي يجيده بحرفية، يؤجل توقيع اتفاقيات اقتصادية مع الروس رغم الوفد الكبير غير المسبوق الذي زاره... هو أيضا ينتظر سيد البيت الأبيض، ولكنه بينما ينتظر يحاول أن يجمع بين يديه أكبر قدر من خيوط اللعبة ليقول للعالم الحليف قبل الخصم، أنتم بحاجتي أيضا، أنا هنا من يملك الخبرة، ولو كانت هذه الخبرة مغمسة بالدم.

font change