جنوب القوقاز على فوهة حرب ضروس

تجدد الصراع الأذربيجاني الأرميني

كريستينا أغاجانيان (11 سنة) وإدوارد أغاجانيان (7 سنوات)، يقفان عند نافذة المدرسة المتضررة بقذيفة، في قرية بأرمينيا بالقرب من الحدود مع أذربيجان (غيتي)

جنوب القوقاز على فوهة حرب ضروس

* استمر سعير الحرب بين البلدين حتى عام 1994، حينما تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة روسية دون وضع حلول فعلية للأزمة بين البلدين أو التوصل إلى اتفاقية سلام بينهما
* صدرت قرارات من الجمعية العامة للأمم المتحدة في العديد من دوراتها تطالب أرمينيا بالانسحاب من الأراضي الأذربيجانية المحتلة، كما صدرت قرارات من منظمة التعاون الإسلامي وحركة عدم الانحياز
ردود الفعل الدولية والإقليمية جميعها طالبت الطرفين بضرورة ضبط النفس والالتزام بوقف إطلاق النار والعودة إلى المفاوضات
حالة الحرب المستمرة بين أذربيجان وأرمينيا، رغم تعددية الوساطات والمواقف التي تتبناها الدول الكبرى المعنية بمنع نشوب حرب شاملة بين البلدين قد تؤدي إلى انخراط أطراف إقليمية ودولية في أتونها

باكو: لم يكن تجدد الحرب بين أذربيجان وأرمينيا مفاجأة للجميع، بل يعلم المتابع لشؤون المنطقة وعلاقات البلدين والمواقف الدولية والإقليمية بشأن طبيعة مسارات العلاقة بينهما، أن تجدد الحرب أمر متوقع بين الحين والآخر، تلك الحرب التي ترجع بداياتها إلى عشرينيات القرن المنصرم، مع قيام أول جمهورية في الشرق الإسلامي في دولة أذربيجان عام 1918، إذ استمرت الحروب بينهما لتخلف آلاف الضحايا والجرحى من المدنيين، خاصة من الجانب الأذربيجاني الذي ارتكبت في حقه مذابح عدة، من أبرزها مذبحة الحادي والعشرين من مارس (آذار) 1918 والمعروفة في التاريخ بمذبحة الثلاثة أيام. وصحيح أن الحرب توقفت بينهما مع دخول البلدين كجمهوريتين ضمن جمهوريات الاتحاد السوفياتي الذي تأسس عقب الثورة البلشفية واستمر كقوة دولية حتى أوائل تسعينات القرن المنصرم، حيث تفككت المنظومة السوفياتية واستقلت هذه الجمهوريات وكانت أذربيجان من أوائل الجمهوريات التي أعلنت استقلالها. ومع الاستقلال تجددت بين الجمهوريتين (أذربيجان وأرمينيا) الحرب، بل ربما بدأت بوادرها قبيل إعلان استقلالهما، إذ شهدت علاقاتهما توترا متزامنا مع حالة الفوضى والانفلات الأمني التي بدأت تشهدها جمهوريات الاتحاد السوفياتي، وصولا إلى عام 1992 لتدخل الاشتباكات والحروب بينهما مرحلة أكثر دموية، حيث ارتكبت أرمينيا واحدة من أشد الجرائم ضراوة ضد الإنسانية والمعروفة بمذبحة خوجالي وذلك في فبراير (شباط) عام 1992، ليتكشف بذلك الوجه الحقيقى للسياسة الأرمينية تجاه الشعب الأذربيجاني، وإقدامها على احتلال إقليم كاراباخ وسبع محافظات مجاورة له بما يمثل 20 في المائة من مساحة أذربيجان.
وقد استمر سعير الحرب بين البلدين حتى عام 1994، حينما تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة روسية دون وضع حلول فعلية للأزمة بين البلدين أو التوصل إلى اتفاقية سلام بينهما وإنما دخل الطرفان في هدنة مؤقتة شهدت منذ توقيعها وحتى اليوم خروقات عديدة. وما يلفت الانتباه هنا أن التوصل إلى هذه الهدنة تم رغم صدور أربعة قرارات لمجلس الأمن في هذا الخصوص، بدءا من القرار 884 المعتمد بالإجماع في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 1993، ليعيد المجلس تأكيد ما ورد في هذا القرار بإصدار ثلاثة قرارات أخرى، هى: القرار 822 (1993) والقرار853 (1993) والقرار874 (1993)، تضمنت جميعها إدانة صريحة للسياسة الأرمينية، ومطالبة بالوقف الفوري لما تقوم به من أعمال عدائية بحق الشعب الأذربيجاني الأعزل من المدنيين (أطفالا ونساءً ورجالا) في الأراضي المحتلة، كما طالبت القرارات كذلك بسرعة الانسحاب الأحادي لقوات الاحتلال الأرميني من الأراضي الأذربيجانية المحتلة.


 

مبنى سكني قيل إنه تضرر جراء القصف الأخير خلال القتال على منطقة ناغورنو كاراباخ الانفصالية، في منطقة تارتار الحدودية بأذربيجان، 29 سبتمبر 2020 (غيتي)
 


ولم يقتصر الأمر على مجلس الأمن فحسب، بل صدرت قرارات من الجمعية العامة للأمم المتحدة في العديد من دوراتها تطالب أرمينيا بالانسحاب من الأراضي الأذربيجانية المحتلة، كما صدرت قرارات من منظمة التعاون الإسلامي وحركة عدم الانحياز. 
تلك خلفية سريعة عن الواقع الراهن في منطقة كاراباخ والموقف القانوني من الوجود الأرميني في الأراضي الأذربيجانية، إذ إنه من الأهمية بمكان تصحيح الصورة لدى البعض الذي ينظر بعين الاعتبار إلى ادعاءات أرمينية بأن أذربيجان هي التي بدأت بالعدوان أو بالاعتداء على المدن الأرمينية، في حين أن أذربيجان رغم أحقيتها في استعادة أراضيها إلا أنها ظلت ملتزمة بالمشاركة في المفاوضات الجارية بين الطرفين تحت رعاية مجموعة مينسك وهي مجموعة دولية لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، تستهدف التوصل إلى تسوية سلمية للصراع الذي يعد واحدا من أقدم الصراعات المسلحة في العالم، ويهدد الأمن والاستقرار في منطقة جنوب القوقاز. ولكن لم تتمكن هذه المجموعة التي تشارك في رئاستها كل من الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا، من إحراز أي تقدم في المباحثات بين الطرفين، إذ بين الحين والآخر يتجدد الصراع العسكري المباشر بينهما، ناهيك عن المناوشات التي تحدث يوميا على حدودهما، إذ لم تهدأ الحرب التي اندلعت بينهما في أبريل (نيسان) عام 2016 والمعروفة بحرب الأربعة أيام والتي خلفت ضحايا من الجانبين، صحيح أن أذربيجان تمكنت خلالها من استعادة جزء من أراضيها، إلا أن التدخلات الإقليمية والدولية أسهمت في منع توسعها لحرب شاملة دون أن تقدم هي الأخرى أية حلول لتلك الأزمة، لتستمر النيران تحت الرماد متجددة بين الحين والآخر، ومما يثير الدهشة أنه في ظل أزمة كورونا التي أصابت العالم كله بالشلل والتوقف لم تشهد هذه المنطقة هدوءًا، بل اندلعت مناوشات واسعة بين الطرفين في يوليو (تموز) 2020 أي قبل شهرين تقريبا من تفاقم الوضع باندلاع الحرب الراهنة. 
في ضوء ذلك يستعرض هذا التقرير من خلال محورين، الموقف الراهن بين الطرفين (أذربيجان وأرمينيا) وردود الفعل الدولية والإقليمية بصفة عامة والموقف التركي على وجه الخصوص، وذلك على النحو الآتي:  

 

أميركا وروسيا وفرنسا أصدرت بياناً مشتركاً دعت فيه أرمينيا وأذربيجان لوقف فوري للنزاع
 


 
أولا: تجدد الاشتباكات وردود الفعل الدولية والإقليمية
اتهامات متبادلة وقتلى من الجانبين، ذلك هو العنوان الأكثر تعبيرا عما تشهد منطقة كاراباخ الأذربيجانية الواقعة تحت الاحتلال الأرميني، حيث تجددت الاشتباكات بين القوات المسلحة في البلدين منذ بداية الأسبوع الأخير في سبتمبر (أيلول) 2020، والتى قد تشهد مزيدا من التصعيد مع إعلان كلا الطرفين الأحكام العرفية والتعبئة العسكرية الشاملة، وهو ما قوبل بردود فعل دولية وإقليمية مطالبة بوقف الحرب والعودة إلى المفاوضات خوفا من التصعيد الذي قد ينذر بعواقب وخيمة ليس فقط على أمن المنطقة الملتهبة بصفة عامة، وإنما قد يؤدي إلى انغماس أطراف دولية وإقليمية أخرى ليتسع نطاق الحرب بانعكاساتها على السلم والأمن الدوليين، خاصة في تلك المنطقة التي يمر بها العديد من خطوط الأنابيب التي تنقل النفط والغاز إلى الأسواق العالمية.
ولذا، توالت الدعوات الدولية لوقف القتال والتحذير من اتساع رقعة المعارك بين الطرفين، فقد دعا رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال لوقف القتال والعودة فوراً إلى المفاوضات دون شروط وأنه يجب على التحرّكات العسكرية أن تتوقف بشكل عاجل لمنع مزيد من التصعيد. كما طالب وزير الخارجية الألماني هايكو ماس بالوقف الفوري للقتال، ودعا أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى «وقف فوري للمعارك». وفيما يتعلق بالموقف الأميركي، فقد أصدرت وزارة الخارجية الأميركية عقب اندلاع الأحداث مباشرة بيانا أدانت فيه تلك الاشتباكات، إذ جاء على لسان مورغان أورتاغوس المتحدث باسم الوزارة: «إن الولايات المتحدة تشعر بالقلق من التقارير التي تتحدث عن عمل عسكري واسع النطاق على طول خط التماس في منطقة نزاع ناغورنو كاراباخ، مما أدى إلى وقوع إصابات كبيرة، بما في ذلك المدنيون. نتقدم بتعازينا لأسر القتلى والجرحى»، مع دعوة كل من وزيرى خارجية البلدين إلى: «الحث على وقف الأعمال العدائية على الفور واستخدام روابط الاتصال المباشر القائمة بينهما لتجنب المزيد من التصعيد، وتجنب أي شيء غير مفيد. الخطابات والإجراءات التي تزيد من حدة التوتر على الأرض». واتفق الموقف الفرنسي مع الموقف الأميركي والتي تتشارك معها في رئاسة مجموعة مينسك كما سبقت الإشارة، حيث دعت فرنسا إلى الحوار ووقف فوري لإطلاق النار. ولم يختلف رد الفعل الروسي كثيرا عن المواقف الدولية، إذ أسرع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ببحث التوتر العسكري مع رئيس الوزراء الأرميني باشينيان، داعيا إلى «وضع حد للأعمال العدائية». 

 

تجمع على أطراف المدينة بحثًا عن طريقة للوصول باتجاه يريفان، بعيدًا عن القتال في ناغورنو كاراباخ في 29 سبتمبر 2020 (غيتي)
 


أما فيما يتعلق بالمواقف العربية والاسلامية، كان لمنظمة التعاون الإسلامي موقفا واضحا في البيان الذي أصدرته وعبرت فيه عن تضامنها مع أذربيجان، مذكرة بقرارات ومقررات منظمة التعاون الإسلامي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، المطالبة بالانسحاب الكامل وغير المشروط للقوات الأرمينية من الأراضي الأذربيجانية المحتلة، واعتماد الحوار للتوصل إلى حل سياسي للنزاع بين البلدين على أساس احترام سيادة جمهورية أذربيجان وسلامة أراضيها، وهو الموقف ذاته الذي عبر عنه بيان الخارجية المصري، إذ ناشدت مصر الطرفين لضبط النفس ووقف التصعيد، مؤكدا على موقف مصر الثابت والقائم على ‏حث جميع الأطراف على الحوار من أجل الوصول إلى تسوية بالطرق السلمية وفقاً لمقررات الشرعية الدولية، وذلك في إطار مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي. كما عبر بيان وزارة الخارجية السعودية عن ذات التوجه، وذلك بحثه طرفي الصراع على وقف إطلاق النار وحل النزاع بالطرق السلمية وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
ملخص القول إن ردود الفعل الدولية والإقليمية جميعها طالبت الطرفين بضرورة ضبط النفس والالتزام بوقف إطلاق النار والعودة إلى المفاوضات كونها الطريق الأمثل لحل الصراع سلميا، حفاظا على الأرواح وصونا للمكتسبات المحققة في كلا البلدين، شريطة أن يلتزم الطرفان وخاصة الجانب الأرميني بما تنص عليه القرارات الدولية ذات الصلة والتي تؤكد على ضرورة استعادة الأراضي الأذربيجانية المحتلة. 

 

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان 


 
ثانيا: تركيا وتدخلاتها في اشتعال الأزمة
في كل مرة يتجدد الصراع بين أذربيجان وأرمينيا، يتجدد معه الحديث عن الدور التركي المساند للموقف الأذربيجاني، وهذا أمر لا يدعو إلى الدهشة أو الاستغراب في ظل التقارب العرقي التركي الأذربيجاني، وفي ظل التقارب الجغرافي أيضا، وكذلك في ضوء العداوة التركية الأرمينية منذ نهايات الحرب العالمية الأولى والاتهامات الأرمينية بارتكاب الدولة العثمانية مجازرها بحق الأرمن. هذا فضلا عن شرعية ومشروعية الحق الأذربيجاني في استعادة أراضيه المحتلة من جانب أرمينيا. 
ولكن ما يلفت الانتباه هو رد الفعل التركي الذي يصل إلى مستوى لم يكن متوقعا سواء على مستوى تصريحات المسؤولين أو ما نشر مؤخراً حول دور تركيا في جلب المرتزقة من الإرهابيين الذين تحركهم أنقرة في سوريا وليبيا وإرسالهم إلى منطقة الصراع في إقليم كاراباخ. 

 

مبنى سكني قيل إنه تضرر جراء القصف الأخير خلال القتال على منطقة ناغورنو كاراباخ الانفصالية، في منطقة تارتار الحدودية بأذربيجان، 29 سبتمبر 2020 (غيتي)
 


وإذا كان صحيحا أن ما أقدمت عليه تركيا بشأن جلب هؤلاء المرتزقة يخالف قواعد القانون الدولي التي أقرتها الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم لعام 1989 والتي دخلت حيز النفاذ في العام 2001، وكذلك مخالفتها لقرارات مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة وآخرها القرار A/HRC/RES/42/9الصادر في 4 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، والذي اعتبر أن استخدام المرتزقة يعد وسيلةً لانتهاك حقوق الإنسان وإعاقة ممارسة حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو ما يستوجب قيام منظمة الأمم المتحدة بإجراء تحقيق وضمان المساءلة في ارتكاب تركيا لمثل هذه الجرائم المحظورة دوليا، إلا أنه من الصحيح أيضا أن تصدر تركيا للقضية الأذربيجانية يأتي بنتائج سلبية على الموقف الأذربيجاني، وذلك لسببين:
الأول، يتعلق بالأهداف التركية من تبني هذا الموقف الذي يسهم في تأجيج الصراع وليس في تهدئته أو حله، فمنذ أن تدخلت تركيا كطرف في هذا الصراع وهو يشهد مزيدا من التوتر والتصعيد بين الحين والآخر، بل لم تقدم تركيا أية أطروحات أو رؤى لحل هذا الصراع،  وهو ما جعل البعض ينظر إلى أن ثمة دورا تركيا فعالا في تسخين الموقف الأذربيجاني بهدف استمرار هذا الصراع، مفسرين ذلك في ضوء ما تسعى إليه تركيا من تحقيق مصالح ذاتية تحصدها من استمرار هذا الصراع، منها: 

  • الحصول على المزيد من النفط والغاز الأذربيجاني بأسعار لا ترهق الاقتصاد التركي الذي يشهد تراجعا كبيرا بسبب سياسة إردوغان المتهورة في ملفات المنطقة، وقد اتضح ذلك فيما أقدمت عليه أنقرة مؤخراً من خفض حجم مشترياتها من الغاز والطاقة من موسكو وذلك لصالح باكو. 
  • سعي تركيا لكسب المزيد من النفوذ الديني والسياسي في جنوب القوقاز وهو ما يعزز دورها في منطقة آسيا الوسطى ذات الارتباط المباشر بتلك المنطقة وذلك في مواجهة التمددات الإيرانية.
  • محاولة أنقرة الضغط على موسكو في واحدة من المناطق الجيواستراتيجية المتعلقة بالأمن الروسي، وذلك بهدف موازنة تراجع مكانتها في ملفات أخرى محل الاهتمام المشترك وتحديدا في الأزمة السورية، إذ يتراجع الدور التركي أمام النفوذ الروسي المتزايد، الأمر ذاته امتد إلى الأزمة الليبية التي شهدت تدخلا تركيا لم تتمكن من بسط سيطرتها على الأراضي الليبية رغم خضوع الحكومة الليبية المعينة بمقتضى اتفاق الصخيرات للإرادة التركية، إلا الموقف المصري ومن ورائه الموقف الروسي قد فرض قيودا على التحركات التركية غير القانونية في الملف الليبي. ولذا، ترى تركيا في إشعال الحرب بين أرمينيا وأذربيجان من شأنه أن يبعث برسالة- من وجهة النظر التركية- إلى روسيا بأنها تمتلك ما يكفي من قوة لإثارة المتاعب في الفناء الخلفي للدولة الروسية. 
مجلس الأمن أصدر عدة قرارات منذ 1993 تضمنت جميعها إدانة صريحة للسياسة الأرمينية
 
 

أما السبب الثاني الذي يجعل الدور التركي ذات تأثير سلبي على الموقف الأذربيجاني، فيتعلق بمواقف تركيا وسياستها حيال العديد من الدول العربية والأوروبية، إذ فشلت تركيا في عهد إردوغان في تبني سياسة تصفير المشاكل التي أعلنها وزير خارجيتها الأسبق أحمد داود أوغلو والذي استقال من مناصبه السياسية اعتراضا على سياسات إردوغان التي أدخلت تركيا في دوامة من الأزمات الداخلية والصراعات الخارجية، وهو ما انعكس على ردود فعل بعض الدول التي تشهد علاقاتها صراعا مع أنقرة. ومن ثم، فإن موقف هذه الدول من الحق الأذربيجاني في استعادة أراضيه في ظل تصدر أنقرة المشهد بصورة أكثر فجاجة عن الموقف الأذربيجاني، يجعل من الصعوبة بمكان على هذه الدول أن تتخذ خطوات جادة في مساندة أذربيجان في تلك الحرب التي تمثل تهديدا حقيقيا للأمن والاستقرار في المنطقة بسبب الموقف التركي الذي يزيد من التعنت الأرميني. بمعنى أكثر وضوحا يجب على القيادة الأذربيجانية أن توجد مساحة تباعد عن الموقف التركي حتى لا يظهر الأمر، وكأن تركيا هي التي تدير المشهد برمته رغم تسليمنا بسيادة الدولة الأذربيجانية وقدرتها على إدارة ملفاتها بصورة مستقلة ولكن محاولات تركيا تصدير صورة مخالفة لذلك يضر بالموقف الأذربيجاني، إذ يؤدي ذلك إلى ابتعاد الدول المساندة لأذربيجان والتي تشهد علاقاتها صراعا مفتوحا مع أنقرة. 
نهاية القول إن حالة الحرب المستمرة بين أذربيجان وأرمينيا، رغم تعددية الوساطات والمواقف التي تتبناها الدول الكبرى المعنية بمنع نشوب حرب شاملة بين البلدين قد تؤدي إلى انخراط أطراف إقليمية ودولية في أتونها، لن تأتي هذه الوساطات بنتائج حقيقية إلا إذا أدركت الأطراف كافة أن حلولا مثل هذه الصراعات تتطلب الالتزام أولا بمقررات مجلس الأمن الصادرة في تسعينات القرن المنصرم، والتي تطالب بانسحاب جميع القوات الأرمينية من جميع الأراضي الأذربيجانية، وعودة السكان المهجرين داخليًا لمواطنهم الأصلية، بما في ذلك إقليم قراباغ الجبلي، حينها يمكن أن تستكمل عملية التسوية السلمية عبر إعادة بناء الأجواء الإيجابية القائمة على المعايير الديمقراطية؛ بهدف إرساء تعايش سلمي بين الأرمن والأذريين في إقليم قراباغ الجبلي. وأنه من دون ذلك ستظل الاجتماعات واللقاءات بين المسؤولين والمبعوثين الدوليين إلى المنطقة، تدور في حلقة مفرغة لن تتمكن من منع تجدد الحرب بين الحين والآخر، وإن تمكنت في المرات السابقة من احتوائها، إلا أنه قد تأتي لحظة ما لم تتمكن تلك الأطراف من احتواء تداعيات الحرب مع انخراط أطراف أخرى قد تجد في توسيع نطاقها طوق نجاة لأزماتها على غرار الموقف التركي الأخير، وهو ما قد ينذر بتهديدات واسعة للسلم والأمن الدوليين.

font change