يسرا لـ«المجلة»: يوسف شاهين جعل مني نجمة

بعد 7 سنوات و30 فيلمًا

يسرا لـ«المجلة»: يوسف شاهين جعل مني نجمة

مرة قرأت في مجلة عربية تصدر في أوروبا حديثًا عن لساني لم أقله وقد أثارني ذلك للغاية، أزعجني كثيرًا
- هل كنت أنا الذي أجريته معك؟
- لا فهذه أول مرة نلتقي
- إذن لا عليكي، ليس في نيتي أن أضع على لسانك ما لن تدلي به.
هكذا بدأ الحديث بيني وبين الممثلة يسرا.
لم أكن قد قابلتها من قبل، وإن كنت قد نسيت ذلك منذ فترة، خاصة بعد أن سمعت ثم شاهدت فيلمها الأخير «حدوتة مصرية»، وهو الفيلم الذي أخرجه يوسف شاهين مستعرضا حياته ما خفي منها وما ظهر، ومتحدثا عن مهنته السينمائية الكبيرة من خلال بعض الأفلام التي شكلت عنده وعند النقاد السينمائيين وجمهور المثقفين العالم الذي يؤلف اهتمامات وطروحات هذا المخرج.
دور يسرا في «حدوتة مصرية»دور غير مألوف في السينما العربية، ربما لأن الفيلم ذاته عملية فنية وقضية اجتماعية سياسية غير مألوفة، إنها الزوجة التي تقرر في فترة لاحقة من حياتها الزوجية أن تتراجع عن خطها الأمامي الذي احتلته إلى جانب زوجها المخرج وأن تقابل أزماته الداخلية وعقده الذاتية التي تجعله في حالة نفسية عاطفية متقلبة، ببرود وفتور بعد ما رفض الزوج مشاركتها في تحمل المسؤوليات، وأنكر عليها السعادة التي كانت تشعر بها حينما كانت تفرح لنجاحه وتهتم براحته وتسعى لتوفير حياة عائلية كاملة من حوله. 
في هذا الفيلم تقف يسرا إلى جانب الممثل نور الشريف الذي تعتز بصداقته في العمل وتشلح عن نفسها كل أنماط وأدوار السينما المصرية التقليدية التي أدتها من قبل خلالَ سنوات حياتها العملية وكان من البديهي أن نبدأ الحوار بالسؤال عن هذا الموضوع بالذات...
 
* بالأمس سمعتك تقولين إن دورك في «حدوتة مصرية»هو الأول لكِ من نوعه هل نستطيع أن نقول إذن إن «حدوتة مصرية»كان أشبه بمولد نجمة جديدة؟
- بكل تأكيد خصوصًا عندما تنظر إليه كعمل سينمائي أصيل قلما ظهر له مثيل في السينما المصرية لقد عملت في ثلاثين فيلمًا ولا أستطيع أن أقول لك إني كنت راضية عن نفسي كفنانة وكممثلة.


 
* لماذا قمتِ بتمثيلها إذن؟
- في بداية عمل الفنان ربما كان عليه أن يقبل بأفلام قد يكون غير راضٍ عنها من داخله ولو كان له الاختيار فعلا لرفضها، لكن الحاجة لأن يثبت الممثل أو الممثلة مكانه في المهنة تدفعه لأن لا يدقق كثيرًا في الأدوار الأولى، كان المهم أولا أن يقول الناس هناك بنت حلوة اسمها يسرا تمثل جيدًا، ثم على يسرا أن تنتظر الفرصة المناسبة لإثبات إمكانياتها وقدراتها في فيلم مختلف. 
 
* في سبع سنوات مثلت يسرا نحو ثلاثين فيلمًا.. رقم تقول عنه الممثلة الشابة إنه كثير وإنها كانت تتحسس عدم رضاها، لكنها تضيف: 
- ربما كنت محظوظة قليلا أني بدأت من البداية كنجمة عندما اكتشفني الأستاذ عبده نصر وأعطاني أول مرة بطولة مطلقة فكان من الضروري إذن أن أحافظ على هذا التفوق ولم يكن من المعقول أن أتراجع في أفلامي اللآحقة مما اضطرني لأقبل مواضيع لم تعجبني مطلقًا.
 
* كانت مشكلة يسرا أنها قد بدأت كبيرة، وهي مشكلة تجعل الممثل محتارا بشأن الخطوة التالية، خاصة إذا كان الفيلم هو الأول له. وكانت تعلم يسرا أن هناك حلين لمثل هذة المعضلة الأولى أن تنتظر الفيلم الجيد فقط بحيث تغيب عن الشاشة طوال العام، وربما أكثر، أو أن تقبل بما يعرض عليها طالما أنه ينص على وجودها في الدور الرئيسي... وعن أحد الأدوار الرئيسية التي اكتشفها فيه يوسف شاهين..
- في أحد الأيام، اكتشفني يوسف شاهين عندما شاهدني في فيلم «أنف وثلاث عيون»المأخوذ عن قصة إحسان عبد القدوس، والفيلم أعتقد أنه كان بداية مرحلة جديدة مرت بي، مرحلة نضج فني، لكن رغم ذلك خفت من فكرة العمل مع يوسف شاهين، خفت من روحي، وخفت على نفسي، خفت أن أفشل أو أن أكون ضعيفة، أن أخيب بذلك رأي مخرج في مكانة يوسف، يطلب من ممثليه دوماً الخروج من ذواتهم وشخصياتهم وأدوارهم السابقة، وتقديم ما هو مختلف عن كل الذي مثلوه من قبل. النتيجة أن يسرا هربت من يوسف، اختفت بعيدًا نحو شهر كامل، وأنا هاموت عايزة اشتغل وخايفة اشتغل إلى أن قفشني في إحدى المناسبات وسألني عن ترددي، وبددها لي. كان دعائي لله هو أن يوفقني في تلك الخطوة الجديدة في حياتي.
 
* قرأت يسرا السيناريو أكثر من عَشَرَ مرات... 
- لأول مرة أقرأ سيناريو فيلم كل هذه المرات، ومن يعرف كيف يكتب شاهين أفلامه لا يمكن أن يدهش لذلك فسيناريوهات شاهين مثل أفلامه تتطلب الكثير من التركيز وتدخل في كثير من الجوانب بل يمكن القول بأنها هي أفلامه مكتوبة على الورق عندما تتكلم مع يوسف في السيناريو تدرك أن كل كلمة مكتوبة لها معنى... كل حرف. وليس من السهل على الممثل أن يعتمد على استنتاجاته هنا، وهكذا وجدتني أعود إليه لأقول له چو كما يسميه الجميع، هناك أمور لا أفهمها، اشرحها لي، كنا نعمل نحو خمس عَشرة ساعة في اليوم.


 
* وتلاحظ يسرا أن هذا النوع المكثف من العمل ما عاد موجودًا في السينما المصرية، فتقول: 
- للأسف اختفى، كل ممثل يريد أن ينتهي بسرعة ليركز وراء فيلمه الآخر، وإذا لم يكن وراءه عمل آخر فإنه يريد أن يرتاح في البيت، لا أحد بات يحب العمل لذاته ولا السينما كفن وكموهبة مشتركة مع يوسف كلنا كنا نعمل في صدق كنا نعمل من داخلنا وبكل أحاسيسنا لم نشعر بلحظة واحدة من الملل.
 
* وكيف وجدت يوسف شاهين في العمل؟
- شاهين موهبة باستطاعته أن يطلق أشياء لم يكن الممثل يعلم بوجودها في داخله أو أنه كان يستطيع أن يطلقها أو لا، إنه أستاذ كبير ولذلك أعتبر أنه بمثابة أول عمل حقيقي لي وأنه اقرب إلى اكتشاف نجمة كما قلت.
 
* تتنازع السينما المصرية فئتان من الأفلام؛ فئة تنحو للنقد الاجتماعي، وفئة من الأفلام الهامشية وهي الكثرة الغالبة للأسف، أين كان موقعك في وسط هذه الأعمال؟
- صحيح أني بدأت قبل سبع سنوات، لكن أول فيلم كنت راضية عن اشتراكي به كان عليه أن ينتظر حوالي ثلاث سنوات من قبل أن يأتي دوره، ومع ذلك لم يحدث ذلك التغيير الذي أردته لأن السينما المصرية كما تعرف ممسوكة بأذواق عدد كبير من الممولين والمنتجين الذين يريدون إنجاح أفلامهم بأي وسيلة، ولو كانت مجرد ترفيهية وأنا أقول لك بصراحة لأني لا أعرف ما سأفعله بعد «حدوتة مصرية»،من أين آتي بفيلم جيد وصادق مثل هذا الفيلم لكي أحافظ على المستوى الذي لعبته هنا؟


 
* ماذا ستفعلين إذا لم تجدي مثل هذا الدور؟
- سألت هذا السؤال بنفسي، طرحته على يوسف شاهين، فكان رده، وأعتقد أن الحق معه، أن علي الآن أن أقبل بتمثيل أي فيلم من المتوسط وما فوق، وأن لا أكون متشبثة باختيار عمل قريب إلى مستوى «حدوتة مصرية»،لأن ذلك سوف يسبب خوف المنتجين، وربما المتفرجين مني. 
 
* هذا لا بد أن يعني أن الممثلة الشابة وذات الجمال الجذاب والساكن ستجد نفسها أمام عروض كثيرة لأفلام أخرى قد لا تؤمن بها، لكن يسرا لا يبدو عليها الخوف، وهي متأكدة من أن السينمائيين سوف يحاولون كتابة أدوار أكثر أهمية من تلك التي اعترضت طريقها في الماضي، وفوق ذلك لا تعتبر أن كل الأفلام التي سبقت «حدوتة مصرية»كانت سيئة... 
- بالطبع لا، قد يكون معظمها تجاريًا وعاديا لكن منها ما كان أعمالا جيدة أو متميزة، خذ مثلا أول أدواري مع عبده نصر مدير التصوير والمنتج الذي تحول إلى مخرج بفيلم «قصر في الهواء»فهو على الرغم من فشله التجاري إلا انه فيلم أعتز به للغاية، لأنه الفيلم الذي قدمني إلى الناس.
 
* وما هي الأفلام الأخرى التي تعتزين بها غير «حدوتة مصرية»؟
- غير «حدوتة مصرية»أحببت «الإنسان يعيش مرة واحدة»الذي اشتركت بتمثيله مع عادل إمام وأخرجه سيمون صالح، اشتغلت فيه بكل إحساسي، أحب أيضًا «أنف وثلاثة عيون»المسلسل التلفزيوني، لأني عشت المشكلة بحد ذاتها، كان معي الأستاذ كمال الشناوي، وأخرجه نور الدمرداش. كان هذا أجرأ مسلسل ومثلت فيه دوري بكل صدق لأني كنت قد قرأت الكتاب واستمعت إلى حلقاته في الإذاعة، واهتممت به إلى درجة الشغف، حتى أني أصبت بانهيار عصبي حقيقي حسبما ينص الدور في حلقاته الأربع الأخيرة... 
 
* طبعا لم يكن الانهيار العصبي باختيارها، ولو أنه تم لدرجة اندماجها، وكانت نتيجته أنها مكثت بعده شهرين في بيتها تحس بكآبة، كان من الصعب عليها أن تتخلص منها.
 
* أفلامها المقبلة
 
من أفلام يسرا المقبلة فيلم تعتز يسرا به كثيرًا أيضاً، هو «أرزاق يا دنيا»الذي تلعب فيه دور فلاحة تترك القرية وتصل إلى القاهرة، باحثة عن منافذ جديدة للرزق، هناك تجد عالمًا مختلفًا، عالما مليئا بالأحقاد والماديات على عكس القرية التي جاءت منها، النتيجة أني أتبهدل، أجوع، أصاب بمليون حكاية... وحكايتي ليست- في الفيلم- إلا من بين حكايات كل الذين أتوا القاهرة بحثًا عن الرزق إنما دراما ممتازة مثلتها أيضًا بكل ما أستطيع من صدق.
 
* كيف تفسرين الاختلاف بين دورك كست بيت وزوجة في «حدوتة مصرية»وكفلاحة في «أرزاق يا دنيا»؟
- فارق كبير، في «أرزاق يا دنيا»أنا فلاحة وخدامة هبلة، ساذجة، ولا تعلم ما هي الدنيا. في نهاية الفيلم يقول لي نور الشريف (الذي يشاركها البطولة) روحي يا ثناء مطرح ما كنتي.. البلد دي غول.. غول بـياكل الناس. أما «حدوتة مصرية»فـدوري فيه ربما هو أقصى الطرف الآخر.. أنا زوجة محترمة وثرية، لكن الجيد في هذا الدور هو في اعتقادي بالتغيير الذي يتم في حياتي كزوجة من امرأة غيورة على مصلحة زوجها إلى امرأة تجد من الصعوبة إظهار تلك الغيرة طالما أن زوجها ما عاد يطلبها، مع ذلك هي ما زالت تحبه ومستعدة لأن تضحي وتعطي كالبداية.
 
* هل تعتقدين أن الحياة الريفية ما زالت ساذجة أو بريئة كما كانت من قبل؟
- (تعود يسرا قليلا إلى ذاكرة عابرة، ثم تقول: 
بالطبع ليس كما كانت عليه من قبل، لكنها ما تزال تمثل الحياة الحلوة الخالية من التعقيدات والماديات إلى الحد الذي ما زال من الممكن معه التنفس براحة، هذا علمًا بأني حين عشت في الريف لسنة ونصف لم أحب الريف وحتى الآن لا أستطيع أن أطيقه.. 
 
* هذا ليس غريبًا لفتاة تحب إلى جانب التمثيل السفر الكثير والبحر والشمس وتحس أن أنفاسها تهفو دوما لما وراء الأفق الأزرق الذي يمتد على طول البحر المتوسط لكن لعل ملامح وجهها هي القاسم المشترك الوحيد بين كل هذا، فهي تبدو في أدوارها الريفية كما في أدوار المدينة مقنعة أو على الأقل هذا ما تعتقده يسرا وهي تقول: 
- نعم أعتقد أني أمتلك الشخصيتين واللونين من الجمال وهذه ليست موهبة فقط بل منحة من الله قبل كل شيء
 
 

font change