منتدى القيم الدينية: منصة عالمية لبناء سياسات تضامنية

أرض الحرمين تستضيف دورته السابعة في «رسالة عالمية تشاركية»

اللقاء التشاوري لمنتدى القيم الدينية لمجموعة العشرين لشباب وزملاء كايسيد في ديسمبر 2019 بمشاركة 200 شخصية شبابية من مختلف دول العالم

منتدى القيم الدينية: منصة عالمية لبناء سياسات تضامنية

* تأتي فكرة تأسيس منتدى للقيم الدينية من منطلق القيام بمهمة إنسانية لتعزيز جهود السلام والأمن، من خلال بناء الشراكات بين الدول، وتبادل الخبرات والأفكار
أضحى المنتدى واحداً من أهم الفعاليات الرائدة عالميًّا، إذ يشكل رابطة تجمع القيادات والمؤسسات الدينية والإنسانية المتنوعة عالميًّا
* طرحت السعودية في رئاستها الراهنة لمجموعة العشرين قضايا ورؤى وإسهامات ومساعدات هدفت من خلالها إلى بناء عالم يسعد سكانه ويحمي مواطنيه

باكو: على مدى خمسة أيام في أرض الحرمين الشريفين، المملكة العربية السعودية، نظم مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات (كايسيد)، وتحالف الأمم المتحدة للحضارات، وجمعية القيم الدينية لمجموعة العشرين، واللجنة الوطنية لمتابعة مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، إحدى فعالياتهم العالمية التشاركية، وهي منتدى القيم الدينية لقمة العشرين في دورته السابعة (التي عقدت افتراضيا) خلال الفترة من 13-17 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، ذلك المنتدى الذي شارك في جلساته وورش عمله (500) قيادة وخبير ومنظمات دينية وإنسانية، ومن مؤسسات عالمية ومن صناع سياسات، منهم (130) متحدثًا ومتحدثة ينتمون إلى (45) دولة؛ بينهم وزراء ومسؤولو منظمات ومؤسسات عالمية، فضلاً عن شخصيات دينية رفيعة المستوى ورؤساء جمعيات دينية وحوارية وثقافية، حيث يهدف هذا المنتدى إلى زيادة الوعي بدور المنظمات الدينية في تنفيذ جدول أعمال الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، وهي قائمة تشمل 17هدفًا للتنمية المستدامة التي تسعى إلى ضمان حصول كل شخص على مقومات الحياة الأساسية: الصحة والتعليم والمياه والأمن والمساواة والبيئة الملائمة، وذلك من خلال بحثه عن حلول عالمية تدعم صانعي السياسات في قمة قادة مجموعة العشرين المقرر عقدها برئاسة السعودية في نوفمبر (تشرين الثاني) القادم (2020)، كما أكد على ذلك فيصل بن معمر الأمين العام لمركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات ورئيس اللجنة التنفيذية للمنتدى، بقوله: «إن منتدى القيم الدينية لمجموعة العشرين يسعى إلى تعزيز الجهود المثمرة للأفراد والشخصيات الدينية لمساندة صناع السياسات في بناء السلام وتكريس مفاهيم التفاهم والحوار والتسامح وترسيخ قيم التنوع والتعددية والتعايش والتسامح والعيش في ظل المواطنة المشتركة لكونها ركيزةً محورية من ركائز الحضارة الإنسانية من أجل تحقيق الأمن والسلام والاستقرار وازدهار العالم»، إذ عادة ما تسبق هذه القمة التي تشكل واحدة من أهم الاجتماعات العالمية الأكثر شمولًا في صناعة السياسات والقرارات، عقد مثل هذه المنتديات لبناء سياسات عالمية قائمة على قيم التضامن والتعايش والاحترام المشتركة. 
ويناقش هذا التقرير جدول أعمال المنتدى في دورته السابعة التي عقدت افتراضيا (عبر الإنترنت) بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد والتى حظيت باهتمام المنتدى من خلال تخصيص جلسة مستقلة لمناقشة تداعياته. كما يستعرض كذلك الرؤى الختامية للمنتدى من خلال قراءة تحليلية في بيانه الختامي، وذلك من خلال محورين على النحو الآتي: 


 
أولا: منتدى القيم الدينية في دورته السابعة... تعددية القضايا والانشغالات 
لم يكن عقد المنتدى الأول من نوعه، وإنما شهد ستة اجتماعات سابقة سعت جميعها إلى تحقيق الأهداف المرجوة من تأسيس المنتدى، إذ تأتي فكرة تأسيس منتدى للقيم الدينية من منطلق القيام بمهمة إنسانية لتعزيز جهود السلام والأمن، من خلال بناء الشراكات بين الدول، وتبادل الخبرات والأفكار بين مؤثرين وصناع قرار من الشركاء الدوليين.كما يشكل المنتدى منصة عالمية، تتيح فرصًا مناسبة ومتعددة لعكس آراء ومبادرات المؤسسات والجهات المشتغلة بالقيم الدينية والإنسانية ودورها في مساندة السياسات العالمية، وتعزيز الشراكة بين المؤسسات الدينية والسياسية من خلال آليات مقترحة لمساندة صانعي السياسات في قمم مجموعة العشرين السنوية. 
واستكمالا لدور المنتدى، حظيت الدورة السابعة له والتي تعقد للمرة الأولى افتراضيا باهتمام بالغ، نظرا للظروف والأوضاع التي يواجهها العالم خلال هذا العام (2020)، إذ إضافة إلى الكوارث الطبيعية والبشرية، واجه العالم كارثة وبائية لم يشهدها منذ عقود. صحيح شهد العالم تفشي أوبئة خلال العقدين الأخيرين إلا أنها لم تصل إلى مستوى الجائحة العالمية كما حدث مع أزمة كوفيد-19 التي لا تزال تداعياتها مستمرة بل ينتظر العالم الموجة الثانية من تهديدها. ولذا اكتسبت هذه الدورة من عقد المنتدى، أهميتها من جانبين: الأول، الدور المهم الذي لعبته المؤسسات والجهات الدينية الفاعلة في الحفاظ على كرامة الإنسان ورفع روحه المعنوية وبناء شراكات عملية مع السلطات المحلية للتصدي بفاعلية لجائحة كورونا. ومن ثم، فقد خصص المنتدى ضمن جدول أعماله جلسة بعنوان: «التزام الهيئات الدينية في الحد من مخاطر الكوارث»، كون هذه الجهات كما وصفها الدكتور فهد بن عبد الله المبارك بقوله: «إن الهيئات والقيادات الدينية جهات مستجيبة وأساسية ومؤثرة في أوقات الاضطرابات والكوارث الطبيعية، ومدى قدرتها على توجيه إنذارات مبكرة وتخفيف المعاناة الإنسانية والمساعدة على التأقلم وتوفير القيادة، عندما يتعلق الأمر بإجراء تغييرات مهمة في سلوك الناس ومواقفهم»، وهي الرسالة ذاتها التي أكد عليها الكاردينال ماتيو زاوبي، أسقف بولونيا في إيطاليا والمشارك في فعاليات المنتدى، وذلك بقوله: «إذا كان الوباء هو الشر الذي يقسمنا ويفرقنا جميعا، فإن هذا الاجتماع يوحدنا جميعا»في إشارة إلى منتدى القيم الدينية. أما الأمر الثاني،فينبع من أهمية الدور الذي يلعبه المنتدى في مساعدة صانعي السياسات العالمية كما أكد على ذلك الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، بقوله: «ذلك المنتدى الذي يرتكز على قضايا أساسيةٍ تهمُّ البشريةَ جمعاء، ضمن الإطار الواسع لأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وتعكس كل قضية منها مدى تأثير أي حَدَثٍ في هذا الكون وفعلٍ يقومُ به الإنسانُ في حركة التقدُّم والعمران في أرجاء المعمورة». 


وفي ضوء ذلك، عقد المنتدى خمس جلسات عامة، منها: جلسة افتتاحية، وأربع جلسات حول جائحة فيروس كورونا المستجد، وتمكين المرأة والشباب والفئات المحتاجة، وجهود الهيئات الدينية لمواجهة تهديدات تغير المناخ، ودورها في الحد من مخاطر الكوارث، كما تتفرع عن هذه الجلسات العامة الخمس (12) حلقة نقاش متزامنة بشكل يومي على مدى خمسة أيام. ولا شك أن المناقشات التي دارت في هذه الجلسات كانت تحرص على التركيز على ثلاث قضايا رئيسية، هي: 

  • قضية المساعدات والدعم للمجتمعات الفقيرة والمهمشة خاصة في أوقات الأزمات وتفشي الأوبئة، إذ تتضاعف الحاجة إلى مزيد من المساعدات، كما أشار إلى ذلك محمود محيي الدين مبعوث الأمم المتحدة لتمويل التنمية، فقد أكد على أن هناك 250 مليون شخص في العالم يواجهون الجوع، وهناك 115 مليون شخص يعانون الفقر المدقع ويتعرضون للهشاشة رغم التنمية المستدامة، كما أن هناك تقريرا يشير إلى أن أفريقيا تخسر كل عام 90 مليار دولار بسبب التدفق المالي غير الشرعي. ولذا، فقد حرص المشاركون في المنتدى على المطالبة بضرورة أن لا تقتصر الجهود على تقديم هذه المساعدات وقت الأزمات فحسب، بل يجب أن يتصدى العالم لمعالجة جذور الكوارث الناتجة عن صنع الإنسان، وعدم التركيز على نتائج هذه الكوارث فقط، وهو ما يستوجب وضع استراتيجية عالمية تستفيد من العلوم التكنولوجية بمشاركة الجميع.
  • قضية خطاب الكراهية وضرورة مواجهته، حيث أكد المشاركون على خطورة هذا الخطاب كونه خطابا تحريضيا، من خلال دوره الكبير في تحريك النزعات الإقصائية، والدعوة إلى العداء والقطيعة والاختلاف مع الآخرين، إذ إن من سماته أنه لا يؤمن بقيمة الحوار أو المصير الواحد أو قيم المواطنة، كما ينافي قيم الإنسانية، ويتنافى مع قيم الأديان.
  • التحديات البيئية، حيث أكد المشاركون على أهمية التعاون الفوري بين جميع أفراد المجتمع الدولي بشأن خطط حماية البيئة، خاصة تلك المرتبطة بتداعيات أزمة المناخ وتأثيراتها. مشيرين في الوقت ذاته إلى ضرورة العمل على مواجهة التحديات التي تواجه إشراك المجتمعات الدينية في مبادرات حماية البيئة والحفاظ عليها. 
الأمين العام لمركز الحوار العالمي (كايسيد)، فيصل بن معمر، خلال إلقاء كلمته إلكترونياً
 

 
ثانيا: منتدى القيم الدينية... قراءة في بيانه الختامي 
اختتم المنتدى فعالياته لهذا العام، بتسليط الضوء على ما خلصت إليه المناقشات والرؤى من جانب المشاركين في سعيهم لتحقيق التنمية البشرية العالمية من خلال مزيد من الاهتمام بشأن أهم القضايا والانشغالات العالمية، من أبرزها خطاب الكراهية وكوفيد-19 والتكافؤ بين الجنسين. 
ويمكن أن نوجز أبرز تلك التوصيات في ثلاثة محاور على النحو الآتي:  
  • الأول، بشأن آلية عمل المنتدى ودوره، إذ أكد البيان على أن الوقت قد حان للاعتراف الرسمي بهذا المنتدى بصفته مجموعة التواصل الرسمية في قمم مجموعة العشرين المستقبلية، وذلك نظرا لأهمية القيادات الدينية في صنع القرار من خلال مشاركتهم المنهجية على المستويين الوطني والدولي، والتي توفر إمكانات كبيرة لإثراء وتعزيز الاستجابات والتنفيذ في العديد من الموضوعات بما في ذلك الاستعداد للكوارث والاستجابة لها.
  • الثاني، بشأن قضايا التنمية المجتمعية، من خلال مطالبة البيان لمجموعة العشرين بالتركيز باستمرار على المجتمعات الضعيفة، مع التأكيد على أن تحديات التنمية وحماية البشرية لا تتمثل في الجوانب المادية فحسب، وإنما تمثل الجوانب المعنوية والروحية تحديات من نوع آخر، يستوجب من المجتمعات الدينية التعامل معها باعتبارها شريكة في أدوات الحوكمة العالمية.
  • الثالث، بشأن جائحة كوفيد-19 والتى تمثل استثناء فريدا في اهتمام المنتدى في دورته الحالية كما سبقت الإشارة، فقد أكد البيان على أهمية إعطاء الأولوية لإشراك المجتمعات الدينية في تطوير واختبار وتوزيع اللقاحات المضادة لكوفيد-19.

نهاية القول إن منتدى القيم الدينية في دورته السابعة التي عقدت افتراضيا برئاسة المملكة العربية السعودية أكدت على ثلاثة أمور مهمة:
الاول، أن الحضارات الإنسانية لا تتقدم ولا تنهار بالتقدم العلمي والصناعي والتكنولوجي فحسب، بل يمثل الجانب المعنوي والروحي مرتكزا رئيسيا في بناء هذه الحضارات وأن غيابه يعنى بداية الانهيار، بما يستوجب إعادة الاعتبار لمنظومة القيم الدينية الضابطة لسلوك الإنسان والمنظمة لكثير من شؤون حياته وعلاقاته مع شركائه، بدءا من الأسرة الصغيرة التي ينتمى إليها وصولا إلى الأسرة العالمية التي تضم مختلف التباينات. 
أما الأمر الثاني، فيتعلق بمكانة المنتدى، الذي أضحى واحدا من أهم الفعاليات الرائدة عالميًّا، إذ يشكل رابطة تجمع القيادات والمؤسسات الدينية والإنسانية المتنوعة عالميًّا؛ من أجل توظيف الأثر الإيجابي للدين والقيم في التنمية المستدامة والمساعدة الإنسانية.
الأمر الثالث،يتعلق بالدور السعودي المتميز في رئاستها الراهنة لمجموعة العشرين بما طرحته من قضايا ورؤى وما قدمته من إسهامات ومساعدات هدفت من خلالها إلى بناء عالم يسعد سكانه ويحمي مواطنيه، وتلك هي دوما الرسالة الداخلية والخارجية للمملكة العربية السعودية منذ تأسيسها في ثلاثينات القرن المنصرم. 

font change