الثورة اللبنانية تُنتج وسائل إعلامها

هل يُشكل بديلاً عن الإعلام التقليدي؟

الثورة اللبنانية تُنتج وسائل إعلامها

* الزين: صحيفة «الجنوب»تهدف إلى فتح حوار علني وشفاف حول كيفية بناء وتنظيم المعارضة في البلاد
* الحلو: الإعلام في لبنان غير محترف ومرتبط بالسلطة السياسية
* قيومجيان: المحطات التلفزيونية اللبنانية أدخلت الثورة في المنافسة الإعلامية
* أبو زيد: نسعى لطرح أفكار جديدة وانتقاد بنّاء للمعارضة من أجل تطوير عملها

بيروت: منذ اندلاع شرارة الاحتجاجات يوم 17 أكتوبر (تشرين الأول)، انقلب المشهد الإعلامي والتلفزيوني رأساً على عقب. فسريعاً ما أوقفت كلّ المحطات برامجها الاعتيادية لتواكب الاحتجاجات والمظاهرات التي تميّزت بانتشارها في مختلف المناطق اللبنانية. وبذلك، باتت وسائل الإعلام تسعى جاهدةً لتغطية الأحداث وملاحقة تطوراتها المتسارعة، حيث فتحت المحطات التلفزيونية اللبنانية الهواء لساعات طويلة لنقل صرخة المواطنين وغضبهم.
انقسمت المحطات التلفزيونية اللبنانية بين ما تعود ملكيتها لجهات حزبية وأخرى تملك هامشاً أكبر من الحرية في نقل الأخبار. والانقسام لم يقتصر على طبيعة الوسائل الإعلامية، وإنما كذلك على آراء اللبنانيين تجاه طريقة تغطيتها للأحداث، وقد برز ذلك بشكل واضح خلال تغطيتها للمظاهرات أمام المصرف المركزي، فقد انتشرت أخبار تُفيد بأن خمساً من المحطات اللبنانية تلقت قروضاً بمبالغ كبيرة من المصرف المركزي بفائدة رمزية.
وبعد سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري وتكليف الرئيس حسان دياب بتشكيل الحكومة الجديدة، تراجعت التغطية الإعلامية واقتصرت بعض المؤسسات الإعلامية على تقارير مقتضبة لمراسليها على الهواء. ومع انفجار مرفأ بيروت وعودة المتظاهرين إلى شوارع العاصمة بيروت، عادت التغطية المكثفة للاحتجاجات. هذا التبدل في التغطية الإعلامية دفع القوى والمجموعات والنشطاء الذين شاركوا في مظاهرات 17 أكتوبر (تشرين الأول) إلى إنتاج وسائل إعلامية جديدة تُساهم في إيصال آرائهم وأفكارهم.

 

الناشطة السياسية زينة الحلو


 
الإعلام اللبناني... بين التغطية الكاملة والتعتيم الإعلامي
بدا واضحاً للمراقبين أن تعاطي وسائل الإعلام اللبنانية مع أحداث الثورة والاحتجاجات التي رافقتها، لم يكن بنسق واحد أو خط مستقيم، بل كانت تلك التغطية تصل لذروتها أحياناً، وتكاد تصبح شبه نادرة في أحيان أخرى. وفي هذا الصدد، قالت الناشطة السياسية زينة الحلو في حديث لـ«المجلة»إن «وسائل الإعلام في لبنان غير محترفة، إذ إن الإعلام في البلاد هو إعلام تسطيحي ومرتبط بالسلطة السياسية التي تهدف لإبقاء الخمول لدى الناس». وأضافت الحلو أنه «تعاطى مع الثورة بطريقة سيئة جداً، إذ كان يسعى إلى تشويه صورتها من خلال طريقة التغطية الإعلامية التي كانت تُسلط الضوء على بعض الأمور الجانبية».
وقالت الحلو، الحائزة على دراسات عليا في الإعلام، إن «هناك بعض وسائل الإعلام تعود ملكيتها لبعض الأحزاب، وبالتالي فإن تغطيتها للأحداث مقيدة جداً. أما وسائل الإعلام الأخرى فكانت تُعطي كل المساحة الإعلامية للسياسيين منذ الانتخابات، مروراً بالثورة وما بعدها، فضلاً عن تلقي بعضها للتمويل من المصارف والسلطة السياسية. وبالتالي هناك تضارب مصالح يجعل الإعلام غير قادر على العمل باستقلالية». ولفتت الحلو إلى أنه «يمكن أن يكون هناك بعض الأشخاص القائمين على وسائل الإعلام ونشرات الأخبار والمراسلين يسعون إلى نقل الصورة الصحيحة، إلا أن هناك نقصا في الاحترافية، كما أن هناك مصالح تدفعهم لإبقاء نوع من التوازن من خلال تغطية أحداث الثورة من جهة ومحاباة السياسيين من جهة أخرى». وتابعت الحلو: «هذا ما تبيّن عند تغطيتهم لبعض الأحداث باعتبارها جزءاً من الثورة، في حين أن الجميع كان يعلم أن من كان يحركها هي بعض القوى السياسية».
ومن ناحيته، أشار الإعلامي زافين قيومجيان في حديث لـ«المجلة»إلى أن «المحطات التلفزيونية اللبنانية أدخلت الثورة في المنافسة الإعلامية، وبات الصراع محتدما على نسب المشاهدة. كما أنهم حولوا الثورة لمادة ترفيهية تلفزيونية، وحاولوا من خلالها أن يستثمروا لجني الأرباح، ويأتي ذلك في الوقت الذي تمر فيه جميع الوسائل الإعلامية بأزمات مالية كُبرى». وأضاف قيومجيان أن «ذلك أضر بالثورة لأنها ليست مادة إعلامية، فهناك قاعدة عامة تُفيد بأن التغطية الإعلامية المكثفة تنعكس سلباً على الثورات».
وأشار قيومجيان إلى أن «الثورة باتت في فترة معينة مادة ترفيهية غير جذابة بالنسبة لوسائل الإعلام، واعتبرت المحطات التلفزيونية أن هناك أحداثا أخرى باتت تُشكل مادة ترفيهية أفضل، فقامت بالتركيز عليه».

 

الإعلامي زافين قيومجيان


 
وسائل إعلام بديلة!
وفي تقييم لأداء الإعلام التي ظهرت مؤخراً والتي تتبنى مبادئ وشعارات الثورة، رأت الحلو أن «لبنان بحاجة لوسائل إعلام بديلة، فكل مجتمع يُنتج في وقت معين وسائل إعلام خاصة به، خصوصاً عندما يتواجد هذا الحجم الهائل من وسائل الإعلام التابعة للسلطة». وأشارت الحلو إلى أن جريدتي (17 تشرين)،و(الجنوب)لديهما ما يكفي من المصداقية لكي يكونا من وسائل الإعلام البديلة». وأضافت أن «هذه التجارب تستحق أن تأخذ فرصتها». وعن مدى قدرتها على خلق قاعدة شعبية خاصة بها، قالت الحلو إن «هناك ابتعادا عن القراء بشكل عام وهذا ما يمنعها من خلق قاعدة شعبية واسعة، إذ إن الناس ما زالت تأخذ أخبارها من التلفزيونات ووسائل التواصل الاجتماعي».
أما قيومجيان، فقد لفت إلى أن «وسائل الإعلام هذه لا تُفدم أي إضافة، فالثورة لديها إعلام كاف وإنما تحتاج إلى ثوار». وأشار إلى أن «المؤسسات الإعلامية التي ليس لديها أهداف تجارية، أي أن يأتي تمويلها من الإعلانات، تكون مشبوهة ومجرد بروباغندا، إذ إنها تتحول إلى وسيلة إعلامية شبيهة بوسائل إعلام المنظومة الحاكمة، حيث تتلقى تمويلها من أطراف سياسية وهذه الأخيرة ستتحكم بالمحتوى السياسي».

 

الصحافي حسان الزين


 
تجربة جديدة تنطلق من الجنوب
في 3 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، أطلق مجموعة من الصحافيين والنشطاء المستقلين صحيفة ورقية تحمل اسم «الجنوب». وفي هذا الصدد، قال أحد مؤسسي الصحيفة حسان الزين، في حديث خاص لـ«المجلة»إن «إطلاق هذه المبادرة يهدف إلى فتح حوار علني وشفاف حول كيفية بناء وتنظيم المعارضة في لبنان، وكذلك بناء الدولة المرتبطة بالمواطن والمؤسسات والاقتصاد والسياسة».
وأضاف الزين: «كما أنها تهدف للتأكيد على التنوع الموجود في لبنان والجنوب، إذ إن الأحزاب الطائفية اعتادت على أن تصبغ كل منطقة بهوية معينة، لذا أردنا أن نقول من خلال هذه الصحيفة إن المناطق اللبنانية متنوعة ونحن جزء من هذا التنوع في لبنان عموماً والجنوب بشكل خاص». وتابع الزين أن «صحيفة (الجنوب) هي إحدى المبادرات التي تسعى للإجابة عن الأسئلة الكبيرة التي طُرحت بعد ثورة (17 تشرين)، والتي تتركز حول مدى وجود أطر ومشاريع سياسية في هذه الثورة تلبي الطموحات؟».
يؤكد الزين أن «عدم وجود معارضة تحمل مشروعا سياسيا ومنظمة ومتعددة وديمقراطية تستفيد منه المنظومة الحاكمة، ويُبقي لبنان في الأزمات السياسية والاقتصادية والدستورية وحتى الاجتماعية والثقافية». كما ينفي الزين أن تكون الصحيفة محصورة بمنطقة الجنوب رغم أنها تحمل اسمها «فهي تتخذ من الجنوب منطلقاً ومحط اهتمام لها، إلا أن ذلك ينطلق من اعتبار الجنوب جزءا من لبنان، وهي تحمل شعار (صوت الجنوب في لبنان، وصوت لبنان في الجنوب)، كما أنها تتضمن موضوعات عامة غير محصورة بالجنوب». أما عن سبب اختيار هذا الاسم، فيلفت الزين إلى أنه «يعود إلى إيماننا بأن كل معارضة يجب أن تنطلق من الأرض وليس بالضرورة من العاصمة». لذا يتمنى الزين أن تخاض مثل هذه التجربة في الشمال والبقاع وكافة المناطق اللبنانية.
كما أشار الزين إلى أن «هذه التجربة ليست تجربة صحافية فقط، وإنما تجربة حوارية تسعى لدعم التنوع وتفعيل الحوار»، هكذا لا تقتصر المبادرة على إصدار الصحيفة، وإنما يشمل إقامة الندوات التي ستفتح المجال لإطلاق الحوارات المتنوعة». وعن سبب اعتماد النسخة الورقية في الوقت الذي تتراجع فيه وسائل الإعلام الورقية لصالح الإلكترونية، لفت الزين إلى أن «اعتماد النسخة الورقية يهدف إلى التواصل مع الناس وإيجاد التفاعل معهم، كما أنه يوجد موقع إلكتروني ومنصة على وسائل التواصل الاجتماعي».
وفيما يتعلق بالمحتوى، فيؤكد الزين أنه «محتوى مستقل، بمعنى أن الناس هي التي تكتب آراءها وليس بالضرورة أن يكونوا صحافيين، فمثلاً هناك أعضاء بلديات يكتبون عن مناطقهم. كما أنها تهدف لتقديم محتوى جديد من خلال الإضاءة على المجتمع، وخلق أفكار من هذا المجتمع». والعمل في الصحيفة تطوعي بشكل كامل، إذ «لا يوجد أي تمويل وإنما نعتمد على الاشتراكات»،بحسب الزين.
 
جريدة «17 تشرين».. الثوار أطلقوا جريدتهم
لم تكن «الجنوب» هي الأولى أو الوحيدة في هذا المجال، فقد سبقتها جريدة «17 تشرين»، فبعد أسبوع على الثورة اللبنانية قرر الناشط بشير أبو زيد مع مجموعة من أصدقائه إطلاق جريدة طلابية تهدف إلى تقديم محتوى مختلف عن الصحف التقليدية، أي أن لا تتضمن كتابات لصحافيين وإنما أن تُمكّن المواطنين العاديين من كتابة آرائهم ومواقفهم.
الجريدة التي تحتوي على مقالات وتقارير ورسوماً ومسابقات تسلية من قلب الاحتجاجات والتظاهرات تتكون من 16 صفحة، وتصدر يوم 17 من كل شهر، حيث تُوزع 5 آلاف نسخة منها. وأشار أبو زيد لـ«المجلة»إلى أن «تكلفة الجريدة هي 500 دولار أميركي تُجمع من خلال تبرعات المواطنين، وعندما يتوقفون عن دعمها لا نجد مشكلة في إيقاف إصدارها».
ولغاية اليوم، أصدرت الجريدة 8 أعداد، إذ إنها «توقفت عن الصدور لمدة 4 أشهر، لأن أحد المصارف احتجز التبرعات التي وصلت من مغتربين لبنانيين»،بحسب أبو زيد.
كما يؤكد أن «الإعلام في لبنان مرتهن، في حين أن الصحيفة ليس لديها أي ارتباط سياسي، وإنما تسعى لطرح أفكار جديدة وانتقاد بنّاء للمعارضة من أجل تطوير عملها».
 
مشاريع إعلامية ثورية واعدة
مشروع إعلامي آخر ظهر على الساحة اللبنانية يحمل اسم «تلفزيون 17»يقوم حالياً ببث تجريبي، على أن يتحول إلى بث رسمي يوم 22 نوفمبر (تشرين الثاني) بالتزامن مع عيد الاستقلال. وقالت دعد سعد، وهي مؤسسة لمحطة «تلفزيون 17»في حديث لـ«المجلة»إن «هناك ضرورة في أن يكون للثورة وسيلة إعلامية لكي تتمكن من إيصال صوتها»، وأضافت أن «الهدف من إنشاء هذه المحطة التلفزيونية هو توعية الناس وطرح الحلول أكثر من عرض المشاكل».
كما لفتت إلى أن «وسائل الإعلام اللبنانية لم تتمكن من إيصال صورة الثورة بشكل صحيح ولو أن بعضها كان منحازا ضد السلطة إلا أن ذلك كان لحسابات ودوافع شخصية». وعن التمويل، قالت سعد إن «المشروع يحصل على مصدر مالي من قبل 4 أشخاص، وجميع العاملين لم يتلقوا أي رواتب سوى في آخر شهرين»، وتابعت: «نأمل في أن نتمكن من تغطية نفقاتنا من الإعلانات».
وإلى جانب هذا التلفزيون، ظهرت منصة إعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي تحمل اسم «تلفزيون الثورة- السلطة الرابعة»تُضاف إلى مجموعة وسائل الإعلام التي تتخذ بشكل واضح موقفاً مؤيداً للثورة وشعاراتها.
إذن، يبدو أن النشطاء المؤيدين لثورة 17 أكتوبر يسعون إلى إنتاج إعلام جديد بديل عن الإعلام التقليدي الذي اعتاد اللبنانيون على متابعته، ونجاح هذا البديل يرتبط بشكل أساسي بالمحتوى الذي يجب أن لا يكتفي بجذب اللبنانيين من خلال تناول قضاياهم ومآسيهم ومعاناتهم، وإنما كذلك طرح الحلول الممكنة.

font change