الرئيس حافظ الأسد في حديث خاص لـ«المجلة»: سلام الخطوة خطوة يؤدي إلى حرب الخطوة خطوة!

نعتبر المؤتمر اليهودي في المغرب خرقا للسياسة العربية

الرئيس حافظ الأسد في حديث خاص لـ«المجلة»: سلام الخطوة خطوة يؤدي إلى حرب الخطوة خطوة!

* نؤيد إعطاء ضمانات لبنانية أمنية لإسرائيل شريطة انسحاب كل القوات الإسرائيلية!
* الرئيس السوري صحته تتحسن وسياساته تتقدم
* نحن ضد الانسحاب الإسرائيلي خطوة خطوة

دمشق: اختتم باتريك سيل جولته في بعض البلدان العربية بمقابلة مع الرئيس حافظ الأسد دامت ساعة ونصف الساعة.
 
الحوار
* سألته: يقول الجميع يا سيادة الرئيس أنكم تعملون بشكل شاق ومرهق...
- هناك مثل عربي مأثور يقول: «من شب على شيء شاب عليه». ويبدو أنني ترعرعت على الأعمال الثقيلة. فقد بدأت بالعمل الشاق منذ أن كنت شابا صغير السن واستمررت على هذا المنوال فترة طويلة من الزمن. ولكن بشكل عام أشعر أني مرتاح أكثر هذه الأيام من ذي قبل. كما أحاول أن أمارس حاليا بعض التمارين الرياضية كلما وجدت إلى ذلك سبيلا.
 
* كم ساعة تعمل يوميا؟
- من الصعب تحديد ذلك (ثم أردف ضاحكا) طالما أنا مستيقظ سواء كنت في المكتب أو المنزل. أي إنني أعمل باستمرار. طبعا أقوم ببعض نشاطاتي عن طريق الورق، وبعضها الآخر بواسطة الهاتف، أو في الاجتماعات. ولكنني أشعر أني مرتاح أكثر من السابق.
 
* صحيا؟
- نعم، أشعر أنني أفضل، ولكن إذا حاول أحدهم أن يحسب الساعات، فأقول إني أعمل ما لا يقل عن 15 ساعة يوميا. في الغرب، زعماؤكم يعملون تحت وطأة ضغط أقل من الضغط الذي نتعرض له هنا. والسبب أنهم يصدرون «ضغطكم»إلينا، على شكل جيوش وأساطيل وما شابه (ضحك).


 

الأسد: كل العرب معنيون بالسلام


 
حول لبنان 
وفيما يلي مقتطعات من الحديث الذي دار مع الرئيس الأسد:
 
* إذا تمكنت من قراءة خطوط تفكيركم بصورة صحيحة فإن المهمة غير المنجزة في لبنان تستحوذ حاليا على أعلى درجات اهتماماتكم. أو على الأقل تحظى بالأولوية بالنسبة إلى المشكلة الأخرى الأوسع والأشمل وهي مشكلة السلام في الشرق الأوسط 
- نعم، تأتي المشكلة اللبنانية على رأس اهتماماتنا. فالمنطقة تعاني من عدد من المشاكل المتداخلة بعضها ببعض. ولكن ليس من الضروري دائما ربط إحدى هذه المشاكل بالأخرى، لأننا إذا فعلنا ذلك، بقيت مجموعة كاملة من المشكلات من دون حل، فالمشكلة اللبنانية لم تبدأ مع العدوان الإسرائيلي ضد الأمة العربية. من هنا فإننا نتعامل الآن مع المشكلة اللبنانية بالذات. ونحن نعتقد أننا خطونا خطوات ممتازة في الطريق لحل هذه المشكلة، فقد تشكلت حكومة وطنية نأمل أن تحقق المصالحة الوطنية بشكل جدي. وهذا أمر لم يكن ليتم من دون إلغاء اتفاق 17 مايو (أيار) وإذا كانت هذه المصالحة لم تتم حتى الآن، فالسبب عائد إلى تدخل القوى الخارجية، وأعني بذلك القوات الإسرائيلية الغازية والقوات الأميركية، وأولئك الذين لا ينفكون عن التورط دائما مع الولايات المتحدة من دون نتيجة. ولكن علينا بالتفاؤل، فالمشكلات هنا متعددة. ولكن بالرغم من ذلك. لا أعتقد أنه يتوجب علينا اعتبار هذه المشكلة مستعصية على الحل.
 
الضمانات الأمنية لإسرائيل 
* الاعتقاد السائد أن إسرائيل لا تنسحب من لبنان ما لم تحصل على ضمانات أمنية، من سيعطي إسرائيل هذه الضمانات؟ هل الحكومة الوطنية الجديدة في لبنان؟
- نعم تلك الحكومة فقط بإمكانها منح مثل هذه الضمانات، فقد أعلنت ذلك سلفا، حيث صرحت أنها ستتخذ كافة الإجراءات الأمنية لمنع عمليات التسلل عبر حدودها.
 
* و لكن هل توافق سوريا على مثل هذه الترتيبات
- نحن بالتأكيد موافقون على قيام حكومة مصالحة وطنية بتقديم ضمانات أمنية واستعدادها لاتخاذ إجراءات في هذا السبيل. نحن موافقون على ذلك ولكن يتوجب على الحكومة اللبنانية ذاتها اتخاذ مثل هذه الإجراءات ضمن حدودها. أي ينبغي ألا يكون هناك جنود إسرائيليون على التراب اللبناني، فالمهم هنا أنه ينبغي تحقيق ذلك على يد اللبنانيين أنفسهم بالوسائل اللبنانية، وبالقرار اللبناني ذاته.
 
* هل تتصورون يا سيادة الرئيس أن هذا قد يكون عملية تدريجية تتم بواسطة سياسة الخطوة خطوة. كأن تنسحب إسرائيل مثلا عن الطريق الساحلي أولا قبل انسحابها من جبل الباروك؟
- إذا كنت تسألني ما الذي يتوجب أن يحصل فإنني يمكن أن أرد بكل بساطة: على الإسرائيلي الانسحاب ليس خطوة خطوة أو على مراحل، بل في خطوة واحدة وكلية. وفي أي حال لبنان رقعة صغيرة جدا. وقفزة واحدة بسيطة تكفي (ضحك) إذ بمقدور أي شخص يمارس هواية الجري يوميا قطع مثل هذه المسافة تقريبا. من هنا فإن المسألة لا تستحق تجزئتها إلى عدة خطوات.
 
مؤتمر المغرب 
* هل تود أن تعلق على المؤتمر اليهودي الذي عقد في المغرب؟
- نعتبره خرقا للسياسة العربية المتفق عليها، وخرقا لقرارات مؤتمر القمة العربية؛ إذ يتناقض هذا المؤتمر مع المفهوم السائد عن النزاع العربي الإسرائيلي منذ بدايته. وعلينا الأخذ بالاعتبار كيفية معالجة هذه المسألة، لأننا بالطبع نعتبر حيث التطور خطر جدا.
 
* هل تعتقدون أن هذا التطور خطر لأنه قد يترك أثره على سلوك الأردن أو الفلسطينيين؟
- لا..لا. لن يترك هذا الأمر أي أثر لا على الأردن ولا على الفلسطينيين. فالأثر هنا لا يتعدى درجه الصفر. إننا نعتبر الخطر هنا فقط من وجهة النظر القائلة إن طرفا عربيا قد خرج عن الصف العربي وتطلعاته العامة، واتجه نحو العدو الذي يحتل الأراضي العربية ويشرد سكانها.
 
عملية السلام 
* موقفكم كما أفهمه يا سيادة الرئيس من عملية السلام يرتكز على ثلاثة مبادئ: الأول هو أن كل مفاوضات قد تجري في المستقبل تتطلب فريقين أو طرفين، والعرب هم أحد الطرفين وإسرائيل هي الطرف الآخر. والثاني هو أنه يتوجب أن يكون هناك ميزان للقوى، أو مفهوم للمساواة. المبدأ الثالث هو أن نزاع الشرق الأوسط له أبعاد دولية ويتوجب حله ضمن هذا الإطار.
- هذه الأمور هي ضمن مبادئ سياستي، أي إنها تشكل جزءا منها. وبالطبع ينبغي أن يكون هناك توازن للقوى، ونوع من التكافؤ على الصعيد العسكري لأن الخبرة علمتني على مدى السنوات العديدة أن عدم التكافؤ في القوى العسكرية. يجعل من الصعب التحرك نحو السلام. كما أن التعطش الإسرائيلي للأرض ينمو استطراديا مع القوات العسكرية. وهذه نقطة أساسية ينبغي الوقوف عندها وبإمكاني القول بالنسبة إلى الوقت الراهن إننا مستعدون وقادرون على الدفاع عن أنفسنا وهذا لا يعني أننا لا نحتاج إلى المزيد من أجل التوصل إلى التوازن العسكري مع إسرائيل. ولكن الذي بات في حكم المؤكد، هو أن أي مزيد من التوسع العسكري الإسرائيلي سيجد الطريق أمامه شاقة ومعقدة. وهنا لا يمكننا القول إننا تمكننا من توطيد نوع من التوازن مع الدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل.
ولكنني متأكد من التوصل إلى مثل هذا التوازن، ونحن مصممون على ذلك. وقد أصبح شعار كل مواطن سوري. وقد ذكرت في سؤالك أن السلام قد أصبح ضمن النطاق الدولي. أنا أؤيد ذلك شرط أن يكون تحت رعاية الأمم المتحدة. وكان أمينها العام قد قام بالدعوة إلى مؤتمر دولي لمعالجة هذه المسألة لكنها جوبهت بالرفض الفوري من قبل إسرائيل والولايات المتحدة.


 
* هل يعني ذلك أن على عملية السلام أن تنتظر فترة طويلة؟
- سنعمل من أجل سلام عادل إذا سمحت الظروف بذلك. والأمر لا يبدو كما لو أننا نواجه خيارا بين السلام من جهة والتوازن العسكري من جهه أخرى. المسألة ليست خيارا بين الاثنين ولا انتظارا للتوصل إلى التوازن العسكري قبل التحرك باتجاه السلام، بل محاولة للتوصل إلى الهدفين في وقت واحد.
ولكن الذي ينظر إلى الوضع في منطقة الشرق الأوسط وعلى الساحة الدولية، وداخل إسرائيل، لا يمكنه الجزم بأننا على وشك الدخول في أي عملية للسلام.
 
* الكل يدرك الآن أن سوريا تقاوم سياسة الخطوة خطوة والحيلولة دون قيام لبنان بعقد صفقة منفردة مع إسرائيل. أو اتفاق مع الأردن والفلسطينيين على السير سوية في طريق الصلح، لذلك نحن ننتظر من سوريا مبادرة إيجابية على هذا الصعيد..
- أولئك الذين يرون الأمور بهذا المنظار تنقصهم إما القدرة على رؤية الأشياء ككل، أو تنقصهم الموضوعية، فبدلا من القول إن سوريا تقاوم وتعارض لماذا لا يقولون إن سوريا تقاوم نزف الدماء في لبنان وإنها تعمل على استقلاله ومنعه من أن يتحول محمية إسرائيلية؟ لماذا لا يقولون إن سوريا ترغب في الحفاظ على لبنان بسبب تاريخه وجغرافيته جزءا من الوطن العربي؟ لماذا لا يقولون إن سوريا راغبة فعلا في سلام شامل وليس سلام القطعة قطعة، لقد اكتشفنا أن سلام الخطوة خطوة يؤدي إلى حرب الخطوة خطوة وأمامنا كامب ديفيد كمثال واضح على ذلك، فتلك الخطوة إلى السلام أدت إلى كثير من الحروب. فبدلا من القول إن سوريا ترفض أي إجراء أردني، أو تحرك مصري منفرد لماذا لا يقولون إن سوريا تنظر إلى مشروع عربي جماعي؟ ولماذا لا يقولون إن سوريا قد توصلت نظريا وعمليا إلى أن الاتفاقات المنفردة لا تخدم سوى إسرائيل لا العرب كما أنها لا تخدم هدف السلام الشامل؟
 
مؤتمر مثالي
* لو تخيلتم يا سيادة الرئيس مؤتمرا مثاليا للسلام، فمن الذي سيجلس إلى طاولة المفاوضات؟ هل ستجلس سوريا، والأردن، والفلسطينيون، ولبنان، في طرف. وإسرائيل في الطرف الآخر؟ ومن غيرها أيضا؟ أي من سيكون الحاضرون في تلك الغرفة؟
- لم نصل بعد إلى المرحلة التي بإمكاننا خلالها الإعداد إلى مؤتمر. من بإمكانه تخيل مثل هذا المؤتمر؟ ولكن أعتقد أنه يتوجب على كل العرب أن يكونوا حاضرين.
 
* ليس فقط أولئك المعنيون بالمسألة بشكل مباشر؟
- كل العرب أي كل العرب معنيون بهذه القضية وهذا لا يعني أنه ينبغي أن يتضمن الوفد العربي كل أعضاء الدول العربية الـ21. ولكن أعني أنه يتوجب على الوفد أن يمثل رغبات كل العرب. أما كيفية إنجاز ذلك فنيا فستتم مناقشتها في الوقت المناسب.
 
 * هل تفضل حضور القوتين العظميين فقط، أم تفضل حضور الدول الخمس الكبرى أيضا؟
- قلنا إننا نفضل عقد المؤتمر تحت رعاية الأمم المتحدة بحضور القوتين الكبريين طبعا. وهذا الأمر لا يمكن إنكاره بالطبع. إذ يتوجب بحضور الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ولكن قد تحضر دول أخرى أيضا من أوروبا ومن حركة عدم الانحياز والعالم الإسلامي وأفريقيا 
 
الصداقة السوفياتية.
* كثيرون ذكروا أن سيادتكم قد وطد علاقة صداقة متينة مع الرئيس السوفياتي الراحل أندروبوف، وأنك تأثرت كثيرا عندما سقط الرجل فريسة المرض قبل أن يتوفى. هل لكم أن تقولوا لنا ما إذا كنتم قد أقمتم علاقات مماثلة مع خليفته تشيرنينكو؟
- لم يتغير شيء بيننا وبين السوفيات. فالعلاقة ما زالت متينة كما كانت دائما وكما هو معروف تماما، ثمة مؤسسات في الاتحاد السوفياتي مهمتها تقرير الخطوط السياسية وهذا لا يعني أننا لم نأسف ونتأثر على فقدان أندروبوف كصديق ورفيق. كما تأثرنا على فقدان بريجنيف قبله، فقد كنت أعرف تشيرنينكو جيدا. ولكنهم جميعا كانوا على علاقه جيدة مع سوريا.
 
* يبدو لي أن  أندروبوف كان يضع الأشياء على مستوى أعلى بكثير، فقد أعاد تجهيز سوريا بالأسلحة والمعدات المتطوره مثل صواريخ «سام- 5 إس»وصواريخ «إس إس- 21 إس»كما التزم  بشكل محدد بالدفاع عن سوريا.
- لقد أجبتك على سؤالك هذا. فالاتحاد السوفياتي قد أظهر عمليا أن مسألة الصداقة والتعاون مع سوريا تبقى مسألة دائمة وثابتة. ولم يتغير شيء في هذا الصدد، فقد أكدوا من ناحيتهم وأكدنا من ناحيتنا الرغبة في تعزيز علاقات الصداقة والتعاون القائمة بين بلدينا.

font change