بايدن وضرورة متابعة بعض سياسات ترامب الخارجية

على الرئيس المنتخب أن يترفّع عن صوت المغالاة الحزبية وينفّذ ما يخدم المصلحة الوطنية

جوزيف بايدن خلال تسمية فريقه الاقتصادي الأربعاء الماضي(غيتي)

بايدن وضرورة متابعة بعض سياسات ترامب الخارجية

* جو بايدن: حان الوقت لإنهاء الحروب الطويلة التي كلّفت الولايات المتحدة دماءً وكنوزًا لا تقدّر بثمن
* على الرئيس المقبل أن يتابع بعض الأهداف التي وضعها سلفه من إنهاء الحروب إلى الضغط على الحلفاء لتحمّل جزء من مسؤولياتهم الدفاعية
* هناك مسائل يختلف فيها بايدن عن ترامب، ولكن في حالات التوافق على الرئيس المنتخب أن يتخلّى عن الانتقاد الذي ينصحه به داعموه ويحقّق وعوده وينفّذ ما يخدم المصلحة الوطنية

بعد انتهاء عملية التصويت، بات جو بايدن الرئيس المقبل للولايات المتحدة بعد منافسة انتخابية حامية. وتشعر الدائرة المقرّبة منه بالنفور من الرئيس الحالي، ما قد يدفع بها إلى الضغط عليه للتخلّص من السياسات التي اعتمدها ترامب خلال ولايته أو تبنّي ما يناقضها. ولكن عندما يتعلّق الأمر بالسياسة الخارجية، فعلى الرئيس المنتخب أن يقاوم هذه الإغراءات وأن ينصت إلى صوته وحده.

كتب جو بايدن في مجلّة «فورين آفيرز» (الشؤون الخارجية) في يناير (كانون الثاني) الماضي ما يلي: «لقد حان الوقت لإنهاء الحروب الطويلة التي كلّفت الولايات المتحدة دماءً وكنوزًا لا تقدّر بثمن»، مكرّرًا بكلماته التعهّد الذي قدّمه ترامب بإنهاء الحروب التي لا تنتهي. وأمر الأخير بسحب الجنود الأميركيين من أفغانستان والعراق في آخر أيّام ولايته، ولكنّ الآلاف منهم ما زالوا موجودين في البلدين. اليوم وقد أصبح بايدن رئيسًا للبلاد، بات بإمكانه إعادتهم إلى أرض الوطن. لعلّه لن يعيدهم جميعًا ولكنّه طرح عودة عدد كبيرٍ منهم مع الإبقاء على تمثيل محدود للقوات الأميركية في الخارج عندما قال: «يجب الإبقاء على بضع مئاتٍ من جنود القوات الخاصّة والاستخبارات لدعم الشركاء المحليين في مواجهة عدوٍّ مشترك». ودعا الرئيس المنتخب أخيرًا إلى ترك 1500 إلى 2000 جندي كحدّ أقصى في الشرق الأوسط، مشدّدًا على ضرورة أن لا يتدخّل هؤلاء في الديناميّات السياسية الخاصة بالبلاد التي يخدمون فيها.

ستعزّز هذه الخطوة الموقف الذي أعلن عنه بايدن خلال حملته بقوله: «سأمثلكم جميعًا سواء صوّتّم لي أو ضدّي» لا سيّما وأنّ معظم الأميركيين، ديمقراطيين وجمهوريين، يفضّلون الانسحاب العسكري من العراق وأفغانستان. 
ويُستتبعُ إنهاء الحروب الطويلة عادةً بتجنّب انخراط جديد وغير ضروري في نزاعات عسكرية. قد يختلف بايدن عن ترامب في سياسات وأفعال معيّنة ولكنّ هذا الهدف يجب أن يكون ثابتًا. على سبيل المثال، سيحاول الرئيس المنتخب على الأرجح وسعيًا منه للسيطرة على طموحات إيران النووية حثّ الأخيرة على العودة إلى الالتزام ببنود وشروط خطة العمل الشاملة المشتركة التي تُعرف بالاتفاق النووي الذي انسحبت منه إدارة ترامب.
كما يضع بايدن نزع السلاح النووي في صلب سياسته الخارجية المرتبطة بكوريا الشمالية. ولعلّ التوصّل إلى اتفاق النتيجة التي ترجوها الإدارة الجديدة، ولكن على الرئيس أن يكون حذرًا في انتقاده لترامب وأن يسعى للجم طموحات بيونغ يانغ النووية حتّى لا تتحوّل إلى تهديد متنامٍ أو تؤدّي إلى حرب. فقد انتقد الرئيس المنتخب سلفه الذي كوّن «صداقة جيّدة» مع كيم جونغ أون الذي يصفه بـ«السفاح»، ومع ذلك، صرّح أحد أهم مستشاريه للسياسة الخارجية بأنّ بايدن سيود غالبًا لقاء الزعيم الكوري الشمالي.
ويتشارك ترامب وبايدن الآراء نفسها فيما يتعلّق بحلف الناتو، مع أنّ الثّاني يعتبر أنّ «ترامب قلّل من شأن حلفاء وشركاء الولايات المتحدة، حتّى إنه تخلّى عنهم في بعض الحالات وأنّ التزام الولايات المتحدة بالحلف ليس صفقة أو عملًا قسريًا» إلّا أنّه يوافقه الرأي قيما يتعلق بـ«ضرورة تحمّل الحلفاء لحصّتهم من المسؤولية».

ويجب على إدارة بايدن- هاريس حث الشركاء في الحلف على تنفيذ وعودهم انطلاقًا من «الالتزامات التي ناقشتها إدارة أوباما- بايدن لضمان زيادة الدول الأعضاء في حلف الناتو لنفقاتها الدفاعية».

ويرى بايدن أنّ «قيادة الحلف تقع على عاتق الولايات المتّحدة»، ولكنّ أبرز السمات القيادية تكمن في النجاح في حث الذين تقودهم على تحقيق المطلوب منهم. وفي الحقيقة، يملك حلفاؤنا الأوروبيون ما يكفي وأكثر من الموارد للوفاء بتعهّداتهم بإنفاق 2 في المائة من ناتجهم الإجمالي المحلّي على الدفاع. وتلتزم حاليًا تسع دول إلى جانب الولايات المتحدة بعتبة الإنفاق المتفق عليها، وهي النرويج (2.03 في المائة) وفرنسا (2.11 في المائة) وليتوانيا (2.28 في المائة) وبولندا (2.03 في المائة) ولاتفيا (2.32 في المائة) وإستونيا (2.38 في المائة) ورومانيا (2.38 في المائة) والمملكة المتّحدة (2.43 في المائة) واليونان (2.58 في المائة) لتغيب عن هذه اللائحة كل من ألمانيا (يبلغ ناتجها الإجمالي المحلّي 3.86 تريليون دولار) وإيطاليا (يبلغ ناتجها الإجمالي المحلّي 1.99 تريليون دولار) اللتين تُعتبران من الدول الثرية وتُصنّفان رابع وثامن أكبر اقتصادات العالم، ما يعني أنّهما قادرتان على تنفيذ التزامهما. ويبلغ مجموع الناتج الإجمالي المحلّي للدول الأوروبية الأعضاء في حلف النّاتو 17.5 تريليون دولار، أي أقلّ بقليل من الناتج الإجمالي المحلّي للولايات المتحدة والذي يقدّر بنحو 20 تريليونا، إلّا أنّ الأخيرة تنفق أكثر من ضعف إنفاق حلفائها الأوروبيين في النّاتو على السياسات الدفاعية. بمعنى آخر، لا يوجد سبب يمنع الدول الأوروبية الأعضاء في الحلف من الالتزام بتنفيذ ما يتوجّب عليهم وإنفاق 2 في المئة من ناتجهم المحلّي الإجمالي على سياساتهم الدفاعية سوى غياب الإرادة السياسية.
وقد ترغب إدارة بايدن التي تريد «تعزيز قدراتنا الجماعية من خلال إعادة استثمار تحالفات المعاهدة» في تبنّي مقاربة مشابهة (وليس بالضرورة اعتماد عتبة الإنفاق نفسها) مع حلفاء آخرين كأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية التي تعدّ دولًا ثرية لا تحتاج إلى الولايات المتحدة وتستطيع تحمّل المزيد من مسؤولياتها الدفاعية.

وتوجد الكثير من المسائل التي يختلف فيها بايدن عن ترامب، ولكنّ في حالات التوافق التي تخدم الأمن القومي الأميركي، على الرئيس المنتخب أن يتخلّى عن الانتقاد  الذي ينصحه به داعموه وأن يترفّع عن صوت المغالاة الحزبية ويحقّق وعوده وينفّذ ما يخدم المصلحة الوطنية.
 
font change