تعقيدات الملف الليبي إلى أين؟

تدخل تركي.. وتقارب روسي.. وترقب عربي

وزير الدفاع التركي خلوصي أكار يستقبل رئيس أركان القوات المسلحة الليبية محمد علي الحداد بحكومة الوفاق في أنقرة ، تركيا في 19 أكتوبر.

تعقيدات الملف الليبي إلى أين؟

* اتهامات باستمرار التدخل التركي... واجتماعات الفرقاء مستمرة في سبيل الحل
* مصر حريصة على وحدة الليبيين ودور القاهرة متواصل ولم ينقطع.. وشك دولي في موقف تركيا من الأزمة الليبية
* إردوغان اعترف بتدخل أنقرة وانحيازها لطرف على حساب آخر، فهل تتوافق مصالح الدول الكبرى مع سيناريوهات الحل؟
* متخصص في العلاقات الدولية: المشروع التركي في غرب ليبيا لم ينته، ولكنه يأخذ استراحة محارب حتي يستكشف السياسة الجديدة في البيت الأبيض
* تركيا بدأت التحرك نحو الجنوب الغربي لزيادة السيطرة
* الدور المصري يقوم على مجموعة من المبادئ أولها أن القضية الليبية لن تحل إلا بالحوار الحقيقي والمخلص بين الليبيين، وأن على كل الأطراف الخارجية الانسحاب من الساحة الليبية وترك الأمر لأهل ليبيا

القاهرة: بعد محاولات مضنية لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين، ازدادت الشكوك خلال الفترة الأخيرة في إمكانية التوصل إلى حل قريب بين ألوان الطيف السياسي والعسكري في ليبيا، في ظل العديد من العوامل التي عرقلت ولا تزال الحلول المطروحة من هنا وهناك، ومن بينها الاتهامات للجانب التركي بالتدخل في ليبيا من خلال دعم الميليشيات بالعتاد والأسلحة ومحاولات التوغل جنوبا، هذا إلى جانب اختلاف وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين، وكذلك دعم دول الجوار لأطراف على حساب أخرى، بالإضافة إلى الخلاف الداخلي المستشري بين كافة محاورالتفاوض وسط اتهامات بالانسياق وراء دول معينة .
ورغم الاختلاف في عدد من الملفات استمرت الجهود الرامية لتصحيح مسار الملف الليبي بين شركاء الوطن الواحد في ليبيا، خلال الفترة الأخيرة من خلال اجتماعات بين الأطياف المتعددة مؤخرا في مدينة طنجة المغربية وقبلها في كل من تونس وغدامس لإعداد خارطة طريق جديدة لمجلس النواب، وبحث التحديات التي سيواجهها الأعضاء خلال الفترة القادمة، وأبرزها إنهاء حالات الانقسام الموجودة بهدف بداية مرحلة جديدة تستوعب كل ألوان الطيف السياسي في ليبيا، وشهد الاجتماع في المغرب حضور حوالي 120 نائبا بهدف توحيد مجلس النواب بعد انقسامه بين طرابلس وطبرق وكذلك بحث مسار العملية السياسية أملا في طي صفحات الخلاف بين الجميع لصالح الدولة الليبية.
 
تشكك دولي
التشكك من قبل المجتمع الدولي للموقف التركي من ليبيا لم يتوقف منذ بداية الأزمة الليبية، ولم تتوقف معه مطالبات الاتحاد الأوروبي لأنقرة بإيقاف التدخل وضرورة احترام حظر السلاح المفروض على ليبيا من الأمم المتحدة، فيما اتهم الجيش الليبي تركيا في وقت سابق باستخدام أسلحة أميركية متطورة ومن بينها دبابات وصواريخ داخل الأراضي الليبية، ونقل هذه الأسلحة إلى الداخل الليبي على متن سفن تجارية تركية، وأن أنقرة تستخدم جميع الطرق المتاحة لوصول الأسلحة والمرتزقة إلى الميليشيات، وكذلك استحضار أنقرة للتاريخ العثماني في التعامل مع ليبيا والمنطقة في ظل تجاهل كامل لمناشدات المجتمع الدولي لتركيا بالكف عن هذا السلوك، وطالب الجيش الليبي مرارا تركيا بالخروج بشكل كامل من ليبيا، والتوقف عن نقل المرتزقة وخاصة السوريين والأجانب إلى داخل الأراضي الليبية لدعم ما سماه المتحدث بإسم الجيش الليبي ميليشيات الوفاق، والتي قدرت عدد هؤلاء المرتزقة بالآلاف، وفق تقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومن بين هؤلاء- وفق المرصد- عناصر في تنظيم الدولة الإسلامية من جنسيات أجنبية متنوعة، ومن بينهم حاملو جنسيات دول من شمال أفريقيا.
 
اتهامات غربية
الاتهامات الغربية لأنقرة لم تجد آذانا صاغية لدى الجانب التركي الذي وصفها بغير المبررة والبعيدة عن الحقيقة مستشهدا في ذلك بما روجته وسائل إعلام عن رفض تفتيش السفينة التركية «روزالينا» الأسبوع الماضي من قبل الفرقاطة الألمانية «هامبورغ» التي تعمل في البحر المتوسط ضمن قوات الاتحاد الأوروبي التي تحاول منع وصول الأسلحة إلى الفصائل المتحاربة في لييبيا وهو ما وصفه الجانب التركي بأخبار غير حقيقية بعدما أكد متحدث وزارة الدفاع الألمانية على صعود جنود ألمان إلى السفينة وعدم وجود أي شيء مثير للريبة، وأن كل ما وجدوه على السفينة هو مواد غذائية وإغاثية بحسب حديث الألمان أنفسهم، وقدمت تركيا احتجاجا للاتحاد الأوروبي على انتهاك القانون الدولي بعدم الانتظار للحصول على إذن بتفتيش السفينة، في حين أكد متحدث وزارة الخارجية الألمانية على اتباع الإجراءات بشكل صحيح .
 
صورة ارشيفية للرئيس التركي إردوغان

دور تركي
ورغم النفي المتكرر من أنقرة لاتهامات التدخل في ليبيا إلا أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أقر بالدور التركي في إنقاذ حكومة فائز السراج من السقوط على يد القوات المسلحة الليبية وذلك في خطابه أثناء حضوره افتتاح مبنى جهاز الاستخبارات التركية بإسطنبول عندما أكد على الدعم المعلوماتي الذي وفرته الاستخبارات التركية للسراج في ليبيا في مواجهة خليفة حفتر الذي كان يريد- بحسب إردوغان- اختيار الطرق العسكرية بدلا من السياسية داخل ليبيا، والذي كان من شأنه تغيير قواعد اللعبة ووقف تقدم الجيش الليبي.
 
حرص مصري
الدور المصري في الملف الليبي لم ينقطع منذ بداية الأزمة أيضا، وذلك نظرا للالتزام العربي، واعتبارات الأمن القومي المصري بسبب الجوار الليبي، وكان الموقف المصري واضحا في المطالبة بتوحيد المؤسسات الليبية، والحرص على تجميع كل ألوان الطيف الليبي في بوتقة تحقيق المصلحة الليبية الرامية لوحدة أراضي ليبيا، ومنع استنزاف ثروات الدولة الليبية، وقطع الطريق على المتربصين، بالإضافة إلى الحرص على وحدة المؤسسة العسكرية ومجلس النواب، وهو ما سيؤدي إلى الاستقرار ومنع التناحر والتحزب، وكانت الخطوات العملية المصرية في ذلك حاضرة من خلال لقاءات متعددة مع القوى السياسية في ليبيا، ولجنة العشرة التي اجتمعت أكثر من مرة في سرت وغدامس وقبلها في جنيف، وحاولت قدر الإمكان الابتعاد بالفرقاء عن التحزب الإقليمي، وكذلك حرص الموقف المصري على استمرار وقف إطلاق النار، وجاءت الجهود المصرية برغبة جادة في منع التدخل الخارجي من المتربصين من بعض القوى الإقليمية .
 
تدخل روسي
الدور الروسي لم ينقطع عن الملف الليبي منذ بداية الأزمة الليبية عام 2011، وهو ما أكده المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب من أن روسيا تلعب دورا مهما ومحوريا وداعما في ليبيا بملفات متعددة من بينها إعادة الإعمار ومحاربة الإرهاب ومبادرة السلام، وأيضا دعم الحوار بين كل الأطياف الليبية، وثمن صالح عقب اجتماعه مع عدد من النواب الروس في موسكو بحضور بعض النواب الليبيين بعد مقابلته لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بدعوة من مجلس الدوما الروسي الجهود المبذولة من قبل روسيا والتي أتاحت- بحسب صالح- التوصل لوقف إطلاق النار بين الأطراف الليبية المتنازعة، وإلى رغبته في لعب موسكو دورا محوريا في التنمية والمشاريع الاستثمارية المتنوعة في جميع مجالات الطاقة والصناعة والزراعة، والسعي لاستخدام الخبرات الروسية لتغيير حياة الليبيين إلى الأفضل، فيما ثمن نائب رئيس مجلس الدوما الروسي ألكسندر جوكوف التعاون البرلماني مع الجانب الليبي، واعتبار ليبيا شريكا رئيسيا في شمال أفريقيا، واتفاقية التعاون بين الدوما ومجلس النواب الليبي التي نصت على إنشاء لجنة برلمانية دائمة بين الجانبين والتي شددت على التعاون في جميع المجالات التجارية والسياسية والاقتصادية والثقافية بين الجانبين، وأنه مع استقرار الوضع في ليبيا وإنجاز المصالحة الوطنية ستتم ترجمة الاتفاقية عمليا على أرض الواقع، مشيرا لمحافظة موسكو على الاتصالات مع كل الأطراف الليبية والاستعداد لإيجاد حلول مقبولة للطرفين.
 
إرادة سياسية
الدكتور أيمن سمير المتخصص في العلاقات الدولية قال في حديث خاص لـ«المجلة»: «ما يجري حاليا في ليبيا هو (طحن بلا طحين)، فالاجتماعات والمسارات الكثيرة في الملف الليبي لم تفض حتى الآن لبلورة الإرادة السياسية الكاملة للتوصل لحل نهائي وشامل للأزمة الليبية، لأنه في تقديري الجماعة الموجودة في غرب ليبيا وتحديدا في طرابلس ومصراته والمدعومة من تركيا سوف تنتظر الإدارة الأميركية الجديدة، وهي لا يمكن أن تقبل على خطوة تصالحية أو خطوة سياسية مع الجانب الآخر الذي يمثله الجيش الوطني الليبي بزعامة خليفة حفتر أو البرلمان الليبي بزعامة عقيلة صالح في الوقت الحالي، وكل ما يجري الآن هو استراحة محارب بالنسبة لهؤلاء يشمل تجميع سلاح وميليشيات».
وتابع: «المشروع التركي في غرب ليبيا لم ينته، ولكنه حاليا يأخذ استراحة محارب حتى يستكشف السياسة الجديدة في البيت الأبيض الأميركي، وهؤلاء يراهنون على أن الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن سوف يواصل سياسة الاستدارة شرقا بمعنى أن الولايات المتحدة الأميركية سوف (تتحلل)، و(تتنصل) من كل مسؤولياتها ليس فقط في المنطقة العربية ولكن في كل إقليم الشرق الأوسط الذي يبدأ من أفغانستان شرقا حتى المغرب غربا، وفي تلك الحالة يعتقدون أن هناك قبلة حياة جديدة للمشروع المرتبط بالإسلام السياسي وبالإخوان، وبالتالي يمكن أن يسيطروا على كل ليبيا، وإذا كان لديهم فرصة للسيطرة على كامل التراب الليبي فلماذا يقبلون فقط بنصف ليبيا، وهذا هو تصورهم ورؤيتهم التي نشرتها حتى الصحافة التركية بشكل واضح وصريح».
 
كتلة بشرية
وتابع الدكتور أيمن سمير في حديثه لـ«المجلة»: «الآن تركيا تتحرك في ملف آخر يتعلق بليبيا حيث تدرك أنها تسيطر على الشمال الغربي الليبي وبدأت تتحرك الآن نحو الجنوب الغربي وتحديدا إقليم فزان، وتجري بشكل أسبوعي اجتماعا بين الأتراك والقبائل الموجودة في الجنوب لمحاولة ضمهم للسراج وبالتالي يصبح لديها كتلة بشرية ومساحة جغرافية أكبر بحيث يكون كامل الغرب الليبي شمالا وجنوبا تحت السيطرة التركية، وفي هذه الحالة تستطيع ربط جماعاتها في شمال ليبيا مع جماعات الجنوب في منطقة الساحل والصحراء وشمال مالي، وشمال النيجر، وهنا يصبح لتركيا سيطرة كاملة على هذه المنطقة».
 

استراحة محارب
وحول اجتماعات الفرقاء الليبيين مؤخرا في تونس والمغرب، أضاف: «في ظل هذه الظروف، لا يمكن أن نتصور مع انعقاد الاجتماعات هنا أو هناك أن ينهار كل هذا المشروع من أجل أن يكون هناك حل أو سلام واستقرار في ليبيا، فالمحور التركي الداعم للميليشيات لا يفكر في هذا الأمر، ولكنه يأخذ فقط استراحة محارب من خلال الذهاب للقاهرة حينا وإلى جنيف مرة أخرى، وإلى تونس أو المغرب وأحيانا إلى موسكو، لكن يعتبر بيان برلين الذي أسس لعملية السلام في ليبيا يتم انتهاكه ليلا ونهار من قبل تركيا التي ترسل الأسلحة والمرتزقة إلى ليبيا، وفي تقديري- والحديث لا يزال للدكتور أيمن سمير- أن الجانب الآخر لا يزال يستفز في حكومة السراج وفي الموجودين بالغرب الرغبة في السلام والاستقرار وعودة الدولة الوطنية الليبية، لكن في تصوري إذا أجرينا تحليلا لمضمون التصريحات التي تخرج عقب هذه الاجتماعات فسنكتشف أننا ما زلنا على الباب ولم ندخل بعد إلى الغرفة الحقيقية التي يمكن فيها صياغة نهاية لهذا الملف الذي بدأ منذ عام 2011 وحتى الآن».
 
قوات موالية لحكومة {الوفاق} تستعد للتوجه نحو سرت (رويترز) (1)
قوات موالية لحكومة {الوفاق} تستعد للتوجه نحو سرت (رويترز) 

موقف مصري
وحول الدور المصري في الملف الليبي، قال الدكتور سمير: «الدور المصري يقوم على مجموعة من المبادئ أولها أن القضية الليبية لن تحل إلا بالحوار الحقيقي والمخلص بين الليبيين، وأن على كل الأطراف الخارجية الانسحاب من الساحة الليبية وترك الأمر لأهل ليبيا، وتؤمن مصر كذلك بأن الحل في ليبيا يبدأ وينتهي عند الحلول السياسية والسلمية وليس بالحلول العسكرية، وبالتالي فمصر لم تندفع في أي وقت للقيام بعمل عسكري، وتؤمن القاهرة كذلك بأن الوضع في ليبيا يحتاج لمساعدة الجميع سواء من دول الجوار أو الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وأميركا، وبالتالي مصر تدعم أي جهد يقدم من أي طرف إقليمي أو دولي لحل القضية الليبية، ومصر أيضا وفي نفس الوقت ليس لديها أي مشكلة مع أي ليبي على الإطلاق مهما كان توجهه أو أفكاره، وكل مشكلة مصر مع الجماعات الإرهابية والمتطرفة والميليشيات وهؤلاء ينبغي أن يخرجوا من ليبيا قبل أي حل سياسي، لأنه في ظل وجود هؤلاء لن يكون هناك حلول بقدر ما سيكون بداية لمشكلة أكبر».
 
font change