الرئيس المنتخب ومهمة إنقاذ الاتفاق النووي

تعتزم إدارة ترامب المنتهية ولايته جعل المهمة شبه مستحيلة

صورة ارشيفية تجمع جو بادين بالرئيس السابق أوباما

الرئيس المنتخب ومهمة إنقاذ الاتفاق النووي

* أدى ميل واشنطن إلى رؤية إيران كمصدر لكل التوترات في المنطقة، إلى الضغوط على الاتفاق النووي مما أضر بقدرته على الاستمرار لفترة طويلة


واشنطن: بعد توليه الرئاسة بفترة قصيرة، سوف يواجه الرئيس المنتخب جو بايدن مهمة شاقة لإعادة الاتفاق النووي لعام 2015، وإعادة الولايات المتحدة وإيران إلى المباحثات. تعتزم إدارة الرئيس دونالد ترمب المنتهية ولايته جعل تلك المهمة شبه مستحيلة بتمضية آخر عشرة أسابيع لها في الحكم وهي تخطط لـ«سيل» من العقوبات من أجل ممارسة مزيد من الضغط على إيران. من الواضح أن فريق ترامب يأمل في أن بايدن لن يرغب في تحمل التكاليف السياسية الناجمة عن التراجع عن هذه العقوبات، والتي سيتم ربطها بمخاوف غير نووية مثل الصواريخ الباليستية وحقوق الإنسان.
ولكن التخريب الواضح سيؤدي فقط إلى تحديد خيارات بايدن وقد يجبره على الذهاب إلى ما هو أكبر من مجرد استعادة الاتفاق. وعلى النقيض من حسابات إدارة ترامب وحلفائه في إسرائيل، ربما يسعى بايدن الآن إلى الانضمام للاتفاق النووي، بل وأيضًا تحسين العلاقات مع إيران من أجل عزل الاتفاق عن المحاولات الإسرائيلية بإجهاضه.

رفض الاختيار
أقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على هذه المقامرة من قبل وخسر. في منتصف التسعينات، ضغطت إسرائيل من أجل تحويل البرنامج النووي الإيراني إلى مصدر قلق أمني دولي، لتدفع به إلى مقدمة الأجندة الأميركية. وعندما تولى نتنياهو رئاسة الوزراء، وصف برنامج طهران النووي بالتهديد الوجودي لإسرائيل، ووصف الحكومة الإيرانية بغير العقلانية والانتحارية. كانت استراتيجيته هي تقويض خيارات الرئيس باراك أوباما حينها؛ بجعل الاحتواء غير قابل للتطبيق، ووضع حد للمساعي الدبلوماسية حتى لا تنجح المحادثات مطلقًا (على سبيل المثال، بالإصرار على وقف التخصيب تمامًا)، وبالتالي يترك أوباما أمام خياري الحرب أو القبول الضمني بسلاح نووي إيراني. وبالطبع كان رهان نتنياهو على أن أوباما ببساطة لا يمكنه أن يسمح لإيران بالحصول على سلاح نووي في عهده.

ولكن أخطأ نتنياهو في حساباته. وبإطلاقه الإنذار، جعل استمرار خيار الوضع الراهن- أي الاحتواء- لا يبدو ممكنًا. وكان على إدارة أوباما التحرك. ولكنها عندما تحركت، رفضت خياري نتنياهو ولجأت بدلًا منهما إلى خيار ظن نتنياهو أنه أغلق الباب أمامه: الدبلوماسية الحقيقية مع طهران، بناء على تنازلات وتسويات متبادلة.

بدأت إدارة أوباما مفاوضات سرية مع إيران في عُمان، وعرضت القبول بتخصيب إيران لليورانيوم على أراضيها (وهو ما عارضته إسرائيل بشدة) إذا ما وافقت طهران على الشفافية والقيود التي يمكن أن تغلق عليها طريق صنع قنبلة.
لو لم يُبعد نتنياهو خيار الوضع الراهن ويسعى إلى دفع أوباما إلى التصرف،  كانت الاحتمالات ستشير إلى أن الرئيس الأميركي سيفعل مثل العديد من سابقيه عند مواجهتهم لمشكلة ليس لها حلول جيدة: تسويف الحل وتركه حتى يأتي الرئيس القادم ويتعامل معه. وفي الحقيقة، كان ذلك ما فعله أوباما على وجه التحديد مع برنامج كوريا الشمالية النووي.
يجب أن يرفض بايدن محاصرته فيما يتعلق بإيران كما حدث مع أوباما. يجب أن يصر على التفكير فيما هو أكبر من الاتفاق النووي والنظر بدلًا من ذلك في العلاقات الأوسع، لأن تجربة الأعوام القليلة الماضية كشفت أن أي اتفاق للحد من الأسلحة يمكن أن يستمر في حال استمرار العلاقات بين البلدين في التدهور.
 
التفكير بعيدًا عن النووي
في عام 2015، كانت القضية النووية هي الأكثر إلحاحًا ووضوحًا وتبريرًا في التعامل مع طهران. ولم يشتمل الاتفاق الناتج على المخاوف الأخرى، ولم يوضع في الأساس من أجل بداية عصر جديد بين البلدين. وفي حين كان فريق أوباما يأمل أن يؤدي نجاح الاتفاق إلى تحسن العلاقات وتلطف أوسع في السياسة الخارجية الإيرانية، لم يرغب في أن يقاس نجاح الاتفاق وفقًا لأي من تلك الأهداف غير النووية.

أثمر هذا النهج عن اتفاق مع إيران يمكن لواشنطن أن تقبله، وليس اتفاقًا يمكنه تحمل الهجوم التي تبعه. يُفَضِّل بعض شركاء أميركا في الشرق الأوسط الصراع على المساعي الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران، ولهم مصلحة راسخة في استخدام الولايات المتحدة لقوتها العسكرية والاقتصادية الساحقة من أجل منع تحول الميزان الإقليمي لصالح طهران. لن تتردد هذه الدول في عرقلة المساعي الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران، حتى عندما يعني ذلك التدخل في السياسة الحزبية الأميركية والضغط من أجل سياسات تقوض الأمن الأميركي. ونظرًا لأن الولايات المتحدة تعطي قيمة قد تكون مبالغة فيها لشراكاتها في الشرق الأوسط، كثيرًا ما لا ترغب الولايات المتحدة في مقاومة هذه الجهود وعلى الأرجح تلجأ إلى ترضيتهم بدلًا من ذلك.

أبدت الولايات المتحدة مراعاتها لحلفائها في الشرق الأوسط عن طريق إقناع إيران أولًا بالحد من خياراتها العسكرية، ثم المساعدة في إمداد جيوش حلفائها بصفقات أسلحة ومساعدات. بعد مرور عام على توقيع الاتفاق النووي، وقعت إدارة أوباما اتفاقًا يمنح إسرائيل 38 مليار دولار في صورة مساعدات عسكرية في خلال الأعوام العشرة التالية، وهي أكبر حزمة مساعدات من نوعها في التاريخ الأميركي.

حتى في ظل غياب مبالغات ترامب، أدى نهج واشنطن في مراعاة شركائها الاستراتيجيين، بالتزامن مع الميل إلى رؤية إيران كمصدر لكل التوترات في المنطقة، إلى مثل تلك الضغوط على الاتفاق النووي مما أضر بقدرته على الاستمرار لفترة طويلة. والآن ترغب إدارة ترامب في إنهاء مصير الاتفاق بمحاولة أخيرة لتقييد الخيارات السياسية المتاحة أمام خليفته.

وبدلًا من السماح لترامب بفرض إرادته، يجب أن ينتهز الرئيس المنتخب بايدن الفرصة للتفكير في إطار أوسع حتى مما تمكنت إدارة أوباما من التفكير به. وبدلًا من أن يسأل نفسه عن درجة تخفيف العقوبات التي يرغب في المحاربة من أجلها في الكونغرس لإحياء الاتفاق النووي، يجب أن يسأل نفسه عن نوع العلاقات التي قد ترغب الولايات المتحدة في أن تقيمها مع إيران في هذا القرن. إذا لم يعد الوقوع في عداء لا ينتهي يفيد المصالح الأميركية، بل يجعل الدولة أقل أمنًا في حين يرغب الشعب في إنهاء الحروب وسحب القوات من الشرق الأوسط، يجب أن يتفوق بايدن على ترامب تمامًا كما تغلب أوباما على نتنياهو، ويفكر بعيدًا عن الاتفاق النووي. على سبيل المثال، قد تساعد العلاقات الدبلوماسية المباشرة مع إيران الولايات المتحدة على تجنب نشوب حرب في المنطقة وتسمح لها بالتأثير على السياسات الإيرانية المثيرة للإشكاليات بفاعلية أكبر. ويمكن أن يشير بايدن بوضوح إلى أنه، بخلاف الاتفاق النووي، منفتح على تطبيع العلاقات مع طهران.

ربما يقاوم كثيرون في طهران مثل هذه المناورة، بعد أن أثبتوا لأنفسهم كثيرًا أنهم أكثر ارتياحًا بالوضع الراهن عن السعي إلى السلام. ومما يزيد الأمور سوءًا أن انتهاك ترمب للاتفاق النووي أضر بشدة بسمعة التفاوض مع الولايات المتحدة، ناهيك عن إمكانية تحسن العلاقات على نحو أوسع. إن حل معضلة العلاقات الدبلوماسية الأميركية الإيرانية مهمة صعبة للغاية. ولكن كشفت الأعوام الأخيرة أن عدم المحاولة لن يبدد االصعوبات.

* ينُشر هذا المقال بالاتفاق مع «فورين آفيرز» ForeignAffairs.com.
 
font change