ظواهر مناخية عنيفة في مصر... وتحذيرات أممية

أمطارغزيرة وتساقط ثلوج وعدم استقرار والإسكندرية في حالة طوارئ

أمطار غزيرة بالقرب من جسر الجامعة الذي يربط بين العاصمة المصرية القاهرة ومدينتها التوأم الجيزة، في 25 نوفمبر 2020 (أ.ف.ب)

ظواهر مناخية عنيفة في مصر... وتحذيرات أممية

* حالة عدم الاستقرار الجوي التي ضربت بعض المحافظات المصرية صاحبتها ظواهر مناخية جديدة على المجتمع
* تحركات حكومية للتقليل من أثر الأزمة، وصراع مع كميات المياه غير المسبوقة... وتضرر منازل وسيارات بسبب الأمطار الغزيرة
* رفع درجة الاستعداد... وتحذيرات حكومية للمواطنين للتعامل مع الأمطار... وقافلة إنسانية لدعم الأسر الأولى بالرعاية والمتضررة من الأمطار الغزيرة
* الطبيعة الجبلية لجنوب سيناء تجعلها عرضة لأخطار السيول... والمدن الجديدة في الصحراء كشفت عن حالات طبيعية لم تكن ظاهرة من قبل
* رئيس إدارة التحليل والتنبؤات بهيئة الأرصاد الجوية: التغيرات المناخية قد تكون إيجابية أحيانا، وهي نتيجة طبيعية لظاهرة الاحتباس الحراري

 
القاهرة: رفعت الحكومة المصرية مؤخرا درجة الاستعداد، تحسبا لتحذيرات خبراء الأرصاد الجوية من مواجهة حالات متوقعة من عدم الاستقرار في الطقس، وجاء ذلك بعد المؤشرات الأولية لكميات من الأمطار الغزيرة التي ضربت عددا من محافظات الوجه البحري والإسكندرية بدرجة غير مسبوقة لدرجة فاقت استيعاب شبكات الصرف الصحي التي عجزت عن تصريف كميات الأمطار الكبيرة في زمن قليل وهو ما أدى لتجمع المياه وتضرر بعض المناطق، مما جعل أجهزة الأحياء والمدن تكثف من عمليات نزح وشفط المياه من خلال شاحنات (فناطيس) مجهزة لذلك استعدت بها المحافظات لتقليل أثر الأزمة .
حالة عدم الاستقرار الجوي التي ضربت بعض المحافظات المصرية صاحبها بعض الظواهر المناخية التي لم يعتدها الكثيرون ومن بينها تساقط قطع من الثلج على بعض المناطق وهو ما أثار الدهشة حيث لم يعتد السكان على هذه الظواهر التي كانوا يتابعونها فقط عبر الأفلام والمسلسلات الغربية في أوروبا وروسيا والمناطق المتجمدة، وهو ما يؤكد أن ظاهرة الطقس غير المستقر الذي ضرب بعض المحافظات مؤخرا ولا يزال يهدد مصر، لا ينفصل بأي حال عن حالة التغيرات المناخية التي يتعرض لها العالم خلال الفترة الأخيرة والتي تعد نتيجة لظاهرة الاحتباس الحراري وذوبان الثلوج في المناطق المتجمدة والقطبين.
وتتكرر تقلبات الطقس العنيفة في مصر خلال هذه الفترة، وتعد السيول التي يتعرض لها عدد من المناطق في جنوب سيناء هي أخطر حالاتها حيث تقطع الطرق الممهدة نتيجة قوتها وذلك مثلما حدث في طريق نويبع النقب في جنوب سيناء بداية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) والذي تم إغلاقه بعد تعرضه للسيول الجارفة التي تنحدر من جبال سيناء نظرا للطبيعة الجبلية لهذه المنطقة، وتقوم الحكومة المصرية بجهود كبيرة بعدها لإعادة الطرق لحالتها الطبيعية .
أمطار غزيرة
حالات الطقس غير المستقر في مصر تناقلته السوشيال ميديا عبر صور تم التقاطها من مواطنين، وبعض وسائل الإعلام أظهرت تضرر عدد من المنازل والسيارات بسبب الأمطار الغزيرة وتجمعات المياه التي لم تجد سبيلها للانسياب داخل شبكات الصرف الصحي بسبب غزارة الأمطار، وزيادة كمياتها بشكل فاق استيعاب شبكات الصرف، وذلك وفق تأكيدات مسؤولين حكوميين في مداخلات للقنوات التلفزيونية المصرية، وكان لذلك أثره على عدد من المنازل التي تهدمت جزئيا بسبب شدة الأمطار وقدم هذه المنازل التي لم تتحمل التغيرات التي حدثت بسبب الأمطار، وكذلك حالات سقوط لبلكونات، وتعرضت طفلة للموت صعقا بالكهرباء بسبب سيرها بجانب أحد أعمدة الإنارة، وهو ما تكرر أكثر من مرة في وقائع مشابهة ارتبطت بحالة السيول في المحافظات بسبب حالة عدم العزل الكاملة لأعمدة الإنارة وهو ما أثار انتقادات واسعة لأجهزة المدن بالمحافظات، وأصدرت محافظة القاهرة تحذيرات للمواطنين بعدم النزول للشوارع إلا في حالات الضرورة، ونقلت عدد من وسائل الإعلام المختلفة صورا لمسؤولي المحافظات ومن بينهم محافظون وهم يباشرون العمل في عمليات نزح المياه من الشوارع الرئيسية، والإشراف على عمليات أجهزة المحافظات لتقليل أثر الأزمة.
شارع في مدينة الإسكندرية غمرته المياه بسبب الأمطار الغزيرة (أ.ف.ب)

 
حالة طوارئ
وأعلن محافظ الإسكندرية اللواء محمد الشريف عن تعطيل الدراسة يوم السبت الماضي في جميع المرافق الحكومية والمدارس والجامعات باستثناء مرافق المياه والصرف الصحي والإسعاف والكهرباء، وجميع المرافق الضرورية، وقامت المحافظة وبناءً على التوقعات الصادرة من الهيئة العامة للأرصاد الجوية في مصر برفع حالة الطوارئ القصوى والاستعداد في جميع أجهزة المحافظة للتعامل مع الأزمة خاصة مع شدة الأمطار، وطالبت المحافظة الموطنين في بيان لها تم بثه في وسائل الإعلام المختلفة وعلى صفحات المحافظة على وسائل التواصل الاجتماعي توخي الحذر واتباع التعليمات حفاظا على سلامتهم ومن بين هذه التعليمات تقليل التحرك بالسيارات الخاصة للسماح لسيارات رفع المياه التحرك بسهولة ولإعطاء الأجهزة التنفيذية الفرصة لأداء واجبها ورفع آثار الأمطار وتسهيل حركة المعدات، وشددت المحافظة على تجنب السيارات السير بسرعات عالية، وتوخي الحذر أثناء القيادة والحفاظ على مسافات آمنة مع السيارات الأخرى، وعدم الاقتراب من الأسوار والأجسام المعدنية والسكك الحديدية أثناء البرق تجنبا للصعق، وعدم الوقوف أسفل البلكونات القديمة والمتهالكة، وتجنب الوقوف في الأماكن المفتوحة أثناء البرق والرعد، وحذرت الأرصاد الجوية المواطنين من حالة عدم الاستقرار الجوية، ودعت الموطنين لعدم السير بأي أشياء معدنية تجنبا للصواعق.
 
قافلة إنسانية
وشهدت محافظة الإسكندرية وصول قافلة إنسانية لدعم الأسر الأولى بالرعاية في المحافظة والتي أطلقها صندوق تحيا مصر بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعي لرعاية مليون أسرة على مستوى الجمهورية استعدادا لفصل الشتاء خاصة مع ظهور مؤشراته الأولية خلال الأيام الماضية، وأشار محافظ الإسكندرية اللواء محمد الشريف إلى استهداف المبادرة للمواطن البسيط والأسر الأولى بالرعاية، وإلى أنه سيتم توزيع عبوات غذائية من خلال الجمعيات الأهلية على الأسر الأكثر احتياجا والأسر المتضررة من الأمطار الغزيرة التي تعرضت لها المحافظة خلال الفترة الماضية، واشتملت القافلة- بحسب بيان المحافظة- على 37 ألف عبوة غذائية، واشتملت المبادرة على تجهيز 24 عروسة بالأجهزة المنزلية بالكامل، وتوفير 23 جهاز غسيل كلوي للمستشفيات الحكومية، فيما أصدرت محافظة القاهرة تحذيرات للمواطنين لعدم النزول إلى الشوارع إلا في حالات الضرورة القصوى.
 
ظواهر مناخية
الدكتور محمود شاهين، رئيس إدارة التحليل والتنبؤات بهيئة الأرصاد الجوية في مصر، قال: «ظاهرة الأمطار الغزيرة والسيول تعد أمرا طبيعيا في فصل الخريف، وكلها عوامل طبيعية من سمات هذه الفترة من العام، وشاهدنا سقوط ثلوج في بعض الأماكن لم نرها من قبل كإحدى الظواهر المناخية، وهذا يعود لعدة أسباب منها التغيرات المناخية التي يتعرض لها العالم كله، ومن بينها أيضا أن ظاهرة تساقط الثلوج تم رصدها في بعض المدن الجديدة التي تم إنشاؤها في الصحراء، وهذا كان يحدث سابقا قبل إنشاء هذه المدن ولكن لم يلاحظه أحد نظرا لعدم وجود مجتمعات عمرانية في هذه المناطق من قبل، والأمر اختلف الآن حيث بدأت الأمطار الغزيرة تسقط وكذلك قطع من الثلوج في أماكن لم تكن مأهولة بالسكان، ولكن مع زيادة الكثافة السكانية في هذه الأماكن من الصحراء تم الانتباه إلى هذا الأمر من قبل السكان، وهو ما يعد شيئا جديدا عليهم لم يلاحظوه من قبل في المدن، والجديد حاليا استكشاف هذه المناطق ومعرفة طبيعة الطقس فيها.
وعن توقعاته للطقس خلال الفترة القادمة وهل ستستمر حالة عدم الاستقرار، قال: «بالتأكيد من الوارد وجود فترات من عدم الاستقرار خلال الفترة القادمة خاصة وأننا ما زلنا في فصل الخريف ومن المتوقع تذبذب الطقس وهذا يتم اكتشافه من قبل المختصين، والمتوقع أن يكون هناك حالة من التقلبات الجوية والأمطار وعدم الاستقرار وذلك على السواحل الشمالية والوجه البحري والقاهرة، ويتوقع أن تكون الأمطار من متوسطة لغزيرة مثلما حدث الأسبوع الماضي، وذلك بعد فترة من الاستقرار، وهذا يعد أمرا طبيعيا في مثل هذه الأوقات من العام، وخلال الفترة بين الخريف والشتاء، فالأحوال الجوية عادة لا تسير على وتيرة واحدة وحالة التقلب واردة الحدوث في أي وقت خلال مثل هذه الفترات من العام .
وتابع الدكتور محمود شاهين في حديثه لـ«المجلة»: «نرصد التوقعات في كل فترة، وكل فصل من العام له توقعاته المنفصلة عن الفصول الأخرى بحسب عمليات الرصد والمتابعة التي تكشف التوزيعات الضغطية في طبقات الجو العليا أو على سطح الأرض وهي تختلف في كل فصل عن الآخر بحسب طبيعة هذا الفصل أو ذاك» .
 
تغيرات إيجابية
وعن كون التقلبات في مصر تعد جزءا من الاضطرابات الجوية والتغيرات المناخية في العالم كله، أضاف: «بالطبع التغيرات المناخية تؤثرعلى العالم كله، ومصر من بين الدول التي تتأثر بهذه التغيرات سواء بالإيجاب أو السلب، فليس شرطا أن تحمل التغيرات المناخية أشياء سلبية وظواهرعنيفة فقط، ولكن من الممكن أن تحمل اختفاء لبعض الظواهر الطبيعية، وتغير الأمر في ظواهر طبيعية أخرى، وأخطر شيء في التغيرات المناخية أنها تتم نتيجة ظاهرة الاحتباس الحراري والذي ينتج عن ذوبان الثلوج في القطبين المتجمدين الشمالي والجنوبي، ولكن التغيرات المناخية لا تحمل السلبي فقط، ولكن تحمل ظواهر إيجابية ومن بينها سقوط الأمطار في المناطق الصحراوية مما يساعد على تواجد الحياة فيها والزراعة، وهو ما يعد من الأمور الإيجابية».
 
صورة من مدينة الإسكندرية بعد أمطار غزيرة (غيتي)

نظم بيئية
وحذرت الأمم المتحدة من التحولات المهمة في التغيرات المناخية وذلك بعد ظهور عدد من الأدلة المقلقة للتغيرات المناخية والتي ستؤدي- بحسب الأمم المتحدة- لتغيرات في النظم البيئية الرئيسية ونظام المناخ في كوكب الأرض إذا لم يتم تداركها بسرعة، ولفتت إلى اقتراب بعض النظم البيئية المتنوعة مثل غابات الأمازون المطيرة والقطب الشمالي من عمليات تغيير جذري بعد ارتفاع درجات الحرارة في هذه الأماكن، وكذلك ظاهرة الجفاف، وكذلك حذرت من أن عملية تراجع الأنهار الجليدية، وظاهرة الجفاف الذي تعرضت له مناطق كثيرة في عدد من دول العالم من الأمور الخطيرة التي يجب أن ينظر لها العالم خاصة وأنه سيكون مؤثرا على الأجيال القادمة .
وحذرت الأمم المتحدة كذلك من ظاهرة الارتفاع المستمر في مستوى سطح البحر بسبب عمليات ذوبان الثلوج الذي ينتج بلا شك عن تنامي الصناعات، وارتفاع درجات الحرارة على الكوكب، وما يصاحبه من انبعاثات غير مسبوقة في عنصر ثاني أكسيد الكربون الناتج عن عمليات التطور الصناعي المتنامية، وما يصاحب ذلك من ارتفاع منسوب المحيطات بسبب ذوبان الجليد الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة، ويتطلب الحد من ذلك القيام بعمليات تحولات سريعة في مجالات الصناعة والطاقة والأرض والمدن والنقل لخفض الانبعاثات الحرارية ومعدلات ثاني أكسيد الكربون، لتصل إلى صفر عام 2050 .
 
تحذيرات أممية
وأعلنت عدد من المنظمات والمؤسسات الدولية السنوات الماضية ومن بينها البنك الدولي من خطورة تأثير التغيرات المناخية، وأن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعد من بين الأماكن الأكثر عرضة للخطر في الكوكب وذلك بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر، وتنبأت تقارير رسمية بارتفاع منسوب المياه حوالي 0.5 متر بحلول عام 2099، وحذرت التقارير من أن المناطق الساحلية المنخفضة في مصر وتونس وليبيا والإمارات والكويت معرضة للخطورة أكثر من غيرها، وتعد مصر من بين الأكثر تعرضا لهذا الخطر، وأشار تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي إلى بعض المناطق الأكثر جفافا في المنطقة والتي تعاني من الفيضانات بشكل متكرر مثل مدينة جدة في المملكة العربية السعودية التي عانت من فيضانات بشكل متكرر منذ ستينات القرن الماضي بسبب الظواهر الطبيعية المفاجئة، وإلى تنامي ظاهرة ارتفاعات درجات الحرارة بشكل متكرر بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة والتي وصلت في بعض الدول إلى 54 درجة مئوية مما يعرض المنطقة إلى جفاف مستمر، وينفق البنك الدولي حوالي 1.5 مليار دولار لمكافحة تغير المناخ في المنطقة، وتؤكد تقاريره أن 80 إلى 100 مليون شخص سيتعرضون لنقص المياه بحلول عام 2025، ويتوقع أن تكون درجات الحرارة بمنطقة الشرق الأوسط وفي شمال أفريقيا عام 2050 أعلى بحوالي 4 درجات مئوية وبحلول نهاية القرن الحالي قد تصل درجات الحرارة خلال النهار إلى 50 درجة مئوية، وأوصى بضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة بشكل خاص.
font change