بعد مقتل زاده... هل تصل نيران الاغتيالات إلى لبنان؟

ليس هناك طريقة تمكّن إيران من حماية نفسها من الضربات الموجعة

بعد مقتل زاده... هل تصل نيران الاغتيالات إلى لبنان؟

* تسريبات صحافية تشير إلى عزم نصر الله الانتقال إلى إيران لفترة غير محددة.وتأتي هذه المعلومات في ظل تحليق مكثف للطيران الحربي الإسرائيلي فوق بيروت ومحافظات لبنانية عدّة
* أي ردّ إيراني ينطلق من خارج أراضيها سيكون ضعيفاً
*منير الربيع: إسرائيل أرادت من خلال عملية زاده إرسال رسالة واضحة مفادها أنه يُمنع على طهران أن تصل إلى امتلاك السلاح النووي، لقدرتها على استهداف أبرز العلماء الإيرانيين في عقر دارهم


بيروت: تتسارع الأحداث السياسية في الشرق الأوسط منذ اغتيال قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، ونائب قائد قوات الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، وما رافق ذلك من تبنٍ أميركي رسمي للعملية. وصولاً إلى انتقال عمليات الاغتيال إلى مشارف العاصمة طهران بعد استهداف العالم النووي محسن فخري زاده، الملقب بـ«أبو القنبلة النووية الإيرانية»، في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، في عملية تلقي إيران باللوم فيها على إسرائيل.
ورغم عدم التبني الرسمي لعملية الاغتيال من قبل أي طرف، إلا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تحدث في عام 2018 عن شخصية فخري زاده، في مؤتمر صحافي علني. ووصفه بأنه رئيس مشروع إيران النووي السري ومؤسسه، وبالتالي إعلانه هدفاً مشروعاً للاغتيال والتصفية، مما جعل الكثير من المراقبين يوجهون أصابع الاتهام إلى تل أبيب.
هذا المشهد ازداد تعقيداً مع التسريبات الصحافية التي نقلت عن مصدر مقرّب من قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، تأكيده نجاح حزب الله في الكشف عن محاولات اغتيال أمينه العام حسن نصر الله، وعدد من قادة الفصائل الموالية لطهران في سوريا والعراق. كما ترافقت هذه التسريبات مع معلومات تُشير إلى أن نصر الله يعتزم الانتقال إلى إيران لفترة غير محددة. وتأتي هذه المعلومات في ظل تحليق مكثف للطيران الحربي الإسرائيلي فوق بيروت ومحافظات لبنانية عدّة.
كل ذلك، يطرح العديد من علامات الاستفهام حول قدرة إيران على حماية أمنها الداخلي خصوصاً أن اغتيال زاده جاء في وضح النهار وبلا بصمات دامغة للجهة المنفذة. إضافة إلى ذلك، ثمة من يعتقد أن قراءة استهداف زاده يجب أن تنطلق من توقيت هذا الحدث الذي جاء في الفترة الزمنية التي تفصل بين خروج الرئيس الأميركي دونالد ترامب من البيت الأبيض واستعداد جو بايدن لتولي مقاليد الحكم. فهل ينتظر الشرق الأوسط اغتيالات جديدة أو أحداثا أمنية في هذه الفترة الزمنية؟ وهل يمكن أن يتحول لبنان إلى منصة للرّد الإيراني؟ وكيف ستنعكس هذه الأحداث على العلاقة بين طهران وإدارة الرئيس جو بايدن؟
 
الصحافي والمحلل السياسي منير الربيع

رسالة إسرائيلية
يؤكد الصحافي والمحلل السياسي منير الربيع، في حديث خاص لـ«المجلة» أن «هذه الحرب الأمنية لم تبدأ بإغتيال محسن فخري زاده، بل سبقته، وهي ما زالت مستمرة، كما أنها لا تنحصر في إيران وإنما تشمل لبنان وسوريا، وإحدى حلقاتها كانت الاغتيال الأخير الذي يأتي ضمن سلسلة طويلة». وأضاف الربيع أن «إسرائيل أرادت من خلال هذه العملية إرسال رسالة واضحة مفادها أنه يُمنع على طهران أن تصل إلى امتلاك السلاح النووي، ولذلك فهي تستهدف أبرز العلماء الإيرانيين».
ويُشبه الربيع هذه المرحلة بمرحلة اغتيال سليماني، لأن «المعادلة هي أن لكل رجل دورا، وأدوار هؤلاء انتهت بمقتلهم، وبالتالي لا بد من طي الصفحة والعودة إلى المفاوضات من جديد، وفي حال لم ترضخ إيران لذلك فإن العمليات ستستمر».
 
الوقت الضائع
ولفت الربيع إلى أن «إسرائيل تُريد استغلال هذه الفرصة المعطاة لها حالياً لفرض وقائع متعددة تعزز من خلالها شروطها، لذا فإنه من المرجح أن يستمر مسلسل العمليات الأمنية السرية المخابراتية». ولكن ألا يمكن ان تنزلق هذه العمليات نحو مواجهة مباشرة بين الطرفين؟ يُجيب الربيع أن «هذا السيناريو وارد في حال حدوث أي خطأ بالتقدير والحسابات، إلا أن الطرفين يصران على عدم الذهاب إلى معركة شاملة».


ومن ناحيته، يرى الباحث السياسي مكرم رباح في حديث لـ«المجلة» أن «ترامب ونتنياهو سيستفيدان من هذه الفترة التي تأتي قبل وصول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض من أجل القيام بضربات موجعة». وأضاف: «الطرف الإيراني لن يقوم بأي خطة انتقامية رغم التهديد والوعيد، لا سيما أن الرد على اغتيال سليماني أثبت أن هذه الآلية العسكرية هي آلية وهمية، وأن العديد من الانتصارات كانت بسبب تغاضي الإدارة الأميركية عنها ليس أكثر».
وتابع رباح: «ليس هناك من طريقة تمكّن إيران من حماية نفسها من الضربات الموجعة لسبب بسيط، وهو أن المخابرات الخارجية موجودة في البلاد». ولفت إلى أنه «بالرغم من أن إيران دولة بوليسية إلا أنها لا تستطيع حماية رموزها؛ إذ إن العديد من الاغتيالات السابقة استهدفت الحرس الثوري والعلماء، وإسرائيل سبق أن انتهجت هذه السياسة فيما يتعلّق بالبرنامج النووي العراقي».
الكاتب السياسي أمين قمورية

 
حدود الرّد الإيراني والساحة اللبنانية
ولا شك أن إيران تقع اليوم بين خيارين، الأول هو الرّد على عملية اغتيال، وهو ما يحمل من ردّ مضاد قد يؤدي إلى نتائج غير محسوبة، والثاني هو التغاضي عن الرّد واتخاذ إجراءات أمنية متشددة لمنع تكرار السيناريو. وفي هذا الصدد، قال الكاتب السياسي أمين قمورية في حديث لـ«المجلة» أن «الإيرانيين في هذا التوقيت ملزمون بعدم الرد، لأن أي رد من شأنه أن يضعهم في مواجهة مع الإدارة الأميركية الجديدة». وأضاف أن «الرد الإيراني سيكون سياسيا وليس أمنيا، مثل تسريع البرنامج النووي والبرنامج الصاروخي وتثبيت مواقعها في المنطقة وافتعال مشاكل دون الدخول في مواجهة مباشرة».
وتابع: «استهداف إيران جرى داخل أراضيها، وبالتالي فإن أي ردّ- في حال وجوده- ينطلق من خارج أراضيها سيكون ضعيفاً، غير أن تطورات أي معركة محتملة قد يؤدي إلى فتح جبهات أخرى».
كما لفت أمورية إلى أن «إيران تمتلك العديد من الأوراق إلا انها أضعف من تلك التي كانت تستحوذ عليها خلال السنوات الأخيرة». كما أشار قمورية إلى أن «إسرائيل تعتبر أن مقتل زاده من شأنه تأخير البرنامج النووي الإيراني، خصوصاً أن هناك خوفا من أن عدم الاتفاق بين إيران وإدارة بايدن قد يدفعها إلى تسريع هذا البرنامج». وأضاف أن «ثمة رسالة إسرائيلية من هذا الاغتيال تُفيد بأنها تستطيع ضرب أمن إيران الداخلي بشكل مريح جداً».
ومن ناحيته، أشار الربيع إلى أن «السنوات السابقة شهدت اغتيال علماء إيرانيين، وفي الأشهر السابقة تم تنفيذ عمليات وضربات عسكرية، منها استهداف منشأة نطنز النووية، ولكن وصول حجم العمليات إلى اغتيال هذا الشخص بالتحديد ستؤدي إلى خلل في الداخل الإيراني في حال لم تتمكن من القيام بأي خطوة جدية قادرة على لجم هذه التحركات».
وتابع الربيع  أنه «وفقاً للمعلومات، فإن إيران لن ترد من لبنان، وهي تفضل عدم الرد لعدم استدعاء أي رد مضاد، ولكن خوفاً على الوحدة الداخلية الإيرانية وفشلها من حماية أمنها الداخلي لا بدّ أن تبحث عن طريقة ما للرد دون أن تستدعي  رداً جديداً، مثل الرّد الذي حدث بعد اغتيال سليماني».
رأي الربيع لا يختلف كثيراً عن رأي رباح الذي أشار إلى أن «إيران غير مستعدة لمواجهة الغرب وإسرائيل، وكان من الواضح أن زيارة قاآني إلى بيروت كانت بهدف حفظ ماء الوجه والقول بأنه يريد أن يهدئ من انفعال حزب الله، وهذا يؤكد أن هذه المنظومة لا تستطيع الرد على الاغتيالات والسبب يعود إلى أن الوضع الاقتصادي في البلدان التي تحتلها المنظومة الايرانية سيئ وليس هناك إمكانية للمواجهة المفتوحة».
وأضاف رباح: «الاغتيال يدلّ على أن إسرائيل لن تتراجع عن أي خطوات تعتبرها ضمانة لأمنها، لا سيما أن البرنامج النووي كما هو الآن يُشكل خطرا على المنطقة، مع الإشارة إلى التصريحات الأوروبية وخصوصاً ألمانيا أن لا مجال للعودة إلى الاتفاق النووي بالظروف الحالية إلا بحال تنازلت إيران، وهذا شيء صعب في هذه المرحلة».
الباحث السياسي مكرم رباح

 
إيران وإدارة بايدن
لا شك أن آثار هذه العملية الأمنية سينعكس على علاقة طهران بالإدارة الأميركية الجديدة. ويلفت الربيع إلى أن «العلاقة بين بايدن وطهران ستُحدد وفقاً للسياق الذي ستتخذه الإدارة الجديدة، فإذا كانت متشددة تجاه ايران فإن الأخيرة ستجد نفسها مضطرة لتقديم تنازلات، أما إذا كانت متساهلة مثل إدارة أوباما فإن إيران ستُصعد من مواقفها، إلا أن التوقعات تشير إلى أن سياسة بايدن ستكون مختلفة عن سياسة أوباما خصوصاً أن هناك معلومات أميركية تُفيد بأن السنة القادمة ستكون سنة الانتقام من إيران وحزب الله».
وفي السياق عينه، يرى رباح  أن «الاغتيال الذي حصل لن يُغير من المهادنة الإيرانية المحتملة مع الإدارة الأميركية الجديدة، ولكن بايدن لن يكون أوباما جديدا حتّى لو أنه سبق أن صرّح بأنه سيعود إلى طاولة المفاوضات إلا أن هذه الطاولة ستكون مختلفة هذه المرة، كما أنه ليس هناك من نتيجة حتمية من هذه المفاوضات. إضافة إلى ذلك، فإن الإدارة الديمقراطية لن تواجه الجمهوريين في العقوبات المفروضة على طهران لأن هذه العقوبات قد نجحت وأثبتت أن إيران لديها دور سيئ ليس فقط في البرنامج النووي وإنما كذلك في الأسلحة الباليستية، فضلاً عن ضرورة تغيير سلوكها في المنطقة».
وأضاف رباح أن «هذا الاغتيال سيحمل ارتدادات على الساحة الإيرانية الداخلية، حيث يمكن ان يستخدمه المتشددون لقمع أي حركة احتجاجية داخلية بوجه النظام». وتابع: «في جميع الأحوال ليس علينا الرهان على التغيير من الداخل لأن فكرة الانتخابات يجب أن تجري في نظام ديمقراطي، في حين أن النظام الإيراني لا يعترف بالديمقراطية التقليدية».
font change