ارتفاع الأسعار وتهاوي الدينار في مواجهة الجزائريين 2021

في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة بسبب تأثيرات أزمتي تراجع عائدات النفط، ووباء كوفيد-19

كورونا تسببت في شلل كبير للاقتصاد الجزائري

ارتفاع الأسعار وتهاوي الدينار في مواجهة الجزائريين 2021

على مدار الأعوام الأخيرة استنزفت الجزائر احتياطاتها من العملات الأجنبية، حيث كافحت لتمويل العجز المتضخم، وكانت تقدر خلال عام 2014 بنحو 200 مليار دولار
* الحكومة أقرت في أغسطس الماضي خطة إنعاش اقتصادي من ثلاثة محاور كبرى ونحو عشرين بنداً إصلاحياً، صادق عليها الرئيس عبد المجيد تبون
خصصت الحكومة نحو 14 مليار دولار من موازنة 2021 لإعادة تقييم المشاريع الحكومية المجمدة بسبب كورونا في مجالات الصحة والإسكان والأشغال العامة والري
 

الجزائر: يستقبل الجزائريون عامهم الجديد 2021 بخيارات صعبة، في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة بسبب تأثيرات أزمتي تراجع عائدات النفط، ووباء كوفيد-19، الذي أدخل البلاد في شلل اقتصادي غير مسبوق، حيث شهد النشاط الاقتصادي للبلاد تراجعاً بنسبة تتجاوز 5  في المائة، وفق البيانات الحكومية، كما عرفت العديد من الأنشطة توقفاً تاماً أو جزئياً منذ بداية إقرار إجراءات الحجر في مارس (آذار) الماضي، وتشير أرقام جمعية التجار والحرفيين إلى توقف نحو 50 ألف تاجر عن النشاط، كما شهدت قيمة الدينار المحلي تراجعاً كبيراً أمام مختلف العملات الأجنبية.
وتشير أرقام الديوان الوطني للإحصاء، وهو مؤسسة حكومية إلى ارتفاع نسب البطالة لتصل 20  في المائة بعد أن كانت لا تتجاور 11.4 في المائة نهاية العام الماضي 2019، بالمقابل تسببت إجراءات الحجر المفروضة منذ تسعة أشهر في تكبد الشركات الحكومية لخسائر كبيرة بلغت نحو 4،5 مليار دولار حسب ما أعلن عنه سابقاً وزير المالية أيمن بن عبد الرحمن، وبالمقابل أعلن رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين الحاج الطاهر بولنوار عن توقف أكثر من 50 ألف تاجر وحرفي عن النشاط منذ بداية الجائحة، مبرزاً في تصريحات أدلى بها للإذاعة الحكومية الرسمية أن «التجار لجأوا إلى هذا الخيار الصعب بسبب الخسائر التي يتكبدونها بسبب الغلق الجزئي للمحلات مع عزوف الزبائن على الشراء خوفاً من تفشي الوباء».
وبالمقابل عرفت قيمة الدينار المحلي تراجعاً كبيراً أمام مختلف العملات الأجنبية، واللافت أن هذا التراجع مسّ أسواق العملية الرسمية وغير الرسمية، ففي السوق غير الرسمية التي تستقطب نحو 30 مليار دولار حسب بعض التقديرات، قفزت فيها قيمة ورقة 100 يورو إلى أكثر من 200 ألف و300 دينار، في حين بلغت قيمة العملة الأميركية أكثر من 17 ألفا و200 دينار جزائري، فيما عرفت العملة المحلية تهاوياً قياسياً في التعاملات الرسمية مقابل اليورو مسجلة 156.01 مقابل كل يورو، في حين تجاوز الدولار نقطة 130 مقابل دولار واحد. 


 

الاقتصاد الجزائري يعتمد بنسبة 95 في المائة على عائدات النفط


ويتوقع خبراء الاقتصاد استمرار مسلسل تهاوي قيمة الدينار المحلي في الفترة المقبلة، في سياق محاولة الحكومة توفير كتلة نقدية إضافية لمواجهة أزمة السيولة، ولتعويض النقص المسجل في الخزينة العامة، مع محاولة تغطية العجز المسجل في قانون الموازنة الأخير والذي بلغ نحو 20 مليار دولار.
المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك، ومن خلال صفحتها الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» تساءلت عن السبب الحقيقي لارتفاع أسعار العملات، وبشكل خاص في السوق الموازية بما يعادل 10 في المائة، ووفق تحليلها فإن السبب قد يكون إعلان الحكومة عن الشروع في الرفع التدريجي للرحلات الجوية، وأكدت المنظمة أن «هذه الوضعية لا يمكن تقبلها ولا تحملها». ودعت الحكومة إلى «ضرورة التدخل لوضع حد للفوضى الحاصلة في سوق العملات».
وفي ظل هذا الوضع لا يستبعد خبراء الاقتصاد لجوء الحكومة إلى مواجهة التداعيات المباشرة لهذا الانكماش، والتراجع باللجوء إلى خيارين اثنين أحلاهما مرّ، وهما الاستدانة الخارجية باللجوء إلى صندوق النقد الدولي ومختلف المؤسسات المالية الدولية، أو اللجوء إلى التمويل غير التقليدي للأموال. وتحتفظ الجزائر بذكريات مؤلمة من لجوئها عام 1994  إلى صندوق النقد الدولي وخطة الإصلاح الهيكلي أدى إلى تخفيضات هائلة في الوظائف وإغلاق شركات عامة وخصخصة جزء منها. وفي الموازنة التكميلية لسنة2020  تم إقرار انخفاض إيرادات الموازنة إلى حوالي 38 مليار يورو، مقابل 44 مليار يورو كانت متوقعة في الميزانية الأصلية.
المؤشرات الاقتصادية السابقة كانت لها تداعيات مباشرة على حياة الجزائريين، حيث شهدت مختلف المواد الاستهلاكية ارتفاعاً في الأسعار، كما أدت الاضطرابات الجوية الأخيرة التي شهدتها البلاد إلى ارتفاع أسعار الخضر والفواكه. ومن أهم المواد الاستهلاكية التي شهدت ارتفاعاً في الأسعار الحليب المسحوق والقهوة والزيت.
وفيما برر بعض التجار الزيادة المفاجئة في الأسعار إلى ندرة بعض المواد الغذائية، وصعوبة النقل بسبب الظروف التي تعيشها البلاد على وقع كورونا، إلى جانب انهيار قيمة الدينار المحلي، إلا أن الجزائريين اعتبروا أن هذا الأمر غير مبرر، وغير مقبول، لأن الزيادات مست العديد من المنتجات ذات الصنع المحلي. وفي حديثه لـ«المجلة» شدد رئيس جمعية حماية المستهلك مصطفى زبدي على أن «الزيادات في الأسعار لا تخضع لضوابط ومحددات واضحة»، مشيراً إلى أنها تشهد حركية على مدار الأسبوع وترتفع وفقاً لمؤشرات غير واضحة، سواء تعلق الأمر بالمواد الغذائية، أو بالخضر والفواكه، وحتى اللحوم الخضراء أو البيضاء، وكشف في السياق أن «الحليب المغلف والعجائن والمعلبات ومساحيق الغسيل شهدت ارتفاعاً ما بين 20 إلى 30 في المائة خلال أسبوع واحد فقط». مؤكدا أن «تجار الخضر والفواكه يستغلون تقلب الأحوال الجوية وسقوط الأمطار لرفع الأسعار مباشرة بنسب تصل أحياناً إلى 50 في المائة».
وعبر زبدي عن «استنكاره التام لما تشهده السوق، وتأثير ذلك على القدرة الشرائية للجزائريين، حيث غرقت الكثير من الأسر الجزائرية في الديون». ويعتقد زبدي أن الزيادات غير مبررة فأغلب السلع التي ارتفعت أسعارها منتجات صناعية محلية. ودعا إلى ضرورة أخلقة التجارة في الجزائر، والابتعاد عن الزيادات العشوائية للأسعار، احتراماً للمستهلك وحماية له من التداعيات المباشرة على القدرة الشرائية الضعيفة أصلاً بسبب تدني سلم الأجور.

ارتفاع كبير في أسعار المواد الاستهلاكية قبل نهاية العام



من جانبه، يحمل رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين الحاج الطاهو بلنوار مسؤولية ارتفاع أسعار العجائن ومشتقاتها لأصحاب المصانع، بسبب مسؤوليتهم عن الغموض الذي لفّ خطة حكومية لتقليص الدعم الحكومي الموجه لهذه المنتجات، وحسب حديثه فإن أصحاب المصانع استغلوا فرصة وجود نقاش بشأن عزم الحكومة رفع الدعم للرفع من الأسعار مباشرة، رغم عدم دخول القرار الحكومي حيز التنفيذ، وحسب حديثه لـ«المجلة» فإن «إشاعة نفاذ مخزون الدقيق مجرد ذريعة للرفع من أسعاره، وهو ما دفع ببعض التجار إلى ممارسة الاحتكار على هذه المادة الأساسية». بالمقابل توقع تراجع أسعار الخضر والفواكه بعد أيام قليلة بعد جني المحصول السنوي. في حين برر الزيادات في أسعار الأجهزة المنزلية والهواتف النقالة ومختلف الأجهزة الإلكترونية بنقص الإنتاج المحلي وتقلص عمليات الاستيراد.
وكان المدير العام لضبط وتنظيم الأسواق بوزارة التجارة سامي قلي أكد في تصريحات للإذاعة الحكومية أن «العجائن الغذائية التي تعد مادتها الأولية مدعمة من الدولة غير معنية بارتفاع الأسعار التي مست بعض العلامات». وأوضح قلي: «لقد سجلنا بالفعل ارتفاعا لأسعار بعض العلامات من العجائن الغذائية التي عرفت ارتفاعا بـ5 إلى10  دينارات جزائرية للكيلوغرام لكن ليست كلها» مشيرا إلى أن «الصناعيين الذين يستوردون بأموالهم الخاصة القمح الصلب الذي يعد المادة الأولية لصناعة الدقيق والعجائن يحددون سعر هذا المنتج الغذائي أخذا بالحسبان أسعار هذه الحبوب في سوق البورصة الدولية (التي تناهز حاليا212  يورو للطن)».
وعلى مدار الأعوام الأخيرة استنزفت الجزائر احتياطاتها من العملات الأجنبية، حيث كافحت لتمويل العجز المتضخم، وكانت تقدر خلال عام 2014 بنحو 200 مليار دولار، ومن المتوقع أن تبلغ مع نهاية العام نحو 44 مليار دولار. وكانت الحكومة قد أقرت في أغسطس (آب) الماضي خطة إنعاش اقتصادي من ثلاثة محاور كبرى ونحو عشرين بنداً إصلاحياً، صادق عليها الرئيس عبد المجيد تبون وتضمن المحور الأول الإصلاح المالي مع مراجعة النظام الجبائي، واعتماد قواعد جديدة لحوكمة الموازنة مع تحديث النظام المصرفي.
أما البند الثاني فيتعلق بمحور التجديد الاقتصادي فقد تضمن 12 بنداً تتعلق بتبسيط قوانين الاستثمار، وتحسين مناخ الأعمال، وإزالة العراقيل البيروقراطية التي تكبح المستثمرين، في حين يتعلق المحور الأخير بمكافحة البطالة، وخلق الوظائف من خلال تكييف مناهج التدريب مع حاجيات سوق العمل. 
وبالمقابل خصصت الحكومة نحو 14 مليار دولار من موازنة 2021 لإعادة تقييم المشاريع الحكومية المجمدة بسبب كورونا في مجالات الصحة والإسكان والأشغال العامة والري. وترى الحكومة أن المشاريع المجمدة بحاجة إلى إعادة دراسة بسبب تجاوز الأشغال للتواريخ الزمنية المحددة سابقاً، إلى جانب تراجع قيمة العملة المحلية ما تسبب في ارتفاع كلفة بعض المشاريع الضخمة لنسب تتجاوز 50 في المائة، لكن بالمقابل يرى خبراء الاقتصاد أن هذه الخطط الحكومية قد تصطدم بمعضلة نقص الموارد المالية، فغالبا ما تلجأ إلى عائدات النفط واحتياطي النقد الأجنبي لتنفيذ المشاريع الحكومية، إلا أن المعطيات الآن تغيرت، فمداخيل النفط في تهاوٍ مستمر، كما أن احتياطي النقد الأجنبي يتآكل بسرعة، ويرى الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول أن الحكومة بحاجة إلى تمويلات استثنائية لرفد موازنة 2021 .
 

القدرة الشرائية للفئات الضعيفة تضررت بفعل ارتفاع الأسعار
 
 



ويشير خبراء إلى أن أزمة ارتفاع الأسعار ظاهرة عالمية وليست حكرا على الجزائر بسبب تداعيات كورونا، وكانت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم  المتحدة (الفاو) قد أفادت في تقرير صدر حديثاً أن الأسعار العالمية للأغذية ارتفعت للشهر الثالث على التوالي خلال شهر أغسطس (آب) الماضي وفي مقدمتها الحبوب والزيوت النباتية والسكر. وبلغ متوسط مؤشر « الفاو»  لأسعار الغذاء الذي يقيس التغيرات الشهرية لسلة من الحبوب والزيوت النباتية ومنتجات الألبان واللحوم والسكري96.1  نقطة شهر يونيو (حزيران) الماضي مقابل 94.3  في يوليو (تموز)  2020 وذكرت المنظمة التي تتخذ من روما مقرا لها أن محاصيل الحبوب العالمية لا  تزال تتجه نحو تسجيل مستوى قياسي سنوي في السنة الجارية، وارتفاع مؤشر المنظمة لأسعار الحبوب إلى 1.9  في المائة شهر أغسطس مقارنة مع الشهر الذي سبقه، و7 في المائة فوق قيمته قبل عام، حسب «الفاو» التي أوضحت أن من بين الحبوب الرئيسية سجلت أسعار الذرة الرفيعة والشعير والأرز أكبر ارتفاع. 
وخلال ندوة صحافية عقدها مؤخرا وزير المالية أيمن بن عبد الرحمن كشف أن موازنة 2021 تضمن مفهوم ترشيد النفقات الحكومية وتوجيهها نحو المشاريع التي تحمل قيمة مضافة، حيث سيتم تطبيق آليات القوانين الخاصة بالقطاع تدريجيا إلى غاية الانتهاء منها بشكل نهائي بحلول سنة2023  كما أكد بن عبد الرحمن أن أول خطوة لتحقيق الشفافية تتمثل في نشر «ميزانية المواطن» على موقع وزارة المالية، مضيفا إن «لكل مواطن الحق في الاطلاع على المداخيل ووجهة نفقات الدولة إضافة إلى المداخيل الجبائية وشبه الجبائية وتخصيص هذه النفقات». 
وفي معرض رده على سؤال حول تمويل عجز الميزانية، دعا الوزير إلى «عدم تهويل الأمر»،  مؤكدا أن «الاقتصاد الجزائري يمتلك العديد من المؤهلات غير المستغلة». وقال في هذا الشأن: «إن الدين الداخلي مقارنة بالناتج الداخلي الخام في الجزائر يعد الأدنى، مقارنة بدول المنطقة، ويبلغ في بلدان أخرى مستويات عالية جدا من الديون الخارجية». وأعطى في ذلك مثالا بالبنك المركزي الأوروبي والبنك المركزي الأميركي اللذين طالبا باللجوء إلى التمويل غير التقليدي، مشيرًا إلى أن الجزائر لا تعرف هذا النوع من القيود. وأكد الوزير أن الحكومة بأكملها تعمل على تجسيد السياسة الاقتصادية الجديدة للبلاد، داعيا إلى محاربة «البيروقراطية السلبية»  من خلال تغيير الذهنيات. كما أكد إصراره على محاربة هذه الظاهرة «أينما وجدت من أجل تحسين جاذبية الاستثمار ومناخ الأعمال، حتى يجد المتعامل الاقتصادي، وبخاصة الجزائري، نفسه في بيئة مستقرة ومربحة».
 
 
 
 

font change