«الانتخابات الليبية» مفترق طرق للحل وتجميع الفرقاء

عام التحديات... هل ينهي الأزمات

«الانتخابات الليبية» مفترق طرق للحل وتجميع الفرقاء

*تفاؤل مشوب بالحذر بعد إعلان الأمم المتحدة عن تحديد موعد الانتخابات الليبية في 24 ديسمبر العام القادم 2021
* المبعوثة الأممية تؤكد أن تشكيل حكومة وطنية والوصول لمرحلة الانتخابات يتطلب سلطة تنفيذية جديدة لتوحيد البلاد وتشكيل مجلس رئاسي معدل وحكومة وحدة وطنية فعالة وموحدة
* سلوك القوى الدولية والإقليمية عامل حاسم في الاستقرار خلال عام التحدي، وسيوضح مدى رغبتها في وصول سفينة ليبيا إلى بر الأمان
* وجود حالة كبيرة من التوافق بين الليبيين حول العديد من النقاط المهمة ومن بينها آلية اختيار رئيس ونائبي المجلس الرئاسي الجديد ورئيس الحكومة
* انتقادات دولية لمحاولات إردوغان تمديد عمل القوات التركية في ليبيا
* نائب وزير خارجية مصري سابق: يجب التعامل بجدية أكثر فيما يتعلق بالقوى الخارجية التي لا ترغب ولا تسهم في اقتراب الليبيين من التسوية، ويجب وقف محاولات هؤلاء الذين يعرقلون حل الأزمة
* طالما لم تكن هناك ضغوط كافية على تركيا للحد من تدخلاتها في الشأن الليبي سيتعقد المشهد مهما كانت الإيجابيات التي تحققت خلال المشوار السابق والحالي، أو كم الجهود المبذولة لتسوية الأزمة الليبية بشكل سياسي
* مصر لعبت دورا مؤثرا وما زالت تقوم بواجبها في الملف الليبي لحشد القوى الدولية والإقليمية، وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء في إطار الوصول لتسوية حقيقية للأزمة



القاهرة: سيطرت حالة من التفاؤل المشوب بالحذر على الأوساط السياسية الدولية والعربية بعد تأكيدات ستيفاني وليامز مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا على الاتفاق بين المشاركين الليبيين في المحادثات السياسية في تونس التي أقيمت برعاية وإشراف الأمم المتحدة بتحديد تاريخ 24 ديسمبر (كانون الأول) العام القادم 2021 موعدا لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في ليبيا، في بادرة أمل لاستقرار الأوضاع المضطربة هناك بعد وقت طويل من التوتر والصراع بين الفرقاء الليبيين المدعومين من أطراف إقليمية ودولية، والذي انعكس بالسلب على فرص الحل على الأرض بعد الصراع على كثير من الملفات المعلقة، ومن بينها «المشاركة السياسية، والنفط، والبرلمان، والمرتزقة، والأموال»،وغيرها من الأمور الساخنة التي أثرت على حياة الشعب الليبي الذي افتقد الاستقرار خلال الفترة الماضية.
ويترقب الجميع السيناريوهات التي ستجري خلال العام القادم حتى موعد الانتخابات التي ستقام بعد عام من الآن تقريبا، وفق الاتفاق، وهو ما يعد فرصة كبيرة لاختبار النوايا من قبل الجميع، وإمكانيات تحقيق عوامل الاستقرار لتمهيد الأرض لإجراء الانتخابات في أجواء مناسبة، وسيعد هذا العام بلا شك عام التحديات سواء بالنسبة للشعب الليبي أو القوى السياسية والعسكرية التي تتصدر المشهد حاليا، خاصة القوتين الرئيسيتين التي يرأسهما (السراج- حفتر).
 
قوى دولية
وستكون القوى الدولية والإقليمية عاملا حاسما في الاستقرار خلال عام التحدي، وسيوضح سلوك هذه القوى مدى رغبتها في وصول سفينة ليبيا إلى بر الأمان وهو السيناريو الذي يتشكك فيه البعض بسبب حالة الإستقطاب الجارية بين بعض القوى الإقليمية من الملف الليبي الذي يشهد ترقبا مصريا أيضا بسبب دواعي الأمن القومي نظرا للحدود المشتركة بين الجانبين، وكذلك الاندماج الاجتماعي والتقارب التاريخي بين القبائل في الجانبين، وهو ما يمثل نفس الوضع بالنسبة للجزائر (الجار الغربي)، وأيضا تونس (الجار الشمالي الغربي)، فيما لا يبتعد الموقف الأوروبي عن القصة، خاصة دول البحر المتوسط، ومن بينها بالطبع تركيا التي حرصت خلال الأزمة الليبية على وجود موطئ قدم لها في ليبيا من خلال دعمها لحكومة الوفاق وهو ما واجه معارضة من مصر والاتحاد الأوروبي، وكلا من قبرص واليونان، بالإضافة إلى عدد من الدول العربية.
ويرى مراقبون أن التدخلات التركية ورغم فرص الحل في ليبيا ما زالت مستمرة خاصة بعد تقديم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مذكرة لرئاسة البرلمان التركي لتمديد مهام القوات التركية في ليبيا لمدة 18 شهرا إضافية، وهو ما يعد خطوة أخرى تعزز من التواجد العسكري التركي في ليبيا والتي بدأت تحركها في يناير (كانون الثاني) من العام الماضي، تلبية لدعوة حكومة الوفاق، بحسب ما أكدت الخارجية التركية حينها، وكذلك الرئيس التركي الذي أكد على دعم حكومة طرابلس ضد المشير خليفة حفتر، كما وقع الرئيس التركي مذكرتي تفاهم مع فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي بهدف التعاون الأمني والعسكري مع تركيا.
 

الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة في ليبيا، ستيفاني وليامز


 
جهود مصرية
ونجحت جهود عدد من الدول الإقليمية ودول الجوار ومن بينها مصر في تجميع كل ألوان الطيف السياسي الليبي في تونس بعد تفعيل وقف إطلاق النار بين حكومة الوفاق الوطني والجيش الوطني الليبي بعد عشر سنوات من الصراع بعد أحداث عام 2011 والإطاحة بالرئيس معمر القذافي، ويتوقع مراقبون للوضع السياسي في ليبيا أن الوصول لمرحلة الانتخابات يعد نقطة مهمة وإحدى النقاط الفاصلة لتحقيق الاستقرار في ظل وجود حالة كبيرة من التوافق بين الليبيين حول العديد من النقاط المهمة ومن بينها آليات اختيار رئيس ونائبي المجلس الرئاسي الجديد ورئيس الحكومة، وربما تفضي الانتخابات إلى إزاحة الكثير من الشخصيات الموجودة على الساحة حاليا والتي تتصدر المشهد السياسي والعسكري، واستبدالها ربما بشخصيات جديدة تحقق آمال الليبيين وتقود إلى الاستقرار والتنمية الغائبة، ويعد تشكيل حكومة وطنية من بين الأمور المهمة وهو ما أكدت عليه المبعوثة الأممية من أن الوصول لمرحلة الانتخابات يتطلب سلطة تنفيذية جديدة لتوحيد البلاد، ويتطلب هذا تشكيل مجلس رئاسي معدل وحكومة وحدة وطنية فعالة وموحدة.
وشهدت مدينة بوزنيقة المغربية في شهر سبتمبر (أيلول) من العام الجاري 2020 مشاورات ليبية بين برلمان طبرق والمجلس الأعلى للدولة لمناقشة عدد من القضايا العالقة ومن بينها عملية وقف إطلاق النار، والمناصب السيادية بالدولة، وجرى اللقاء بهدف التشاور في عدد من القضايا على التوازي مع دور الأمم المتحدة والقوى الإقليمية لحل الصراع الليبي بعد زيارة قام بها عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، وخالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة بدعوة من رئيس مجلس النواب المغربي عقب زيارة قامت بها ستيفاني وليامز رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالإنابة للمغرب بهدف حلحلة الوضع المتأزم في ليبيا.
ونص مؤتمر برلين الذي صادق عليه ممثلو ست عشرة دولة من قبل على إقامة الانتخابات البرلمانية والرئاسية في نهاية الفترة الانتقالية، وضرورة أن تتمتع هذه الانتخابات بمصداقية ونزاهة وتكون تحت إشراف لجنة انتخابات وطنية مستقلة.
وكان محور الاتفاقات بين القوى المتصارعة في ليبيا منذ اتفاق الصخيرات عام 2015 وصولا لاجتماع تونس الأخير المدعوم من الأمم المتحدة هو وقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة، وعودة القوات المسلحة في الجانبين لمعسكراتها وخروج جميع القوات الأجنبية من الأراضي الليبية، وكذلك وقف الاتفاقيات العسكرية الخاصة بالتدريب في ليبيا وخروج كل أطقم التدريب إلى خارج ليبيا، وشهدت الساحة الليبية صراعا بين دول إقليمية قدمت دعما عسكريا وسياسيا واستراتيجيا للقوتين المتصارعتين، وهما حكومة الوفاق الوطني، والجيش الوطني الليبي. 


 

السفير علي الحفني


 
قضايا معلقة
السفير علي الحفني نائب وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الأفريقية، قال في حديث خاص لـ«المجلة»: «يوجد العديد من القضايا الخاصة بالأزمة الليبية والتي لم يتم حسمها حتى الآن، ونأمل أن يتم حلها قبل الموعد المحدد لإجراء الانتخابات حتى لا تصبح ذريعة لعرقلتها، وهناك محاور وآليات متعددة تابعناها في تونس والمغرب ومصر وسويسرا، ولا زال هناك تيار يقاوم عملية التسوية السياسية، بالإضافة إلى دعم خارجي شاهدناه خلال الأيام الأخيرة باتفاقات تتم مع تركيا من قبل تيار معين بتشدد تابعناه خلال الأسبوع الماضي ويحمل في طياته تأثيرات محتملة على ما تحقق من اتفاق بشأن وقف إطلاق النار وتثبيته، كذلك العودة إلى أحاديث متشددة لا تنسجم مع ما تم إنجازه خلال الشهور الأخيرة بدعم من الأمم المتحدة، ودول المسرح الإقليمي والدولي، خاصة الدول الأوروبية التي دخلت في تشاور مستمر وتنسيق وتعاون بهدف الدفع في اتجاه تسوية سياسية يستعيد الليبيون من خلالها وبعد عقد تقريبا من الزمان الاستقرار المفتقد، وبالتالي يجب الاستمرار في الدفع بهذا الاتجاه، والاستمرار في الجهود وتكثيفها خلال الفترة القادمة، ويجب التعامل بجدية أكثر فيما يتعلق بالقوى الخارجية التي لا ترغب ولا تسهم في اقتراب الليبيين شيئا فشيئا من التسوية، ويجب وقف محاولاتهم المعرقلة لحل الأزمة».
وتابع: الجهد الإقليمي والدولي مطلوب بشكل أكثر خلال الفترة القادمة، خلال العام الذي سيؤدي للانتخابات المقررة، وذلك لتثبيت ما تم التفاهم بشأنه وللدفع في اتجاه تحقيق المزيد من التفاهمات التي تجعلنا ونحن نقترب من موعد الاستحقاقات الانتخابية في ديسمبر (كانون الأول) 2021، أن يتم تمهيد الساحة بشكل كامل، خاصة وأنه قد تم إقرار أن التسوية لن تتم دون مشاركة الأطراف الليبية كاملة، وبالتالي فإن الجميع في ليبيا لديه مصلحة في الدفع باتجاه هذه التسوية إلى هدفها وغايتها.
 
دعم إقليمي
وحول تأثير عملية الاستقطاب لطرفي النزاع من قبل القوى الإقليمية ومدى تأثيره على فرص الاستقرار حتى الوصول للانتخابات، واصل السفير على الحفني حديثه لـ«المجلة»: «ليس هناك شك في أن تدخلات تركيا وإصرارها على التفرقة بين الأطراف المتنافسة داخل ليبيا أمر مرفوض في هذه المرحلة، فالدور التركي في الأزمة سلبي، وتابعنا المعونات العسكرية التركية لحلفائها في ليبيا وهو ما دعا القوى الحليفة لها للتشدد في مواقفها رغم نبذ ما يحدث دوليا، فالدور التركي لا يحظى بأي دعم إقليمي أو دولي، وللأسف فنحن مضطرون للتعامل مع هذا الوضع بشكل متكرر ومستمر، وطالما لم يكن هناك ضغوط كافية على تركيا للحد من تدخلاتها في الشأن الليبي سيتعقد المشهد مهما كانت الإيجابيات التي تم رصدها خلال المشوار السابق والحالي، أو كم الجهود المبذولة لتسوية الأزمة الليبية بشكل سياسي، ولا يجب أن يهتز التحالف الدولي خلال الفترة القادمة في مواقفه من ليبيا التي تجلت في الشهور الأخيرة خاصة بعد اتخاذ مصر موقفا حازما فيما يتعلق بموضوع وقف إطلاق النار وتثبيته، ويجب في هذا الإطار استمرار الضغط على تركيا حتى لا يسهم المزيد من تدخلاتها في الشأن الليبي في العودة للوراء، والاحتراب والموجة العسكرية التي كانت موجودة من قبل».
وعن توقعه لموقف مصر خلال عام الحسم وصولا للانتخابات في ديسمبر (كانون الأول) العام القادم 2021، قال: «مصر لعبت دورا قويا خلال الفترة الأخيرة، ليس فقط من خلال مواقفها المعلنة بضرورة وقف إطلاق النار، وتفعيل الهدنة بين جميع الأطراف، إلا أن مصر حريصة على الاتصال الدائم بكافة القوى الدولية والإقليمية رغم اختيارات البعض للأطراف المعرقلة للملف الليبي، وتصارع المصالح بين بعضها، إلا أنها نجحت بالدفع في اتجاه عودة الأطراف المتنازعة داخل ليبيا للحوار ومائدة المفاوضات وإحراز النجاح في بعض الملفات، ومصر ستستمر في التنسيق مع القوى الإقليمية والتعامال معها وتبادل وجهات النظر والدعم، واستمرار حشد الموقف الدولي والإقليمي الداعم للتسوية في ليبيا، وكذلك في إطار البحر المتوسط والأطراف العربية ودول الجوار، وكذلك مع الاتحاد الأفريقي وكافة الدول الأفريقية، وأيضا مع اللجنة الأفريقية المعنية بليبيا لدعم واستمرار الجهود التي تم بذلها على مدار شهور طويلة، ويجب استمرار هذه المساعي وحشد الضغط الدولي على تركيا التي تبعدنا عن مسارات التسوية كلما اقتربت، وعن نظرة التفاؤل، وتجعل البعض يتراجع عما تم تحقيقه فيما يتعلق بالملفات الخاصة بعملية التسوية للأزمة الليبية».
 
أزمات مستمرة
وتعرضت محاولات الحل في ليبيا لمآزق متعددة خلال الفترة الأخيرة، فمنذ رعاية الأمم المتحدة لخطة عمل في نهاية عام 2017 كان مقررا أن تقود الانتخابات في العام التالي 2018 لعودة السلام إلى ليبيا ونبذ الفرقة والصراع المسلح بين طرفي النزاع، فتعرضت المفوضية العليا للانتخابات لهجوم مسلح قوض من خطة السلام المقترحة من الأمم المتحدة، واستمرت بعد ذلك محاولات عدد من القوى الإقليمية لعقد مؤتمر وطني بين الليبيين من أجل تفعيل المصالحة والتوجه إلى المسار السياسي الذي يجب أن تسبقه عملية تمهيد الأرض للمؤسسات التشريعية والنيابية في ظل التراجع المستمر في إقبال المواطنين الليبيين على التصويت والمشاركة السياسية في ظل حالة العنف بين الجانبين، وكذلك عدم الثقة وغياب الأمن والاستقطاب من القوى الإقليمية.
 

font change