نصر الله يختتم 2020 بتجاهل لبنان

نصر الله يختتم 2020 بتجاهل لبنان

* لا يستطيع نصر الله أن يحكم، والأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان أصبحت أكثر تعقيدًا من قدرته على حلها 
* على نصر الله محاربة الفساد، وتنفيذ إصلاحات ووقف تدخل حزب الله في الحروب الإقليمية والنزاعات الداخلية، بدلا من اللجوء إلى خطاب «المقاومة»القديم والاستعراضي

 أثناء لقائه التلفزيوني الأخير مع تلفزيون «الميادين»، تحدث قائد حزب الله حسن نصر الله لمدة أربع ساعات في محاولة للإجابة على أسئلة ومخاوف الشعب اللبناني وقاعدة مؤيدي حزب الله. بيد أنه بدلًا من طمأنة مشاهديه، أثار مخاوف أخرى، وأشار ضمنيًا إلى أن أولويات حزب الله الأساسية إقليمية وليست لبنانية، وأن الشعب اللبناني سيكون عليه أن يقبل بحقيقة أن لبنان أرض إيرانية ستُستخدم لتنفيذ أجندة النظام الإيراني الإقليمية.
 
استعراض عضلات زائفة
حاول نصر الله، في أثناء استعراضه لقوى وعضلات حزب الله، أن يخفي حقيقة التحديات الأساسية التي يواجهها الحزب ونقاط ضعفه. على سبيل المثال، قال إن التنظيم ضاعف في الوقت الحالي من أعداد الصواريخ الموجهة بدقة منذ العام الماضي، وإن إسرائيل فشلت في منع حزب الله من الحصول عليها. ولكنه لم يذكر أي شيء بشأن دقة هذه الصواريخ. غير أن هذه الصواريخ الدقيقة- التي من المفترض استخدامها لضرب أهداف محددة في إسرائيل- تحتاج إلى مدى يصل إلى عشرة أمتار على الأقل.
ووفقًا لدراسة أجراها مركز (بيكوم) للأبحاث والاتصالات، تُعرف الصواريخ الموجهة بدقة بانخفاض احتمالات خطئها الدائري. وهذا الخطأ الدائري المحتمل هو نصف قطر الدائرة التي من المتوقع أن تتضمن حدودها نقاط سقوط 50 في المائة من الصواريخ التي يتم إطلاقها. على سبيل المثال، إذا بلغ الخطأ الدائري المحتمل لصاروخ ما 10 أمتار- وهو المدى الذي تهدف إليه إيران ولكنها لم تحققه- سوف يسقط نصف الصواريخ التي يتم إطلاقها في حدود 10 أمتار من الهدف المقصود. وكلما انخفض احتمال الخطأ الدائري، انخفض عدد الصواريخ المطلوبة لتدمير هدف ما.
يعتقد كثير من الخبراء أن إيران وحزب الله لم يحققا احتمال الخطأ الدائري الذي يبلغ 10 أمتار؛ وبالتالي لا معنى لإنتاج المزيد من هذه الصواريخ من دون قدرات تصويب دقيقة. ويعلم حسن نصر الله ذلك، ولكنه لا يستطيع الاعتراف بالفشل على التلفزيون، وبدلًا من ذلك فَضَّل إخفاء الحقيقة أملًا في أن يتوقف أنصار حزب الله عن التشكيك في قوة التنظيم. كذلك فشل في الإشارة إلى أن إسرائيل دمرت بدقة منشآت تصنيع الصواريخ الموجهة في جميع الأنحاء- سوريا والعراق ولبنان- على مدار أعوام عديدة، وأنها أضعفت بنجاح هذه القدرات بعينها.
وفيما يتعلق بقضية أخرى، كرر نصر الله وعود جماعته بالانتقام من اغتيال الولايات المتحدة لقاسم سليماني القائد السابق للحرس الثوري الإيراني، والذي قُتل في العراق منذ عام في عملية نفذتها طائرة درون. وقال في لقائه مع «الميادين»، وإلى يساره صورة لسليماني: «الانتقام مسألة وقت».
كانت تلك محاولة لطمأنة مؤيدي حزب الله، الذين يشككون في إمكانيات إيران ورغبتها في الانتقام لشخص في أهمية سليماني. لم تعجز إيران عن الانتقام الملائم فحسب، بل تجاهلت جميع الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت منشآتها في المنطقة. ويبدو أن أسلوب حزب الله القديم في التحلي بالشجاعة والقوة قد اختفى.
 
لبنان مجرد تفاصيل
في أثناء لقاء استمر أربع ساعات، بدا لبنان صغيرًا حبيسًا داخل سياسة إيران الإقليمية. تحدث نصر الله وكأنه الحاكم الفعلي للبنان، والقائد الأوحد الذي يصل وينسق بين حزب الله في لبنان وبقية ميليشيات الشيعة التابعة لإيران في سوريا والعراق واليمن. وعلى الرغم من جميع إخفاقات إيران وحزب الله في المنطقة، فلا يزال يتظاهر بأن النصر آتٍ وأن جميع التحديات التي يواجهها لبنان وبقية الدول التي تسيطر عليها إيران مؤقتة، وليست مرتبطة على نحو ما بسياسات وحروب إيران. وفي منتصف كل ذلك، وضع نصر الله لبنان داخل حروب إيران وطلب بصفة غير مباشرة من الشعب اللبناني أن يعاني ويجوع لكي يحمي أجندة إيران في المنطقة.
من المذهل كم الجهل الذي يتصف به نصر الله فيما يتعلق بمخاوف وآلام الشعب اللبناني الحقيقية وكذلك أنصاره. أصبحت الفجوة بينه وبين شعبه كبيرة إلى درجة لن تتمكن صواريخ حزب الله واستعراضه من سدها. لقد بدا كالإمبراطور الذي يعيش في قلعة عالية يقيم بها الولائم وشعبه يتضور جوعًا. وأسوأ ما في الأمر هو أنه لا يبدو على دراية بمعاناة شعبه خارج أسوار قلعته.
لم تعد أولوياته وأجندة إيران هي أولويات اللبنانيين؛ بما فيهم مؤيدو حزب الله والمجتمع الشيعي. عندما تعني «المقاومة»وانتصارات إيران الإقليمية عجز الآباء عن الإنفاق على أبنائهم وعدم قدرة المرضي على الحصول على العلاج الأساسي، وعدم تلقي الأطفال التعليم الملائم، لن تجد كلمات نصر الله آذانًا صاغية. ولن تستطيع محاولاته في تسليط الضوء على قدرات حزب الله العسكرية والاقتصاد البديل إلا إثارة مخاوف كبيرة وليس آمالا.
لا يرغب الشعب اللبناني في الاقتصاد البديل. ولا يريد منتجات صينية وإيرانية وسورية، بل يريد العودة إلى الأسواق العالمية. يريد أن يتمكن أبناؤه من السفر والعمل والتعلم، لا العزلة. ولا يستطيع حزب الله أن يقدم كل ذلك.
لا يستطيع نصر الله أن يحكم، والأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان أصبحت أكثر تعقيدًا من قدرته على حلها. ويعني حل الأزمات أنه سيكون عليه محاربة الفساد، وتنفيذ إصلاحات ووقف تدخل حزب الله في الحروب الإقليمية والنزاعات الداخلية. لا يستطيع نصر الله فعل ذلك، بل لجأ إلى خطاب «المقاومة»القديم والاستعراض. إنها اللغة الوحيدة التي يستطيع التحدث بها، ولكن الشعب اللبناني يُفضل لغة مختلفة، يستطيع العالم أن يفهمها ولا يشعر أنه مهدد بها.
ومما يزيد الأمر سوءًا، عندما سئل عن تلقي اللقاح، لم يقدم نصر الله إجابة أكيدة، وقال إنهم- يقصد قيادة حزب الله- لا يزالون يفكرون في الأمر. وكانت الإجابة الوحيدة المؤكدة هي «لا»للقاح أميركي الصنع. قال نصر الله إنه لن يأخذه لأنه أميركي، في حين يستخدم مقاتلوه وموظفوه تكنولوجيا وأدوية ومنتجات أميركية الصنع. والمؤسف في الأمر هو أن العديد من أنصاره سيصدقونه ويرفضون تلقي اللقاح أيضًا. 
بالنسبة لنصر الله، التلاعب بحياة البشر مسموح، وإذا أصيبوا بعدوى فيروس كوفيد وماتوا، فلن يهتم في الواقع طالما أن آلة الدعاية التابعة له مستمرة في الانتشار في جميع أنحاء البلاد.
في نهاية لقاء آخر العام، أكد نصر الله على سيطرة حزب الله على لبنان، وقراراته واقتصاده وأمنه. وبينما تتجه المنطقة إلى الأمام عبر مبادرات السلام والانفتاح على العالم، يغلق حزب الله لبنان على ذاته لينتقل به إلى محور الحروب والمواجهات الخاصة بإيران.
أنهى حزب الله عام 2020 بتجاهل استقلال لبنان وسيادته، وبإبعاد شعبه وعزلته. والسؤال المطروح الآن: إلى متى يستطيع حزب الله الحفاظ على هذه العزلة والسيطرة على لبنان؟ يبدو نصر الله واثقًا، ولكن الحقيقة هي أنه ليس مطمئنًا. خسر حزب الله الكثير من أمواله بسبب العقوبات الأميركية على إيران. وفقد حزب الله الوصول إلى موارد الدولة بسبب الأزمة المالية التي تضرب لبنان. كما أنه يخسر حلفاءه الذين خضعوا لعقوبات الخزانة الأميركية أو هاجمتهم الاحتجاجات اللبنانية. ويخسر الشارع اللبناني، وتأييد العالم العربي. ويخسر خطاب المقاومة حيث يتردد في الرد على الهجمات الإسرائيلية واغتيال قادته البارزين. وأخيرًا، يخسر أنصاره، المجتمع الشيعي، الذي لن يرغب بعد الآن في التضحية بأي شيء لحماية مصالح إيران في المنطقة، لا سيما وأن هذه المصالح لا تستطيع أن تضع الغذاء على طاولتهم.
تحدث نصر الله لمدة أربع ساعات، ولكن هذه المرة لم يستمع إليه الشعب اللبناني.
* حنين غدار: زميلة فريدمان في برنامج غيدولد للسياسة العربية بمعهد واشنطن، حيث تركز على سياسة الشيعة في جميع أنحاء المشرق

font change