«شيشناق» يقسم الجزائريين في العام الأمازيغي الجديد

«شيشناق» يقسم الجزائريين في العام الأمازيغي الجديد


* هذه هي السنة الرابعة على التوالي التي تحيي فيها الجزائر هذا التاريخ كيوم عطلة مدفوعة الأجر منذ 2018، بعدما تم الاعتراف بالأمازيغية لغة وطنية ورسمية في دستور 2016
* الثقافات في كل العالم تنتج أساطيرها، وكل التقويمات الزمنية عبر الثقافات مخترعة، وليست دقيقة دائما
* احتفالية هذا العام جاءت في وضع سياسي خاص ومتميز شهد خلال الأشهر الماضية نقاشاً حاداً تسبب في استقطاب غير مسبوق في الشارع الجزائري
* باحث وأكاديمي: يتبدى البعد الأمازيغي المشترك بين كل الجزائريين باعتبارهم من أرومة واحدة، وعدم اختزال الأمازيغية في اللهجة أو اللغة فقط

الجزائر: وسط جدل واسع وغير مسبوق بشأن أصل الاحتفال، أحيى أمازيغ الجزائر على غرار باقي أمازيغ العالم احتفالية (يناير) والتي تعني قدوم العام الأمازيغي الجديد، صاحب الاحتفالية جدل بين من يرى أن المناسبة تأتي احتفاء بالعام الفلاحي الجديد، والذي يبدأ في التقويم الأمازيغي بـ12 يناير، ومن يقول إن المناسبة هي احتفاء بذكرى انتصار القائد الأمازيغي شيشناق على فرعون مصر رمسيس الثالث، في معركة دارت رحاها قرب نهر النيل عام 950 قبل الميلاد.
والتقويم الأمازيغي ويعرف أيضًا بـ«التقويم الفلاحي»، نظرا لارتباطه الوثيق مع الفلاحة والزراعة في شمال أفريقيا، بهدف تنظيم الأعمال الزراعية الموسمية، يوافق 2021 في التقويم الميلادي الحالي 2971 في التقويم الأمازيغي أي بإضافة 951 سنة. إلا أن هناك اختلافا حول أول أيام العام الأمازيغي فهناك من يحتفل به يوم 13 والبعض 12 يناير (كانون الثاني).
وأول يوم من شهر يناير وهو بداية السنة عند الأمازيغ يتوافق مع يوم 12 يناير من التقويم الغريغوري، والذي يتزامن مع الإزاحة التي تراكمت خلال القرون بين التواريخ الفلكية والتقويم اليولياني، وهذا اليوم يسمّى «إيض ناير» أي ليلة رأس السنة الجديدة. كما أن طول السنة وطول الشهور عند الأمازيغ هو نفسه في التقويم اليولياني: ثلاث سنوات مكونة من365  يوما تليها سنة كبيسة مكونة من 366  يوما، والشهر ينقسم إلى 30 أو 31 يوما مع بعض الاختلافات الطفيفة في حسابات شهر فبراير (شباط). والأشهر هي: يناير، فورار، ماغرس، إيقرير، ماقو، جوان، جويلية، غوشط، شتونبر، توبر، وانبر، جنبر.
وهذه هي السنة الرابعة على التوالي التي تحيي فيها الجزائر هذا التاريخ كيوم عطلة مدفوعة الأجر منذ 2018، بعدما تمت دسترة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية في دستور 2016 .
ومع أن جائحة كورونا كان لها تأثير بالغ على مجمل الأنشطة الثقافية والاقتصادية، لكن جمعيات في مختلف مناطق البلاد، ما زالت تساهم في نشر عادات الاحتفال بـ«يناير» عن طريق إحيائها بطرقها التقليدية الأصيلة، ثم ترك المشعل للأجيال الجديدة التي تتولى بدورها المحافظة على الموروث.
وبدأت الاحتفالات هذا العام مبكرا على غير العادة، منذ الجمعة الماضي، بعدد من محافظات البلاد، بينها ولاية باتنة الواقعة شرقي البلاد التي تحتضن هذا العام الاحتفالات الرسمية، بالإضافة إلى العاصمة ومحافظات منطقة القبائل ومدن أخرى، وللاحتفالات نكهة خاصة تختلف من مدينة جزائرية لأخرى، تشترك كلها في التمسك بالموروث الشعبي والثقافي والعادات والتقاليد الأصيلة التي تعود لآلاف السنين، وتشكل ركناً أساسياً من الهوية الجزائرية إلى جانب الدين الإسلامي واللغة العربية ثم الأمازيغية، وتختلف تهنئة أمازيغ الجزائر بيوم يناير، إذ يقول «الشاوية»: «اسقاس ذا مربوح فلاون»، فيما يقول أهل منطقة القبائل: «اسقاس أمقاس».
وتشكل الثقافة الأمازيغية جزءا بارزا في التاريخ الجزائري، التي يرجع تاريخها إلى آلاف السنين، وينتشرون في مختلف مناطق البلاد، ففي شرق البلاد يوجد «الشًّاوِيَة» الذين يتكلمون اللهجة «الشًّاوِيَة»، خاصة في: باتنة، تبسة، أم البواقي، وخنشلة. كما يوجد أيضا القبائل الذين يتكلمون اللهجة «القبائلية»، ويتمركزون في ولايات: تيزي وز، وبجاية، والبويرة. وفي وسط الجزائر يوجد «الشْنَاوة» وينطقون باللهجة «الشناوية»، خاصة في مناطق تيبازة وبومرداس، وفي الغرب يوجد «الشَّلْحَة» أو «الشْلوح» ويتمركزون في مدينة تلمسان. وفي شمال الجنوب الجزائري يوجد «بنو ميزاب» في مدينة غَرْدَايَة، الذين يتحدثون اللهجة الميزابية في مدينة غرداية، وبأقصى الجنوب الجزائري يوجد الطوارق الذين يتكلمون اللهجة التارقية، ونجدهم في مدن تمنراست وأدرار.
وبما أن الكسكسي من الأكلات المفضلة لدى الأمازيغ، وهو طعام يقدم كل يوم، إلا في اليوم الأول من السنة، حيث تقوم النسوة بتحضير أطعمة أخرى، وكل عائلة حسب مقدرتها من صنفين إلى سبعة أصناف من الأطعمة، ثم إن العائلات تتعاون فيما بينها في تحضير البغرير «ثغريفين»، و«ثاغريفث»، الأولى تحضرها عادة عجوز مسنة، مرددة أدعية أو أهازيج تختلف من منطقة لأخرى، أيضا من خلال «ثغريفث»، الأولى يتكهنون بالعام الجديد، بينما تقدم أخرى مقدار أصبع من العجين وهو غير متماسك، أي دقيق مع قليل من الزيت والسكر ويسمى «أعبور»، تضعه على إحدى ركائز الكانون، وهو عبارة عن ثلاثة أحجار متوسطة الحجم توضع حول الحفرة التي تشتعل فيها النار واسمها بالأمازيغية «انيين» وبعد وضع شيء من العجين على الحجر «انيين»، وهو ساخن جدا، ومن خلال هذه العجينة يتكهنون بما سيكون عليه العام الجديد.
وتفضل مناطق أخرى تحضير الكسكسي بالديك البري، الذي تقسمه أكبر امرأة في العائلة وغالبا ما تكون الجدة، فتقدم صدر الديك لأكبر فرد من العائلة، وقد يشترك في الصدر فرد آخر من الكبار. وهذا حسب العدد، وتقدم الأرجل للأطفال والجناحين للبنات ليتزوجن. هذا، إذا كانت العائلة كبيرة، بينما تقوم عائلات أخرى بذبح أكثر من ديك. إضافة إلى ذلك، تحضر أطعمة أخرى أهمها «البغرير» و«الخفاف» وغيرها، كما يتم توزيع حلويات ليفرح الصغار، تليها حكايات الأمهات والجدات التي تطبع سهرة ليلة يناير.
عائلة أمازيغية تحتفل بطبخ الأكلات التقليدية


هذا الموروث اقترن أيضا ببعض الأساطير في منطقة يحسب تاريخ تواجدها بقبائلها وبطونها النوميدية وقبل النوميدية، بآلاف السنين، حيث تلجأ بعض النسوة بتجديد المكانس وطلي الجدر بمادة الجير وملء الأواني بالمياه تيمنا بالوفرة والغلة والخصوبة، فيما يتم تفقد ما تحت الأثافي الجديدة بعد أيام، رغبة في استكشاف ما تخبئه الأيام من خلال التأويل الدلالي للحشرات، حيث يرمز الدود لميلاد الأنثى، والعنكبوت لميلاد ذكر، والحشيش لكثرة الرزق والنمل لتضاعف ماشية ورؤوس الأغنام.
احتفالية هذا العام جاءت في وضع سياسي خاص ومتميز شهد خلال الأشهر الماضية نقاشاً حاداً تسبب في استقطاب غير مسبوق في الشارع الجزائري، بين داعم لفكرة دعم وتعزيز مكانة اللغة الأمازيغية في الدستور الجديد كمادة صماء غير قابلة لأي تعديل مستقبلاً، وبين رافض لهذه الفكرة، الاستقطاب هيأت له أجواء ما بعد إسقاط الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة في شهر أبريل (نيسان) 2019، بعد حراك شعبي انطلق في الثاني والعشرين من فبراير (شباط)، وتوقف بسبب تفشي وباء كورونا، حيث انقسم الشارع لفريقين، أحدهما مؤيد لخريطة الجيش التي كان يمثلها قائد الأركان السابق الفريق أحمد قايد صالح، والذي أسدى تعليمات باعتقال أي شخص يرفع الراية الأمازيغية في الحراك، تحت حجة أن الراية تمثل تهديداً لوحدة الجزائريين، وبين نشطاء من الحراك الذين اعتبروا أن الخطوة تضييق غير مسبوق على الحريات باعتبار أن الراية الأمازيغية تعبر عن هوية الأمازيغ، ولا تُطرح كعلم منافس للعلم الجزائري الرسمي، وبين هذا وذاك، سادت أجواء الاحتقان ما بين الفريقين، وما تزال القضية تثير النقاش في كل مناسبة تكون فيها الأمازيغية والأمازيغ محل نقاش.
وبسبب تأثير المشهد السابق الذكر، فقط شهدت احتفالات هذا العام جدلاً واسعاً على خلفية أصل الاحتفال، ففي حين يوجد إجماع بين الأمازيغ والجزائريين على أن هذه المناسبة هي احتفاء بالعام الفلاحي الجديد، حيث ينظم هذا التقويم الذي يبدأ بشهر يناير فصول العام حسب علاقتها بالزراعة، في حين يصر آخرون على ربطه بحادثة تاريخية هي في الواقع محل جدال حتى بين المؤرخين، وتتعلق بما يقال إنه ذكرى انتصار الملك الأمازيغي شيشناق على فرعون مصر رمسيس الثالث في معركة دارت رحاها قرب نهر النيل عام 950 قبل الميلاد، ليؤسس المملكة الفرعونية الـ22.
محافظة تيزي وزو ذات الأغلبية الأمازيغية، نصبت عشية الاحتفالات تمثالاً لشيشناق وسط المدينة، وهي الحادثة التي أثارت نقاشا واسعا بين من رحب بالفكرة وبين رافض لها، ويقول الشاعر الأمازيغي مازيغ ناصر لـ«المجلة» إن «الخلفية التاريخية لاحتفال الأمازيغ ترتبط فعلا بذكرى انتصار الملك شيشناق الأمازيغي على فرعون مصر، في معركة دارت رحاها قرب النيل، وبعد انتصاره على رمسيس الثالث في السادس من يناير، اعتلى عرش مصر في الثاني عشر منه وتوج كفرعون مصر على رأس المملكة الفرعونية الثانية والعشرين». ويؤكد ناصر أن «هذا الانتصار ارتبط بالعام الأمازيغي الذي يحييه الأمازيغ أيام 13 يناير وليس 12» على حد قوله.
وفي الواقع يختلف المؤرخون حول الملك الفرعوني الذي عاصر (شيشناق)، إذ يرى البعض أنه رمسيس الثالث، مثل باحث المصريات، محمد رأفت عباس، الذي قال في تصريحات مؤخرا إن أسطورة الاحتفال بالسنة الأمازيغية، مرتبطة بالفعل بالملك الفرعوني رمسيس الثالث. وقال عباس لوكالة أنباء الشرق الأوسط، الاثنين، إن شيشناق الأول 945 – 924 ق.م هو مؤسس الأسرة الـ22 في مصر القديمة.  وكشف أنه من أصول ليبية، نشأ في مصر، بعدما وقع أسلافه أسرى لدى رمسيس الثالث، الذي انتصر على القبائل الليبية، في معارك جرت على حدود مصر الغربية.
احتفالات فولكلورية  تصاحب يناير بالجزائ


أما البعض فينفي أي علاقة بين رمسيس الثاني وشيشناق، ومنهم الإعلامي نور الدين ختال، المعروف بانتقاده لترسيم الإرث الأمازيغي، الذي غرد منتقدا إحدى الإذاعات المحلية التي تناولت موضوع شيشناق، وكتب قائلا: «صحفيّة راديو البهجة، تُكرر أكذوبة البربريست التي تقول إن الملك الفرعوني شيشناق حارب رمسيس الثاني». ثم تابع: «رمسيس الثاني عاش بين 1303 ق.م و1213 ق.م وشيشناق الليبي عاش بين 950  ق.م و929  ق.م، والفرق بينهما 200  سنة فكيف يحاربه».
وتعليقا على هذا الجدل يستغرب الباحث والأستاذ الجامعي عبد القادر محمود من بعض المنتسبين إلى البحث القديم من دون التسلح بالأدوات اللازمة له، وممن يبالغون في تأثير الحضور الفينيقي في المنطقة إلى حد جعله أصلا أصيلا، ويثيرون معركة دون كيشوتية لكي يثبت بأن يناير أسطورة، وأن شيشناق مصري ولا علاقة له بالأمازيغ، الذين يتمنون تغييبهم من التاريخ، وأن التقويم الأمازيغي أكذوبة.
والملاحظ حسب حديث الباحث لـ«المجلة» أن «كل الثقافات في كل العالم تنتج أساطيرها، وكل التقويمات الزمنية عبر الثقافات مخترعة، وليست دقيقة دائما، فهناك ثلاثة أنماط منتشرة من التقويمات تبنتها الشعوب عبر العالم: الشمسية، والقمرية والجمع بين الشمسي والقمري، يتم ربطها بحادث رمزي قد لا يكون دقيقا وليس معاصرا بالضرورة من الناحية التاريخية، فالمسيح عليه السلام لم يولد بالضرورة عام 0 ميلادي. والتاريخ الهجري اقترحه عمر رضي الله عنه بعد سنوات من وفاة الرسول، والتقويم الأمازيغي المعتمد هو تقويم حديث اخترعه المرحوم عمار نقادي، وربطه بحادثة تاريخية رآها، بحسب وجهة نظره وقراءته التاريخية، مهمة في تاريخ الأمازيغ القديم، وهو اعتلاء شيشناق الليبي عرش مصر»، ويتابع: «رغم أن الروايات التاريخية تختلف في طريقة توليه الحكم وتاريخ ذلك على وجه الدقة، وأن الصلات بين الليبيين القدماء أسلاف الأمازيغ سكان المغرب الكبير، كانت لهم صلات ثابتة ومستمرة وأكثر مما نتوقع مع الحضارة المصرية ومنطقة وادي النيل منذ العصور القديمة، هذا الصنف مصاب بعقدة كراهية الذات، ونسبه نفسه إلى مجال جغرافي وثقافي آخر، رغم شدة الصلة به، ولا خير في من لا يعتز بقومه».
وفي المقابل، استغرب الباحث من بعض نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي من «الفريق الداعم لفكرة شيشناق بمحاولة احتكار هذه المناسبة ثقافيا في جهة واحدة من الوطن، أو لدى المناطق الناطقة باللهجات الأمازيغية، رغم أنها مناسبة يجري الاحتفال بها في العديد من المناطق الجزائرية الأمازيغية منها والمستعربة!! بل في سائر المنطقة المغاربية والشمال أفريقية، من منطقة سيوة المصرية، إلى ليبيا، وجزر الكناري ناهيك عن المغرب والجزائر، وهنا يتبدى البعد الأمازيغي المشترك بين كل الجزائريين باعتبارهم من أرومة واحدة، وعدم اختزال الأمازيغية في اللهجة أو اللغة فقط». وهذا الصنف من الفريقين في تقديره «مصاب بعقدة الأوهام والأصالة التاريخية المحض التي لا توجد في الواقع ولا في التاريخ».
هذه العقليات الانقسامية والانشطارية كما وصفها الباحث هي على حد تعبيره «جند مجاني من جنود الغباء الذي يسهل مهمة كل فتان داخلي يبحث عن الشهرة وعن الإشارة إليه بالبنان، أو خارجي يريد التحكم في مصير وموارد البلد. فهي تحول كل ما يمكن أن يكون عاملا مشتركا إلى عامل تقسيم... الإسلام حين يتناوله هؤلاء سيقسمون به المسلمين إلى كفرة وطوائف ضالة، وطائفة وحيدة يتيمة ناجية!!!  وحين يتناولون المسألة اللغوية والثقافية سيقسمون الجزائريين إلى وطنيين شرفاء وآخرين خونة وعملاء، يحتاجون إلى تطهير، أو جزائريين أصلاء وآخرين طارئين ودخلاء يحتاجون إلى انفصال عنهم أو تسفير!!. وذلك، ليس بناء على معايير موضوعية ووقائع تاريخية ثابتة، بل بناء على تصوراتهم الضيقة، ومواقعهم المتحيزة، وغرائزهم العنصرية المتحفزة، رغم أن الكثير منهم ينسب نفسه إلى الثقافة وقيادة الرأي العام وأنه يتكلم باسم الأغلبية ويريد أن يهديها إلى الحقيقة في مسألة الهوية».
 
font change