الإغلاق العام يعمّق أزمات لبنان الاقتصادية..

اللبنانيون يدفعون الثمن ويخسرون الرواتب الزهيدة التي لا تتعدى 6 دولارات يومياً

1- الشوارع اللبنانية شبه خالية من السيارات والمارة بسبب فرض الاغلاق التام لمواجهة كورونا

الإغلاق العام يعمّق أزمات لبنان الاقتصادية..

*رئيس اتحاد العمال العام: الإقفال التام يجب أن يترافق مع مساعدات وحوافز
*النائب الأول لرئيس جمعية الصناعيين: سنطلب من المسؤولين استثناء القطاع الصناعي من الإقفال
*اللبنانيون باتوا بين فكي الأزمة الاقتصادية وإجراءات الإغلاق
*الحد الأدنى للأجور لا يتعدّى 65 دولاراً شهرياً
*بات اللبناني بين خيارين: الالتزام بإجراءات الإغلاق العام على حساب لقمة العيش، أو السعي وراء لقمة عيشه ومخالفة إجراءات الإغلاق مع ما تحمله من مخاطر صحية قد لا يتحملها النظام الصحي في البلاد

 

 

بيروت: للعام الثالث على التوالي، يضرب الاقتصاد اللبناني العديد من الأزمات التي بدأت مع انهيار سعر صرف الدولار، وتلاها انفجار مرفأ بيروت، ولم تنته مع ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا بشكل «مخيف»مما هدد النظام الصحي برمته في البلاد، وهذا ما دفع المجلس الأعلى للدفاع لاتخاذ قرار الإغلاق التام حتى 25 يناير (كانون الثاني)، مع ما يحمله هذا القرار من انعكاسات سلبية على الاقتصاد الذي لم يتعاف من الضربات السابقة.

إعلان حالة الطوارئ في البلاد مع اتخاذ اجراءات غير مسبوقة لجهة تقليص حركة المسافرين في مطار رفيق الحريري الدولي لتصبح 20 في المائة مقارنة مع أعداد المسافرين القادمين في الفترة نفسها من العام الماضي، وإقفال جميع المؤسسات والشركات على اختلاف أنواعها مع استثناءات محدودة جداً للقطاع الغذائي، ولّد مخاوف جديدة من زيادة الانهيار الاقتصادي واتساع نسب الفقر والبطالة وتراجع القدرة الشرائية.

وسرعان ما انعكس القرار الجديد على الوضع المالي في البلاد حيث سجلت الليرة هبوطاً جديداً أمام العملات الصعبة لتلامس قيمة الدولار الواحد 9000 ليرة. وكل ذلك يأتي في الوقت الذي تبرز فيه المزيد من التعقيدات على مستوى تشكيل الحكومة بعد التراشق الإعلامي بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري. مما يزيد الضغط على المنظومة الاقتصادية والمالية ويجعل اللبنانيين يقبعون بين فكي الأزمة الاقتصادية من جهة وإجراءات الإغلاق العام من جهة أخرى.

 

العمال يدفعون الثمن

أكثر فئات المجتمع تضررا من هذا الواقع هم عمال المياومة الذين يتقاضون أجورهم وفق ساعات العمل. وفي هذا الصدد، يشرح ممثل لجنة العمال المياومين في الجنوب، علي سعد، في حديث لـ«المجلة»وضع هذه الشريحة الاجتماعية، قائلاً: «منذ بداية الحراك الشعبي عام 2019، ومن ثم وصول فيروس كورونا إلى لبنان والانهيار الاقتصادي الذي نعيشه، بدأت الأزمة تتزايد على المياومين، فجميع هذه العوامل تركت أثراً سلبياً عليهم». وأضاف: «في السابق كان معدل أجور العمال يوازي نحو 800 دولار إلا أنه أصبح 150 دولارا، في حين أن الأسعار ارتفعت بشكل جنوني، مما جعل العمال يجدون صعوبة في تأمين حاجاتهم الأساسية من غذاء وطبابة». وتابع: «هذا الوضع يترافق مع التزامات تقع على عاتق العمال من تسديد أقساط المدارس لأبنائهم وتأمين لقمة العيش».

ورغم الأزمة التي يعيشها عمال المياومة حالياً، إلا أنها لا تبعدهم عن القضية التي حملوها منذ عدة سنين، والتي تتمثل بالمطالبة بالانضمام إلى ملاك المؤسسات ورفع سقف تعويضات نهاية الخدمة والتعويض على عوائل الأشخاص الذين توفوا أثناء أداء وظائفهم التي يحمل بعضها الكثير من المخاطر. ويتابع سعد: «في حين تمكنت بعض الشركات والمؤسسات من الاستمرار في دفع الأجور غير أن بعضها الآخر قام بحسم جزء وصل إلى 25 في المائة، وهذا ما فاقم من المشكلة التي يُعانيها العمال». كما لفت إلى أنه من الصعب عليهم زيادة مدخولهم من خلال العمل الإضافي في مهن أخرى، وذلك بسبب دوام العمل الطويل نسبياً. وأشار سعد إلى أن «الإغلاق المفروض حالياً يؤدي إلى زيادة الوضع سوءاً».

 

	رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر
    رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر

ومن جهته، يصف رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان، بشارة الأسمر، في حديث لـ«المجلة»وضع العمال بـ«الكارثي»، ويُشير الأسمر إلى أن أعدادا كبيرة من العمال باتوا عاطلين عن العمل «فالقطاع السياحي وحده فقد 100 ألف فرصة عمل، وقد نفقد 50 ألف فرصة عمل إضافية في نهاية العام الحالي إذا بقي الوضع على ما هو عليه». وتابع الأسمر أن «الأزمة لا تقتصر على القطاع السياحي بل تمتد إلى القطاع التجاري الذي يُعاني من ظروف صعبة، إذ تكاد تكون المحلات والأسواق التجارية خالية من الزبائن بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار».

 

رفع الحد الأدنى للأجور

يضحك الأسمر عند سؤاله عن الحد الأدنى للأجور إذ إنه «بات لا يتعدّى 65 دولاراً شهرياً، وهو لا يكفي لأدنى متطلبات الحياة». ويلفت الأسمر إلى أن «الاتحاد يُساند ويواكب تحركات العمال، فمؤخراً كان هناك 600 عامل يتولون صيانة الجامعة اللبنانية مهددين بفقدان عملهم، لذا قمنا بالتواصل مع المسؤولين المعنيين من أجل إصدار مرسوم استثنائي يقضي بتمديد عقد الشركة المشغلة للحفاظ على عمل العمال». إلا أن اللافت أن جميع هذه التحركات يتصدرها مطلب «تأليف الحكومة لكي يكون هناك جهة مسؤولة يمكن اللجوء إليها ومطالبتها»،بحسب الأسمر.

ويحسم الأسمر أن أوّل مطلب للاتحاد من الحكومة العتيدة هو «رفع الحد الأدنى للأجور، مع ضرورة إيجاد حدّ أدنى من الاستقرار الاقتصادي، بحيث يصبح الحد الأدنى للأجور متناسبا مع سعر صرف الدولار». كما يوضح الأسمر أن «ما يزيد من خطورة الوضع هو أن فترة الإغلاق قد تمتد إلى أسابيع عديدة بحسب الوضع الصحي في البلاد». وأضاف أن «الاتحاد طالب بضمه إلى جانب الهيئات الاقتصادية إلى اللجنة الوزارية المختصة بمتابعة ملف وباء كورونا من أجل إبداء رأي العمال بقرارات الإغلاق». وتابع الأسمر «نحن نؤيد الإقفال التام كما يحصل في الدول المتقدمة، على أن يترافق مع حوافز ومساعدات للمؤسسات والعمال، فعلى سبيل المثال، عمال المياومة البالغ عددهم 100 ألف عامل يتقاضون أجورهم وفق ساعات العمل، وبالتالي فإن الإقفال سيحرمهم من الحصول على هذه الأجور الزهيدة أساساً، إذ إنها تتراوح بين 3 دولارات إلى 6 دولارات كحد أقصى في اليوم». كما دعا الأسمر إلى «استخدام القرض المقدر بـ265 مليون دولار من البنك الدولي من أجل تقديم هذا النوع من المساعدات».

ويطالب الأسمر بأن يتم «تطبيق قواعد الإغلاق في جميع المناطق بحزم، إذ إن التساهل في تطبيقها في بعض المناطق يؤدي إلى حرمان العمال من مزاولة أعمالهم من جهة ويكون دون جدوى على صعيد تقليل أعداد الإصابات من جهة أخرى، كما أن ذلك يؤدي إلى اتخاذ قرار بالإغلاق مجدداً».

	النائب الأول لرئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش
    النائب الأول لرئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش

الإغلاق منع القطاع الصناعي من الإيفاء بالتزاماته

من جهة أخرى، لا يبدو القطاع الصناعي في أفضل أيامه في ظل الإغلاق العام، حيث يعرب النائب الأول لرئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش في حديث لـ«المجلة»عن «تفاجؤه بقرار الحكومة إقفال معظم المصانع باستثناء المصانع الغذائية والأدوية، حتّى إن المصانع التي تنتج مواد التغليف والطباعة التي تستخدمها مصانع المواد الغذائية فُرض عليها الإقفال».

يشرح بكداش انعكاس الإغلاق العام على القطاع الصناعي، فيُشير إلى أن «المصانع التي تقوم بتصدير إنتاجها لديها التزامات ضمن فترات زمنية محددة وإلا تضطر إلى دفع بند جزائي للمستورد، وبالتالي هذا الإغلاق وضعها في موقف صعب». وتابع بكداش: «كما أن هناك مصانع لا يمكنها إطفاء أفرانها مثل مصانع إعادة التدوير ومصانع إنتاج السماد الزراعي، إذ إن تكلفة ذلك ستكون كبيرة عليها». أمام هذا الواقع، يلفت بكداش إلى أن الصناعيين في صدد التوجه إلى المسؤولين للمطالبة بإصدار استثناءات لهذا القطاع، غير أن «المشكلة أن استثناء هذا القطاع سيدفع العديد من القطاعات إلى المطالبة بالمعاملة بالمثل»، بحسب بكداش.

لا ينكر بكداش أن انخفاض سعر صرف الدولار قد انعكس إيجاباً على القطاع الصناعي إذ إنه «خفّض التكلفة التشغيلية، كما أن الكثير من النفقات ضرائب ومحروقات وغيرهما ما زالت وفق سعر الصرف الرسمي»إلا أنه «مهما انخفضت التكلفة فلا فائدة منها إن كانت المصانع مشمولة بقرار الإغلاق». واللافت في قرار الإغلاق أنه «شمل كذلك مصانع المعقمات وأقنعة الوجه في الوقت الذي نحتاج لهذه المواد بكثرة»، وفقاً لبكداش.

ويتخوف بكداش من أن يكون «هناك مخطط لضرب القطاع الصناعي، بعد أن جرى ضرب القطاع السياحي والمصرفي»،خصوصاً أن القطاع الصناعي هو القطاع شبه الوحيد الذي يُدخل عملات صعبة إلى البلاد بمعدل 3 مليارات دولار سنوياً.

 

السائقون العموميون باتوا عاطلين عن العمل

انعكاس الإغلاق العام لم يقتصر على القطاعات الإنتاجية بل وصل إلى أصحاب المهن الحرة، فقد أوضح نقيب السائقين العموميين في الشمال شادي السيد لـ«المجلة»أن «عددا كبيرا من السائقين العموميين يستأجرون سياراتهم، وهم يعتمدون بشكل أساسي على عملهم اليومي من أجل الحصول على مدخول مادي متواضع لا يتجاوز 4 دولارات يومياً». وأضاف السيد أن «ما يزيد من حجم الأزمة هو محاضر الضبط التي تُسطرها قوى الأمن الداخلي بحق السائقين المخالفين لقرار الإغلاق، فمثلاً هناك أحد السائقين نال 3 محاضر ضبط في يوم واحد».

يؤكد السيد أن السائقين العموميين ملتزمون منذ بداية انتشار الوباء بالإجراءات الصحية التي فرضتها وزارة الصحة سواء فيما يتعلّق بعدد الركاب أو استخدام المعقمات أو الالتزام بوضع قناع الوجه. وأكمل السيد: «المشكلة أن الدولة هي التي قامت بفتح المطار والمقاهي والمطاعم وغيرها من القطاعات، مما أدى لزيادة أعداد الإصابات». وعن المساعدات التي سبق أن قدمتها الحكومة للسائقين، يلفت السيد إلى أن «نصف هؤلاء لم تصلهم هذه المساعدات، فضلاً عن ذلك فإن قيمتها المحددة بـ400 ألف ليرة زهيدة جداً». لا يتردد السيد بالتأكيد أن بقاء هذا الوضع سيدفعهم إلى التصعيد من خلال الاحتجاجات والاعتصامات وصولاً لإقفال الطرقات للمطالبة بإنصافهم.

 

الأستاذة المتعاقدون ينتفضون

فئة اجتماعية أخرى تُعاني من الإغلاق العام وهم الأساتذة المتعاقدون في المدارس الرسمية، وذلك على خلفية قرار وزير التربية والتعليم العالي، طارق المجذوب، حول آلية التعليم عن بُعد في المدارس الرسمية خلال مرحلة الإغلاق العام، والتي قضت بتخفيض ساعات التعليم، مما أدى إلى تقليص عدد حصصهم إلى النصف، وهم الذين يتقاضون أجورهم وفق ساعات العمل، وهذا ما دفعهم إلى الانتفاض وإعلان الإضراب العام المفتوح.

إذن، يبدو أن قرار الإغلاق العام، وعلى الرغم من أهميته على الصعيد الصحي، لا سيما أن أعداد الإصابات بفيروس كورونا قد وصلت إلى مرحلة خطيرة جداً، إلا أنها انعكست سلباً على مختلف اللبنانيين الذين يُعانون أساساً من ضائقة اقتصادية خانقة. وهذا ما يترافق مع حرمانهم من الوصول إلى ودائعهم من العملات الصعبة التي ادخروها في المصارف اللبنانية. أمام هذا المشهد، بات اللبناني بين خيارين: الالتزام بإجراءات الإغلاق العام على حساب لقمة العيش، أو السعي وراء لقمة عيشه ومخالفة إجراءات الإغلاق مع ما تحمله من مخاطر صحية قد لا يتحملها النظام الصحي في البلاد.

font change