هل باتت إيران على أعتاب دخول النادي النووي العسكري؟

بعد بدء تصنيعها «اليورانيوم المعدني» والحديث عن قدرتها على تخصيب اليورانيوم لأكثر من 90 %

التهديدات الإيرانية تأتي في إطار الضغط الاستباقي على إدارة بايدن لتسريع إجراءات عودة أميركا إلى الاتفاق ورفع العقوبات (أ.ف.ب)

هل باتت إيران على أعتاب دخول النادي النووي العسكري؟

* إيران تغامر بالوقوف على عتبة إنتاج أول قنبلة نووية ولكن ليس لديها الجرأة حتى الآن
* إيران لديها بالفعل مخزون أكثر مما يتيحه الاتفاق النووي سواء من حيث الكمية أو نسبة التخصيب
* هناك رغبة إيرانية في كسب الوقت وإطالة أمد المفاوضات مع الغرب ومحاولة ابتزازه
* توجيه ضربة لمفاعل نطنز في إيران العام الماضي ساهم في تعطيل المشروع النووي الإيراني لعدة أشهر للوراء إضافة لاغتيال العالم النووي محسن فخري زاده
* الضربات التي تستهدف إيران في سوريا تستهدف فقط وقف التمدد الإيراني في المنطقة
* كان هناك مساعدات إيرانية لسوريا قبل عام 2007 لامتلاك مشروع نووي
* هناك حديث عن نقل مفاعلات نووية إلى مناطق إيرانية قريبة من الحدود مع تركمانستان

 

 

القاهرة: التقارير الإعلامية الغربية التي كشفت عن بدء إيران تصنيع مادة تعد عنصرا رئيسيا في عملية تصنيع القنابل النووية والاستخدامات العسكرية، والتي تتمثل في صناعة اليورانيوم المعدني، فتحت المجال للتساؤلات حول مدى أو إمكانية وصول طهران إلى التقنية العلمية لصناعة القنبلة النووية؟ كما فتحت باب التساؤلات حول المدى الزمني اللازم للحصول على تلك التقنية، وتحقيق الإنجاز الذي طالما أنكر الإيرانيون سعيهم الوصول إليه. في الوقت الذي كشف فيه تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، تحت بند «سري» أن إيران اتخذت خطوة جديدة مهمة نحو تصنيع محتمل للأسلحة النووية، وأن إيران بدأت العمل في خط تجميع لتصنيع مادة رئيسية تستخدم في تصميم الرؤوس الحربية النووية، وأن هذا التطور يقرب إيران من عبور الخط الفاصل بين العمليات النووية ذات الاستخدام المدني المحتمل، مثل تخصيب الوقود النووي لمفاعلات توليد الطاقة، وأنشطة الأسلحة النووية.

يضاف إلى ذلك تصريحات المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي، عن قدرة بلاده على تخصيب اليورانيوم بنسبة أعلى من 20 في المائة، وتصل إلى أكثر من 90 في المائة بسهولة، والتي جاءت في ظل تصديق مجلس الشورى الإيراني على قانون إجراء استراتيجي لرفع العقوبات، يمكّن منظمة الطاقة الذرية الإيرانية من القيام بعملية تخصيب اليورانيوم بنسبة أعلى من 20 في المائة إذا اقتضت الحاجة، وهو ما أثار حفيظة الثلاثي الأوروبي شركاء الاتفاق النووي (فرنسا – ألمانيا – بريطانيا)، الذين أدانوا في بيان مشترك قرار رفع معدلات تخصيب اليورانيوم، مؤكدين على أن إيران لا تملك أي مبررات لزيادة تخصيب اليورانيوم، وأن تلك العملية تحمل جوانب عسكرية خطيرة، وتعد انتهاكا كبيرا للاتفاق النووي الموقع في العام 2015، وأنه يجب على طهران الالتزام بالاتفاق الموقع بينهم.

وفي ظل الإجراءات الإيرانية، والانتقادات الموجهة للخطوة الإيرانية، ومدى تأثيراتها على الأوضاع السياسية والعسكرية في المنطقة، والعالم، استطلعت «المجلة» من جانبها آراء بعض المتخصصين في الشأن الإيراني لتوضيح الخطوة الإيرانية، وتفنيد أسبابها؟ وهل أصبحت إيران على أعتاب الدخول في النادي النووي العسكري؟ وما هو المدى الزمني لتحقيق إيران هذا الإنجاز؟ أم أن إيران برغم قيامها بهذه الإجراءت سوف تصطدم بعدد من المعوقات، التي قد تمنعها من تحقيق أهدافها؟ أو على الأقل تأخير خططها؟ أم أنها سوف تقفز على جميع العوائق لتصبح أحدث عضو بالنادي النووي العسكري؟

امتلاك إيران التقنية النووية سوف يخلق سباق تسلح في المنطقة
امتلاك إيران التقنية النووية سوف يخلق سباق تسلح في المنطقة

 إيران على عتبة امتلاك قنبلة نووية رغم وجود عوائق

في البداية، قال الباحث المتخصص في الشأن الإيراني إسلام المنسي، في تصريحات خاصة لـ«المجلة»: إيران بلا شك تغامر بالوقوف على عتبة إنتاج أول قنبلة نووية، وهي ليس لديها الجرأة حتى الآن على أن تقوم بهذا العمل، لأنها تمتلك بالفعل إمكانيات إنتاج قنبلة نووية منذ فترة طويلة لأنها كانت في العام 2003 عندما بدأت أزمة المشروع النووي الإيراني وتم اكتشاف المشروع وبدأت المفاوضات مع إيران حول هذا الأمر، كانت إيران بالفعل قد قطعت شوطا كبيرا في هذا المسار، وقبل توقيع الاتفاق النووي في يوليو (تموز) من العام 2015، كانت إيران قريبة من إنتاج قنبلة نووية، ولكنها لم تقم بذلك. والآن، وبعدما أقدمت إيران على خمس خطوات متتالية للتحلل من الإلتزامات التي يفرضها الاتفاق النووي، والتي بدأت أولى خطواتها في مايو (أيار) 2019، وكانت الخطوة الخامسة منها في ديسمبر (كانون الأول) 2020، فقد رأت إيران اليوم أن الخطوات التي اتخذتها في السابق كانت غير كافية، لإنتاج السلاح النووي، ولذلك أقدمت في الشهر الحالي على رفع تخصيب اليورانيوم إلى أكثر من 20 في المائة بشكل فعلي، ما جعلها قريبة من إنتاج قنبلة نووية، لأن النسبة التي تحتاجها القنبلة النووية هي 90 في المائة من اليورانيوم المخصب، وعندما تصل إلى نسبة 20 في المائة فيمكنها اختصار الوقت، لأن عملية الوصول إلى نسبة 90 في المائة تكون سريعة جدا، فإيران لديها بالفعل مخزون أكثر مما يتيحه الاتفاق النووي سواء من حيث الكمية أو في نسبة التخصيب، فهي تقف الآن على عتبة امتلاك أول قنبلة نووية، ولكن هناك عوائق كبيرة أمام هذا الأمر، غير أنه لو امتلكت إيران القرار السياسي بإنتاج القنبلة النووية فيمكنها هذا العام امتلاك أكثر من قنبلة نووية، لأن هناك موانع سياسية، ولكن لا توجد موانع فنية أمام امتلاكها سلاحا نوويا، وهناك رغبة إيرانية في كسب الوقت، وإطالة أمد المفاوضات مع الغرب، ومحاولة ابتزازه، وسياسة الابتزاز النووي هي سياسة تتبعها إيران منذ سنوات طويلة، وهي محاولة ابتزاز الغرب خاصة الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وألمانيا تحديدا بهدف الحصول على أكبر مكاسب، لأن إيران إذا استطاعت رفع العقوبات عنها تكون قد تحررت من قيود كثيرة، ولكن الوقت حتى الآن ليس في صالحها، بمعنى أن إيران منذ توقيع الاتفاق النووي في 2015، إلى 2018، حينما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق كانت تعيش أزمة عصيبة  بعدما كانت أرصدتها في الخارج قد تحررت من معظم العقوبات، ولكن عودة العقوبات ساهمت في خنق إيران وبالتالي هي تحاول ممارسة الضغط على الغرب باللعب على مخاوفة، وبالقطع أكبر مخاوف الغرب هي امتلاك إيران للسلاح النووي.

وأضاف المنسي: ما يؤخر امتلاك إيران للقنبلة النووية، ليس توجيه ضربات استباقية لبعض المخازن التي يوجد بها معدات إيرانية في سوريا، ولكن ضربات نوعية مثلما حدث من توجيه ضربة لمفاعل نطنز في إيران العام الماضي، حيث ساهمت هذه الضربة بالفعل في تعطيل المشروع النووي الإيراني لعدة أشهر للوراء، إضافة لاغتيال العالم النووي الذي كان يعرف بأبو القنبلة النووية الإيرانية محسن فخري زاده، ولكن الضربات التي تستهدف إيران في سوريا تستهدف فقط وقف التمدد الإيراني في المنطقة، وهو استهداف البرنامج التوسعي الإيراني، وليس وقف البرنامج النووي الإيراني، كما أن إيران قد يكون من الوارد قيامها باستخدام الأراضي السورية كملعب خلفي لتحقيق طموحاتها النووية وهذا وارد، ولكن الساحة السورية، وكذلك الساحة العراقية غير آمنتين بالنسبة لإيران، كما أن التكلفة الإيرانية للهجوم على أي تواجد إيراني في سوريا أو العراق لا تكاد تذكر بخلاف ما قد يحدث من هجمات داخل إيران، مثل اغتيال العالم محسن فخري زاده والذي تم بعملية استخباراتية، ولكن مقتل قاسم سليماني كان بغارة أميركية تم الإعلان عنها لأنها كانت خارج حدود إيران، لذلك فإن الساحة خارج إيران غير آمنة، وبالقطع كانت هناك مساعدة إيرانية لسوريا قبل عام 2007 لامتلاك مشروع نووي، لكن تم ضربه، وربما كان ذلك محاولة إيرانية لإيجاد ملعب خلفي لتحقيق طموحاتها النووية، لكن تم إجهاض هذه المحاولة، وهناك أيضا محاولات عديدة للتمدد الإيراني، وحدث بالفعل إدخال قواعد صاروخية ونشر صواريخ إيرانية في سوريا والعراق، لكن يظل المرتكز الأساسي للمشروع النووي في إيران، وهناك حديث عن نقل مفاعلات نووية إلى مناطق إيرانية قريبة من الحدود مع تركمانستان، ونقل علماء نووين إلى مناطق نائية، ولكن ذلك يتم داخل الحدود الإيرانية لتحقيق معامل الأمان والحماية، وإن كانت حماية جزئية نتيجة الانكشاف الأمني الذي ظهر خلال العامين السابقين وحتى 2020، ولكن في النهاية لا يمكن توقع هجوم عسكري معلن عنه من جهة خارجية على الأقل.

وأشار المنسي إلى أن القدرات العسكرية الإيرانية ضعيفة، لأن إيران حتى الآن تعتمد في سلاح الجو على طائرات دخلت المتاحف في الدول الأخرى، والقوات البرية تحتاج أيضا إلى تحديث، إضافة إلى القوات البحرية، لأنه بسبب العقوبات والحظر أصيبت القدرات العسكرية الإيرانية بالضعف، وهي تعتمد الآن على القدرة الصاروخية، لذا فهي تحاول أن تقوم بإجراء مناورات عسكرية بين الحين والآخر كنوع من إظهار أنيابها للخارج، والتحذير من أي هجوم على إيران، وأنه لو حدث هجوم فلن يمر بسلام، وأن إيران قادرة على الدفاع عن نفسها، وأرى أن كل هذه الاستعراضات العسكرية تأتي بهدف أو محاولة إخافة خصومها على المستوى الإقليمي، وإرسال رسائل للولايات المتحدة الأميركية بأن إيران لديها قدرات واستعداد عسكري قوي، وأيضا هي تمثل توجيه رسائل للداخل ومحاولة شد عضده وإظهار أن هناك قوات إيرانية قوية تدافع عنهم، كما تأتي في إطار رفع الروح المعنوية للداخل الإيراني.

صورة أقمار صناعية لمفاعل نطنز النووي الإيراني (رويترز)
صورة أقمار صناعية لمفاعل نطنز النووي الإيراني (رويترز)

 سياسة حافة الامتلاك النووي

ومن جهته، قال رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية (أفايب)، محمد محسن أبو النور، في تصريحات خاصة لـ«المجلة»: إيران لا تستهدف الدخول في النادي النووي العسكري، وهناك فتوى شهيرة أصدرها المرشد على خامنئي يحرم فيها امتلاك السلاح النووي، لكن دعنا نتساءل، ماذا تستهدف إيران من خلال إجراءاتها في هذا المضمار؟ إيران تستهدف أن تكون مثل اليابان على سبيل المثال، وهي أن تكون على حافة الامتلاك النووي، أي أن تكون على حافة امتلاك جميع المعارف النووية التي تمكنها من صنع القنبلة الذرية فورا إذا تعرضت لحرب، أي أن تملك كل المعارف، والخبرات، والعلماء لكي تتمكن من صنع القنبلة النووية فورا إن هوجمت بسلاح نووي، وهذا سيكون عامل ردع شديد لأعداء إيران من وجهة النظر الإيرانية، لأنهم في هذه الحالة يعلمون أنه إذا تم قصف بعض المواقع التابعة للبرنامج النووي أو في الجغرافيا الإيرانية فسوف تتمكن إيران في غضون أيام من تصنيع القنبلة النووية وبالتالي ضرب العدو الذي هاجمها، ولكن هل إيران لديها القدرة على زيادة نسبة تخصسب اليورانيوم لأكثر من 20 في المائة؟

الإجابة في الوقت الحالي: «نعم»، لكن حتى إذا واصلت إيران التخصيب بالطاقة القصوى فسوف تمتلك سنويا حوالي 120 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب، لكن المشكلة أن القنبلة الذرية تحتاج على الأقل إلى 1000 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب، ولذلك إذا واصلت إيران السعي بهذه الطريقة لتمتلك قدرة نووية فهي تحتاج على الأقل إلى حوالي 8 سنوات، أو 7 سنوات حتى تمتلك التقنية النووية منذ بدء التخصيب بنسبة 90 في المائة، ومن المعروف أن من يستطيع تخصيب نسبة 20 في المائة، يستطيع تخصيب 90 في المائة بسهولة، وينتج القنبلة النووية، ولكن إيران تريد أن تكون مثل اليابان التي لها تجربة امتلاك التقنية والمعارف النووية، ولكنها لا تريد استخدامات عسكرية نووية.

 وقال أبو النور: وفي هذا الإطار تسعى دولة مثل إسرائيل إلى حرمان إيران من أن يكون لديها استراتيجية حافة الامتلاك النووي، أو أن يكون لديها علماء قادرون على فعل هذا، ولذلك قامت إسرائيل في العشر سنوات الأخيرة باغتيال أكثر من 7 علماء ذرة مؤثرين، داخل إيران، وذلك لحرمانها من امتلاك هذه الاستراتيجية، كما أن استهداف العلماء من قبل إسرائيل داخل إيران سيكون له تاثير كبير على معارف إيران النووية، ولا شك في ذلك، لا سيما أن بعضهم يمتلك أسرارا نووية، مثل الدكتور محسن فخري زاده الذي تم اغتياله مؤخرا، فقد كان يمتلك أسرارا نووية في عقله وفي مكتبه، وفي ملفاته، ويمتلك شبكة معقدة جدا من العلماء والفنيين التقنيين، والمهندسين النووين، لذلك فإن استراتيجية إسرائيل في هذا الصدد مؤثرة للغاية على طموحات إيران النووية، ورغم ذلك استبعد قيام إيران بإنتاج القنبلة النووية، ووضع الغرب والعالم في إطار الأمر الواقع، لأن إيران في منطقة جغرافية غير مقبول وفقا للسياسة الدولية أن تمتلك إيران فيها التقنية النووية، على العكس من باكستان، والهند على سبيل المثال، لأن موقعهما الجغرافي يسمح لهما بالتنافس المتبادل والمزدوج، وينتهي الأمر، ونفس الشيء بالنسبة للصين، ولكن إيران تقع في منطقة ملتهبة جدا تتحكم في الممرات المائية الكبرى والمهمة في الاستراتيجية الكبرى في السياسة الدولية، ولديها معظم المفاعلات المؤثرة والمهمة تقع في مناطق جغرافية قريبة من دول الخليج، مثل مفاعل بوشهر، الذي يقع في منطقة الأحواز القريبة من العراق، والكويت، وسوف يؤثر تأثيرا كبيرا بالسلب على دول الخليج في حال حدوث انفجار به مثلما حدث في مفاعل تشيرنوبل الروسي، وبالتالى فإن المجتمع الدولى يعرف أن إيران لو أسرعت في امتلاك التقنية النووية، فسوف يكون هناك سباق تسلح في المنطقة لامتلاك سلاح نووي، خاصة الدول العربية الغنية التي لها ميزانيات ضخمة تمكنها من جلب العلماء وبناء برنامج نووي، كما أن سباق التسلح يعد خطرا كبيرا على الأمن الدولي ولن تسمح به الدول الكبرى، ومجلس الأمن، بما في ذلك، روسيا، والصين، على الرغم من الدعم الروسي المتواصل لإيران، حيث إنها تدعم إيران طالما أنها ملتزمة بالاستخدامات السلمية، مثل الأغراض البحثية، والأغراض الطبية، وغيرها من الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وروسيا تساعد دولا عديدة في العالم في مثل هذا الإطار، كما حدث في تعاقدها مع مصر لبناء مفاعل الضبعة على سبيل المثال، كما أن روسيا لا تمنح إيران المعرفة النووية حيث إنها تساند إيران عن طريق علمائها دون إعطاء الأسرار النووية للعلماء الإيرانيين، وعند مستوى معين للاستخدام المدني، وليس الاستخدام العسكري، لذلك فإن إيران ملتزمة وفقا للاتفاق النووي الذي تقوم بخرقه الآن، بأن تقوم بتصدير الفائض من اليورانيوم المخصب، والماء الثقيل إلى خارج إيران، وروسيا تقوم بتطوير المفاعلات النووية الإيرانية نظير الحصول على اليورانيوم المخصب عند 3.67، وفي النهاية لن تدخل إيران للنادي النووي العسكري، وكل هذه الأخبار المتواترة عن التحركات الإيرانية هدفها الضغط على إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن لتعظيم شروط التفاوض، وإيجاد وضعية أفضل تسمح لها باستخلاصات جيدة عندما تجلس مع بايدن بعد 20 يناير (كانون الثاني)، وجميعها إجراءات للاستهلاك والضغط على الإدارة الأميركية الجديدة .

صورة لمنشآت تخصيب ذري نشرتها إيران (غيتي)
صورة لمنشآت تخصيب ذري نشرتها إيران (غيتي)

امتلاك إيران للسلاح النووي خط أحمر

من جانبه، قال الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، أسامة هتيمي، في تصريحات خاصة لـ«المجلة»: دعنا نشر أولا إلى أن رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المائة والذي أعلنت عنه إيران مؤخرا هو جزء من خطوات طهران لتخفيض التزامها ببنود الاتفاق النووي (5+1) والذي تم التوقيع عليه في يوليو (تموز) 2015م والذي انسحبت منه الولايات المتحدة الأميركية في مايو (أيار) 2018، لتستأنف واشنطن- وبعد نحو ثلاثة أشهر من هذا الانسحاب- عقوباتها الاقتصادية على إيران، الأمر الذي دفع طهران إلى أن تستجدي بقية الأطراف الموقعة على الاتفاق لاستمرار التعاون الاقتصادي كمحاولة للتخفيف من وطأة العقوبات وهو الاستجداء الذي لم يجد له صدى حقيقيا وفعالا إذ لم تأت الآلية الأوروبية للتعاون الاقتصادي مع إيران (إنيستكس) على المستوى الذي كان يأمله الإيرانيون.

في هذا الإطار، فإن رفع نسبة التخصيب إلى 20 في المائة لم يكن بالنسبة للإيرانيين أمر عشوائي إذ قصدت طهران هذه النسبة بالتحديد كونها كانت النسبة التي عليها التخصيب قبل توقيع إيران للاتفاق، ومن ثم فقد أرادت إيران أن تبعث برسالة للطرفين الأميركي والأوروبي على السواء مفادها أنها بصدد التخلي عن الاتفاق إن لم يتم رفع العقوبات، وبالتالي فإن الخطوة الإيرانية وما يصاحبها من تصريحات على ألسنة المسؤولين السياسيين والعسكريين الإيرانيين بشأن قدرة إيران على الوصول إلى نسبة تخصيب تمكنها من إنتاج سلاح نووي تأتي في سياق ممارسة ضغط إيراني استباقي على الرئيس الأميركي جو بايدن وإدارته والتي يفترض أن تتسلم إدارة البلاد بعد أيام قليلة من أجل أن يسرع بايدن وإدارته من إجراءات عودة أميركا إلى الاتفاق ورفع العقوبات وبذل قصارى الجهد من أجل تجاوز العقبات القانونية والإجرائية التي حاول ترامب طيلة الفترة الأخيرة وضعها لتأزيم الموقف أمام بايدن.

يدعم ذلك أن إيران تدرك بالفعل أن الاستمرار في محاولة امتلاك السلاح النووي هو خط أحمر لن يتم السماح لها بتجاوزه لأسباب كثيرة، يأتي في مقدمتها أن ذلك يعني القفز فوق محددات التعاطي الاستراتيجي الغربي مع الملف الإيراني الذي ينظر لها كونها واحدة من الدول التي تقوم بمهام وظيفية في المنطقة.

وبالطبع لا يتعارض ما ذهبنا إليه مع موقف الثلاثي الأوروبي (فرنسا – بريطانيا – ألمانيا) وتلك التصريحات المتكررة على لسان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، إذ يبدو أن الثلاثي الأوروبي ورغم لهجة التحذير في بياناتهم وتصريحات مسؤوليهم  يصطفون مع الطرف الإيراني من أجل الضغط على الإدارة الأميركية الجديدة للعودة للاتفاق وإلزام إيران بالتراجع عن كل خطوات تخفيض الالتزام، وهو الأمر الذي لمح إليه البيان والتصريحات أيضا.

ترتيبًا على ما سبق فلم يعد خافيا أن إيران تستخدم رفع نسبة التخصيب والسلاح النووي كورقة ابتزاز للأطراف الدولية لرفع العقوبات المفروضة عليها من ناحية، وتهميش الكثير من القضايا التي لا تقل أهمية عن السلاح النووي كالصواريخ الباليستية والتدخلات الإيرانية في الأوضاع الداخلية للعديد من الدول ودعم التنظيمات والميليشيات الولائية في هذه الدول من ناحية أخرى.

وهنا يجدر بنا أن نشير إلى أن امتلاك إيران لقنبلة نووية يستلزم أمرين أولهما أن تصل نسبة التخصيب إلى مستوى 90 في المائة من النقاء فضلا عن ضرورة امتلاك كمية محددة من اليورانيوم المخصب بهذه النسبة، وهما الأمران اللذان يحتاجان إلى المزيد من الوقت الذي تختلف تقديرات المتخصصين حول مدته غير أنه في الغالب لن تقل عن عام تقريبا.

والمعوقات في نظري لا تتعلق بالتقنية والقدرة على ذلك، إذ يمكن أن تعمل إيران على توفير العدد اللازم من أجهزة الطرد المركزي الحديثة للقيام بعملية التخصيب لكن المعوقات تتركز حول الموقف الإقليمي والدولي من اعتزام إيران مواصلة هذا، وهو الأمر الذي ربما يرجح قيام بعض الأطراف بتوجيه ضربة عسكرية مباشرة للمفاعلات الإيرانية تشبه ما حدث مع المفاعل العراقي أويزراك في بداية الثمانينات من القرن الميلادي الماضي.

font change