الانتخابات الفلسطينية... تهديدات وتحديات قادمة

هل يدرك الفلسطينيون دقة اللحظة وخطورتها

الانتخابات الفلسطينية... تهديدات وتحديات قادمة

 

* إجراء هذه الاستحقاقات يحمل في حد ذاته رسالة إيجابية تمنح الشعب الفلسطيني فرصة حقيقية لاتخاذ قراره تجاه قياداته السياسية والأمنية

* لن يكتب لهذه الاستحقاقات النجاح ما لم تتوافق الأطراف الفلسطينية... على وضع الترتيبات المطلوبة والتوافق على الضمانات الواجب توافرها لتهيئة المناخ المناسب لإجراء هذه الاستحقاقات

* التحديات التي ستواجه هذه الاستحقاقات لا تقتصر فحسب على التباينات الفلسطينية، بل ثمة تحديات مرتبطة بالجانب الإسرائيلي وخاصة فيما يتعلق بتصويت الفلسطينيين في القدس

 

 

باكو: بعد انقطاع دام خمسة عشر عاماً عن آخر استحقاقات شهدتها الأراضي الفلسطينية وأدت إلى انقسام الشارع الفلسطيني لمدة أربعة عشر عاما، جاء المرسوم الرئاسي الذى أصدره الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن في الخامس عشر من يناير (كانون الثاني) الجاري، بإجراء الاستحقاقات الانتخابية على ثلاث مراحل، حيث تجرى الانتخابات التشريعية يوم 22 مايو (أيار) 2021، والرئاسية في 31 يوليو (تموز) 2021، على أن تعتبر نتائج انتخابات المجلس التشريعي المرحلة الأولى في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، ويستكمل المجلس في 31 أغسطس (آب) 2021 وفق النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية والتفاهمات الوطنية، بحيث تجرى انتخابات المجلس الوطني حيثما أمكن.

وقد أثارت هذه الدعوة لإجراء الاستحقاقات ردود فعل متباينة وتساؤلات متعددة، حول دوافعها وأسبابها في هذا التوقيت تحديدا، هل جاءت هذه الدعوة في توقيتها المناسب؟ ومن حدد هذا التوقيت؟ وهل إجراء الانتخابات يعد المقاربة الفلسطينية الأصوب لمواجهة التحديات؟ ما الضمانات المطروحة للخروج بنتائج تحظى بالقبول من الجميع؟ ما انعكاسات هذه الانتخابات ونتائجها على الأوضاع الفلسطينية؟ هل ستؤدي إلى الخروج من حالة الخلاف إلى حالة الوفاق أم ستؤدي إلى مزيد من الانشقاقات؟

 

استعادة لحمة الصف الفلسطيني

الحقيقة، رغم أهمية هذه التساؤلات، بل وصعوبة وجود إجابات قاطعة عليها، يجدر بنا قبل البحث عن إجاباتها، تسجيل ثلاث ملاحظات مهمة تتعلق بهذه الاستحقاقات على النحو الآتي:  

أولا: على الرغم من أهمية إجراء الاستحقاقات الفلسطينية التي تأخرت كثيرا، إلا أنه من المهم النظر إليها من منطلق انها وسيلة وليست غاية. بمعنى أكثر وضوحا أن هذه الانتخابات يجب اعتبارها خطوة مهمة في سبيل استعادة لحمة الصف الفلسطيني عبر الاتفاق على برنامج وطني واحد يتحدد هدفه في تحرير الأرض الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية الموحدة وعاصمتها القدس الشرقية.

ثانيا: إن توقيت الإعلان عن هذه الاستحقاقات لم يكن مصادفة بقدر ما كان ناجما عن حدوث مجموعة من التحولات والتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية (الأزمة السياسية في الداخل الإسرائيلي- الاتفاقات العربية الإسرائيلية الأخيرة وانعكاساتها على القضية الفلسطينية- فوز الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة وتولى جو بايدن الرئاسة الأميركية في العشرين من يناير الجاري)، وهو ما يعني أهمية استغلال هذه التحولات في سبيل إعادة إحياء القضية الفلسطينية كقضية مركزية تحظى بالأهمية بعدما تراجعت على أجندات كثير من الدول التي واجهت قضايا داخلية وخارجية كانت لها الأولوية. يعزز ذلك ما شهدته الأوضاع الفلسطينية من تكلس بسبب تزايد حدة التباينات بين الأطراف الفلسطينية التي عليها أن تدرك خطورة اللحظة ومحدودية الفرصة المتاحة أمامها، إذ لم تغير تلك الأطراف من نهجها المتعنت في إدارة علاقاتهم البينية، فالانتخابات لن تكون حلا سحريا للملفات الشائكة في هذه العلاقات، وإنما قد تكون نقطة مهمة تلتقي حولها هذه الأطراف بهدف تذليل العقبات وإيجاد مخارج للإشكاليات المتزايدة فيما بينهم، وإلا تحولت الانتخابات من نقطة التقاء إلى نقطة تزيد مساحة التباعد والخلاف إلى زمن مجهول.

ثالثا: رغم كل ما ستواجهه هذه الاستحقاقات من تحديات عدة بدءا من مدى توافر متطلبات إجرائها، مرورا بضمانات النزاهة والشفافية، وصولا إلى قبول الأطراف كافة لما ستفرزه هذه الاستحقاقات، وهو ما قد يدفع البعض إلى النظر بعين الشك أو التوجس أو عدم الاطمئنان إلى الأهداف من وراء إجراء مثل هذه الاستحقاقات، إلا أنه من المهم التأكيد على أن إجراء هذه الاستحقاقات يحمل في حد ذاته رسالة إيجابية تمنح الشعب الفلسطيني فرصة حقيقية لاتخاذ قراره تجاه قياداته السياسية والأمنية التي ربما لم تعد لديها القدرة على العطاء بشكل يتناسب ومقتضيات الأوضاع الراهنة وتقلباتها. فالصندوق الانتخابي هو الحكم الأكثر وضوحا ليس فقط على السياسات المتبعة أو المخطط نهجها، وإنما على القيادات التي تتولى مقاليد الأمور وإدارتها. وعليه فإن هذه الانتخابات هي أداة مهمة لتجديد شرعية المؤسسات الفلسطينية القائمة، وضخ دماء جديدة في إدارتها أملا في تغيير الواقع الفلسطيني نحو الأفضل.

وفي ضوء هذه الملاحظات الثلاث، يستعرض التقرير الاستحقاقات الفلسطينية من خلال ثلاثة محاور على النحو الآتي:

الرئيس الفلسطيني محمود عباس (يمين) يوقع على مرسوم إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية يومي 22 مايو، و31 يوليو على التوالي، بعد اجتماعه مع رئيس لجنة الانتخابات المركزية حنا ناصر (يسار) في رام الله (غيتي)

الأول: الاستحقاقات الفلسطينية... إطلالة على التاريخ

جرت أول انتخابات رئاسية وتشريعية منذ إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1996، وذلك طبقا لقانون رقم 13 لسنة 1995 وتعديلاته، حيث اعتمد هذا القانون نظام الأغلبية (الدوائر) موزعا على 16 دائرة انتخابية، وكان الترشح فرديا والانتخاب للأفراد بحسب عدد مرشحي الدائرة بعمر 35 كحد أدنى لمرشح الرئاسة، وبعمر 30 كحد أدنى لمرشح المجلس التشريعي. وقد قامت بتنظيم هذه الانتخابات والإشراف عليها لجنة الانتخابات المركزية التي تأسست بمقتضى مرسوم رئاسي في ديسمبر (كانون الأول) 1995 وترأسها حينذاك محمود عباس أبو مازن.

وفاز في الانتخابات الرئاسية الرئيس الراحل ياسر عرفات بنسبة 88.2 في المائة من الأصوات. وفي الانتخابات التشريعية تم انتخاب 88 عضوا يمثلون قطاع غزة والضفة الغربية والقدس وذلك بنسب موزعة على الفصائل الفلسطينية المشاركة على النحو الآتي: حركة فتح (55) عضوا: مستقلون مرتبطون بحركة فتح (7) أعضاء، مستقلون مرتبطون بالحركات الإسلامية (4) أعضاء، مستقلون (15) عضوا، مسيحيون (3) أعضاء، إضافة إلى أربعة مقاعد أخرى موزعة بمقعد لكل من (سامرى، الاتحاد الديمقراطى الفلسطيني، قائمة الحرية والاستقلال، الائتلاف الوطني الديمقراطي).

وجدير بالإشارة أنه في هذه الانتخابات، شاركت المرأة الفلسطينية ترشحا سواء على مستوى الرئاسة أو الانتخابات التشريعية، حيث نافست السيدة سميحة خليل الرئيس الراحل ياسر عرفات في هذه الانتخابات وحصدت 11.2 في المائة من الأصوات، وبهذه التجربة تعد فلسطين من أوائل الدول العربية التي نافست فيها سيدة على منصب الرئاسة. وإذا كانت المرأة قد أخفقت في المنصب الرئاسي، فقد فازت خمس سيدات (3 من فتح، ومستقلتان) من أصل 88 عضوا في المجلس التشريعي وهو ما يمثل 25 في المائة من نسبة السيدات المترشحات في هذه الانتخابات والبالغ عددهن (25 مرشحة).

وفي عام 2006 جرت الانتخابات الثانية الرئاسية والتشريعية بعد إدخال تعديلات على القانون المنظم للعملية الانتخابية ليصدر القانون رقم (9) لسنة 2005، وكان من أبرز هذه التعديلات ما يأتي:

-        زيادة عدد مقاعد المجلس التشريعي من 88 مقعدا إلى 132 مقعدا.

-        رفع سن الترشح للرئاسة إلى 40 سنة كحد أدنى.

-        خفض سن الترشح للمجلس التشريعي إلى 28 عاما كحد أدنى.

-        تبني نظام مختلط بالتساوي، أي الدمج بين نظام التمثيل النسبي حسب القوائم ونظام الأغلبية حسب الدوائر.

-        تضمين كوتة للمرأة ضمن القوائم الانتخابية، حيث نص على أن كل قائمة من القوائم المرشحة للانتخابات أن تضمن حدا أدنى لتمثيل المرأة لا يقل عن امرأة واحدة من بين كل من: 1- الأسماء الثلاثة الأولى في القائمة.

2- الأربعة أسماء التي تلي ذلك.

3- كل خمسة أسماء تلي ذلك.

وعلى غرار ما جرى في الانتخابات السابقة، تولت لجنة الانتخابات المركزية الإشراف على العملية الانتخابية برئاسة الدكتور على الجرباوي.

وقد فاز في هذه الانتخابات الرئاسية محمود عباس رئيسا بنسبة 62.52 في المائة.  وفي الانتخابات التشريعية حصلت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على 76 مقعدا من أصل 132 مقعدا، فيما حصلت حركة فتح على 43 مقعدا، فيما حصد المستقلون أربعة مقاعد. وتوزعت باقي المقاعد البرلمانية على النحو الآتي: حصلت قائمة أبو علي مصطفى على ثلاثة مقاعد، وقوائم البديل وفلسطين المستقلة والطريق الثالث على مقعدين لكل منها. وكان نصيب المرأة في هذه التشكيلة البرلمانية (17) مقعدا من القوائم ولم تتمكن أية امرأة من الفوز بمقعد بنظام الأغلبية في الدوائر.

وقد ترتب على هذه النتيجة بداية الأزمة السياسية التي شهدت الأراضي الفلسطينية بين الطرفين (فتح وحماس) لتقف الحياة السياسية معطلة منذ ذلك الوقت حتى أعاد الرئيس محمود عباس بمراسيمه الأخيرة الدعوة لإجراء الاستحقاقات الدستورية خلال هذا العام (2021).

من المقرر أن تعتبر نتائج انتخابات المجلس التشريعي المرحلة الأولى في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني

الثاني: الاستحقاقات الفلسطينية... متطلبات واجبة

لن يكتب لهذه الاستحقاقات النجاح ما لم تتوافق الأطراف الفلسطينية خلال جولات الحوار المزمع إجراؤها لوضع الترتيبات المطلوبة والتوافق على الضمانات الواجب توافرها لتهيئة المناخ المناسب لإجراء هذه الاستحقاقات، وفق قيم الديمقراطية والشفافية والمساواة وضمان الحريات الأساسية، بدءا من حرية الدعاية الانتخابية وصولا إلى منع تدخل الأجهزة الأمنية في العملية الانتخابية.

كما يتطلب الأمر كذلك التوافق حول علاقة المجلسين الوطني والتشريعي، مع تحديد آليات النظام الانتخابي وأساسه القانوني الذي ستجرى عليه هذه الانتخابات، ومسألة إشراف لجنة الانتخابات المركزية على إجراء الانتخابات ضمن قطاع غزة، كما الضفة الغربية، وهو ما لاقى استجابة سريعة من جانب لجنة الانتخابات المركزية التي أعلن رئيسها حنا ناصر عقب إصدار المرسوم عن دعوة جميع الفلسطينيين: «للبدء في تسجيل أسمائهم للمشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية وأن عملية التسجيل ستكون مفتوحة لجميع الفلسطينيين في أماكن تواجدهم كافة، ممن يمتلكون الهوية الفلسطينية، وعملية التسجيل الإلكتروني ستكون آمنة خصوصا أنها ستقارن بالسجل المدني». ويقدر عدد من يحق لهم الاقتراع بما يزيد على مليوني ناخب في الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، إذ إنه وفقا لآخر أرقام نشرتها اللجنة على موقعها، بلغ عدد من يحق لهم الانتخاب مع نهاية العام 2019 مليونين و202 ألف و738 ناخبا وناخبة، وذلك مقارنة بعددهم البالغ مليونا و332 ألفا و396 ناخبا مسجلا في الانتخابات التي جرت عام 2006.

وبالفعل أعلنت اللجنة البدء في تحديد توقيتات المشاركة في أولى هذه الاستحقاقات، حيث أعلنت عن أنه سيتم في 20 مارس (آذار) المقبل ولمدة 12 يوما فتح باب تسجيل القوائم المرشحة للانتخابات التشريعية كونها تجري على قاعدة التمثيل النسبي الكامل، على أن تبدأ الدعاية الانتخابية من صباح يوم 1 مارس ولمدة 21 يوما.

وغني عن القول إن التحديات التي ستواجه هذه الاستحقاقات لا تقتصر فحسب على التباينات الفلسطينية، بل ثمة تحديات مرتبطة بالجانب الإسرائيلي وخاصة فيما يتعلق بتصويت الفلسطينيين في القدس، إذ تعتبر إسرائيل القدس الموحدة عاصمة لها بما يعني رفضها لإجراء أية استحقاقات سياسية داخلها، وهو ما يعنى حرمان الفلسطينيين المقيمين في القدس من المشاركة في هذه الاستحقاقات، وهو ما أشار إليه رئيس لجنة الانتخابات المركزية بقوله: «إن المشكلة القائمة الآن تتمثل في مشاركة الفلسطينيين في مدينة القدس في الانتخابات.. وإن هناك خططا بديلة إذا رفضت إسرائيل مشاركة المقدسيين وإن الفصائل الفلسطينية جاهزة لخوض معركة القدس»، إلا أنه لم يكشف عن طبيعة هذه الخطط.

إلى جانب كل تلك التحديات التي تستوجب البحث عن رؤى للتعامل معها لضمان إجراء الاستحقاقات الانتخابية، إلا أن الأمر لن يقتصر على مرحلة الانتخابات فحسب، وإنما يمتد كذلك إلى ما ستفرزه هذه الانتخابات بشأن طبيعة الحكومة الجديدة، ما إذا كانت حكومة وحدة وطنية أم تكنوقراط أم فصائلية؟ وكيف تتمكن من مواجهة التحديات التي قد تعيقها عن أداء مهامها خاصة في قطاع غزة إذ جاءت النتائج على غرار ما جرى في انتخابات المجلس التشريعي 2006؟

 كما يتطلب الأمر كذلك التوافق بشأن كيفية التعامل مع التحديات المستجدة التي فرضتها تطورات الأوضاع في إسرائيل وسعيها الدائم إلى وضع عرقلة أية استحقاقات فلسطينية تفرز تماسك الجبهة الداخلية في مواجهة هذا الصلف الإسرائيلى، خاصة إذ أخذنا في الحسبان قضية مهمة ترفضها كافة الفصائل الفلسطينية وتتعلق بالتنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي، بل الأبعد من ذلك، كيف يمكن إدارة ملف المفاوضات مع الجانب الإسرائيلى إذ أفرزت الاستحقاقات عن فوز عناصر فلسطينية لديها رؤى رافضة لكل هذه السياسات؟

لن يكتب لهذه الاستحقاقات النجاح ما لم تتوافق الأطراف الفلسطينية خلال جولات الحوار (غيتي)

الثالث: الاستحقاقات الفلسطينية... ردود فعل متباينة

لن تكون مصادفة أن تواجه دعوة الرئيس أبو مازن بإجراء الاستحقاقات الفلسطينية بردود فعل متباينة، فكما يرى البعض أن هذه الخطوة من شأنها أن تكرس مزيدا من الانقسام بين الفصائل الفلسطينية وأنه كان من الأوجب أن يتم تحقيق التوافق بين هذه الفصائل قبل إجراء مثل هذه الاستحقاقات، وقد عبرت عن هذا التوجه حركة الجهاد الإسلامي على لسان أحد قيادييها أحمد المدلل بقوله: «إن الانتخابات في ظل الانقسام لن تكون مجدية، بل ستكرس وستفتح المجال لمناكفات وسجالات، وشعبنا وقضيته في غنى عنها الآن». لكن السواد الأعظم من الفصائل الفلسطينية قد رحبت بهذا القرار كخطوة رئيسية في سبيل إنهاء الانقسام الفلسطيني والتوافق على برنامج عمل سياسي موحد يعيد ترتيب الأوراق الفلسطينية في مساراتها التفاوضية مع إسرائيل، بل وبدأت في خوض المفاوضات على تشكيل القوائم الانتخابية التي ستخوض به أولى استحقاقات تشكيل المجلس التشريعي، وكانت حركة حماس من أبرز الفصائل الفلسطينية التي أيدت هذه الخطوة في بيان صدر عنها مؤكدة على: «حرصها الشديد على إنجاح هذا الاستحقاق بما يحقق مصلحة الشعب الفلسطيني صاحب الحق المطلق في اختيار قيادته وممثليه... مع ضرورة المضي دون تردد في استكمال العملية الانتخابية كاملةً في القدس والداخل والخارج، وصولاً إلى إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني»، وهو الموقف ذاته الذي اتخذته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على لسان عضو لجنتها المركزية القيادي كايد الغول بتأكيده على: «أهمية وضرورة إجراء انتخابات شاملة، باعتبارها السبيل لتداول السلطة وإعادة تجديد بنية النظام السياسي الفلسطيني، مع ضرورة تضافر كافة الجهود لإنجاحها»، وكذلك موقف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين على لسان القيادي طلال أبو ظريفة، بتأكيده على «أهمية التحضير لهذه الانتخابات وتوفير الأجواء والشروط المناسبة لضمان نجاحها، كي تكون ممرا يوحد الحالة الوطنية الفلسطينية، ويعيد بناء مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني على أساس ديمقراطي».

ولم يقتصر الترحيب على الداخل الفلسطينى فحسب، بل عبرت عديد الأطراف الإقليمية والدولية عن ترحيبها بهذه الخطوة، منها على سبيل المثال البرلمان العربي الذي رحب في بيان أصدره رئيسه عادل العسومي بدعمه لهذه الانتخابات التي وصفها بالهامة، إذ ورد ما نصه «إن الانتخابات خطوة هامة لدعم القضية الفلسطينية في المقام الأول، ومدخلاً أساسياً لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية وإنهاء حالة الانقسام، وتمكيناً للشعب الفلسطيني لاختيار ممثليه وقيادته في المؤسسات الوطنية»، مؤكدا على استعداده للمشاركة في مراقبتها، وداعيا كافة أطياف الشعب الفلسطيني وكافة فصائله بالمشاركة فيها، مع العمل على تذليل العقبات من أجل إنجاحها.

نهاية القول إن الاستحقاقات الفلسطينية رغم أهميتها، إلا أن ثمة ضرورة ملحة في أن ينظر إلى إجرائها كخطوة مهمة لتحقيق التوافق الفلسطيني عبر وضع مجموعة من التفاهمات السياسية والقانونية بين الفصائل الفلسطينية التي ستشارك في هذه الاستحقاقات، إذ إن مقاطعة هذه الاستحقاقات من جانب البعض تستوجب أن يكون لديه رؤية للحل وليس مجرد مقاطعة تعطل مصالح الشعب الفلسطيني الذي عانى الكثير منذ حدوث الانشقاق عقب انتخابات 2006. فإذا كانت الاستحقاقات لن تتم بالشكل النموذجي المطلوب فإنها على الأقل تجسر جانبا من الفجوة التي تزداد يوما بعد يوم بين أبناء الشعب الفلسطيني الذي تزداد بالتبعية معاناتهم، فيجب أن تكون الحلول المطروحة قابلة للتعامل مع التحديات الماثلة وإلا أصبحنا كمن ينظر إلى القضية بتشابكاتها وتعقيداتها من برج عاجي يحاول أن يفرض رؤية مثالية حالمة لشعب لا تزال متطلبات حياته الأساسية غير متوافرة. وإذا كانت هذه الاستحقاقات قد تأخرت كثيرا إلا أن المثل القائل بأن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي ينطبق بجلاء على الوضع الفلسطيني الراهن الذي تأخر كثيرا في ضرورة البحث عن مقاربات جديدة قادرة على عودة لحمته واستعادة وحدة صفه في وقت تتعرض فيه القضية الفلسطينية لمزيد من التصفية، فهل يدرك الفلسطينيون دقة اللحظة وخطورتها أم سيتمادون في متاهاتهم واتهاماتهم المتبادلة التي لن تغني ولن تسمن من واقع يزداد سوءا وتراجعا داخليا وإقليميا ودوليا؟

 

 

 

font change