ماذا يجري على خط لبنان- سوريا؟!

انفجار حدودي يُعيد ملف التهريب إلى الواجهة

على صعيد المازوت، فإن لبنان يخسر سنوياً 418 مليون دولار، أما على صعيد البنزين فكلفة التهريب تبلغ 130 مليون دولار سنوياً

ماذا يجري على خط لبنان- سوريا؟!

* مصادر: حزب الله يُبارك عمليات تهريب المحروقات
* نقيب أصحاب محطات المحروقات: الشركات المستوردة وموزعو المحروقات يسهلان عمليات التهريب
* المديرية العامة للنفط سبق أن أغلقت 30 محطة محروقات بسبب تورطها في ملف التهريب
* قاطيشا: النظام السوري وحزب الله يستفيدان من عمليات التهريب
* أبو الحسن: لا يمكن ترشيد الدعم ومنع استنزاف الاحتياطي المركزي إلا من خلال ضبط عمليات التهريب

 

 

بيروت: تزداد يوماً بعد آخر معاناة اللبنانيين من الأزمة الاقتصادية والمالية التي يعيشونها، إلا أن كل ذلك لم يمنع «كارتيلات»التهريب الذين يحظون بغطاء سياسي وأمني من استكمال نشاطهم الذي يستهدف بالدرجة الاولى ما تبقى من أموال اللبنانيين بالعملات الصعبة. فمنذ انهيار سعر صرف الدولار في لبنان، بدأ الحديث عن تهريب المواد المدعومة من لبنان إلى سوريا، بعد أن كانت عمليات التهريب تتم في الجهة المعاكسة لسنوات طويلة. آخر تطورات هذا الملف هو وقوع انفجار في مستودع للمحروقات في منطقة فيسان على تخوم الحدود مع سوريا شمال شرقي لبنان، وهو الانفجار الثاني من نوعه منذ مطلع العام الجاري.

ولا تقتصر عمليات التهريب على المحروقات، وإنما كذلك على مادة الطحين والدواء، وهي المواد المدعومة من قبل المصرف المركزي بنسبة 85 في المائة، وهذا ما يؤدي إلى استنزاف موجودات المصرف المركزي، فضلاً عن حرمان السوق المحلية من هذه السلع، ويُترجم ذلك بمشاهد بين الحين والآخر تُظهر وقوف اللبنانيين بطوابير الانتظار أمام محطات الوقود التي ترفع خراطيمها في كثير من الأحيان للإشارة إلى نفاد كميات المحروقات لديها، بالإضافة إلى بروز سوق سوداء داخل السوق اللبنانية ترفع أسعار المحروقات.

موقع انفجار مستودع غاز في محافظة الهرمل اللبنانية في سهل البقاع الشرقي، قرب الحدود السورية، بتاريخ 3 يناير 2021 (أ.ف.ب)

أساليب جديدة للمهربين

وفي هذا السياق، أفاد مصدر خاص لـ«المجلة» بأن «الانفجار وقع في آخر نقطة حدودية وهي بعيدة مئات الأمتار فقط عن حاجز للجيش اللبناني، حيث توجد هضبة يتم تجميع المواد المزمع تهريبها عندها». وفي حين أن أسباب الانفجار ما تزال مجهولة إلا أن المصدر «يُرجح تفاعل المواد المهربة التي تُخزن بطرق بدائية». ويلفت المصدر إلى أن «الإجراءات الحديثة التي اتخذتها القوى الأمنية لمنع التهريب دفعت المهربين لاستخدام طُرق جديدة عبر الدراجات النارية بدلاً من الشاحنات، وهي تستغرق حوالي 15 دقيقة لعبور الحدود، بحيث يتم تحميلها بعدد من الغالونات المعبأة بالمحروقات». وأضاف أن «صفيحة البنزين المهربة تُباع بنحو 12 دولاراً  في سوريا، في حين أنها لا تتعدّى 6 دولارات في لبنان».

كما يلفت المصدر إلى أن«تلك المنطقة شهدت في الآونة الأخيرة بناء وتشغيل العشرات من محطات المحروقات التي تُسهل بدورها عمليات التهريب، فالقرية التي لم يكن يوجد بها سوى محطة محروقات واحدة، باتت تحتوي على عشرات المحطات». وأضاف أن «حزب الله يُبارك هذا التهريب باعتبار أن إدخال هذه المواد إلى سوريا يساعد النظام على التخفيف من حدّة العقوبات».

 

مساعدات عسكرية بريطانية لضبط الحدود مع سوريا

وفي المقابل، أعلنت الحكومة البريطانية عن تقديم مائة مركبة عسكرية مدرعة للجيش اللبناني، بهدف تعزيز أمن الحدود اللبنانية، ووقف عمليات التهريب إلى سوريا. وقالت السفارة البريطانية بلبنان في بيان، إن «هذه المركبات الدورية المدرعة، وقيمتها 1.5 مليون جنيه إسترليني، ستعزز الاستقرار على الحدود اللبنانية مع سوريا وستساعد الجيش اللبناني على التصدي للإرهابيين والمهربين في محاولاتهم عبور الحدود إلى داخل البلاد». وأضاف البيان أنه «بدعم من المملكة المتحدة في السنوات الأخيرة، شهدنا انتشار أربعة أفواج حدودية وبناء أكثر من 75 برجا حدوديا وتوفير 350 لاندروفر وتدريب أكثر من 11000 عنصر لمواجهة محاولات المتطرفين والمهربين الدخول خلسة من سوريا إلى لبنان».

 

الاستيراد من أجل التهريب

وفي حديث لـ«المجلة»،يتّهم نقيب أصحاب محطات المحروقات في لبنان سامي البركس، «الشركات المستوردة وموزعي المحروقات بتسهيل عمليات التهريب من خلال بيعهم هذه المواد التي يتم تهريبها لاحقاً إلى سوريا». وأضاف أن «هؤلاء لديهم جهات معينة تحميهم». وتابع: «الكميات التي يتم تهريبها غير معروفة، ولكن يمكن ملاحظة تهريب حوالي 40 شاحنة في يوم واحد».

ولكن طالما أن التهريب ما زال قائماً فلماذا لم نشهد في الفترة الأخيرة نقصاً في السوق المحلية؟ يُجيب البركس أن سبب ذلك يعود إلى أن بعض الشركات استوردت كميات كبيرة، تفوق حاجة السوق المحلية، من أجل تهريبها إلى سوريا».

أما ممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا فيُرجع «سبب أزمة نقص المحروقات في لبنان إلى تأخر مصرف لبنان بفتح الاعتمادات للشركات المستوردة مما يؤدي إلى تأخر وصول بواخر المحروقات إلى البلاد». ويلفت أبو شقرا إلى أن «ترشيد الدعم الذي سيؤدي حكماً لارتفاع أسعار المحروقات ليس وارداً حالياً في ظل الإغلاق العام الناجم عن انتشار فيروس كورونا». أما عن ملف التهريب، فسرعان ما ينفي أبو شقرا معرفته بتفاصيل القضية واضعاً «الملف في عهدة الدولة».

إلا أن مصادر مطلعة أشارت لـ«المجلة»إلى أن «المديرية العامة للنفط سبق أن أصدرت قرارات بحق عدد من الموزعين، وكذلك قضت هذه القرارات بإغلاق 30 محطة محروقات، بسبب تورطهم في عمليات التهريب». وأضافت المصادر أن «المشكلة أن هذه المحطات المخالفة تُعيد فتح أبوابها بعد التعهد بعدم استكمال المساعدة في عمليات التهريب».

 

غياب القضاء

وقد أشارت مصادر مطلعة لـ«المجلة»إلى أن «المديرية العامة للنفط سبق أن أصدرت قرارات بحق عدد من الموزعين، وكذلك قضت هذه القرارات بإغلاق 30 محطة محروقات، بسبب تورطهم في عمليات التهريب». وأضافت المصادر: «المشكلة أن هذه المحطات المخالفة تُعيد فتح أبوابها بعد التعهد بعدم استكمال المساعدة في عمليات التهريب».

وفي محاولة لمنع التهريب، تقدمت كتلة لبنان القوي بإخطار النيابة العامة التمييزية بهذا الخصوص. وفي هذا الصدد، يلفت النائب وهبي قاطيشا في حديث لـ«المجلة»إلى أن «الدولة والقضاء في لبنان معطلان ولا يقومان بتحريك هذا الملف، ورغم أننا قدمنا من خلال الإخبار بالبراهين والإثباتات على عمليات التهريب فإنه لا جديد في الملف». ولا يتردد قاطيشا في تحميل المسؤولية لرئيس الجمهورية ومن بعده رئيسا الحكومة ومجلس النواب، «فالمشكلة أن هيكلية الدولة تفتقر للثقة بين المسؤولين»،وفقاً لقاطيشا.

ويُتابع أن «السلطة القضائية مستقلة من حيث المبدأ، ولكن في لبنان تقوم السلطة السياسية بتحريك 80 في المائة من التشكيلات القضائية وبالتالي هذا يحدّ من استقلالية القضاء». وأشار إلى أن «استمرار التهريب يعود إلى أنه يُفيدالنظام السوري، إذ إن حزب الله، الحليف الوثيق للنظام السوري، هو من يقوم بعمليات التهريب، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال ملاحظة المناطق التي تتم من خلالها عمليات التهريب، وهي مناطق تقع ضمن نفوذ الحزب».

ويؤكد قاطيشا أن ضبط الحدود لا يحتاج إلا إلى قرار سياسي، إذ إنه من الناحية الميدانية «يمكن للقوى الأمنية اللبنانية ضبط الحدود بنسبة تتجاوز الـ90 في المائة، فالمعابر الحدودية معروفة، كما أن مساحة الحدود صغيرة وهي سهلة للمراقبة من الناحية الجغرافية». ويؤكد قاطيشا أن «عمليات التهريب تتم وفق آلية منظمة، ولكن حزب الله لا يضع نفسه في الواجهة، وإنما يديرها من خلف الستار». ويرى قاطيشا أن الهدف من التهريب هو استفادة النظام السوري من المواد المهربة من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن حزب الله يجني الأرباح المالية من هذا التهريب، وكل ذلك على حساب أموال اللبنانيين الذين يدفعون الثمن».

 

النائب هادي أبو الحسن

وبالإضافة إلى كتلة لبنان القوي، سبق أن  تقدّمت كتلة نواب اللقاء الديمقراطي بإخطار إلى النيابة العامة التمييزية، في  مايو (أيار) الماضي، لفتح تحقيق في تهريب سلع أساسية من لبنان، وفق ما أشار النائب هادي أبو الحسن، في حديث لـ«المجلة». ولفت إلى أنه طالب بانعقاد الحكومة والمجلس الأعلى للدفاع للتباحث في هذا الملف، ولكن لم يستطع أحد إيقاف هذا الأمر على الإطلاق. ويُكمل أبو الحسن أن «السبب في ذلك هو وجود غطاء سياسي للمهربين».

ويؤكد أبو الحسن أن «الكتلة تابعت الملف من خلال الطلب من مدعي عام التمييز التحرك مجدداً، كما طلبنا خلال الجلسة النيابية التي كانت مخصصة لترشيد الدعم عن المواد الأساسية بأن يُرسل المجلس الأعلى للدفاع لائحة للمجلس النيابي بالمعابر غير الشرعية لكي تتحمل كافة القوى السياسية واجبها بدعم القوى الأمنية اللبنانية لمنع التهريب». وأضاف: «حتّى هذه اللحظة لم يتغيّر شيء، ويبدو أن القرار بوقف التهريب يبدأ في لبنان وينتهي في دمشق»، في إشارة لدور النظام السوري في هذا الملف.

 

خسائر الاقتصاد اللبناني

وأوضح أبو الحسن إلى أنه «لا يمكن القيام بترشيد الدعم وضبط استنزاف الاحتياطي المركزي بالعملات الصعبة إلا من خلال ضبط عمليات التهريب». وتابع: «على صعيد المازوت فإن لبنان يخسر سنوياً 418 مليون دولار، أما على صعيد البنزين فكلفة التهريب تبلغ 130 مليون دولار سنوياً». وأضاف: «لبنان كان يستورد 1250 مليون طن من المازوت سنوياً لغاية عام 2016، في حين أنه سجل في عام 2019 نحو 2520 مليون طن، وبالتالي هناك زيادة باستيراد المازوت في حين أن الحركة التجارية لم تتحسن، وإنما تراجعت».

ويؤكد أبو الحسن أن الهدف من عمليات التهريب هو أنه «يُفيد الاقتصاد الأسود لحزب الله والنظام السوري في محاولة للتخفيف من العقوبات المفروضة»، ويختم بأن «ضبط التهريب يحتاج إلى إجراءات أمنية ولكن بموازاة ذلك يحتاج إلى قرار سياسي».

في ظل الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها اللبنانيون، تأتي عمليات التهريب لتزيد من حدّة الأزمة وتُضاعف حجمها، وفي الوقت الذي يكثُر فيه النقاش حول ترشيد الدعم أو رفعه من أجل المحافظة على ما تبقى من احتياطي لدى المصرف المركزي من العملات الصعبة تأتي عمليات التهريب لتزيد من الضغط على هذه الأموال. وفي انتظار اتخاذ القرار السياسي برفع الغطاء عن المهربين، إن تمكنت القوى السياسية من التجرؤ واتخاذ هذا القرار، يدفع اللبنانيون ثمن تفلت الحدود وغياب الدولة.

font change