سودانيات تحت الشمس

قصة المرأة في السودان

سودانيات تحت الشمس

* أول مدرسة لتعليم البنات في السودان قامت عام 1907

 

 

كتاب «أخوات تحت الشمس»عن المرأة السودانية، «هو ثمرة صداقة طويلة بيننا، وسلسلة من المناقشات حول تطور وتطلعات الحركة النسائية في السودان. وبمواجهة موضوع شائك كهذا فإننا لم نحاول رسم صورة كاملة للمجتمع السوداني بقدر محاولتنا التقديم لمسيرة المرأة هناك. الكتاب أيضا يرمي إلى سد الفراغ الناشئ عن عدم توفر المصادر عن المجتمع السوداني وحركته النسوية خاصة لدى القارئ الغربي».

من هذا المدخل قدمت مارغوري هول، وبخيتة أمين، كتابهما «أخوات تحت الشمس»باللغة الإنكليزية عن المرأة في المجتمع السوداني القديم والمعاصر.

وهول بريطانية الجنسية، درست اللغة العربية بمعهد الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، حيث نالت فيه درجة الدكتوراه. ومتخصصة بالقوانين الإسلامية والشؤون السودانية، ولها بحوث ودراسات عن الحركة النسوية بمصر والسودان.

وبخيته أمين صحافية سودانية وعضو اللجنة المركزية لتنظيم «اتحاد نساء السودان»،حاصلة على درجة الشرف في التاريخ من جامعة الخرطوم، ودبلوم الصحافة من مؤسسة طومبسون، وشهادة الماجستير في التنمية الاجتماعية في الريف من جامعة ردينغ ببريطانيا.

يضم الكتاب ثلاثة عشر فصلا خصصت منها ثمانية فصول لدراسة الحركة النسائية في شمال السودان، ذي الحضارة العربية الإسلامية، وأربعة فصول خصصت للجنوب، ذي الحضارة الأفريقية، إضافة إلى فصل ختامي عن التيارات المعاصرة في القطر. الكتاب يشتمل أيضا علي أكثر من سبعين صورة، منها حوالي ثمان وعشرين صورة ملونة بالإضافة إلى خارطتين وبعد الرسوم التوضيحية وعلى الرغم من أن الكتاب ليس دراسة مقارنة بين المرأة الشمالية والجنوبية إلا أن القاعدة التي يقوم عليها البحث هي أن السلوك والأثر الاجتماعي في الشمال. وعلى الرغم من تباينه من مجتمع لآخر يندرج كله تحت راية الحضارة الإسلامية واللغة العربية، في الوقت الذي يتخذ وضع المرأة في الجنوب شكلا ينبع من روح الحضارة الأفريقية الصرفة. ورغما عن ذلك، تبعا لمقولة الكاتبتين، فإن الدور المشترك الذي لعبته المرأة تاريخيا في الشمال والجنوب هو الزواج والإنجاب.

الصورة التي يرسمها الكتاب لحال المرأة في العاصمة تشبه بالضرورة، صورة المرأة في معظم العواصم العربية. الإطار يصنعه فريق من المهندسين الاجتماعيين يتكون من الرجل والعائلة الكبيرة التي تمتد لتشمل الأقارب، والشد والجذب بين الشرق المحافظ والغرب المتحرر. وهؤلاء هم أصحاب الدور الأساسي في تحجيم نشاط المرأة بدءا بتعليمها أو عدم تعليمها وضبط سلوكها الاجتماعي وحتى زواجها. وتقرر الكاتبتان أن هناك عاملين أساسيين لهما الفضل في تخفيف الضغط الاجتماعي الذي اجتهد في الاحتفاظ بالمرأة بين جدران البيت الأربعة. أما العامل الأول فهو اضطراد حركة التعليم (الذي خصص له أكبر فصول الكتاب). وأما الثاني فهو الضغط الاقتصادي وظروف المعيشة اليومية الصعبة. ذلك دفع بالأسرة السودانية إلى قبول وضع منطقي بسيط وهو تحويل المرأة من «عبء اقتصادي» عليها إلى «مصدر اقتصادي»لها. وكانت نتيجة ذلك أن اكتظت مدارس البنات بطالبات العلم اللائي صرن فيما بعد معلمات (وهي المهنة التي باركها المجتمع قبل غيرها لأنها لا تحتوي على عنصر الاختلاط بالرجال)، ثم بنمو الشروط الاقتصادية والحضارية صارت المرأة ممرضة وطبيبة ومحامية ودبلوماسية... إلخ.

وهكذا خرجت إلى الشارع، ولكن تحت رقابة المجتمع الصارمة.

ومن أهم الإشارات التي يوردها الكتاب في هذا الفصل. مقارنة بين حركتين نسويتين دينيتين هما تنظيم «الأخوات المسلمات،وهو الفرع النسوي لتنظيم الإخوان المسلمين»المعروف. وتنظيم «الأخوات الجمهوريات التابع لتنظيم الإخوان الجمهوريين»الذي طرح فلسفته في الأربعينات محمود محمد طه.

تاريخ التعليم

وتمضي المؤلفتان للحديث بإسهاب عن تاريخ تعليم المرأة في السودان وترجعان نشأته إلى جهود بابكر بدري الذي يعتبر «أب التعليم النسائي»،والذي بعد أن يئس من إقناع سلطات الاستعمار البريطاني بضرورة التعليم النسائي. أنشأ من ماله الخاص أول مدرسة ابتدائية لتعليم البنات في عام 1907. و«كان عليه أولا أن يقنع الناس بضرورة إرسال بناتهم إلى المدرسة وقد فعل ذلك بأن قال لهم إن المرأة المتعلمة أقدر على تدبير الشؤون المنزلية، الشيء الذي يجعل الرجل يتجه إلى الزواج منها بدلا عن الأجنبية».

ويمضي الكتاب في تعداد المدارس التي أنشئت بعد ذلك التاريخ وكلها كانت تدرس مبادئ القراءة والكتابة، والقرآن، والحساب، والتطريز، وأهم الأسماء التي يوردها الكتاب بين رواد تعليم البنات على آثار بابكر بدري هي مدنية عبد الله، أول مفتشة تعليم في السودان، وجيدى أيفانز التي أرست دعائم تدريب المعلمات، والدكتورة أينا بيسلي مسؤولة تعليم البنات من 1939-1949، وفترة الأربعينيات شهدت نشوء العديد من المدارس في مختلف أنحاء القطر كما شهدت إنشاء أول مدرسة ثانوية للبنات في أم درمان العاصمة الوطنية، والتحاق أول امرأة سودانية بكلية غردون التذكارية (جامعة الخرطوم الآن).

ولكن الكاتبتين تعترفان بأنه على الرغم من «الانفجار التعليمي»الذي شهدته البلاد في هذا القرن، وخاصة في فترة ما بعد الاستقلال، فإن نسبة تعليم النساء تتضاءل كثيرا بالمقارنة مع تعليم الرجال، ففي مقابل كل ثلاثة أطفال ذكور تلتحق طفلة واحدة بالمدرسة الابتدائية. وتتسع هذه النسبة عند الدخول إلى الجامعة، حيث تلتحق بها امرأة واحدة مقابل ثمانية من الرجال.

الفصل الرابع يتعلق بالتمريض والتوليد. ويقرر الكتاب أن مسيرة التمريض كانت بطيئة ومتعثرة، «فالمجتمع ظل حتى سنوات قريبة ينظر إلى مهنة التمريض باعتبارها مشبوهة بالنظر إلى قدر الحرية التي تمنحها للمرأة»(الاختلاط بالمرضى من الرجال وطبيعة الزي الذي ترتديه الممرضة).

ويسرد الكتاب تاريخ التمريض الذي قام على اكتشاف البريطانيات منذ عام 1907 مرورا بافتتاح أول مدرسة للتوليد وتدريب القابلات في 1921 وكلية التمريض العالي في 1956 ويعطي الكتاب وصفا للحقبة التاريخية التي سبقت ذلك حيث كان يسود ما يسمى بـ«ولادة الحبل»دون اعتبار لأي مقاييس طبية، وارتباط هذا النوع من التوليد بعادة الخفاض الفرعوني الذي استنت له وزارة الصحة قانونا يمنعه في عام 1944 وجعلت عقوبته السجن لمدة سبع سنوات. ولكن، تبعا للكتاب، فإن جل الفضل في محاربة الخفاض الفرعوني يعود إلى اثتتين من رائدات القابلات هما حواء علي، وبتول محمد عيسى، اللتان أثمرت جهودهما مع جهد السلطات في جعل الأمر مادة تدرس في المدارس بالإضافة إلى انتزاع فتاوى من علي الميرغني، وعبد الرحمن المهدي، زعيمي أكبر طائفتين دينيتين في السودان، تقول ببطلان عادة الخفاض الفرعوني دينيا، وإحلال الخفاض السني بدلا عنها.

وعن الحركة النسوية وتحرير المرأة (عنوان الفصل الخامس) تقول المؤلفتان إن تباشير ذلك ظهرت في عام 1947 على يد فاطمة طالب، وهي من أوائل السودانيات اللائي تلقين تعليما عاليا بجامعة لندن، عندما أنشأت «جمعية المرأة المتعلمة»، وأيضا على يد الدكتورة خالدة زاهر أول طبيبة سودانية التي أنشأت «جمعية المرأة السودانية».هاتان الجمعيتان فتحتا الطريق أمام تنظيمات وصحف ومجلات نسائية أخرى انتظم عقدها في وقت مبكر من الحركة الاجتماعية الحديثة. وعبرت بكل الوسائل المتاحة، على قلتها، عن حاجة المرأة السودانية إلى التغيير الاجتماعي.

أما التنظيم الذي لعب دوراً لا يمكن تجاوزه فهو تنظيم «الاتحاد النسائي السوداني»الذي تأسس عام 1952 ليشكل الواجهة النسوية لتجمع حركة القوى الديمقراطية بالسودان، والذي استطاع أن يجعل له فروعا امتدت إلى مختلف أنحاء القطر مجتذبا أعدادا كبيرة من النساء إلى عضويته. ويقول الكتاب إن برنامج ذلك التنظيم اشتمل على تشجيع النساء على المشاركة الفعالة في البناء الاجتماعي للقطر، والمطالبة بفرص تعليم متكافئة بين الأولاد والبنات وحماية حقوق المرأة، والعمل من أجل توفير الرعاية الاجتماعية للأسرة السودانية. هذا التنظيم منعت الدولة نشاطه في أوائل السبعينيات وأحلت محله تنظيم «اتحاد نساء السودان»الذي يمارس نشاطه حتى الآن داخل إطار «الاتحاد الاشتراكي السوداني»الحاكم. وبرغم أن المؤلفتين تحددان عضوية هذا التنظيم بسبعمائة ألف، إلا أنهما تشيران إلى أن ذلك هو الرقم المسجل على الأوراق الرسمية وتقولان بإحجام الشابات المتعلمات عن الانضمام للتنظيم وتعزيان ذلك لعدة أسباب أهمها المشاغل المنزلية وضيق الوقت وعدم الرغبة بالانضواء تحت لواء أي تنظيم ذي صبغة سياسية بالدرجة الأولى.

 

عناوين أخرى

وتحت عناوين «الريف»،«العادات»،و«الطب الشعبي»،تستعرض الكاتبتان الملامح الأساسية التي تتميز بها المرأة السودانية بعيدا عن التيارات السائدة في العاصمة، وأهم تلك الملامح هي القوة الاقتصادية التي تشكلها المرأة تحت ضغط الفقر في المجتمع أو القبيلة، فهي إما زارعة أو راعية أو بائعة أو حرفية. وهي امرأة نشأت في مجتمع تتعدد فيه الزوجات، ويحرم فيه معظم الأطفال من التعليم خوفا من انعتاقهم من حبل العائلة.

وتتزوج فيه المرأة وهي صبية صغيرة السن، وعلى الرغم من أن البنيان الأخلاقي في مجتمع كهذا يقوم على قاعدة شديدة الصرامة في محافظتها، إلا أن اختلاط النساء بالرجال مسموح به إلى حد أكبر من المناطق الأكثر تمدنا، ولعل هذا ينتج مباشرة عن مشاركة المرأة الفعالة في البناء الاقتصادي للمجتمع أو القبيلة.

ويلي ذلك سرد للعادات السودانية عند الزواج والموت والدفن و«المشاط»(جعل الشعر جدائل) ولبس الحجاب.

عند بعض القبائل، ونسبة لتعدد المجتمعات والحضارات، فإن الناظر إلى الصورة ككل، يجد أمامه لوحة فسيفسائية مدهشة التعدد في ألوانها وأشكالها. والكتاب يقدم، بشكل وثائقي، ما تيسر له منها وهو عديد وبقية فصول الكتاب خصصت للمرأة في جنوب السودان. وتقول المؤلفتان: «لأسباب تاريخية،فإن نوع الحضارة (الجديدة) التي سادت في الجنوب حضارة أوروبية ترعرعت بعيدا عن أثر الإسلام السائد في الشمال، وهذا ناتج مباشرة عن سياسة الاستعمار البريطاني وعن عزوف الشماليين عن الاتصال بحضارة أفريقية الجذور أوروبية الفروع».

وتستعرض الكاتبتان الأشكال الحضارية الموجودة لدى القبائل الرئيسية التي تشكل مجموع سكان الجنوب. كالدنيكا والنوير والشلك. فعند الدنيكا ومعظم القبائل الأخرى يشكل قطيع الماشية الرمز الاقتصادي والاجتماعي للقبيلة وعلاقة المرأة بذلك أن مهرها يدفع ماشية توزع بين أفراد العائلة التي كلما كبر عدد أفرادها كبر حجم المهر. ولهذا السبب نفسه فإن حالات الطلاق نادرة بين الجنوبيين، لأن ذلك يعني إرجاع المهر إلى الزوج، الأمر الذي تجده العائلة صعبا في معظم الأحوال.

وتبعا للحضارة في الجنوب، فإن المرأة تجد حرية أكثر في الاختلاط بالرجال. فالتعليم مثلا مختلط وليس كما هي الحال في الشمال، وهو عموما متعثر الخطى وذو ناتج ضئيل من النساء المتعلمات. فقد بدأ على يد الإرساليات التبشيرية (التي أقامت حاجزا منيعا بين الجنوب والأثر الإسلامي في الشمال) قبل وإبان الاستعمار البريطاني للبلاد.

وقبل استقلال البلاد بعام واحد نشبت الحرب الأهلية التي استمرت سبعة عشر عاما مما جعل انتظام حركة التعليم بالجنوب أمرا مستحيلا.

أما قبل الاستقلال فقد فشلت النظرة الأوروبية في تقييم حضارة القبائل الجنوبية واعتبرتها مجرد أشكال حياتية بدائية. وبالرغم من كل ذلك فإن وضع المرأة في الجنوب يتسم بالقوة الاجتماعية بالمقارنة مع المرأة الشمالية. فالشرط الاقتصادي وقانون العائلة المستمد من الحياة الروحية للقبيلة والروابط الإنسانية العميقة هي العوامل التي تقف وراء قوة المرأة الجنوبية.

ويختتم الكتاب فصوله بحديث موجز عن التيارات المعاصرة في القطر في قضايا المرأة، ويقول بأنها بدأت بإصدار «قانون الخدمة العامة لعام 1972»الذي كفل للمرأة حقوقا اقتصادية مساوية للرجل.

وتخلص الكاتبتان إلى أن تحرير المرأة الكامل تحدده قوانين ومسار الظروف الشرطية الملقاة بين جذب المؤسسة التقليدية وشد الرغبة في التحرر. وإلغاء الحاجز النفسي بين المرأة وتطلعاتها، وإعادة النظر في شكل البنيان الاجتماعي والتعليمي، وخلق «الرجل الجديد»والذي من غيره لن تكون هناك «امرأة جديدة».

وأخيرا على الرغم من أن الكتاب لا يسد بعض الثغرات في تاريخ وحركة المرأة في السودان (كدورها في ميدان الفنون مثلا) إلا أنه قيّم، وإضافة لا يستهان بها، ليس إلى المكتبة الإنكليزية وحسب، ولكن إلى المكتبة العربية والسودانية أيضا. وهو يستمد قيمته من أنه أول كتاب يؤرخ ويوثق مسار الحركة النسوية في السودان. وعلى الرغم من كبر حجم موضوعه إلا أنه يفتح نافذة إلى الحضارة السودانية القائمة بمختلف اتجاهاتها وتنوع مصادرها. ويوفر- على الأقل- الحد الأدنى من المعرفة بقضايا تلك الحضارة لكل أنواع القراء.

font change