مستشارة رئيس آرتساخ لـ«المجلة»: جنوب القوقاز مهدد بأكمله بعد دخول تركيا على خط الأزمة

سكان جمهورية آرتساخ قلقون رغم توقف المواجهات المسلّحة مع أذربيجان

نيلي باغداساريان، مستشارة العلاقات الدولية لرئيس آرتساخ أراييك هاروتيونيان («المجلة»)

مستشارة رئيس آرتساخ لـ«المجلة»: جنوب القوقاز مهدد بأكمله بعد دخول تركيا على خط الأزمة

 

* خسرنا 5 مدنٍ من جمهوريتنا، ولم يتحرّك أحد لمساعدتنا رغم وجود أدلة دامغة تؤكد أن باكو هي من شنّت الحرب علينا أولاً، ولذلك نحن اليوم على استعداد للقتال مجدداً لإنهاء الاحتلال الأذربيجاني لتلك المدن

* أقرّ برلمان آرتساخ بالأغلبية المطلقة أن المناطق التي تمكنت باكو من السيطرة عليها خلال الحرب الثالثة في الإقليم هي أراض محتلة

* أنقرة تعرقل الحلول السلمية للأزمة، خاصة أنها أنشأت مركز مراقبة مشتركا مع الجانب الروسي في أغدام، حيث تلعب دور المراقب للهدنة، لكنها في الواقع ترعى إرهاباً دولياً

* ظروف آرتساخ اليوم أفضل مقارنة بما مرّت به خلال فترة الحرب قبل أشهر، لكنّ هناك قلقا مجتمعيا نتيجة شعور السكان بعدم الاستقرار

 

ستيباناكيرت: على الرغم من أن أذربيجان وأرمينيا توصلتا قبل أشهرٍ، لمعاهدة برعايةٍ روسية تقضي بوقف إطلاق النار في إقليم ناغورنو كراباخ المتنازع عليه بين البلدين والواقع في جنوب القوقاز بمحاذاة الحدود مع أذربيجان وأرمينيا وإيران، إلا أن سكان الإقليم الذي أعلن فيه مقاتلون أرمن مطلع تسعينات القرن الماضي عن إقامة جمهوريةٍ مستقلةٍ بحكم الأمر الواقع، يعيشون في قلقٍ دائمٍ إلى الآن.

وشهِد الإقليم الجبلي الذي يُعرف أيضاً باسم آرتساخ، الاسم الأرمني للجمهورية التي لا تحظى باعترافٍ دولي، شهد مواجهاتٍ طاحنة بين المقاتلين الأرمن والجيش الأذربيجاني، دامت لستةِ أسابيع في الفترة الممتدة من أواخر سبتمبر (أيلول) 2020 وصولاً إلى مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه، لكنها توقّفت بعدما وافق رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان على توقيع معاهدةٍ مع باكو برعاية موسكو يوم التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.

ومع أن لدى جمهورية آرتساخ رئيسا وحكومة وبرلمانا ومطارا دوليا وحيدا، توقف جرّاء الحرب، إلا أن يريفان هي التي تدير شؤونها الدولية نتيجة رفض باكو التفاوض مع من تطلق عليهم وصف «الانفصاليين» الأرمن. كما أن سكان الجمهورية التي تتخذ من ستيباناكيرت عاصمةً لها، يحملون وثائقٍ شخصية تصدرها يريفان أيضاً، مما يعني أنها تعتبر آرتساخ جزءاً من أراضيها.

وقالت نيلي باغداساريان، مستشارة العلاقات الدولية لرئيس آرتساخ أراييك هاروتيونيان إن «مساحة جمهوريتنا غير المعترف بها تقلّصت على التوالي، فهي كانت 11.458 كيلومترا مربعا قبل معاهدة التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لكنها تبلغ اليوم 2900 كيلومتر مربع فقط بعد أن احتلت باكو أجزاء كبيرة منها قبل عدّة أشهر في حربها الثالثة ضدنا».

وأضافت لـ«المجلة» أن «الخارطة الجغرافية لآرتساخ المحددة بموجب إعلان وقف إطلاق النار بين ستيباناكيرت وباكو في العام 1994، تغيّرت مع تغيّر النظام الإقليمي في جنوب القوقاز إثر انتهاء الحرب الأخيرة بحسب معاهدة التاسع من نوفمبر الماضي بين باكو ويريفان».

وتابعت: «لقد تمّ هذا التغيير بعدما عززت باكو من تسليح قواتها على نطاقٍ واسع بدعمٍ تركي، وحتى الآن لا يوجد من يردعها في المنطقة. يبدو أن كل ما يحصل، يتمّ لإرضاء باكو، فقد خسرنا 5 مدنٍ من جمهوريتنا، ولم يتحرّك أحد لمساعدتنا رغم وجود أدلة دامغة تؤكد أن باكو هي من شنّت الحرب علينا أولاً، ولذلك نحن اليوم على استعداد للقتال مجدداً لإنهاء الاحتلال الأذربيجاني لتلك المدن».

وتعد مدينة شوشي واحدة من المدن الخمس التي خسرتها آرتساخ والتي تمثل رمزية كبيرة لدى الأرمن إلى جانب هادروت، زنجيلان، نيركين جارتار، وكارفاجار، بحسب قائمة الأسماء التي قدّمتها باغداساريان والتي تضمنت أيضاً 5 مدنٍ أخرى تمكنت آرتساخ من المحافظة عليها وهي: العاصمة ستيباناكيرت، أسكيران، مارتوني، فيرين جارتار، ومارتاكيرت.

وشددت مستشارة الرئيس على أن «جمهورية آرتساخ ستبقى قائمة وتواصل نضالها من أجل نيل الاعتراف الدولي بها وإيجاد حلٍ نهائي لمشاكلها العالقة مع باكو. كما أنها ستعمل على كشف استخدام الجيش الأذربيجاني لأسلحة محظورة في حربه ضدنا لإدانة باكو لدى الجهات الأممية بعد ارتكابها لجرائمِ حربٍ ضد المدنيين، وكذلك لإرغامها على المحافظة على التراث الثقافي الأرمني في المقاطعات التي احتلتها».

وكشفت باغداساريان أيضاً عن موافقة ستيباناكيرت للتفاوض «المباشر» مع باكو، بالقول إن «آرتساخ لا ترى أنه يمكن إجراء تسوية نهائية للنزاع إن لم تكن هناك مشاركة كاملة من قبلنا في التفاوض مع الأذربيجانيين على نحو ثنائي حول مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية».

كما أوضحت أن «تركيا سعت إلى لعب دورٍ أكبر» في النزاع بين ستيباناكيرت وباكو من خلال دعمها للأخيرة في الحرب التي دامت لنحو شهرٍ ونصف. واتهمت أنقرة بنقل «إرهابيين» قاتلوا إلى جانب الجيش الأذربيجاني في تلك الفترة.

ورأت أن «أنقرة تعرقل الحلول السلمية للأزمة، خاصة وأنها أنشأت مركز مراقبة مشتركا مع الجانب الروسي في أغدام، حيث تلعب دور المراقب للهدنة التي تلت معاهدة نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لكنها في الواقع ترعى إرهاباً دولياً سيستمر في السنوات المقبلة، لا سيما وأن حزب الحركة القومية التركي اليميني المتطرّف الذي يمثل منظمة «الذئاب الرمادية» الراديكالية المحظورة في عدّة دولٍ أوروبية، سيبني مدرسة تركيّة في مدينة شوشي المحتلة، مما ينذر بتحويلها لاحقاً إلى مركزِ تخطيطٍ لإرهابٍ قومي».

وتابعت أن «عدم ورود معلومات مؤكدة عن عودة المرتزقة الإرهابيين الذين جلبتهم أنقرة لمساندة الجيش الأذربيجاني خلال الحرب لبلدهم، يعني عدم استبعاد تجدد الحرب ضد آرتساخ، كما يعني ذلك أيضاً فشل أي حلول قد تطرحها موسكو مستقبلاً، فالإرهابيون قد يستهدفون المشاريع الروسية أيضاً إذا ما دعت الحاجة التركية لذلك، وبالتالي جنوب القوقاز بأكمله بات مهدداً اليوم رغم أن موسكو نفسها وافقت بتردد على الوجود التركي في هذه المنطقة».

سيرانوش سيركسيان، مستشارة برلمان آرتساخ للشؤون الثقافية والاجتماعية (يسار) عملت كمتطوعة في مخبز خلال فترة الحرب («المجلة»)

الحياة مستمرة.. لكن الحزن حاضر

ومن جهتها، اعتبرت سيرانوش سيركسيان، مستشارة برلمان آرتساخ للشؤون الثقافية والاجتماعية، والتي تنحدر من مقاطعة مارتوني أن «ظروف آرتساخ اليوم هي أفضل مقارنة بالتي مرّت بها خلال فترة الحرب قبل أشهر، لكنّ هناك قلقا مجتمعيا نتيجة شعور السكان بعدم الاستقرار».

وأضافت لـ«المجلة» أن «السلطات تعمل لخلاص الإقليم من نتائج كارثية خلفتها الحرب، ولذلك تعيد ترميم بيوتٍ تضررت جزئياً نتيجة القتال، كما أنها تنوي إعادة إعمار تلك التي هُدِمت كلّياً، للتغلب على التحدّيات الكبيرة التي تقلق الأهالي حيال مستقبلهم، خاصة وأنهم لا يعرفون ما الذي قد يحصل».

وتابعت أن «الإقليم يعمل أيضاً على إعادة اللاجئين الذين هربوا إلى أرمينيا لبيوتهم، وبشكلٍ عام الحياة تستمر هنا، الناس تعود لبيوتها مجدداً، وهناك أعراس وحالات زواج، لكن الحزن حاضرٌ أيضاً»، مشددة على أن «آثار الحرب باقية حتى الآن ويمكن رؤيتها من خلال الدمار الذي لحق بمختلف مدننا».

كما عبّرت المستشارة الأرمنية عن رفضها للحرب بالقول: «لم نكن نريد حرباً جديدة رغم أننا كنا نتوقعها، ولكن للأسف لا يعترف أحد بوجودنا على أرضنا، وحين اندلعت الحرب، كان أطفالنا وكبارنا ونساؤنا يقتلون بمختلف أنواع الأسلحة كالطائرات المسيّرة والقنابل الفوسفورية. وكذلك قُتِل جنودنا، و لم تتحرّك أي جهة دولية لنجدتنا. لقد شكّل ذلك صدمةً كبيرة لنا».

وخلال فترة الحرب التي دامت 44 يوماً، تركت سيركسيان، مبنى البرلمان وتطوّعت للعمل في مخبز، وكانت تهدف من ذلك إلى المساهمة في إطعام الجنود الأرمن الذين كانوا يواجهون القوات المسلّحة الأذربيجانية على حدود الإقليم مع باكو، لكن المخبز أيضاً تعرّض للقصف.

وقالت في هذا الصدد إن «باكو استهدفت البنى التحتية لآرتساخ، وقد تظاهر الأهالي للمطالبة بحمايتهم، إلا أن المنظمات والمؤسسات الدولية والسفارات لم تكن تريد أن ترى هول المجازر التي ترتكب بحقنا، حتى إن الأمم المتحدة التي قابلتُ ممثلها في يريفان مع سفراء آخرين لم تتحرّك أيضاً رغم أن الجنود الأذريين نحروا مواطنينا وكان من بينهم طفلٌ معاق مع والدته».

وعادت سيركسيان اليوم إلى البرلمان، مرةً أخرى، حيث تعمل مع السلطات المحلية وبعض المنظمات الدولية على تحسين الأوضاع المعيشية لسكان آرتساخ، وتعتبر أن مساعدة هؤلاء الناس تقع ضمن «أولوياتها» ولذلك ترفض مغادرة الإقليم.

وأردفت بالقول إن «وجودي ضروري هنا. لن أغادر هذه الأرض، لقد دفع أبناؤنا دماءهم ثمناً لها، ولذلك لا ينبغي أن نتركها لأحد أبداً».

وتابعت: «كل يوم حين أمضي إلى عملي، أمرُّ من ساحة الجمهورية التي عُلِقت فيها صور الشهداء الذين سقطوا خلال الحرب الأخيرة، وكان من بينهم زوج شقيقتي الذي يكاد يكون استشهاده حالة عامّة، ففي كل عائلة هناك شهيد، ولهذا يجب أن نتمسّك أكثر بأرضنا. أنا حزينة لأننا فقدنا الكثير من أهلنا وأصدقائنا».

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف خلال استعراض عسكري (غيتي)


متمسّكون بالأرض رغم الدمار:

ولا يختلف إصرار المستشارة الأرمينية على البقاء في آرتساخ عن تمسّك الصحافية ليكا زاكاريان بإقامتها في ستيباناكيرت، فهي أيضاً ترفض مغادرتها.

وقالت زاكاريان التي تعمل في وسيلة إعلامٍ محلية لـ«المجلة»: «لا يمكنني التنبؤ بالوضع هنا، وصحيح أن القتال قد توقف، لكن الحرب لم تنتهِ بعد»، وعن المشاكل التي تواجه الأفراد هناك قالت: «المشاكل الرئيسية للناس في الوقت الحالي هي اجتماعية ومالية وأمنية أيضاً، فلا أحد يعرف ما الذي سيحصل، وبالتالي لا يمكننا أن نخطط للغد»، وتابعت: «حتى الآن، لم أفكر بمغادرة آرتساخ، أنا منشغلة بكتابة مذكّراتي خلال فترة الحرب التي عشتها، لكنني أخشى قدوم يومٍ أفكّرُ فيه بالرحيل عن ستيباناكيرت».

وعلى خلفية الحرب التي استمرت 44 يوماً بين ستيباناكيرت وباكو، سقط آلاف القتلى والجرحى في صفوف المدنيين والمقاتلين الأرمن، علاوة على اضطرار عشرات الآلاف منهم للنزوح داخلياً بين مقاطعات آرتساخ أو التوجه نحو أرمينيا، حيث لم يتمكن أكثر من نصفهم من العودة لبيوتهم حتى الآن، بحسب مصادر حقوقية أرمينية.

كما أن آرتساخ شهدت دماراً كبيراً في بنيتها التحتية بعد أن هُدِمت آلاف المباني الحكومية والخاصة والخدمية في مختلف مقاطعاتها الثماني التي خسرت منها خمسا سيطرت عليها باكو، وهو ما يمنع سكانها الذين وصلوا إلى أرمينيا من اتخاذِ قرار العودة لبيوتهم. بالإضافة لوجود أرمنٍ وقعوا في الأسر لدى الجيش الأذربيجاني.


وقال رجلٌ مسنّ لـ«المجلة»: «أنا حزين، فقد خسرتُ بعض أقربائي ولم أعد أعرف عنهم شيئاً، لكنني سأبقى في آرتساخ إلى أن أموت». وأضاف: «لا أعلم إذا كان أقربائي المفقودون قد قُتِلوا أم وقعوا في الأسر؟»، لدى القوات المسلّحة الأذربيجانية التي لم تعلن عن حصيلة نهائية لضحاياها في حربها الأخيرة مع المقاتلين الأرمن».

وكان الاتفاق الثنائي بين باكو ويريفان بمساعدة موسكو في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قد سمح بوقف القتال ودخول قوات حفظِ سلامٍ روسية إلى آرتساخ والمناطق المحيطة بها، وهو أمر يحدث للمرة الأولى منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. وأدى الاتفاق أيضاً لدخول قواتٍ تركية إلى خطوط التماس بين المقاتلين الأرمن والقوات المسلّحة الأذربيجانية.

وأثارت المعاهدة الثنائية بين طرفي النزاع، حفيظة معظم الأرمن الذين وجدوا فيها هزيمة مدوية بعد خسارة آرتساخ لمنطقتين استراتيجيتين داخل حدودها، علاوة على 3 مقاطعاتٍ أخرى كانت تسيطر عليها منذ حربها الأولى مع باكو والتي استمرت لأكثر من 5 سنوات بين أواخر ثمانينات القرن الماضي حتى عام 1994. وعلى إثر ذلك اندلعت احتجاجات غاضبة في يريفان طالبت باشينيان بالاستقالة.

تعد مدينة شوشي واحدة من المدن الخمس التي خسرتها آرتساخ والتي تمثل رمزية كبيرة لدى الأرمن

وتقرّ أنقرة رسمياً بمساعدتها لباكو في حربها الأخيرة ضد المقاتلين الأرمن لكنها نفت مراراً مدّها بمسلّحين سوريين حاربوا إلى جانب الجيش الأذربيجاني، وهو ما يتعارض مع تقاريرٍ حكومية روسية وفرنسية.


وقبل نحو 27 عاماً توقفت حرب آرتساخ الأولى التي دامت لأكثر من 5 سنوات وخلفت أكثر من 30 ألف قتيل بعد أن توصلت باكو ويريفان وستيباناكيرت لهدنة بوساطة «مجموعة مينسك» المعنية بحل النزاع في الإقليم. ومنذ ذلك الحين كانت آرتساخ تشهد مواجهاتٍ متقطّعة بين المقاتلين الأرمن والجيش الأذربيجاني قبل أن تقع الحرب الثانية بين الطرفين مطلع أبريل (نيسان) من عام 2016، والتي تلتها، ما باتت تعرف اليوم بحرب آرتساخ الثالثة أواخر العام الماضي.

ويوم الاثنين الماضي، أقرّ برلمان آرتساخ بالأغلبية المطلقة أن المناطق التي تمكنت باكو من السيطرة عليها خلال الحرب الثالثة في الإقليم هي «أراضٍ محتلة».

 

 

 

font change