جواد نصر الله... قائد الذباب الإلكتروني... وشاعر حزب الله

جواد نصر الله... قائد الذباب الإلكتروني... وشاعر حزب الله

* نهاية العام الماضي كشفت صحف محلية ودولية عن تعرض جواد نصر الله لمحاولة اغتيال إبان وجوده في مدينة الجادرية في العراق، وذلك خلال مهمة كان قد أوكله بها والده شخصيا بهدف لقاء قاسم سليماني سرا

* أي حالة اعتراضية قد يشكلها المتظاهرون في حال تحركوا في الشوارع لا يمكن أن تتم مكافحة تحركاتهم سوى عبر فئة شابة أوكل إليهم حماية الشوارع من أي زعزعة أمنية

 

بيروت:عندما كنت في الثانوية، أي بعد حرب يوليو (تموز) بأعوام قليلة. أذكر جيدا كيف كان جواد نصر الله ساحرا لقلوب التلميذات اللاتي في معظمهن كن يعملن في التعبئة التربوية داخل المدرسة.

والتعبئة التربوية هي الإطار الراديكالي الرئيسي والأكثر حنكة في التجييش وصناعة الحشد بين المراهقين داخل المدارس اللبنانية.

كانت الفتيات تتحدثن عن جواد نصر الله الشاعر ويتناقلن قصاصات ورق بداخلها أجدد أشعاره. وفي إحدى المرات سألت صديقتي العاملة في التعبئة التربوية عن عمل جواد نصر الله، فأجابتني، يعمل في وظيفة شاعر.

وفعلا جواد تبلور من كيان خجول يكتب بضعة أبيات إلى شاعر ذي وزن في محور إيران، حتى غنت قصيدته الشعرية «مقاوم» الفنانة اللبنانية جوليا بطرس، إلى أن بدا كما لو أن الأخيرة حصلت على شرف غناء كلمات جواد.

لعل الجانب الشعري من شخصية جواد نصر الله نجل أمين عام حزب الله حسن نصر الله هو المكان الخفي الذي لم يتم استكشافه بشكل دقيق من قبل الصحافيين والمحللين.

 

جواد نصر الله.. شاعر والده

جواد الذي يجيد التغريد، كان لأبياته الشعرية دور في ابتكار هالة «التقديس» التي يمنحها ويشعر بها جمهور حزب الله نحو والده حسن نصر الله.

هذه الهالة المصطنعة، هي سياق مركب بين الابن والوالد، أي عملية تراكمية بين خطابات حسن نصر الله وكلمات جواد نصر الله عن والده. لطالما أنتج جواد نصر الله أشعارا عن والده، ودائما ما تتحول كلماته الشعرية إلى ميراث ثقافي، إذ إن قصيدة «يا أبي» التي انتشرت كالنار في الهشيم داخل البيئة الافتراضية لحزب الله، يتجدد ظهورها على «فيسبوك» و«تويتر» في كل مرة يتحرك فيها الذباب الإلكتروني لتحسين صورة نصر الله الأب.

جواد نصر الله.. المغرد!

ضمن الأوساط الصحافية اللبنانية والعالمية، يعرف عن جواد نصر الله امتلاكه سلاح منصات التواصل الاجتماعي عبر حسابه الرسمي على «تويتر» والذي يتابعه نحو 80 ألف متابع.

يمتلك جواد سيفا ذا حدين. وفي كل مرة تتاح له الفرصة، بأن يشهر سيفه أي «الكلمة» لا يتوانى عن فعل ذلك ليلحق بخبث الكثير من الضرر بسمعة خصومه سواء كانوا أفرادا أم مجموعات.

خلف جواد نصر الله «المغرد»؛ يحضر الشاعر، ولعله أصبح مغردا كونه شاعرا يدرك ما تفعله الكلمات في تركيبة الأفراد وأدلجتهم. على وسائل التواصل الاجتماعي يحضر جواد كقائد أوركسترا الكلام الذي يجب تصويبه تجاه الخصوم، ويتلقى مساندة مجموعة من الحسابات الوهمية والحسابات الحقيقية والتي جميعها تحشد في لحظة معينة جهودها نحو تنفيذ مهمة اصطياد خصوم حزب الله، وذلك متى ما تسنت لهم الفرصة في إطار ظاهرة يطلق عليها لقب الذباب الإلكتروني.

وفي محط استعراض العنف الذي يرافق كلمات «الشاعر» على خصومه، لا يمكن المرور ببروفايله على «تويتر» دون تأمل المساندة الإعلامية التي يتلقاها نصر الله من الصحافي حسين مرتضى، المعروف بطريقته المستفزة جدا «عبر الكلمات» والتي تصل أحيانا إلى حد التباهي بالعنف العسكري المفرط تجاه من يؤطرهم في خانة أعداء حزب الله.

لطالما أدى الشعر دورا في صنع البانوراما الفنية لتنظيم حزب الله. فهذا التنظيم ينتج سنويا مئات المقطوعات الموسيقية والغنائية المشغولة بدقة لناحية جودة الكلمات والألحان.

ثقافة الشعر، تعد أداة شحن جماهيرية قوية، خصوصا في مجتمعات يشكل ما يسمعونه جزءا من هويتهم السياسية والاجتماعية والعقائدية. فالشعر حاضر في مناسبة عاشوراء التي يحييها التنظيم بأسلوبه الخاص، وقد اختار الأخير لعاشوراء أسلوبا شعريا خطابيا معينا، محكما ومدروسا على صعيد بنيته الكلامية.

وإذا ما كان توصيف حزب الله أنه حزب راديكالي عسكري وأمني يستخدم الدين والطائفية لتنفيذ مهامه في سوريا والعراق واليمن، فحزب الله تنظيم يحب الشعر والكلمات ويخصص لهذا النوع من الفنون مركزا استثنائيا، حتى إن بعض شعراء الحزب يصنعون دائما مناسبات لإنتاج أشعار المقاومة.

ففي مراجعة إطلالات حسن نصر الله على الشاشة يستحيل أن نجده مرة قد بدأ كلامه دون أن يؤهل به الشاعر حسن عباس والذي دائما ما يصف الأخير بأنه «ابن فاطمة»، وكذلك لا يمكن تجاوز مشهد القبضة التي يرفعها عباس في كل مرة يذكر فيها اسم حسن نصر الله.

ينفذ جواد نصر الله «الشاعر» واحدة من أدق المهمات في التنظيم الراديكالي الديني عبر صنع المحتوى الفني لمنظمة عسكرية مدرجة على لائحة الإرهاب في الولايات المتحدة الأميركية وعدد من دول الاتحاد الأوروبي.

الكلام عنده وسيلة توازي بأهميتها ثقل المعارك العسكرية، وفن الكلام بالنسبة إليه مسرح قائم على التلاعب والتأويل والتحريف. على غرار ما فعله لحظة الإعلان عن الاغتيال المعارض لحزب الله لقمان سليم، يومها غرد جواد نصر الله: «خسارة البعض هي في الحقيقة ربح ولطف غير محسوب بلا أسف»، وعاد ليقول إن التغريدة جاءت دون هدف، لقد أراد تلوين التغريدة بنطاق شعري نثري بعيدا عن أي تأويل يتناسب مع اغتيال لقمان سليم.

 

الشاعر الأمني

وعلى الرغم من توهج حاسة الشعر لديه فإن جواد (الشاعر) انتقل مؤخرا للعيش في شخصية مركبة تقبع خلف الستائر العسكرية والأمنية الآخذة في الآونة الأخيرة في التطور، خصوصا وأن الأجواء المقربة من الحزب تشير إلى مسؤوليات جديدة مرجح أن الرجل الذي لم ينه عامه الأربعين قد تولاها داخل التنظيم، وذلك بعد حدوث سقطات أمنية عدة شهدها حزب الله مؤخرا. فالمؤشرات حول المهمات الجديدة التي أوكلت للنجل الأكبر للأمين العام، اكتسبت شيئا من الثقة.

نهاية العام الماضي كشفت صحف محلية ودولية عن تعرض جواد نصر الله لمحاولة اغتيال إبان وجوده في مدينة الجادرية في العراق، وذلك خلال مهمة كان قد أوكله بها والده شخصيا بهدف لقاء قاسم سليماني سرا.

لقد جاء اللقاء بعد فترة وجيزة من اندلاع شرارة انتفاضة 17 تشرين في بيروت والتي تخللها الكثير من محطات اعتداء مناصري الحزب على المتظاهرين، وحينها ظهرت تحليلات تشير إلى أن سليماني كان في جولة يعقد خلالها لقاءات مع قيادات بارزة في العراق ولبنان لإطفاء شرارة الانتفاضات التي خرجت في معظمها من حواضن البيئة التي لونتها تاريخيا إيران بلونها.

معروف عن جواد حبه للاختلاط بالناس وبقائه على مقربة من أصدقائه الافتراضيين والواقعيين، ومعظمهم إما أصغر منه أو يجايلونه في العمر.

بطبيعة الحال فإن أي حالة اعتراضية قد يشكلها المتظاهرون في حال تحركوا في الشوارع لا يمكن أن تتم مكافحة تحركاتهم سوى عبر فئة شابة أوكل إليهم حماية الشوارع من أي زعزعة أمنية.

 

 

font change