الاعتداء الجنسي على الأطفال جريمة لا تسقط بالتقادم

هل تغليظ العقوبة هو الحل؟ ام إن للظاهرة جذرواً تحتاج حلولاً جديدة

السوشيال ميديا لعبت دورا كبيرا في كشف العديد من وقائع التحرش الجنسي

الاعتداء الجنسي على الأطفال جريمة لا تسقط بالتقادم

القاهرة: جريمة لا يمحو آثارها الوقت، مع مرور السنوات تبقى ندبات وجروح نفسية بوجدان الضحية، وصغر سن المجني عليهم، لم يقف مانعا أمام الجاني، لتنفيذ جريمته في الاعتداء الجنسي على الأطفال.

واقعة التحرش التي تعرضت لها طفلة لا تتجاوز الخمس سنوات من عمرها، بأحد أحياء القاهرة في مصر، على يد رجل في العقد الرابع من عمره، ويعمل بوظيفة مرموقة، ومتزوج، ولديه من الأبناء طفل وطفلة، في نفس عمر الضحية تقريباً، أثارت غضباً واسعاً، لدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين شاهدوا الفيديو، ولدى المدافعين عن حقوق الطفل، ورجال القانون.

 

أرقام كارثية

المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية في مصر، كشف في دراسة أعدها حديثاً أن 22 ألف حالة تحرش تحدث سنويًا، و85 في المائة من ضحايا هذه الوقائع من الأطفال، بينما يتعرض 20 في المائة من هؤلاء للقتل أثناء مقاومة المتحرش أو المغتصب.

وكشفت دراسة أعدتها أستاذة الإعلام المساعد في معهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس، فاتن الطنباري، أن الاعتداء الجنسي على الأطفال يمثل نحو 18 في المائة من إجمالي الحوادث المتعلقة بالطفل في مصر، وأن 35 في المائة من تلك الحوادث يكون الجاني له صلة قرابة بالطفل الضحية، وفي 65 في المائة من الحالات لا توجد بينهم صلة قرابة، فيما وقع 82 في المائة من الجرائم في أماكن من المفترض أن تكون آمنة للطفل، وحدثت من أناس يثق فيهم الطفل و77 في المائة من المعتدين يحبهم الأطفال.

يقول مدير خط نجدة الطفل بالمجلس القومي للطفولة والأمومة، صبري عثمان، لـ«المجلة»إن المجلس تلقى 1500 بلاغ على الخط في يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضي، من بينهم 1100 بلاغ عنف، و105 بلاغات اعتبارات جنسية، موضحًا أن العام الماضي 2020 تلقى خط النجدة 11761 بلاغًا بتعرض أطفال للخطر أو الموت، من بينها 764 بلاغاً عن اعتداءات جنسية سواء تحرش وهتك عرض أو اغتصاب كامل.

وأكد مدير خط النجدة بالمجلس القومي للطفولة والأمومة، أن نسبة 9 في المائة من بلاغات الاعتداءات الجنسية على الأطفال العام الماضي، كانت من داخل نطاق الأسرة، سواء من الأخ أو الأب أو العم أو زوج الأم، مطالباً بضرورة تغليظ العقوبة الخاصة بهتك العرض فالحد الأقصى للمتهم لو كان الطفل أقل من 12 سنة، 7 سنوات من السجن المشدد، مؤكدًا أن الخط يستقبل يوميًا بلاغ هتك عرض للطفل.

وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب المصري الدكتور أيمن أبو العلا

 

قانونيون يطالبون بتغليظ العقوبة

واقعة طفلة المعادي، دفعت عددا من المسؤولين عن القانون والتشريع في مصر إلى البحث عن حل والقضاء على الظاهرة، فتقدم وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب المصري، الدكتور أيمن أبو العلا، بتعديل تشريعي، لتشديد عقوبة التحرش بالأطفال، مؤكدا أن مقترح التعديل ينص على إضافة فقرة جديدة لنص المادة 306 مكرر (ب) من قانون العقوبات وتنص على: «وتكون العقوبة السجن مدة لا تجاوز 7 سنين إذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة لا يزيد على 12 سنة ميلادية كاملة»، مشيراً إلى أن الدولة المصرية تولي اهتماما بالطفل، وفقا لما نص عليه الدستور والقوانين المتعاقبة للطفل واتفاقية حقوق الطفل والتي كانت مصر من أوائل الدول التي صدقت عليها، مما يعني اهتمام الدولة بالأطفال والالتزام بحمايتهم من أي اعتداء، وخاصة الاعتداءات الجنسية والجسدية لما تخلفه من أضرار نفسية بالغة.

وأضاف أن المقترح يأتي دعما للدولة في مواجهة ظاهرة التعدي الجنسي والتحرش بالأطفال، لا سيما في ظل تعدد هذه الظواهر في الفترة الأخيرة. ويقضي التعديل بإضافة فقرة جديدة بنص المادة بتشديد العقوبة، أي إضافة ظرف مشدد جديد لجريمة التحرش وهو صفة المجني عليه قياسا للنهج الذي انتهجه المشرع الجنائي في قانون العقوبات في المادة 267 والتي أحالت إليها المادة 306 مكرر (ب).

وأوضح أن فلسفة التعديل بإضافة ظرف مشدد جديد للجريمة وهو مراعاة صفة المجني عليه عند التجريم، حيث إن الظروف المشددة تعد ركيزة أساسية لكون الغرض منها وتحقيق العدالة الجنائية والحفاظ على النظام العام في المجتمع، حيث كفلت المادة للقاضي تشديد العقوبة بإضافة عقوبة أخرى أشد وهي السجن.

وقال النائب أيمن أبو العلا، إن إضافة ظرف مشدد جديد للجريمة عموما نهج انتهجته الكثير من دول العالم في سبيل مكافحة الجريمة بشتى أنواعها وصورها وتحقيقا للردع العام وإنذار الكافة بسوء عاقبة الإجرام، وتهديد المجرمين المحتملين لارتكاب الجريمة. الاعتداء الجنسي على الأطفال عموما من الأسباب التي تستدعي تشديد العقوبة دائما، نظرا للعوامل الآتية: «صغر السن- ضعف الإدراك- ضعف المقاومة- ضعف المجني عليه بدنيا»، كل تلك العوامل هي التي دفعتنا لإضافة ظرف مشدد جديد للجريمة، وهو صغر سن المجني عليه.

 

رأي علم النفس

من جانبه، قال أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة، الدكتور جمال فرويز، إن التحرش الجنسي بالأطفال ليس مرضا، وهناك فارق بين المرض والاضطراب الجنسي، لافتا إلى أن المتحرش بطفلة المعادي مريض يجد لذته والإثارة في الأطفال، مؤكداً أن المتحرش في بعض الأحيان قد يكون تم التحرش به وهو طفل وينتقم من المجتمع عندما يكبر برد هذا الفعل في الأطفال أو أنه يشعر بالدونية من المجتمع وأن الأسباب ليست ثابتة، فمن المفترض أن يكون مهتزاً جنسياً نتيجة لفقد ثقته في إقناع الطرف الآخر به، وهذا ما جعله يفعل ذلك، أو أنه يعاني من اضطراب جنسي.

وأضاف أن التحرش الجنسي بالأطفال رغم اختلاف الأسباب يرجع إلى انعدام الأخلاق في المقام الأول، وأن بعض المناقشات والدراسات تؤكد أن الأمر لا علاقة له بالاضطراب الجنسي، موضحاً أن الطفل الذي يتعرض للتحرش تظهر عليه علامات تؤكد تعرضه لهذه الجريمة وهي اضطرابات في النوم واضطرابات في الطعام وخوف الطفل من التعامل مع شخص معين وعدم رغبته في الاحتكاك بهذا الشخص رغم عدم تفهم أولياء الأمور لهذه الشخصية، مؤكداً أنه يجب ان تتم معاقبته فليس هناك في القانون ما يستدعي تركه بسبب مرضه النفسي.

وشدد أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة، أنه يجب على الأسرة توعية الأطفال بالتوعية الجنسية، ولا عيب أو ضرر في ذلك بل على العكس هو يساعد الصغار في حماية أنفسهم من التحرش الجنسي، ومن أهم النصائح لتوعية الطفل، تحدث كل أم مع طفلها حول أن الجسد غالٍ ولا يجوز أن يراه أو يلمسه شخص غريب، كما يجب أن يشاهد الطفل أفلام كارتون عن التحرش الجنسي وكيفية مواجهته، متابعاً أنه على الأم أن تسمع طفلها وتهتم بشكواه من أي شخص ولا تستهين أبدا بخوف الطفل من شخص ما، لأنه عند تعرض الطفل للتحرش يقوم المتحرش بتهديد الطفل ببعض الكلمات التى تؤثر عليه وتربكه.

حادثة التحرش بطفلة في أحد أحياء القاهرة، صورتها كاميرات المراقبة وكشفتها وأنقذت الطفلة سيدة مصرية (يمين) من المتحرش (يسار)

دور السوشيال ميديا

السوشيال ميديا لعبت دورا كبيرا في كشف العديد من وقائع التحرش الجنسي، وفي سياق آخر، أطلقت مجموعة من الناشطات على مواقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»،و«تويتر»، هاشتاغ بعنوان «#أول_ محاولة_تحرش»، بعد تزايد حالات التحرش في الفترة الأخيرة في المجتمع المصري، ووثقن عددا من القصص والحكايات بهدف التوعية، وتشجيع ضحايا الاعتداء الجنسي عن الخروج من أزمتهم النفسية التي تسبب فيها تعرضهم للعنف الجنسي، وقالت إحدى المدونات على الهاشتاغ: «كان عمري تقريبًا 6 سنين، وكان المتحرش واحدا كبيرا في السن، وقت الصيف والشوارع خالية وكان يستقل دراجة نارية، وتظاهر بأن الدراجة بها عطل وطلب المساعدة، وعندما حاولت مساعدته اقترب مني وحاول أن يلمس جسدي، فهربت سريعاً».

وأضافت المدونة في قصتها أن «الأسرة يجب أن تعمل على توعية أطفالها جيداً، وإذا تعرض أحدهم للتحرش أو المضايقات، يجب المواجهة حتى لا يترك أثرا نفسيا عميقا في الطفل لا تمحوه الأيام، مطالبة الأب والأم بتربية أبنائهم على الشجاعة ومواجهة المواقف».

font change