الأردن: هل انتهى الجدل حول الخلافة؟

بعد تعيين عبد الله ولياً للعهد

الأردن: هل انتهى الجدل حول الخلافة؟

عمان: لماذا قرر الملك حسين فجاة وبعد 34 عاما أن أخاه الأمير حسن لا يصلح لولاية العهد مع أنه اختاره وهو الشقيق الأصغر وفضله على ولده البكر؟

وهل فعل الأمير حسن خلال غياب الملك في مستشفى مايوكلينك شيئا استجوب غضب الملك حسين؟

ولماذا تقبل الأردنيون نبأ إعفاء الأمير حسن من ولاية العهد بلامبالاة.. وانشغلوا منذ عودة الملك بإطلاق الشائعات حول تصرفات الأمير؟ وهل كان لنساء العائلة أو للدول الكبرى، كما قيل، دور في إعفاء الأمير حسن من منصبه؟

 

كل هذه الأسئلة وغيرها شغلت بال المواطنين الأردنيين منذ أن عاد الملك من الولايات المتحدة الأميركية بعد رحلة العلاج الثانية التي استمرت ستة أشهر، وصرح منذ وصوله تصريحات فاجأت الجميع، وتناقضت مع التصريحات التي استمر الملك يرددها طوال سنوات، والتي تؤكد أن ولاية العهد بالنسبة إلى الأمير حسن محسومة، وأن هناك ضرورة لتفعيل مؤسسة العرش واختيار ولي للعهد بعد الأمير حسن، الذي كان يصفه باستمرار بأنه أخوه و قرة عينه وولي عهده.

بعد يومين من وصوله إلى عمان، أرسل الملك حسين كلا من المشير عبد الحافظ الكعابنة قائد الجيش، والفريق سميح البطيخي مدير المخابرات العامة، لإبلاغ الأمير حسن رغبته في إعفائه من ولاية العهد.

 الأمير حسن توجه فورا إلى «قصر السلام»، حيث يقيم الملك، وأبدى تفهمه وتقبله لأي إجراء، مبدياً استعداده لتقديم استقالته، مستأذنا الملك بالسفر إلى الخارج بغية الراحة والاستجمام.

وبغض النظر عن الشائعات الكثيرة التي انطلقت حول تصرفات الأمير حسن، مثل استيلائه على كميات من الذهب، وهي شائعات لا تستند إلى دليل، وتندرج في إطار أسلوب النفاق عندما يسقط رمز من الرموز فتنهال عليه السكاكين لذبحه بلا رحمة، فإن الحقيقة التي لا جدال فيها هي أن الأمير حسن وخلال الفترة الطويلة التي شعل فيها منصب ولي العهد، وأحيانا منصب نائب الملك، لم يعزز حضوره في الأوساط الشعبية كملك مرتقب ولا حتى في أوساط الجيش وظل مشغولا بالقضايا الاقتصادية والفكرية والأكاديمية بل إنه اختار نخبة من المفكرين والمختصين في الميادين الاقتصادية والعلمية والفكرية وحرص على أن يكونوا حوله من دون الآخرين.

 ومعظم هؤلاء احتلوا المراكز الرئيسية في الدولة منذ ذهاب الملك للعلاج قبل ستة أشهر، بدءا من رئيس الديوان الملكي إلى رئيس الوزراء ومعظم الوزراء وانتهاء بمديري المؤسسات وحتى الشركات المساهمة.

ولا ينكر أحد في الأردن أن الأمير حسن بذل جهودا مضنية في عمله، بل إنه تسبب في إرهاق من يعملون معه، فهو لا يكل ولا يمل، والذين يعملون معه ممنوعون من التدخين ومن الاستمتاع بالراحة، وهو يتحدث غالبا بلغة علمية أكاديمية يصعب على الآخرين فهمها، حتى إن الملك حسين قال ذات مرة مازحا في إجابة عن سؤال صحافي: إن هذا السؤال أشبه بالحديث عن العولمة التي يتحدث عنها الأمير حسن والتي لا أفهم أنا شخصيا تفاصيلها.

كان هناك باستمرار حاجز كبير بين الأمير وعامة الشعب، فحديثه موجه للنخبة، وهو جاد في تعامله مع الآخرين، تنقصه المرونة ويخشاه الجميع ويتحاشون الاقتراب منه، ولا يأملون في عطائه أو حتى مجرد تسامحه وتعاطفه معهم.

 ويبدو أن الأمير حسن تعامل مع أفراد الأسرة المالكة في غياب الملك بمثل ما كان يتعامل به مع الشعب بلا مجاملات ولا تسامح، مما أثار غضب شقيقه الأكبر الأمير محمد الذي سبق أن قبل بالتنازل له عن ولاية العهد طائعا كما ذكر الملك حسين لحظة عودته. إذ يقال بأن الأمير محمد توسط لديه لإخلاء سبيل رجل أعمال بالكفالة لحين تقديمه للمحاكمة فرفض الأمير حسن على الرغم من أن التهمة لم تثبت على الرجل الذي كان من المساهمين النشطين في المجالات الاقتصادية والسياسية في الأردن.

ويؤكد أحد المقربين من العائلة المالكة أن الأمير حسن تعامل بفوقية مع أبناء الملك خلال غيابه وخاصة الأمراء عبد الله وفيصل والأمير غازي بن محمد.

 أحد المحللين السياسيين الأردنيين الذين سألتهم «المجلة»والذي رفض ذكر اسمه كما رفض غيره من المسؤولين الحديث عن هذه المسألة، قال: «إن القرار ليس جديدا، فقبل أكثر من عامين تحدث الملك عن ضرورة إنشاء مؤسسة للعرش أو مجلس عائلة يناط به تحديد ولي العهد».

ومنذ سنوات ورؤساء الوزارات في الأردن يشتكون من تعدد المرجعية، فهم ينفذون ما يطلب إليهم من الملك ويفاجأون باعتراض الأمير حسن على بعض تصرفاتهم. وكان أوضحهم في الإعلان عن ضيقه بهذا الأمر رئيس الوزراء الأسبق عبد الكريم الكباريتي الذي شكا للملك صراحة عدم قدرته على مواصلة العمل في ظل تدخل شقيقه وولي عهده الأمير حسن. ولم ينتصر الملك للكباريتي في ذلك الوقت لكن استمرار الشكوى من بعده لم تتوقف.

ويضيف المحلل السياسي الأردني قائلا: «إن قرار تعيين الأمير حسن وليا للعهد متخطيا بذلك شقيقه الأكبر الأمير محمد، كان بتأثير الملكة الوالدة زين الشرف التي كان الملك حسين يكن لها احتراما كبيرا، كما أن الملك حسين كان مقتنعا في بداية الستينات بضرورة تعيين شقيقه الأصغر الأثير لديه الأمير حسن وليا للعهد خشية من تعرضه شخصيا أو تعرض الأردن لهزة ناجمة عن التوترات الصعبة في المنطقة إذ كانت المنطقة تغلي برياح التغيير والدعوات الناصرية والقومية والبعثية والشيوعية. وكان الملك يؤثر في تلك الحقبة إبعاد أولاده

(كان عمر الأمير عبد الله 3 سنوات) عن الملك وهمومه في منطقة الصراع المتأججة والتي لا يعرف أحد مدى ما تصل إليه، وفي هذه الفترة أصدر كتابه «مهنتي كملك»التي وصف فيها مهنة الملك بأنها أصعب وأقسى مهنة.

 

 هل كان لنساء القصر دور في هذه القضية؟

 المحلل السياسي الأردني يستبعد ذلك، ويقول بأن المعروف عن الملك حسين أنه لا يتأثر بآراء الآخرين، صحيح أنه يستمع جيدا للجميع لكنه يتخذ قراره بعد قناعة تامة، وقضية إسناد ولاية العهد بتأثير من أمه في ذلك الوقت لم يكن بمعزل عن قناعاته الخاصة لأن الأمير حسن كفؤا لهذا المنصب والظروف السياسية المحيطة تستدعي تعيين ولي عهد، خاصة أن الملك كان عرضه للاغتيال ولمحاولات الانقلابات العديدة التي تعرض لها.

 كما أن اختياره لأحد أبنائه في هذه المرحلة ليس ناجما عن تأثير زوجته الملكة نور التي لازمته طوال فترة المرض القاسية أو تصرفات زوجة أخيه، بقدر ما هي ناجمة عن تفكيره وتأمله خلال هذه الفترة في مستقبل الأردن وكيفيه تأمين الاستقرار له ودوام بقاء الأسرة الحاكمة متماسكة وفاعلة.

 في عام 1978 بعد موت الملكة علياء طوقان (فلسطينية) في حادثة تحطم طائرة مروحية، وجه الملك رسالة علنيه لأخيه حسن حول قضية الوراثة بطلب تعيين أحد أنجاله وليا للعهد بعد وصوله إلى الحكم. وقبل خمس سنوات نشر الحسين رسالة أخرى اقترح فيها عقد اجتماع في المستقبل لمجلس ملكي يتولى فحص أبناء العائلة المرشحين لتسلم الملك، حيث يقوم المجلس بتعيين الأكثر قدرة منهم، وقد نشرت هذه الرسالة بعد مرض الملك الأول.

لكن القضية لم تحسم. وحسب ما تناقلته وسائل الإعلام الغربية (إذ إن الإعلام الأردني لا يخوض في مثل هذه الأمور)، فإن الملكة نور كانت تأمل في أن يتولى ابنها الأكبر حمزة ولاية العهد، بينما تأمل الأميرة ثروت زوجة الحسن بأن تنتقل ولاية العهد إلى نجلها راشد، وحمزة وراشد في عمر واحد تقريبا، إذ كلاهما على أبواب التاسعة عشرة وربما كان هذا إذا صح سبب التوتر في العائلة. وكان الملك حسين وجه رسالة إلى ابنه حمزة العام الماضي عندما بلغ الثامنة عشرة قال فيها إنه ينظر بفخر إلى ولده ويتذكر أنه تسلم العرش في مثل سنه وهي إشارات لها معنى يقوم بها الملك عادة تلميحا لا تصريحا وتمهيدا لاتخاذ الإجراء الذي يراه مناسبا.

ويقول سفير إحدى الدول الكبرى في عمان إن الملك حسن كان حريصا باستمرار على اصطحاب نجله حمزة في الاجتماعات المهمة التي كانت تعقد في عمان.

ويستطرد المحلل قائلا: لا شك في أن أبناء وبنات الملك يتمتعون بصفاته من التواضع والبساطة والحلم والتعامل الأمثل مع الناس والاستقامة والجد في العمل، من الابن الأكبر عبد الله إلى الابن الأصغر هاشم.

ولكن لماذا كان هذا القرار المفاجئ من الملك؟

الديوان الملكي أصدر بيانا غاضبا ينفي الأنباء التي ترددت عن نصيحة أميركية للملك بإجراء تغييرات في نظام الحكم، ووزارة الخارجية الأميركية نفت ذلك بشدة أيضا باعتبار هذه الأمور شأنا داخليا أردنيا.

 أما المقربون من الملك فيؤكدون أنه لا يتأثر في العادة بأي مؤثرات أو ضغوطات خارجية أو محلية وأنه يعرف كيف يتخذ قراراته وينفذها على نار هادئة وفي الوقت المناسب.

 فلم تكن أراء الأمير حسن السياسية مختلفة عن رأي الملك حتى يطالب البعض بتغييره، سواء بالنسبة إلى القضايا العربية أم للعلاقة الأردنية- الفلسطينية، أو الأردنية- الإسرائيلية، وإن كانت هناك بعض العبارات التي يتعجل الأمير حسن في إطلاقها أحيانا مثل تعليقه على عرقلة إسرائيل لمفاوضات السلام بالقول إنه عقائديا لا يؤمن بإمكانية إحلال السلام مع إسرائيل، أو رده بعنف على تصريحات للعماد مصطفى طلاس مما زاد من توتر العلاقة بين الأردن وسوريا خلال غياب الملك.

 لكن ذلك يبقى اختلافا محدودا دافعه الاستعجال في معالجة الأمور بحدة بعكس سياسة الملك حسين.

 

شعبيه الملك وأبنائه

على عكس ما رددته بعض التقارير الإخبارية من أن شعبية الملك حسين متدنية عند الأردنيين من أصل فلسطيني الذين يشكلون أغلبية في المجتمع الأردني، فإن هناك إجماعا بأن اختيار الملك للأمير عبد الله وليا للعهد (زوجته فلسطينية) يعطي الفلسطينيين شيئا من الطمأنينة.

 يقول محمد عبد الله الملاح (أردني من أصل فلسطيني) ربما أثر موضوع قضيتنا في الخمسينات على مشاعرنا، ولكننا لم نكن نشعر بأي تفرقه، فقد منحنا الأردن الجنسية وكافة الحقوق، وكانت نصف المناصب المهمة في الدولة من نصيبنا، ولم نلمس أي تفرقة في التعامل باستثناء المرحلة التي اشتبك فيها الجيش مع المنظمات الفلسطينية وما بعدها والذي أدى إلى فك الارتباط.

 وكل ما خسرناه بعد ذلك هو المناصب الوزارية التي لا تهم الأردنيين من أصل فلسطيني، لكن الأمر الذي زاد من قناعتنا بصواب سياسة الملك حسين مؤخرا هو ما نسمعه عن ممارسات السلطة الفلسطينية ولا شك أن الملك هو المرجع والملجأ الوحيد لنا وخاصة حيال بعض الدعوات الإقليمية التي تصدر أحيانا من بعض الإقليميين والتي هاجمها الملك حسين وأوقفها واعتبر من ينادي بها عدوا شخصيا له.

وخلال فترة حكمه الطويلة حرص الملك حسين على إرضاء كافة شرائح المجتمع الأردني الذي يتشكل من بدو وأردنيين وشركس وشيشان وفلسطينيين وسوريين وغيرهم من أبناء الدول العربية الذين أقاموا في الأردن منذ تأسيس الدولة في بداية القرن الحالي وتمتعوا جميعا بالمساواة في المعاملة والتمثيل في المجالس البلدية والنيابية بحسب حجمهم. وتوجد مقاعد في مجلس النواب للشركس والشيشان والمسيحيين. أما الأردنيون من أصل فلسطيني فيفوز عدد كبير منهم في العادة تبعا لحجم عددهم وخاصة في المناطق التي تضم مخيمات اللاجئين.

 انتقلت شعبية الملك حسين تلقائيا لأبنائه الذين مارسوا أسلوبه في الحياة والتعامل مع الناس كل بطريقته الخاصة، فالأميران عبد الله وفيصل حازا على إعجاب القوات المسلحة في قدرتهما على العمل العسكري وتواضعهما في التعامل مع الضباط والجنود. وحاز الأمير علي على تعاطف قطاع كبير من الأردنيين من أصل فلسطيني كونه ابن الملكة علياء وكذلك شقيقته هيا التي برعت في مجال الرياضة. لكن الأردنيين لا يعرفون الكثير عن الأمراء حمزة وهاشم نجلي الملك من الملكة نور، كونهما لم يباشرا العمل والتعامل مع المواطنين لصغر سنهما.

font change