رؤية سعودية لحوكمة التبرعات

«إحسان» منصة خيرية وضوابط رقمية

رؤية سعودية لحوكمة التبرعات

باكو: تبرعات ودعم من القيادة السياسية في المملكة العربية السعودية لأول منصة إلكترونية للأعمال الخيرية وغير الربحية، وهي منصة «إحسان»التي طورتها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الصناعي (سدايا)، حيث قدّم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، تبرعًا سخيًا بمبلغ 20 مليون ريال، كما قدم الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، تبرعاً أيضا بمبلغ 10 ملايين ريال، لتستكمل مسيرتهما في العطاء للعمل الخيري ودعمه وتعزيزه.

والحقيقة أن إطلاق منصة إلكترونية للأعمال الخيرية وغير الربحية كبوابة تقنية متكاملة إنما يحمل رؤية غير تقليدية في كيفية ضبط العمل الخيري وتنظيمه على نحو يعظم مردوداته بعيدا عن استغلاله من جانب التنظيمات الإرهابية المتطرفة التي اعتمدت على المدخل التطوعي والخيري في دعم أنشطتها التخريبية تحت شعارات خادعة ومضللة، فكانت المنصة بمثابة الخطوة التي تستهدف إلى جانب تعزيز قيمة العمل الخيري لدى أفراد المجتمع، مع حثهم وتشجيعهم على التبرع، كذلك المساهمة في رفع مستوى الموثوقية والشفافية للعمل الخيري والتنموي.

ويستعرض هذا التقرير فكرة المنصة الإلكترونية وضوابط عملها وأهميتها كتجربة رائدة في مجال العمل الخيري، وذلك من خلال محورين على النحو الآتي:

 

إطلاق منصة «إحسان»

 

أولا: منصة إحسان.. حوكمة التبرعات واستدامتها

لم تكن مصادفة أن تبحث المملكة العربية السعودية عن آلية لضبط عملية التبرعات وكيفية توظيفها في ظل الموقع الريادي العالمي الذي تحظي به في مجال العمل الخيري، والذي جاء تتويجا لتاريخ ممتد من العمل في هذا المجال منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده. فكان إطلاق منصة إلكترونية لضبط العمل الخيري خطوة رائدة في هذا المجال، إذ صدر الأمر السامي رقم (48019) بتأسيس منصة «إحسان»بما يستهدف تعظيم أثر المشاريع والخدمات التنموية واستدامتها بما يعزز دور المملكة في الأعمال التنموية الخيرية، ويرفع مساهمة القطاع غير الربحي في إجمالي الناتج المحلي.

وقد حملت هذه الخطوة في مضمونها دلالتين مهمتين:

الأولى،أنها جسدت رؤية الدولة السعودية في تحولها الرقمي في مختلف المجالات تطبيقا عمليا لرؤية المملكة 2030. ولذا كان من المنطقي أن يمتد التحول الرقمي إلى المجال الخيري وغير الربحي لضبطه وتنظيمه على النحو الذي يعظم أهدافه ويوسع نطاق عمله، إذ تعمل المنصة علـى اسـتثمار البيانات والذكاء الصناعي لتعظيم أثر المشروعات والخدمات التنمويـة واسـتدامتها، مـن خـلال تقديـم الحلول التقنية المتقدمة وبناء منظومة فاعلة عبر الشراكات مع القطاعات الحكومية والخاصة وغير الربحية، بهدف تعزيز دور المملكة العربية السعودية الريادي في الأعمال التنموية والخيرية.

أما الدلالة الثانيةفتتعلق بالهدف الرئيسي من حوكمة التبرعات وإدارتها واستدامتها، وذلك سعيا إلى إبعاد هذه التبرعات عن أية أهداف أخرى يمكن أن توظف فيها هذه التبرعات بعيدا عن استغلالها لتحقيق مآرب شخصية أو أهداف غير وطنية، فالكل يعلم أنه في ظل ما يغلب على الشعب السعودي من سمات العطاء والمساعدة والدعم وتقديم كافة صور العون للمحتاجين وأصحاب الحاجات ليس فقط داخل المملكة وإنما في العالم بأسره وخاصة العالم الإسلامي، فقد نجحت بعض الجماعات والتنظيمات الإرهابية في توظيف هذه السمات الخيرية للشعب السعودي في جمع تبرعات ومساعدات وإعادة توظيفها في دعم بعض الأعمال الإرهابية التي أضرت بالدولة السعودية سواء من خلال ارتكاب بعض الجرائم الإرهابية في الداخل السعودي على غرار ما جرى تزامنا مع الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية خلال عامي 2010- 2011، أو في الخارج السعودي من خلال حصول بعض التنظيمات الإرهابية على ما يقدمه المواطن السعودي من تبرعات لدعم أشقائه العرب والمسلمين في مختلف بقاع المعمورة، وهذا ما يجعل من فكرة المنصة الإلكترونية نموذجا رائدا يمكن تطبيقه في كثير من البلدان العربية والإسلامية التي تحاول التنظيمات الإرهابية استغلال طبيعة مجتمعاتها للحصول على التمويل تحت شعارات خادعة باسم القيم الدينية والإنسانية.

ولذا، جاءت فكرة المنصة الإلكترونية بهدف تعزيز قيم العمل الإنساني لأفراد المجتمع من خلال التكامل مع الجهات الحكومية المختلفة وتعظيم نفعها، وتمكين القطاع غير الربحي وتوسيع أثره، وتفعيل دور المسؤولية المجتمعية للقطاع الخاص والمساهمة في رفع مستوى الموثوقية والشفافية للعمل الخيري وغير الربحي، إذ تُعد المنصة منظومة رقمية محوكمة وآمنة وموثوقة وشفافة في جمع وإدارة التبرعات، بما يمكنها من مساعدة الجهات غير الربحية المختلفة في تنمية مواردها المالية، فضلاً عن تسهيل عملية التبرع للباحثين عن الخير، بالتكامل مع بقية المنصات، وإطلاعهم على مختلف مجالات التبرع المتاحة داخل المملكة عبر بوابة إلكترونية واحدة ميسرة وسهلة الاستخدام.

وفى سبيل ضمان أداء المنصة لدورها ومسؤولياتها على النحو الذي يحقق الهدف منها، شُكلت لجنة إشرافية ضمت إلى جانب الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الصناعي (سدايا)، كلاً من وزارة الداخلية، ووزارة المالية، ووزارة الصحة، والبنك المركزي السعودي، ووزارة التعليم، ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ووزارة العدل، ووزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، ورئاسة أمن الدولة، وهيئة الحكومة الرقمية.

 

ثانيا: منصة إحسان... مجالات التبرع وبرامجه

مع تعددية مجالات التبرع التي تقدمها منصة إحسان ما بين اقتصادي واجتماعي وبيئي وصحي وغيره، يمكن أن نجمل هذه المجالات في ثلاثة محاور عمل، وذلك على المستويين الداخلي والخارجى، هي:

  1. المشاريع، وتشمل ما يأتي (أجهزة المكفوفين المحتاجين، والأطفال المحتاجين المُصابين بالسكري، ومياه الشرب للمحتاجين، وترميم وتأثيث منازل المحتاجين، وتزويج الأيتام واليتيمات، والأجهزة الكهربائية للأسرة المعسرة، والسلال الغذائية للأسر المحتاجة، وبناء جامع في منطقة محتاجة، والرعاية الصحية للمسنين، وكراسي الحركة لذوي الإعاقة المحتاجين، وكفالة 50 أرملة ومطلقة، وتوفير السكن للأيتام، والعمليات الجراحية العاجلة للمحتاجين، وجلسات غسيل الكلى للمحتاجين).
  2. إغاثة، وتشمل المساهمة في المشاريع الإغاثية والأعمال الإنسانية في مختلف دول العالم، ومن أعمالها (خيام الإيواء والإسكان، وحقائب الدفء الشتوية، والكفالة الشهرية للأيتام، والأطراف الصناعية للمتضررين، وتجهيزات المدارس، وجلسات غسيل الكلى، والعمليات الجراحية المتخصصة).
  3. فُرجت، وهي خدمة لمساعدة سجناء الحقوق المالية للتعجيل بعودتهم إلى منازلهم.

 

السفير الصيني في السعودية يشارك في الحملة الوطنية للعمل الخيري عبر منصة إحسان

 

 

وفى سبيل قيامها بمهامها وتقديم الدعم والمساعدة لمن تنطبق عليهم مجالات التبرع، أطلقت المنصة ثلاثة برامج هدفت إلى تعزيز ثقافة التبرع وتوسيع مساحة جمع التبرعات وتنويع المتبرعين وزيادة عددهم، وتمثلت هذه البرامج فيما يأتي:

  • غِراس، وهى خدمة توفر لمستخدمي المنصة مشاركة الحالات التي تحتاج للمساعدة من خلال منصات التواصل الاجتماعي ليكون لهم سهم في العطاء وعمل الخير، إذ إنه في كل مرة يشارك الفرد فى فرص التبرع مع المتبرعين الجدد، وسيحصل على نقاط المكافآت الإضافية، للمساهمة في مساعدة أكبر عدد ممكن من المحتاجين.
  • حاسبة الزكاة،حيث توفر للفرد القيام بحساب ودفع زكاته عبر منصة «إحسان»بما يضمن صحة الحساب وفقا للقواعد الشرعية الناظمة، حيث تحدد المجال المستحق عليه الزكاة ما إذا كان مالا أم عقارا أم ذهبا وفضة أم أسهما وصناديق استثمارية. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى تضمن وصولها إلى مستحقيها. 
  • هدية إحسان، إذ يمكن للفرد أن يقدم هدية لأحبابه يدوم أثرها ويعم نفعها من خلال تقديم كافة البيانات المطلوبة للمرسل إليهم الهدية بما يضمن وصولها إليهم.

وغنى عن البيان أن هذه المجالات وتلك البرامج تمثل ركيزة أساسية في تحقيق التكافل الاجتماعي والتعاضد المجتمعي بما يحافظ على تماسك المجتمع من خلال ترسيخ اللحمة الوطنية من خلال تشارك الجميع في مواجهة الصعوبات والتحديات التي يعاني من آثارها كثير من المواطنين تحت وطأة الظروف المتغيرة على غرار ما حدث مع جائحة كوفيد-19، بل يمتد نشاط هذه المنصة إلى ما هو خارج المملكة في دعم المحتاجين وأصحاب الحاجات، وهو ما عبر عنه بجلاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي المملكة العربية السعودية بقوله: "ستقوم منصة إحسان بتنظيم وتنسيق العمل الخيري وتوحيد الجهود بين الجهات الخيرية المختلفة، كما تسعى المنصة إلى تعزيز قيم العمل الخيري والإنساني لدى أفراد المجتمع ونشر ثقافة التبرع وتعزيز الترابط والتكاتف مما يجعل سائر أفراد المجتمع يساهمون في العمل الخيري بما يحقق سمة التعاون المطلوب بين المسلمين».

نهاية القول:إن ما أقدمت عليه القيادة السعودية من تبرعات سخية مع دخول شهر رمضان الكريم يمثل دافعا للجميع أن يحتذى بها في التبرع وتقديم العون والمساعدة بما يخفف عن المحتاجين ويساعد المكروبين ويرفع العبء والدين عن المكلومين، تلك هي الرسالة الإنسانية التي تحملها القيادة السعودية في سياستها مع مواطنيها في الداخل وأشقائها في الخارج، إيمانا بأن قيمة الإنسان فيما يقدمه من خير ونفع للآخرين.

وإذا كانت المنصة الإلكترونية خطوة في سبيل ضمان وحدة جمع التبرعات، فإنها في الوقت ذاته منصة مهمة يمكن أن يلجأ إليها أصحاب الحاجات للحصول على ما يعينهم على مواجهة ظروف الحياة وتقلباتها وصعوباتها بعيدا عن استغلال البعض لظروف هؤلاء المحتاجين وتوظيفها لتحقيق مكاسب شخصية على حساب مصلحة الوطن من خلال رفع شعارات مضللة وخطابات كاذبة تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار في المملكة، وهو ما يمثل نموذجا رائدا تقدمه المملكة لمختلف دول العالم الإسلامي التي تعاني من عشوائية في جمع التبرعات من ناحية، وخطورة في توظيفها من ناحية أخرى، وهو ما يدفعنا إلى القول بأنه إذا كان للتبرع قيمته في تعزيز اللحمة المجتمعية، فغياب تنظيمه وضبط أدائه يهدم تلك اللحمة إذا ما تم استغلاله من جماعات التطرف والإرهاب تحت ستار خادع من تفسيرات خاطئة لفهم الدين.

font change