تهاوي قيمة «الدينار الجزائري» تلهب الأسعار في رمضان

إضرابات في عدد من القطاعات وفقدان مواد أساسية من الأسواق

مختلف المواد الاستهلاكية شهدت ارتفاعا أخل بالقدرة الشرائية للجزائريين

تهاوي قيمة «الدينار الجزائري» تلهب الأسعار في رمضان

 

الجزائر: رغم تعهدات الحكومة الجزائرية على لسان وزير التجارة كمال رزيق، بأن الأسعار خلال شهر رمضان الحالي سيتم التحكم فيها، بل، وتعهّد بأنها ستشهد تراجعاً كبيراً، لكن الذي حدث كان العكس تماماً، فقبل حلول شهر رمضان بأيام معدودة، بدأ الجزائريون يفقدون الكثير من المواد الأساسية في السوق، وأبرزها الزيت، كما عرفت العديد من الأسعار الاستهلاكية الأساسية ارتفاعاً جنونياً لم يسبق له مثيل، ما عمق من معاناتهم التي بدأت قبل أشهر، مع تدهور قدرتهم الشرائية، بفعل عدة أسباب، أبرزها التراجع المستمر لقيمة الدينار المحلي.

ما سبق، يأتي رغم أن السلطات الجزائرية أقرت ولأول مرة موسم البيع بالتخفيض خلال شهر رمضان، حيث أعلن وزير التجارة قبل أيام عن فتح نحو 794 سوقا جوارية عبر مختلف المحافظات والمدن الجزائرية الكبرى، في محاولة لكسر الأسعار من خلال توفير المنتجات الاستهلاكية من المنتج مباشرة إلى الزبون، دون المرور على الوسطاء في مختلف المعاملات التجارية، وأعلن بيان سابق صادر عن وزارة التجارة أن الأسواق التي سيتم فتحها يشارك فيها «ممثلون عن اتحاد التجار الجزائريين وجمعيات حماية المستهلك إضافة لمنتجي مختلف السلع والبضائع».

ومنذ أسابيع تشهد أسعار بعض المواد ذات الاستهلاك الواسع ارتفاعاً كبيراً، على غرار الزيوت الغذائية التي صارت سلعة نادرة، إضافة لأسعار اللحوم الحمراء والبيضاء والخضراوات والفواكه. وأظهرت صور وفيديوهات تم تداولها على نطاق واسع على المنصات الاجتماعية طوابير طويلة للجزائريين في عدة محافظات للظفر بقارورة للزيت الغذائي. كما ارتفعت أسعار السميد (طحين القمح الصلب) بشكل لافت في الأيام التي سبقت رمضان، وسط تهافت الجزائريين على شرائه مثلما حدث بمدينة قسنطينة قبيل أيام من حلول رمضان، حيث اصطفت طوابير طويلة طلبا للسميد ونفذت من المحلات في غضون ساعات. ولوحظ ارتفاع في أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء والأسماك على اختلافها والخضراوات والفواكه، والتي تشكل أساس موائد الجزائريين في رمضان.

وحسب بيان سابق للمنظمة الجزائرية لحماية المستهلك (مستقلة)، فإن أسعار الدجاج ارتفعت بنسبة 68 في المائة في غضون أسابيع قليلة. وقبل شهر، كان سعر كيلوغرام الدجاج 250 دينارا (1.89 دولار)، وارتفع ليصل 420 دينارا (3.18 دولار). أما اللحوم الحمراء فوصل سعرها إلى 1600 دينار للكيلوغرام الواحد (12.12 دولار)، صعودا من 1200 دينار (9.84 دولار). ولم تسلم قطع غيار السيارات من الزيادة، لتبلغ حوالي 50 في المائة. وفي قطاع المعدات، شهدت بعض المنتجات ارتفاعاً في أسعارها بـ300 في المائة، وارتفع سعر الحديد بـ40 في المائة، ما أثر على سعر جميع المنتجات المشتقة من هذه المادة الخام الأساسية لعدة قطاعات، ولا سيما صناعة البناء.

 

مادة الزيت تشهد ندرة وارتفاعا للأسعار

 

كورونا السبب الرئيسي

وفي محاولة لتفسير هذا الارتفاع الجنوني الذي ألهب جيوب الجزائريين، عزا منتجون ومهنيون، السبب إلى تدني الإنتاج بفعل تداعيات أزمة كورونا ونقص آليات الضبط والرقابة. وأكد رئيس المنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك، مصطفى زبدي أن «قانون العرض والطلب ليس العامل الوحيد الذي يتحكم في السعر بالجزائر وإنما عديد العوامل». وأوضح لـ«المجلة»أن «قانون العرض والطلب لا يتحكم بمفرده في الأسعار وإنما المضاربة، والأحوال الجوية، وحتى التخزين، كلها عوامل لديها مفعول الكرة الثلجية التي وجب تداركها مخافة حدوث الأسوأ». واعتبر أن «أزمة كورونا كانت سبباً رئيسياً في ارتفاع الأسعار»، ويتابع قائلاً: «وباء كورونا كان سببا في تضييع كثير من مناصب العمل، الأمر الذي أدى إلى ركود اقتصادي، مما جعل المنتجين يعملون بـ70 في المائة، وبالتالي الزيادة في الأسعار لتدارك الخسائر».

وبخصوص ارتفاع سعر زيت المائدة وندرته، أوضح زبدي في تصريح سابق لوكالة الأنباء الجزائرية أنه «لم يتم تسجيل ارتفاع في زيت المائدة، بل ما زاد في السوق هو الزيت المميز»، موضحا أن «زيوت المائدة نوعان: زيت الصوجا وهو زيت مدعم، وزيت عباد الشمس وهو زيت غير مدعم». وأكد أن «زيت الصوجا المدعم  لم يعرف أي زيادة على ما هو في المراسيم التنفيذية، وكل من يزيد دينارا سيعرض نفسه إلى عقوبات»، موضحا أن «الزيادة مست زيت عباد الشمس الذي زاد ثمن منتوجه الخام في السوق الدولية»، داعيا المستهلكين إلى «تبليغ المنظمة أو مصالح الرقابة لوزارة التجارة عن كل الزيادات غير المبررة خصوصا في أسعار المواد المدعمة».

مصطفى زبدي رئيس جمعية حماية وإرشاد المستهلك

 

تحديد هامش الربح

وفيما يخص الحلول المقترحة لمحاربة ارتفاع الأسعار، يعتقد زبدي أن «هناك عدة حلول على عدة مستويات، بداية من ضرورة وضع قوانين تحدد هامش الربح في المواد الواسعة الاستهلاك، ومنع هوامش ربح كبيرة على حساب القدرة الشرائية للمواطن». كما شدد على «ضرورة اكتساب ثقافة التنديد والتبليغ عن كل السلع التي يزيد ثمنها على السعر المقنن، وكذلك  اكتساب سلوك المقاطعة الآنية للسلع التي يرتفع سعرها دون مبرر إلى غاية إيجاد ميكانيزمات للتحكم في أسعار السوق».

وعن الأسباب المباشرة لارتفاع الأسعار في شهر رمضان تحديداً، أبرز زبدي عدة عوامل أهمها أن «الجزائر ليس لديها سوق منظمة مما ترتب عنه عدم معرفة سلسلة تتبع المنتج، ويضاف لهذا العامل جشع التجار وسلوك المستهلكين».

وقال زبدي إن «ارتفاع الأسعار لم يفاجئ الجميع بل كان متوقعا»، مبررا ذلك بسوء الأحوال الجوية التي أثرت على جني المحصول وزاد من ارتفاع الأسعار، التي تشهد لأول مرة تصاعدا قويا. ويرى  أن «حل خفض الأسعار يكمن في وعي المواطن من خلال المقاطعة اليومية واقتناء ما نحتاجه فقط وترك المواد باهظة الثمن تعود إلى سعرها الحقيقي»، وأضاف قائلا «من المستحيل أن تبقى الأسعار على حالها بل ستشهد تراجعا في الأيام القليلة المقبلة».

انهيار قيمة الدينار المحلي أثر على الأسعار

تهاوي قيمة الدينار الجزائري

ويعتقد خبراء أن ارتفاع الأسعار الجنوني مرتبط أساساً بمعضلة التراجع المستمر لقيمة العملية المحلية، حيث بلغ سعر صرف الدينار خلال شهر فبراير (شباط) 2021، مستوى 132 ديناراً مقابل الدولار، و161 ديناراً مقابل اليورو، بحسب بيانات بنك الجزائر المركزي، فيما خسرت العملة أكثر من أربعة دنانير أمام الدولار مطلع أبريل (نيسان) 2020 مع بداية الأزمة الصحية، إذ بلغ سعر الصرف 127.02 دينار للدولار بعدما كان عند 123، وكذلك قفزت العملة الأوروبية (اليورو) من 135 ديناراً خلال مارس (آذار) الماضي، إلى 137 ديناراً في أبريل 2020.

ويرجع مراقبون خسارة العملة المحلية قيمتها إلى خيارات الحكومة التي فضلت اعتماد سياسة «التعويم» لمواجهة تبعات تراجع عائدات النفط وكبح فاتورة الواردات وحماية احتياط الصرف الأجنبي، إضافة إلى امتصاص جزء من التضخم المنتظر أن يصل خلال السنة الحالية إلى أربعة في المائة. وبحسب توقعات خبراء اقتصاديين، فإن قيمة الدينار ستنخفض خمسة في المائة وفق موازنة 2021، مقارنة بسعر 2020، مما يرفع سعر الصرف في المتوسط السنوي إلى 142.20 دينار للدولار في 2021، و149.31 في 2022، و156.78 في 2023. وأمام الوضع غير الواضح للعملة المحلية، اقترحت الكونفدرالية الجزائرية لأرباب العمل تحويل 10 دنانير إلى دينار واحد، أي إلغاء صفر من العملة، وهو أحد الحلول التي يلح عليها الخبراء كل مرة لاسترجاع «الدينار» جزءاً من قيمته المفقودة في السوق.

وفي خضم الجدل حول تهاوي قيمة «الدينار»، نفى وزير المالية أيمن بن عبد الرحمن صحة الحديث عن وجود انهيار في العملة المحلية، مؤكداً أن «الحكومة بصدد العودة إلى أداة تقييم العملة بحسب قدرات الاقتصاد المحلي»، واعتبر أن «إعادة إطلاق المشاريع في وقت قريب سينعش الدينار الجزائري»، مشدداً أنه «سيستعيد عافيته وقوته الاقتصادية في حدود نهاية السنة الحالية». وتابع أن «العملة هي مرآة الاقتصاد، والعملة الجزائرية ليست في مرحلة انهيار كما يصور بعضهم، بل هي في مرحلة استعادة عافيتها».

من جهة ثانية، يعتقد خبراء اقتصاد أن الأزمة التي يمر بها الدينار الجزائري عادية ومتوقعة وناتجة في الأساس من نظام الصرف المتبع من بنك الجزائر والمعروف بالمرن المقيد، ويقول الخبير الاقتصادي سليمان رابح  إنه «في الجزائر تحدد قيمة الدينار في مجال معين لا يخرج عنه، وهذا النظام ينجح فقط في حال تحديد حالات الحصول على العملة الصعبة، فلا يمكن أن تكون متاحة لمن يريد، بل فقط لحالات محددة وبمبالغ محددة، وهي السفر والعلاج والاستيراد من الخارج»، وأضاف لـ«المجلة» قائلا: «كمية احتياطات العملة الصعبة هي القادرة على دعم هذا النظام، وبما أن الجزائر تستورد حوالي 35 مليار دولار من حاجاتها وهو مبلغ كبير نسبياً، فإن كل المواد المستوردة سواء كانت نهائية أم مواد أولية سيرتفع ثمنها». وأضاف أن «الحكومة خلال شهر رمضان، مطالبة بالمسارعة في إيجاد حلول لغلاء الأسعار،  لأن تحسن قيمة الدينار في المرحلة الحالية بالآليات الاقتصادية مستبعد، بخاصة أن الصادرات خارج المحروقات لم تتجاوز ملياري دولار، والسياحة الخارجية متوقفة، وهي الآليات التي إن تم الرفع منها تحقق للدينار وثبة».

ويشدد على أن «الحكومة أمام خيارات أولها استمرار الحال على ما هو عليه وإبقاء الدعم للدينار، وفي هذه الحال سنكون في مواجهة أزمات مرحلية تنتهي بتعافي أسعار النفط، مما يحتم علينا الذهاب لموازنة تكميلية نغير فيها قيمة برميل النفط لتكون في حدود 50، عوضاً عن 40 دولاراً. أما الحل الثاني فيكون بالتحرير التدريجي للدينار من دون الإعلان عن الأمر، مما سيخلق اضطرابات اجتماعية قوية، لكنه سيمهد لبناء اقتصاد قوي، ليبقى الحل الثالث والأخير متمثلاً في زيادة حجم الاقتصاد المحلي ورفع الطلب على الدينار، وهو ما سيجعل قيمة العملة ترتفع بشكل آلي، ولكن يبقى هذا الحل صعباً وبعيد المنال» في رأيه.

 

إضرابات في عدد من القطاعات

وفي ظاهرة تعتبر تحصيل حاصل لمشكلة انهيار القدرة الشرائية، تشهد الجزائر في الفترة الأخيرة، تصاعد موجة إضرابات عمالية في عدة قطاعات مهنية وخدمية، وأحدث هذه الإضرابات التي أقلقت الحكومة بشكل كبير، كان الإضراب المفاجئ لموظفي البريد في عموم البلاد، بسبب ما وصفوه بـ«تأخر الحكومة في الوفاء بوعودها بشأن صرف منح وعلاوات تحفيزية للعمال والموظفين».

وتزامن إضراب قطاع البريد، مع إضراب دام يومين في قطاع التربية، خاضه المعلمون والأساتذة بسبب ما وصفوه بمماطلة وزارة  التربية في فتح حوار والاستجابة لمطالب مهنية واجتماعية رفعتها النقابة منذ أشهر دون رد إيجابي، أبرزها رفع الأجور وتحسين المقدرة الشرائية، حيث طرحت النقابة لائحة مطالب تضم رفع الأجور وتحسين القدرة الشرائية للأساتذة، خاصة أن الارتفاع الكبير للأسعار في الفترة الأخيرة في البلاد، امتص بشكل كبير منسوب الزيادات السابقة التي أقرتها الحكومة لصالح المعلمين قبل سنوات، وفتح مناصب مالية جديدة لتوظيف الأساتذة لرفع العبء الحالي عن المعلمين والأساتذة والحصص السكنية الموجهة للمعلمين.

وقبل أيام، كان قطاع الصحة قد شهد هو الآخر إضرابا، حيث شلت ثلاث نقابات، وهي النقابة الوطنية للأساتذة والباحثين الجامعيين والنقابة الوطنية لمستخدمي الصحة والنقابة الوطنية للمشافي والمراكز الصحية، لمدة يوم واحد، احتجاجا على تأخر صرف الحكومة لمنحة خاصة كان قد قررها الرئيس عبد المجيد تبون لصالح الأطباء والممرضين وعمال الصحة تثمينا لجهودهم في مواجهة وباء كورونا. من جانبها أعلنت النقابة المستقلة لموظفي الضرائب عن إضراب عام يدوم ثلاثة أيام من يوم الثلاثاء المقبل، وورد في بيان نشرته النقابة، أنه «في حالة عدم استجابة وزارة المالية والمديرية العامة للضرائب للمطالب التي وصفوها بالمشروعة، فإنهم سيتخذون إجراءات أخرى يخولها القانون»، ويعد هذا ثاني إضراب يشنه أعوان قطاع الضرائب بعد إضراب شامل في شهر مارس (آذار) الماضي.

font change