القوائم الحرة في مواجهة الأحزاب في انتخابات الجزائر

المال الفاسد يُسقط أسماءً كثيرةً من الترشح

الانتخابات التشريعية تجرى وسط جل واسع في الشارع الجزائري

القوائم الحرة في مواجهة الأحزاب في انتخابات الجزائر

الجزائر : قبل أقل من أسبوع عن انطلاق فترة الدعاية الانتخابية، للانتخابات التشريعية المقررة بالجزائر في الثاني عشر من يونيو (حزيران) الداخل، تكشف أرقام «السلطة الوطنية للانتخابات» وهي الهيئة الحكومية المكلفة بالإشراف على عملية الاقتراع في كل مراحله، عن ارتفاع غير مسبوق لعدد القوائم الحرّة، والتي ستكون في منافسة مباشرة وقوية مع الأحزاب التقليدية التي تكشف المؤشرات أن حجم تأثيرها تراجع في المشهد السياسي لعدة اعتبارات.

وفي المقابل تأتي الانتخابات في ظل استمرار الجدل بشأنها بين مبارك ورافض لها، خاصة مع استمرار مسيرات الحراك الأسبوعية، التي أعلنت رفضها للمسار الدستوري الذي رسمته السلطة ومنها الانتخابات القادمة، وبين إعلان وزارة الداخلية أنه لا مسيرات مسبقاً دون تصريح مسبق، وفق ما يقرره الدستور الجديد.

وخلال ندوته الصحافية التي عقدها بمقر السلطة الوطنية للانتخابات بالجزائر العاصمة الأحد الماضي، كشف رئيس السلطة محمد شرفي بالأرقام عن عدد القوائم الانتخابية التي ستتنافس على 407 مقاعد نيابية خلال عهدة تشريعية تستمر لخمس سنوات، وأكد شرفي أن عدد القوائم التي استوفت الشروط كلياً، ودون تحفظ بلغ عددها 1483 قائمة على مستوى 58 محافظة، منها 646 قائمة حزبية و837 قائمة مستقلة اختار أصحابها الترشح دون غطاء حزبي.

وأوضح شرفي في لقاء صحافي عقب الاجتماع الذي جمعه بممثلي 16 حزبا سياسيا أن هذه الأخيرة استقبلت 4900 قائمة عبرت عن رغبتها في المشاركة في الانتخابات، وبلغ عدد القوائم التي أودعت الاستمارات 2490 من بينها 1237 تابعة لأحزاب سياسية و1253 قائمة حرة.

وعن أسباب رفض عدد كبير من القوائم والتي تجاوز عددها 1800 قائمة، أوضح شرفي أن الأسباب تتمثل في الصلة مع أوساط المال والأعمال المشبوهة، والمحكوم عليهم نهائيا بعقوبة سالبة للحرية، ونقص الوثائق المطلوبة للترشح، كما عدد ذات المسؤول أسبابا أخرى أدت إلى رفض بعض القوائم منها شرط السن الذي تم بموجبه رفض 89 حالة وعدم التسجيل في القائمة الانتخابية، والوضعية تجاه الإدارة الضريبية، وعدم أداء الخدمة الوطنية، إلى جانب سبب صلة القرابة بين أكثر من شخصين في القائمة الواحدة الذي تم بموجبه رفض 7 حالات ترشح.

المرشح المستقل يوسف بن عمارة
المرشح المستقل يوسف بن عمارة 

 

وبرأي مراقبين، فإن قانون الانتخابات الجديد، والذي تم نشره عبر الجريدة الرسمية شهر مارس (آذار) الماضي، كان السبب المباشر في البروز القوي للقوائم الحرّة، وحسب الخبير في القانون موسى بودهان فإن «القانون العضوي للانتخابات منح امتيازات كبيرة جدا خاصة للشباب المترشحين في القوائم الحرة والمستقلة، ويتضح ذلك من خلال اعتماده على الاقتراع المبني على القائمة المفتوحة، بتصويت تفضيلي دون دمج، ورد هذا في المادتين 191 و169 من ذات القانون»، ويتابع موضحاً لـ«المجلة» أن «هناك امتيازات أخرى وفرها القانون، مثل التخفيض من عدد الاستمارات أو التوكيلات الضرورية للترشح من 250 توكيلا إلى 100 توكيل فقط، إلى جانب التكفل المالي بالحملة الانتخابية للقوائم الحرة، خاصة تلك الخاصة بفئة الشباب ما دون الأربعين عاماً».

 

في حديثه لـ«المجلة» أبرز المترشح الحر يوسف بن عمارة أسباباً أخرى دفعته للترشح في قائمة حرة، وليس ضمن حزب سياسي تقليدي، وأوضح يوسف ذلك بالقول: «عهدي بالسياسة كان منذ عام 2010 مع حزب سياسي نضالي معه، كان قوياً ومؤثراً على مدار الأعوام الماضية، ومنذ إعلان الرئيس تبون عن قرار حل البرلمان، وتنظيم انتخابات نيابية مسبقة، قررت خوض غمار المنافسة، لكنني صدمت بأن نفس الممارسات الحزبية السابقة لا تزال مستمرة، وجدت عراقيل كبيرة من أجل قبول ملفي في الحزب الذي أنشط فيه، بل أكثر من ذلك تم إقصائي من مؤسساته بعد أن أعلنت رغبتي في الترشح فقط، لذلك فكرت أنا ومجموعة من الإطارات في التهيكل في قائمة حرة، خاصة بعد التسهيلات التي منحها لنا القانون الجديد للانتخابات»، وكشف بن عمارة أنه «خلال مرحلة جمع التوكيلات وجد قبولاً واسعاً من المواطنين عكس ما تعانيه القوائم الحزبية خلال العملية».

 

 تكشف أرقام «السلطة الوطنية للانتخابات» عن ارتفاع غير مسبوق لعدد القوائم الحرّة، والتي ستكون في منافسة مباشرة وقوية مع الأحزاب التقليدية

 

طبقة سياسية جديدة

ويتوقع مراقبون أن تساهم القوائم الحرة في بروز طبقة سياسية جديدة بالجزائر، خاصة في ظل الدعم الواضح الذي تقدمه السلطة لمنظمات المجتمع المدني، في محاولة يراها البعض تدخلا في سياق بحث السلطة عن حلفاء جدد، كبدائل للأحزاب السياسية التي اهتزت مكانتها بين الجزائريين خاصة بعد الحراك، وفي حديثه لـ«المجلة» يعترف حبيب براهمية المكلف بالإعلام في حزب «جيل جديد» بتراجع ثقة الجزائريين ببعض الأحزاب السياسية، لكنه في المقابل يؤكد أن «إقبال كثيرين على الترشح في قوائم حرة يعني أنهم مؤمنون بجدوى وأهمية العملية السياسية في التحول الذي تشهده البلاد»، ورغم المؤشرات السياسية الجديدة إلا أن براهمية يقول إن «المشهد السياسي لا يمكن أن يكون مؤثراً، وفاعلاً في غياب الأحزاب السياسية»، وعن تفسيره لارتفاع أعداد القوائم الحرة كشف أن «العديد من الأسماء التي كانت منتسبة لأحزاب السلطة قررت الترشح في قوائم حرة ومستقلة، حتى لا يعاقبها الناخبون بسبب الغطاء السياسي».

عملية الإقصاء من الترشح طالت عدة أسماء سياسية معروفة أبرزهم أبو الفضل بعجي الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، وهو الحزب الحاكم في عهد بوتفليقة، وعدد من أعضاء مكتبه السياسي، إلى جانب أسماء أخرى في تشكيلات سياسية عديدة أثارت جدلاً واسعاً، وفي تصريحات لوسائل إعلام محلية اعتبر القيادي في حركة مجتمع السلم، أحمد صادوق، أن «العديد من المترشحين في حزبه تم إقصاؤهم بسبب السيرة والسلوك»، معتبراً أنه «تم استغلال هذا الشرط لتكييفه كما يريدون لإسقاط أسماء بعينها». وفي المقابل، وصف القيادي في جبهة العدالة والتنمية، لخضر بن خلاف، ما حصل بـ«الكارثة»، وكشف عن وجود «إقصاء كبير» في قوائم حزبه عبر عدة ولايات بسبب «تحقيق تأهيلي سلبي»، وهو « مبرر غير واضح ولا وجود له في القانون»، على حد تعبيره. وقال بن خلاف إن «سلطة الانتخابات أرجعتنا لسنوات التسعينات عندما كانت تُرفض الترشيحات بسبب النظام العام والتقارير الأمنية». وأفاد بن خلاف بأن «كل من تم إسقاطهم من قوائم الجبهة كان بسبب التقارير الأمنية، في حين كان ينبغي على السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات أن تتحرى الحقائق ولا تتخذ من الملاحظات مبررات لإسقاط المترشحين».

وفي المقابل، فإن حزب جبهة التحرير الوطني ومن خلال بيان له، «سجل بأسف شديد عملية استهداف ممنهج طالت قوائمه للانتخابات التشريعية القادمة من طرف مندوبيات سلطة الانتخابات في الولايات». وتابع أن «الأذى الذي لحق بحزب جبهة التحرير الوطني من سلوكيات السلطة المستقلة للانتخابات كان أكبر وأشد مقارنة بأحزاب أخرى وقوائم مستقلة». وأردف أنه «من غير المقبول أن يتم استهداف الحزب والاعتداء عليه من قبل جهات منوط بها أن تقف على مسافة واحدة من كل القوى والتيارات المتنافسة». وأفاد بأن مترشحين في قوائم الحزب تعرضوا لـ«مظالم كبيرة» من جانب مندوبيات السلطة المستقلة للانتخابات. وأضاف الحزب أنه تم إقصاء أغلب قوائمه عبر الولايات (لم يحدد عددا)، في عمليات بعضها «مبرر» وأغلبها «تصفية حسابات محلية»، ورأى أن «ما حدث خلال دراسة ملفات المترشحين فاق كل التوقعات والمخاوف.. وتم الانتقام من عدد كبير (لم يحدده) من مترشحي الحزب بطرق مشبوهة وعدائية». ودعا الحزب، رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، محمد شرفي، إلى التدخل بشكل عاجل وتصحيح الاختلالات وحماية نزاهة وسلامة العملية الانتخابية.

ومن بين الأسباب التي أثارت موجة غضب واسعة تعرض بعض المترشحين للإقصاء بسبب مشاركتهم في الحراك في أول أيامه، ومن أبرز الأسماء التي أثارت نقاشاً في الموضوع الخبير الاقتصادي المعروف كمال سي محمد، والذي أعلن عبر حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي أن ملفه للترشح رفض بسبب التقارير الأمنية التي تحدثت عن معاداته لمؤسسات الدولة، ومشاركته في الحراك في أيامه الأولى، وكتب سي محمد معلقاً «رفض ملف ترشحي للبرلمان بعد التحقيقات بحجة أنني كنت مشاركاً في الحراك رغم أنه مدستر، ورغم عدم وجود أي قضية بشأني في العدالة، أو حكم سالب للحريات، ولا تتابعني أية شبهات متعلقة بالمال الفاسد كما يقتضيه القانون العضوي للانتخابات، لقد كنت أحلم بالتغيير، كانت لي نية صادقة في بناء جزائر جديدة».

 

محمد شرفي رئيس السلطة الوطنية للانتخابات بالجزائر

الإعلامي والكاتب نجيب بلحيمر تفاعل مع موضوع إقصاء الخبير الاقتصادي، وكتب في صفحته الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي: «تحفظات أمنية سالبة للحق في الترشح... بهذه العبارة بررت سلطة الانتخابات رفض ملف أستاذ الاقتصاد في جامعة عين تيموشنت الدكتور كمال سي محمد الذي ترشح للانتخابات التشريعية ضمن قائمة حرة. المعني بنشر نسخة من صحيفة السوابق العدلية، وهي خالية تماما من أي أحكام ضده، ولم يسبق أن أًصدر القضاء ضده أي حكم سالب للحريات، ولم يسبق أن تمت متابعته بشبهة فساد مالي. باختصار لا يوجد ما يمنعه من الترشح وفقا للقانون العضوي المتعلق بالانتخابات، لكن سلطة الانتخابات لم تجد أي حرج في إخباره بأن التحفظات الأمنية تسلبه الحق الذي يكفله له القانون». 

ويتابع بلحيمر: «الحق في الترشح من الحقوق المدنية والسياسية التي تتصل مباشرة بالمواطنة، وهذه الحقوق لا تسقط إلا بأحكام قضائية صريحة، والمبرر الذي قدمته سلطة الانتخابات يعني بكل بساطة أن الأجهزة الأمنية فوق القضاء وفوق القانون، فضلا عن كونها فوق السلطة السياسية وفوق سلطة الانتخابات التي توصف بأنها مستقلة ومدسترة، وبعد هذا كله يترك باب التخمين مفتوحا أمام المتضرر لمعرفة ما الذي فعله بالضبط حتى يصبح محل تحفظ أمني سالب لحق مدني وسياسي» وأوضح بلحيمر أن «الدكتور كمال سي محمد يتكهن بأن سبب معاقبته هو مشاركته في الحراك وتدخله في قناة أجنبية سنة 2016 حول موضوع اقتصادي.. نعم انتقاد خيارات اقتصادية في عهد بوتفليقة !! لا تبخل علينا السلطة بالشواهد والأدلة التي تؤكد لنا ما نعرفه جميعا، وهو أن لا سيادة للقانون في بلادنا، وأن الانتخابات مجرد مسرحية هدفها الوحيد إبقاء الوضع على ما هو عليه، وعلى ما كان عليه قبل 22 فبراير (شباط)».

 

تأتي الانتخابات في ظل استمرار الجدل بشأنها بين مبارك ورافض لها، خاصة مع استمرار مسيرات الحراك الأسبوعية

الحراك الشعبي مستمر

المشهد السابق يأتي في ظل استمرار الحراك الشعبي كل جمعة، والرافض للانتخابات، ويأتي أيضا في ظل إعلان وزارة الداخلية في بيان الأحد على ضرورة التصريح المسبق للمسيرات تشمل تلك التي تنظم أسبوعيا في إطار الحراك الشعبي. ويأتي تذكير السلطات الأمنية في البلاد بهذا الإجراء بعد تغيير مسيرة الحراك ليوم الجمعة الماضي مسارها بشكل مفاجئ. وتقول منظمات حقوقية إن السلطات تزيد من وتيرة قمع الاحتجاجات مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقررة في 12 يونيو والتي يعارضها الحراك.

وقالت وزارة الداخلية في بيان أوردته وكالة الأنباء الجزائرية إنها «تذكر بما كرسه دستور نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 في مجال حريّة المسيرات، وذلك بمجرد التصريح. وعليه، يجدر التأكيد على ضرورة التصريح من طرف المنظّمين بأسماء المسؤولين عن تنظيم المسيرة، ساعة بداية المسيرة وانتهائها، المسار والشعارات المرفوعة وفق ما يتطلّبه القانون، وهذا لدى المصالح المختصة». وأضاف البيان أنه «يترتب عن عدم الالتزام بهذه الإجراءات مخالفة القانون والدستور، مما ينفي صفة الشرعية عن المسيرة ويوجب التعامل معها على هذا الأساس». ولفتت الوزارة في بيانها إلى أنه «لوحظ مؤخرا أن المسيرات الأسبوعية بدأت تعرف انزلاقات وانحرافات خطيرة، بحيث أصبحت لا تبالي بما يعانيه المواطنون من إزعاج وتهويل ومساس بحرياتهم، من خلال تصرفات أناس يغيرون اتجاه مسيرتهم في كل وقت، بدعوى أنهم أحرار في السير في أي اتجاه وعبر أي شارع، وهو ما يتنافى مع النظام العام وقوانين الجمهورية». 

وللمرة الأولى منذ أن استأنف الحراك الاحتجاجي مسيراته الأسبوعية في فبراير الفائت، غير المتظاهرون مسارهم لتجاوز الحواجز الأمنية وسيارات الشرطة التي سدت الطرقات المؤدية إلى ديدوش مراد، الشارع الرئيسي الواقع على مقربة من ساحة البريد المركزي التي تعتبر القلب النابض للتظاهرات منذ بداية الحراك قبل عامين ونيّف. وانطلقت المسيرة الاحتجاجية بعد صلاة الجمعة من حي باب الواد الشعبي إلى حي بلوزداد، بدلا من التجمّع ككل يوم جمعة في وسط المدينة.

وتعليقا على بيان وزارة الداخلية تساءل المحامي والحقوقي عبد الغني بادي عن السند القانوني الذي اعتمدته وزارة الداخلية في بيانها، وقال: «إذا كان تعديل الدستور ينص على التصريح وليس الرخصة، حسب المادة 52، فإنه توجب مطابقة الدستور»، ويتابع: «لا يوجد أي قانون خاص ينظم التظاهر بالتصريح فمن أين أتت الداخلية بشروطها».

 

font change