سيف الإسلام القذافي كما عرفته

أحمد قذاف الدم: ترشح نجل الزعيم الليبي الراحل سيعيد لليبيين كبرياءهم ولثورة الفاتح اعتبارها

سيف الإسلام القذافي يلقي محاضرة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية

سيف الإسلام القذافي كما عرفته

لم يقرر بعد المهندس سيف الإسلام القذافي ترشحه للانتخابات الرئاسية في ليبيا المقرر عقدها نهاية العام الجاري ديسمبر (كانون الأول) 2021. هذا ما صرح به أحمد قذاف الدم مسؤول العلاقات الليبية المصرية السابق لقناة «العربية» السعودية قبل نحو أسبوعين، مؤكدا تواصله مع سيف الإسلام. وأضاف قذاف الدم المبعوث الخاص الأسبق للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي أنه «في حال قبول سيف الإسلام ترشحه في الانتخابات الرئاسية، فإنه ومعه ملايين الليبيين في الداخل والخارج سيدعمونه كونه يمثل طموح الجيل الحالي من الليبيين ولديه رؤيته الخاصة التي ستعيد إلى ليبيا هيبتها التي أهينت وجاعت بعد إسقاط القذافي، وسيكون فوزه بالرئاسة رد اعتبار لثورة الفاتح، وسيعيد لليبيين كبرياءهم وأمنهم وخبزهم.

 

فمن هو سيف الإسلام القذافي كما عرفته عن قرب:

في يوم من أيام الشعب الليبي ولد لإحدى الأسر طفل بطرابلس الغرب.. كان الوقت فصل الصيف، وتحديدا كان ذلك يوم 25 يونيو (حزيران).. كانت هذه الأسرة هي أسرة العقيد معمر القذافي.. ويأتي مولد هذا الطفل بعد نحو ثلاث سنوات من ثورة الفاتح من سبتمبر (أيلول). وسيف الإسلام هو الابن الثاني للرئيس الليبي الراحل بعد ابنه البكر محمد من زوجته الأولى.

ولد سيف الإسلام في مستشفى الجلاء بمدينة طرابلس وهو مستشفى عام يقع في قلب العاصمة الليبية وبإشراف أطباء ليبيين، وترعرع في وقت كان القذافي يسابق فيه الزمن من أجل إثبات سيادة واستقلال ليبيا ومحاولة إرساء «النظام الجماهيري» آنذاك..

والتحق سيف الإسلام بمدرسة عامة وهي مدرسة عمر بن الخطاب، ثم انتقل لمدرسة محمد المقريف وكلتاهما تقع في نفس الحي الذي تقيم فيه أسرة معمر القذافي، ووجد سيف الإسلام نفسه مع عدد من التلاميذ من مختلف القبائل حتى إتمام مرحلتي التعليم الابتدائي والإعدادي.. بعدها انتقل لمدرسة على وريث وهي أيضا مدرسة عامة تقع بطرابلس وهناك استمر في الدراسة حتى أكمل مرحلة التعليم الثانوي، وكان أثناء سنوات تعليمه الثانوي شابا في بداية سنوات عمره يتمتع بأخلاق عالية، وكان محبوبا من قبل زملائه  ومعلميه..

وبعد ذلك انتقل للدراسة الجامعية بكلية الهندسة بجامعة الفاتح، وتخصص في مجال الهندسة المعمارية، ونال منها درجة البكالوريوس عام 1994.. وكان أيضا يمارس هواية الرسم ويحاول أن يساهم في النشاطات الطلابية والشبابية بداخل الحرم الجامعي وأيضا بطرابلس.

وجراء العلاقات المتوترة آنذاك بين الرئيس الليبي الراحل وعدة دول غربية التي رفضت قبول سيف الإسلام لاستكمال دراساته العليا في جامعاتها، لم يجد سيف الإسلام أفضل من دولة النمسا التي وافقت على منحه القبول في جامعة «أمادك» بفيينا، ونال منها درجة الماجستير في الاقتصاد الدولي عام 2000.. وبعد هدوء الأوضاع نسبيا بين ليبيا ودول الغرب توجه سيف الإسلام إلى بريطانيا ونال من جامعة لندن، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، درجة الدكتوراه عام 2008 ويعود بعدها إلى ليبيا ليواصل جهوده داخل وطنه.

وخلال السنوات التي درس بها في الخارج لم يغب عن وطنه وكان يشارك في عدة أنشطة داخل البلاد.

أما دوره في الحياة العامة بليبيا.. فقد عاش وتربي على ثقافة سياسية تعتبر الشعب هو مصدر السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) ولهذا اتجه لتقديم خبرته وما تعلمه إلى جهات الاختصاص، حيث عمل ضمن كوادر مركز الصناعة وانضم- أثناء دراسته- للتعاون مع المكتب الاستشاري الوطني العام 1996.. وكلها كانت مهمتها إعطاء الخبرة والمساعدة في تقدم المجتمع ولم تكن كل تلك المراكز ذات صبغة تشريعية أو تنفيذية بل كانت تقدم المشورة القانونية للجهات المكلفة من الشعب برسم السياسات العامة.

ومن خلال نشاطاته وتعارفه على الكثير من الطلاب من كل دول العام واطلاعه على ما تعانيه بعض الدول من فقر وكوارث وحروب اتجه سيف الإسلام لبناء أواصر إنسانية مع العديد من الشعوب من خلال ترؤسه لمؤسسة القذافي العالمية للأعمال الخيرية والتنمية التي تأسست العام 1998 والتي كانت تهدف لإعطاء دور لمؤسسات المجتمع المدني في ربط أواصر العلاقات بين الشعب الليبي وشعوب العالم ومن خلال مؤسسة القذافي، قاد سيف الإسلام العمل الإنساني والخيري.

ويذكر أن مؤسسة القذافي ساهمت في حل الكثير من المشاكل الدولية مثل المساهمة في إطلاق سراح الرهينتين الأوروبيين في الفلبين، وتقديم الدعم المادي والمعنوي لكثير من الدول التي تعرضت لكوارث طبيعية ودعم صمود عدد من الشعوب العربية والأفريقية.

وفي العام 2005 انطلق «مشروع ليبيا الغد» الذي كان يهدف إلى النهوض بليبيا اقتصاديا واجتماعيا وإنهاء العديد من الملفات التي كانت تعيق عودة ليبيا إلى دورها المحوري في السياسة الدولية بعد سنوات من الشد والجذب السياسي بين ليبيا ودول أوروبية... ورغم أن هذا المشروع كان استراتيجيا فقط كانت مهمة سيف الإسلام وفريقه في مشروع ليبيا الغد تقديم مقترحات المشاريع للجهات المختصة والمكلفة من قبل الشعب الليبي والتي تم تصعيدها شعبيا... وفعلا قام فريق مشروع ليبيا الغد بتقديم العديد من المقترحات بشأن مشاريع تنموية التي قدمت لمجلس التخطيط الوطني العام 2008 والتي تحتوي على إقامة مشاريع إسكانية وصحية وتعليمية وفي مجال المواصلات والنقل وفي مجال الطاقة المتجددة والاقتصاد والتبادل التجاري، حيث قدرت تكاليف تلك المشاريع بحوالي 200 مليار دولار.. وتم اقتراح أن يتم التعاقد مع أكبر الشركات العالمية الرائدة في كافة المجالات، وتضمن كشفا مقدما لمجلس التخطيط بشركات أميركية وفرنسية وروسية ونمساوية وتركية وعربية، حيث اشتمل المقترح على الكثير من المشاريع أذكر منها الآتي:

- في مجال الإسكان تنفيذ 500 ألف وحدة سكنية موزعة على كامل تراب الوطن تراعى فيه الكثافة السكانية لكل مدينة وقرية.

- في مجال الصحة تم تقديم مقترح لمجلس التخطيط الوطني وتم التعاقد على تطوير أكبر 3 مستشفيات في ليبيا وهي: مستشفى طرابلس الطبي وهو مستشفى جامعي يضاهي أرقى المستشفيات في العالم.. ومستشفى بنغازي الطبي، ومستشفى سبها الطبي.. ومستشفى في شرق ليبيا، وآخر في غربه، وكذلك في جنوبه، وتم التعاقد مع كبري الشركات العالمية لتوريد الأجهزة والمعدات التي يحتاجها كل مستشفى مع التعاقد على استجلاب الكوادر الطبية، وإيفاد الأطباء الليبيين للاطلاع على أحدث التقنيات والأبحاث في كل المجالات الطبية لتعود بالفائدة على الليبيين.

- في مجال التعليم تم التعاقد على بناء 100 مدرسة موزعة على كل المدن والقرى.. وأيضا تم التعاقد على صيانة وتطوير الجامعات وتجهيز مختبراتها بما يواكب التطور العلمي

- تم التعاقد على تطوير مطار طرابلس العالمي لكي يتحول إلى مطار له القدرة على ربط كل قارات العالم ببعض وأن يكون حلقة العبور لكل دول أفريقيا وكذلك مطارات بنغازي وسبها وسرت والأبرق وزوارة .

- تم التعاقد على البدء في تنفيذ مشروع السكة الحديد وشراء السفن التجارية والسياحية والتي كان من ضمنها السفينة العملاقة التي كانت تجهزها شركة فرنسية وبدأ العمل بها قبل أحداث 2011 الدامية.

يضاف إلى ذلك أن التعاقد تم مع عدد من المصانع الدولية لتوريد كل ما تحتاجه ليبيا ولسنوات من المواد الغذائية والأدوية وغير ذلك.

وكلف سيف الإسلام فريقه من الشباب المتدرب في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية والإعلامية والاجتماعية والفنية وغيرها من مجالات مهمة اقتراح المشاريع التي تجعل ليبيا آنذاك في مصاف الدول المتقدمة علميا واقتصاديا. كما كان لهم دور فعال لمساعدة المؤتمرات الشعبية في إقرار تلك المشاريع وساعدت اللجان الشعبية- في النظام الجماهيري-  في رصد الميزانيات لها والتعاقد على تنفيذها.

أما فيما يتعلق بالجانب الاجتماعي فقد كان لمؤسسة القذافي دورها الحيوي في إنهاء ملف طال الصراع فيه بين أجهزة الدولة والعناصر المتطرفة وأيضا إيجاد مخرج لكل القضايا التي تتعلق بحقوق الإنسان.

فسعي لدى الجهات ذات العلاقة للعمل على إيجاد صيغة لإطلاق سراح السجناء وتفاوض سيف الإسلام مع قادة كل الحركات المتطرفة وحاورهم وناقشهم وسهل لهم سبل العودة لصفوف المواطنين وأعاد لهم اعتبارهم ومنحهم فرصة العودة للعمل وعوضتهم الدولة ومنحتهم المسكن وعددا من المزايا، كما استعان سيف الإسلام بالمتميزين منهم في إعداد مقتراحات المشاريع للنهوض بالمجتمع.

واستمر سيف الإسلام في نهجه التصالحي مع كل الأطراف ورغم تحفظ الكثير بأجهزة الدولة السياسية والأمنية على هذا النهج لكنه كان مؤمنا بأهمية دعم السلام بين أبناء الوطن.

ومع بداية العام 2011، وفي شهر فبراير (شباط) 2011 كان لسيف الإسلام موعد مع القدر، ففي هذا الشهر وبعد سقوط النظام التونسي والمصري بدأت شراذم الإخوان المسلمين وعناصر الجبهة الليبية المقاتلة في التحرك والاستعانة بميليشيات من المرتزقة من أنحاء العالم لتدمير الوطن والنيل من سيادته، أسرع سيف الإسلام للتحرك في كل الجبهات ناصحا ومحذرا من العواقب الوخيمة لتلك التحركات المحرضة وما ستجلبه الحرب من دمار وخراب وما سينتج عنها من تفكك للنسيج الاجتماعي في ليبيا.. ومن خلال الصحافيين والسفارات العاملة بليبيا بعث بعشرات الرسائل لحث قادة العالم على التدخل لمنع كارثة وشيكة ستلحق بليبيا والمنطقة ضررا كبيرا ويزيد من نفوذ الإخوان والتطرف والإرهاب بالمنطقة، مذكرا بأن ليبيا غير كل دول العالم وأن العبث بها سيخلف عقودا من الفوضى وعدم الاستقرار لكل دول العالم.. وفي رأيي كان هدف معظم الدول الغربية هو إنهاء النظام الجماهيري للقذافي بأي ثمن .

وبصفتي شاهدة على هذه الأزمة ومقربة من الكواليس الليبية آنذاك لعملي فترة طويلة حارسة للزعيم الراحل معمر القذافي فإنه رغم أن الفرص والمغريات التي قدمت لسيف الإسلام لمغادرة ليبيا وتوفير الحماية له فقد رفض أن يسجل التاريخ أنه تخلى عن دوره الوطني ويهرب من البلاد وهو نفس الموقف الذي تبناه الرئيس الليبي الراحل.

ويذكر أن أحمد قذاف الدم في شهادته الأخيرة على الأيام الأخيرة لنظام القذافي قال لقناة «العربية» في برنامج «مقابلة خاصة»: «إن معمر القذافي رفض كل الإغراءات التي قدمتها له الدول ومن بينها الولايات المتحدة لهروبه من ليبيا ولكنه رفض ذلك تماما وهاجر إلى سرت طالبا للشهادة في مسقط رأسه». وأضاف قذاف الدم للإعلامية رندة أبو العزم، أنه «في حال عقد الانتخابات فإن نحو نصف مليون عائلة ليبية تعيش خارج الوطن لهم حق التصويت ومن بينهم على الأقل 100 ألف شاب من أبناء الشهداء الذين دافعوا عن الليبيين خلال العدوان على ليبيا وأنهم مستعدون للقتال ضد الميليشيات التي اعتبرها مرتزقة أن الشعب الليبي قادر على كنسهم بسهولة».

ورغم كل المخاطر المحدقة به كان سيف الإسلام أثناء الهجوم الوحشي والممنهج على ليبيا يتنقل في الأحياء ويتفقد الناس ويشد من عزمهم، ودعا الفرقاء للحوار والجلوس لإيجاد حل يرضي الجميع ولكن تلك الأطرف التي جلبت المرتزقة واستعانت بالناتو رفضت أي حوار أو اتفاق.

وعندما وقع سيف الإسلام في الأسر بعد قصف الناتو لمقره هو ورفاقه واستشهاد الكثيرين منهم في هذا  القصف لم يتراجع وظل على موقفه، حتى بعد إصدار عدة أحكام ضده وصلت إلى حد الإعدام. وقدمت ضده مذكرة لمحكمة الجنايات الدولية وبعدها شمله قانون العفو العام وظل متمسكا بالبقاء في ليبيا رافضا الخروج منها.

هذا هو  سيف الإسلام القذافي كما عرفته.

 

* إحدى حارسات الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، ومستشارة سابقة بالخارجية الليبية، ونائبة رئيس المنظمة العالمية لمساندة ضحايا الحروب والإرهاب.

دكتوراه في القانون الدولي العام من جامعة لوهافر بفرنسا

font change