«الإدارة الذاتية» شمال سوريا عاجزة عن محاكمة عناصر داعش

المتحدّث الرسمي باسم التحالف الدولي لـ«المجلة»: خلايا داعش صامدة ولا تزال تشكل تهديداً

صورة لأسرى تنظيم داعش لدى قوات سوريا الديمقراطية

«الإدارة الذاتية» شمال سوريا عاجزة عن محاكمة عناصر داعش

 

القامشلي:عادت قضية عناصر تنظيم داعش المسجونين لدى «قوات سوريا الديمقراطية» إلى الواجهة مجدداً، مع إعلان التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ضد التنظيم المتطرّف منذ سنوات عن دعمها الجهود الساعية لمحاسبة مقاتلي التنظيم على جرائمهم بعد وقوعهم في قبضة قوات سوريا الديمقراطية، المعروفة اختصاراً بـ«قسد» والتي تسيطر على نحو ثلث مساحة الأراضي السورية في المناطق والبلدات التي أعلن فيها الأكراد قبل سنوات عن «إدارةٍ ذاتية» مع حلفائهم المحليين من العشائر العربية ومجموعاتٍ أخرى سريانية ـ آشورية، إضافة لبقية مكونات المنطقة.

وقال مسؤول بارز في «الإدارة الذاتية» لشمال سوريا وشرقها: «إننا كإدارة ذاتية، أعلنا عدّة مرات في السابق عن أنه يجب إنشاء محكمة دولية أو ذات طابع دولي في مناطق الإدارة الذاتية لمقاضاة عناصر تنظيم داعش المسجونين في مناطقنا لكون هذا الأمر يتجاوز طاقات الإدارة من الناحيتين القانونية والأمنية، وبالتالي لا بد أن يكون هناك دعم دولي لمحاكمة أولئك الدواعش الإرهابيين الذين ارتكبوا جرائم كثيرة بحق السكان في مناطقنا».

بدران جيا كرد

محاكمة عناصر داعش تحتاج إلى دعم دولي

جدد بدران جيا كرد، نائب الرئاسة المشتركة للإدارة الذاتية، عبر مقابلة مع «المجلة» مطالبة الإدارة للمجتمع الدولي بضرورة إنشاء محكمة دولية شمال شرقي سوريا لمقاضاة عناصر تنظيم داعش المسجونين لدى قوات سوريا الديمقراطية.

وكشف المسؤول الكردي عن أن «فكرة إنشاء محكمة دولية لم تتبلور بعد بشكلٍ صريح سواء لدى التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد داعش، أو لدى المجتمع الدولي»، مشدداً على أن «هذه المسألة دولية لكون أغلب عناصر داعش المسجونين لدى (قسد) هم من الأجانب وينتمون لعشرات الدول، ولذلك القضية شائكة وتحتاج لتعاضد الجهود الأممية».

ورغم أن مسؤولا في التحالف الدولي الذي يحارب التنظيم المتطرّف في سوريا والعراق منذ سنوات، كان قد أعلن عن دعم التحالف لقوات سوريا الديمقراطية في إنشاء محاكمة دولية لعناصر التنظيم المسجونين، إلا أن المسؤول الكردي لم يقدم مزيداً من التفاصيل حيال ذلك.

وقال جيا كرد في هذا الصدد: «الكل يؤكد على مقاضاة أولئك الإرهابيين وضرورة أن تتم محاكمتهم بشكلٍ عادل، لكن كيف وأين ومتى ووفق أي قوانين، هذا ما لم نعرفه حتى الآن»، مضيفاً أن «التحالف الدولي لا يعارض مقاضاة عناصر التنظيم في محاكمنا المحلية. وكذلك ليس هناك أي دولة تعارض هذه الخطوة، ومع ذلك ما من جهة تقدم الدعم لمحاكمنا».

وتعمل المحاكم المحلية المختصة بقضايا الإرهاب والتابعة للإدارة الذاتية والتي تعرف بـ«محاكم الشعب» على مقاضاة عناصر تنظيم داعش المسجونين لدى قوات سوريا الديمقراطية منذ عام 2014، لكنها تقاضي فقط أولئك الذين يحملون الجنسية السورية.

ولدى الإدارة الذاتية التي تشمل مناطقها كامل محافظتي الحسكة والرقة إلى جانب أجزاء من محافظتي حلب ودير الزور، قانون خاص بمكافحة الإرهاب كان قد صدر في العام 2014، وبموجبه تقاضي العناصر المحليين للتنظيم الإرهابي الذي سيطر على مساحاتٍ شاسعة من سوريا والعراق في النصف الأخير من العقد الماضي.

وعن عدم مقاضاة المسجونين الأجانب من عناصر تنظيم داعش لدى «قسد»، قال جيا كرد إن «محاكمة الأجانب تحتاج لدعم قضائي وقانوني وأمني أممي لأسباب متعلقة بطاقات الإدارة وأيضاً بنتائج وقرارات محاكمنا وكيفية ومكان تنفيذ أحكامها».

وأضاف أن «المطلوب من التحالف الدولي الآن، إما دعم إنشاء مثل هذه المحاكم في مناطقنا لأن ذلك يعتبر مرحلة مهمة من مراحل مكافحة الإرهاب، وإما أن يساعد في إعادتهم إلى بلدانهم لمحاكمتهم هناك بشكل عادل دون إفلاتهم من العدالة وضمان حقوق ضحايا الإرهاب الدولي والذي يهدد الأمن والاستقرار الإقليميين».

وتابع: «بكل الأحوال، المرحلة الحالية تتطلب تقديم دعم أمني ولوجيستي أكثر لقوات سوريا الديمقراطية من أجل تحسين ظروف احتجاز عناصر داعش المسجونين وأماكنهم. وأيضاً كي توفر الظروف المناسبة في السجون لإبعادهم عن التطرف وقطع الطريق أمام الجهود التي تبذل من قبلهم لإعادة تنظيم أنفسهم وتشحين ذواتهم فكريا للقضاء على الانهزام الذي لُحق بهم في آخر معركة لهم في بلدة الباغوز السورية على يد (قسد) بدعمٍ من التحالف الدولي».

كما شدد المسؤول الكردي على أن «قضية سجناء داعش مشكلة دولية تحتاج إلى حلول عاجلة كلّما تأخّرت، كلما ازدادت خطورتها»، موضحاً أن «تأخير إيجاد حلٍ لهذه المشكلة يعني المزيد من الاعتصامات التي يقوم بها العناصر المسجونون داخل أماكن الاحتجاز وكذلك يعني تكرارهم لمحاولات الهروب بأساليب مختلفة لكون أماكن الاحتجاز غير مخصصة لمثل هؤلاء الإرهابيين ذوي الدرجة العالية من الخطورة».

وكشف أيضاً أن «خلايا التنظيم النائمة تتحرك في المنطقة ولها هداف واحد وهو تحرير أسراهم في السجون، إلى جانب أن تهديدات تركيا المستمرة تؤثر أيضاً على عدم حل هذه المشكلة، فقد تمكّن الكثير من مقاتلي داعش من الفرار من السجون وكذلك تمكّنت بعض الجهاديات من الهروب من مخيم عين عيسى عندما حصل الهجوم التركي على منطقتي تل أبيض ورأس العين، ولهذا يجب الإسراع في حل مشكلة عناصر داعش المسجونين لدى (قسد)».

الكولونيل واين مارتو

مهمة التحالف مستمرة

ومن جهته قال الكولونيل واين مارتو، المتحدّث الرسمي باسم التحالف الدولي الذي يضم دولاً غربيّة وعربيّة إن «قدرات تنظيم داعش تتضاءل عسكرياً ومالياً وافتراضياً بعدما هُزِم إقليمياً في ساحة المعركة، لكن مع ذلك خلاياه الباقية صامدة ولا يزال يشكل تهديداً».

وأضاف مارتو لـ«المجلة» أن «آيديولوجيا التنظيم القائمة على الكراهية والدمار والإرهاب لا يزال صداها يتردد في أوساط المتضررين من هزيمته، إضافة للمتطرّفين داخل منطقة الشرق الأوسط وخارجها، ولذلك لم تتغيّر مهمتنا في التحالف».

وتابع أن «القتال ضد داعش لم يكتمل بعد ويسعدنا أن نرى الآن كيف أن قوات الأمن العراقية قد تحرّكت على الأرض لوحدها بعدما كانت قوات التحالف تقاتل إلى جانبها»، لافتاً إلى أن «العراقيين اليوم يقاتلون بأنفسهم، وبالتالي تحولت مهمة التحالف من القتال المباشر إلى تقديم الدعم لها كالتدريب وتقديم المشورة والمساعدات اللوجستية بعيداً عن القتال في المعارك».

كما أشار إلى أن «قوات التحالف الدولي تواصل توفير المراقبة والمعلومات وتمكين القوات الشريكة له في سوريا والعراق على المستويين العملياتي والاستراتيجي مع توفير القوة الجوية عند الطلب والضرورة».

ولفت إلى أن «قواتنا تشترك مع العراق بشراكة أمنية قوية تشمل مختلف المجالات بما في ذلك مكافحة الإرهاب والأمن البيولوجي وأمن الحدود وبناء المؤسسات الدفاعية التي تعزز الأمنين العراقي والأميركي».

وأكد أن «المهمة الأساسية لقوات التحالف هي هزيمة داعش في العراق وأجزاء محددة من سوريا» في إشارة منه إلى شمال وشمال شرقي سوريا، حيث القواعد العسكرية وجنود التحالف المتواجدين في مناطق تخضع جميعها لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية».

وكشف أن «التحالف الدولي يعمل بانتظام مع شركائه كقوات البيشمركة وقوات الأمن العراقية وأيضاً قوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي التي تعرف كردياً بـ(الأسايش) وتتواجد عادةً داخل المدن والبلدات التي تسيطر عليها (قسد)».

وتسعى «قسد» التي تعد وحدات حماية الشعب الكردية أبرز مؤسسيها والتي تسيطر على نحو ثلث مساحة الأراضي السورية، لإنشاء محكمة دولية لمقاضاة عناصر التنظيم القابعين في سجونها والذين يتجاوز عددهم 10 آلاف.

وقال المتحدث باسم التحالف الدولي أيضاً إن «قوات التحالف تدعم فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها داعش وكذلك السعي لتحقيق العدالة نيابة عن كل ضحايا التنظيم المتطرّف»، دون أن يقدم مزيداً من التفاصيل حول آلية هذا الدعم الذي قد ينتهي بإنشاء محكمة دولية لمحاسبة عناصر تنظيم داعش المعتقلين في سجون (قسد)».

وأضاف أن «التحالف سيستمر مع شركائه المحليين في ضرب الإرهابيين، مما يعكس الوحدة العالمية لرؤية هزيمة دائمة يتم إلحاقها بتنظيم داعش الذي سنمنع ظهوره من خلال ملاحقة فلوله».

 

عناصر من قوات سوريا الديمقراطية

ورغم أن قوات سوريا الديمقراطية، كانت قد أعلنت عن القضاء على تنظيم داعش كلياً في سوريا أواخر مارس (آذار) من عام 2019، لكن «خلاياه النائمة» عاودت الظهور مجدداً بعد ذلك، خاصة بعد الهجوم التركي الأخير على مناطقها مطلع أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2019.

ويستمر التنظيم الأكثر تشدداً من بين الجماعات الجهادية بتنفيذ عملياتٍ عسكرية وأمنية في ريف محافظتي دير الزور والحسكة التي تضم على أراضيها عدّة مخيماتٍ لعائلات مقاتلي داعش، وذلك في وقتٍ تعمل فيه قوات سوريا الديمقراطية على محاربة خلايا التنظيم بدعمٍ من التحالف الدولي، للحدّ من خطورته خاصة في ريف دير الزور  وهي منطقة تشهد هجماتٍ إرهابية بشكلٍ يومي.

وكانت «قسد» قد تمكنت يوم 25 مايو (أيار) الجاري، من إلقاء القبض على 24 عنصراً من التنظيم بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي في شمال وشمال شرقي سوريا. وكان بينهم عناصر شاركوا في تنفيذ عملية اغتيال مؤيد الرياش، عضو المجلس التشريعيّ لمدينة دير الزور.

وحتى الساعة، لا يزال تنظيم داعش نشطاً في ريف دير الزور، وتعمل خلاياه النائمة على تطبيق القوانين الّتي كان يطبّقها خلال سنوات حكمه، من خلال جهاز «الحسبة» الذي تبنّى عدداً من الهجمات الأخيرة في دير الزور.

وكان الهجوم التركي على مدينتي تل أبيض ورأس العين، قد ساهم في فرار عشرات الجهاديات من مخيماتٍ خُصصت لإقامتهن إلى مناطقٍ وقعت تحت سيطرة أنقرة والميليشيات السورية المدعومة منها.

ويشهد مخيم الهول، الذي يضمّ عشرات الآلاف من عائلات مقاتلي التنظيم الجهادي، حركة نشطة لعمليات التّهريب من داخل المخيّم إلى مدينتي رأس العين وتل أبيض، الّتي تخضع لسيطرة أنقرة وميليشياتها.

وتقدم عائلات مقاتلي داعش على الهروب من المخيم عبر صهاريج لنقل المواد السائلة. وسبق أن فشل العشرات منهم بعدما احتجزتهم قوات سوريا الديمقراطية عند حواجزها المنتشرة في تلك المنطقة.

ووثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان، خلال هذا العام فقط، (41) عملية قتل ضمن المخيم، نفّذها عناصر ينتمون لتنظيم داعش، ونساء من زوجات مقاتلي التنظيم الجهادي المقيمات داخل المخيم.

ويبلغ عدد سكان مخيّم الهول الذي يضم إلى جانب الجهاديات، لاجئين عراقيين ونازحين سوريين، نحو 70 ألف شخص، بينهم ما لا يقل عن 8 آلاف جهادية أجنبية من زوجات عناصر تنظيم داعش الأجانب. وجميعهن وضعن في قسمٍ خاص داخل المخيم تحت حراسة أمنية مشددة.

وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية، منتصف شهر أبريل (نيسان) الماضي، عن تنفيذ عملية أمنية استمرّت لأيام، تمكنت خلالها من توقيف (125) عنصراً من تنظيم داعش في مخيّم الهول، شمال شرقي سوريا، بينهم مسؤولون عن عمليات قتل نُفّذت داخل المخيم.

 

font change