لبنان: جنون الدولار يعيد المحتجين إلى الشوارع

لبنان: جنون الدولار يعيد المحتجين إلى الشوارع

بيروت: كل شيء ينذر بأن الوضع الاجتماعي بات على شفير الانفجار، فالأزمات التي يعيشها اللبنانيون تتفاقم حدّتها يوما بعد يوم، لا بصيص أمل بحدوث أي خرق إيجابي، لا على صعيد تشكيل الحكومة ولا على الصعيد الاقتصادي المرتبط بإنهاء أزمة التشكيل وانصراف الحكومة الجديدة بإجراء إصلاحات حاسمة لبدء تدفق المساعدات الدولية التي وُعد بها لبنان بعد تشكيل الحكومة «الإصلاحية».

وبموازاة الأزمة السياسية المستمرة، بدأ الشارع اللبناني بالغليان مع الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار الذي سجّل في اليومين الماضيين أرقاما قياسية جديدة، حيث لامس سعر الدولار الأميركي 18 ألف ليرة لبنانية، وترافق هذا الانخفاض للعملة الوطنية مع ارتفاع حاد أسعار السلع الأساسية وانخفاض في قيمة الأجور، حيث وصلت قيمة الحدّ الأدنى للأجور إلى 38$ بعدما كانت تساوي حوالي 400$، هذا عدا عن أزمة البنزين الخانقة التي أجبرت اللبنانيين إلى الوقوف لساعات في الطوابير من أجل ملء خزانات سياراتهم، مما أنتج العديد من التوترات التي وصلت أحيانا إلى إطلاق نار. إضافة إلى أزمة المازوت التي أنتجت عتمة في بيوت اللبنانيين بعدما أطفأ أصحاب المولدات الخاصة الكهرباء بسبب الشح في مادة المازوت. كل هذا وأكثر يعيشه اللبنانيون اليوم من دون أن يقدّم المسؤولون أي حلول جذرية واقعية وحاسمة لوقف الانهيار والبدء في مسار الإصلاح، وتخفيف العبء عن كاهل اللبناني الذي يعيش في ظل ثالث أسوء أزمة اقتصادية مرّت في العالم.

 

الشارع ينتفض 

 

مع تفاقم حدّة الأزمة والانخفاض الملحوظ في أعداد المصابين اليومي بفيروس كورونا، عاد اللبنانيون للتعبير عن غضبهم وتعبهم ومعاناتهم في الشوارع، فقد شهدت الأيام الماضية تحركات في مختلف المناطق اللبنانية، وعاد المنتفضون إلى إقفال الطرقات وحرق الدواليب ورفع الشعارات المطالبة بإسقاط المسؤولين، لا سيما في مدينة طرابلس الشمالية التي شهدت ليل السبت الماضي أعنف جولات الاحتجاج، خصوصا أن طرابلس مصنفة من أفقر المدن على البحر المتوسط، وأهلها اليوم يختنقون من شدّة الأزمة الاقتصادية، فقطعوا الطرقات وجال العشرات منهم بمسيرة راجلة على بيوت النواب في طرابلس، وأجبروا بعض المحال التجارية على إقفال أبوابها بسبب الارتفاع الجنوني للدولار، وهذا استدعى حضور عدد من ملالات الجيش مساءً، مع ارتفاع مستوى التوتر في الشارع وبين المواطنين.  

في هذا الوقت، يسود الخوف في طرابلس من استعادة مشاهد الانفلات الأمني، وسط انتشار كثيف للسلاح الفردي، وخوف المواطنين على سلامتهم وممتلكاتهم، في انتظار ما ستؤول إليه أحداث الساعات المقبلة.

وشهدت العديد من المناطق اللبنانية من الشمال إلى الجنوب مرورا بالعاصمة بيروت احتجاجات متفرقة وقطعا للطرقات، وسط دعوات لإعادة إحياء ثورة 17 تشرين، ومطالبة الشعب اللبناني بالنزول إلى الشارع لوضع حدّ للأزمة الخانقة وإجبار المسؤولين على تشكيل حكومة جديدة وبدء مسار الإصلاح لوضع البلاد على سكة الإصلاح وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية.

 

التعثر الحكومي مستمر

 

لا خرق جديدا في الملف الحكومي باستثناء كلمة أمين عام حزب الله حسن نصر الله الذي أطلّ على اللبنانيين وهم يعبرون طريقهم غير سالمين إلى «جهنم» التي بشرهم بها رئيس جمهوريتهم، مدافعا عن صهر الرئيس و«الصديق» جبران باسيل، أمام المسيحيين الذين اعترضوا على كلام الأخير عندما سلّم أمر الحكومة إلى نصر الله عندما قال له «يا سيّد أقبل بما تقبل به لنفسك»، الأمر الذي أثار موجة من الغضب في الشارع المسيحي كونه يسلّم «حقوق المسيحيين» الذي يدّعي حرصه عليها إلى حزب الله.

في ملف الحكومة تمسك نصر الله بموقف برّي ومبادرته، وردّ على كلام باسيل من دون أن يسميه حول مسألة الثلاث ثمانيات والمثالثة، معتبراً أن هذا الطرح خاطئ. وهو في ذلك تبنى موقف برّي كاملاً.

والأسلوب نفسه اعتمده نصر الله مع باسيل في توجيه النصائح له وإرشاده، من خلال نفيه أي مسعى لدى باسيل لإيقاع الشرخ بين حزب الله وحركة أمل. وخصوصاً عندما قال إن باسيل يعلم أن ذلك غير ممكن على الإطلاق. وبذلك يكون نصر الله قد ختم الرسالة التي أوصلها وفيق صفا لباسيل: طي هذا الأمر، مع الحفاظ على العلاقة مع التيار العوني ومع حركة أمل أيضاً.

وأغدق نصر الله على باسيل تفسير كلامه ومضمونه لإكرامه فإحراجه أكثر.

ولا تزال أمام الرئيس المكلف سعد الحريري الخيارات عينها: استمراره على موقفه، من دون تقديم أي تنازل على وقع استفحال الأزمة والانهيار، أو الاعتذار، أو تشكيل حكومة بشروطه، ولكن يرى البعض أن خيار الاعتذار أصبح الأكثر ترجيحاً، ليعود بنتائج إيجابية على الحريري. لكن الأهم هو مسألة توقيته، فهو يترك الأمور تتدحرج وتضيق حتى اختناق رئيس الجمهورية وتياره.

font change