التحديات التي تقف أمام حكومة بنيت- لابيد

مدى التصدي لها اختبار لفترة صمودها

بنيت ولابيد يتفقان على تشكيل حكومة تناوب

التحديات التي تقف أمام حكومة بنيت- لابيد

تل أبيب:منذ اليوم الأول لعمل حكومة بنيت- لابيد الإسرائيلية، تنشغل مختلف الدوائر الأمنية والسياسية في وضع استراتيجيات عمل، تمكّن هذه الحكومة من التعامل مع الوضعية الجديدة التي ستشهدها إسرائيل في ظل تركيبتها، التي لم يسبق وأن تشكلت منذ العام 48 حكومة بمثل هذه التركيبة المتنوعة التي تضم أحزابا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.

فتولي الحكومة مهامها الجديدة- وفي ذروة الأزمات السياسية والاقتصادية الداخلية والعالمية والإقليمية- تضعها أمام تحديات كبيرة يراهن كثيرون على مدى قدرتها على الصمود أمامها في ظل اختلافات في الرأي والموقف وحتى المبادئ والآيديولوجيا بين أحزاب الائتلاف.

معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، الذي يضم نخبة من الخبراء الأمنيين والعسكريين والدبلوماسيين السابقين، انشغل بإجراء أبحاث ودراسات حول الحقبة الزمنية الجديدة التي تدخلها إسرائيل بعد 12 عاما من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي رسم خارطة طريق يمينية لإسرائيل، لم يكن من السهل وضع نهاية لفترته وسيكون من الصعب على الحكومة الجديدة إجراء تغييرات جوهرية على السياسة اليمينية التي تركت بصمات عميقة في مختلف جوانب الحياة في إسرائيل.

لا شك أن الصعوبة الأكبر لهذه الحكومة هي غياب الميزانية لمدة عامين والتي راكمت الكثير من القضايا العالقة، إلى جانب عدم تنفيذ خطط عملياتية في مختلف الجوانب: الأمنية، السياسية، العسكرية، الاقتصادية والاجتماعية وهذا له انعكاساته أيضا على إدارة السياسات الخارجية لهذه الحكومة وبالتالي تراكم فجوات خطيرة أمام مختلف التحديات الأمنية والاستراتيجية المحدقة بإسرائيل.

انتهاء حكومة نتنياهو التي استمرت 12 عاما

أبرز التحديات التي تتطلب معالجة فورية

في واحدة من الدراسات التي أجراها معهد أبحاث الأمن القومي تطرق إلى تحديات يرى معدو الدراسة أنها تستوجب تعاملا فوريا ومدروسا من قبل الحكومة الجديدة.

 

الملف النووي نقطة أرخميدس بين تل أبيب وواشنطن

تشكل العلاقات مع الولايات المتحدة التحدي الأول الذي يقف، حاليا، أمام حكومة بنيت- لابيد...

منذ بداية تشكيلها واجهت الحكومة الإسرائيلية الجديدة تحديا لم تتوقعه تجاه قطاع غزة، خلال وبعد مسيرة الأعلام التي أقيمت في مدينة القدس، وكانت تراكمات الغضب من العملية العسكرية «حارس الأسوار»، التي نفذتها حكومة بنيامين نتنياهو في نهاية عهدها، ما زالت قابلة للاشتعال.

ويرى أمنيون سابقون أن عملية «حارس الأسوار» جسدت الحاجة الحرجة لإسرائيل لإسناد أميركي، سياسي وعسكري، والتنسيق الأقصى مع الإدارة في سياقات أوسع بكثير من غزة، «لقد كشف التصعيد الوزن المتزايد للخط النقدي تجاه إسرائيل في صفوف الجيل الشاب في الحزب الديمقراطي وناخبيه، في أوساط يهود الولايات المتحدة وحتى في معقل التأييد الأبرز لها- الكونغرس. يدور الحديث عن مس شديد ومتواصل بمكانة إسرائيل  كإجماع يتجاوز الأحزاب، والذي هو أحد ذخائرها الأهم في الولايات المتحدة- حليفتنا الأكبر»، بحسب الأمنيين الإسرائيليين الذين حذروا من استمرار السياسة السابقة، خصوصا فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني.

وبحسب معهد الأبحاث: «لقد دخل رئيس الحكومة السابق، بنيامين نتنياهو، في مواجهة مع الإدارة الأميركية حول نية واشنطن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران. ويدور الحديث عن صراع عديم المنفعة كونه يصطدم مع جدول الأعمال الاستراتيجي العالمي للولايات المتحدة، التي تسعى إلى حماية أجنحتها والتفرغ للصراع على التفوق حيال الصين».

 ووصف معهد الأبحاث التحدي الإيراني والعودة إلى الاتفاق النووي بـ«نقطة أرخميدس» بين إسرائيل والولايات المتحدة، «من شأنها أن تؤثر سلبا على جملة العلاقات بين الحليفتين، وتمس بالقدرة على أن نتلقى من الولايات المتحدة المساعدة، والإسناد، والضمانات اللأزمة لإسرائيل في وجه إيران وفي جملة من الساحات الأخرى».

 وفي جانب الولايات المتحدة تربط الدراسة علاقة إسرائيل مع الصين ويعتبر معدوها المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تحديا من شأنه أن يساهم في تدهور العلاقة بين واشنطن وتل أبيب «الإدارة الأميركية ترى الانتصار على الصين مهمة تاريخية، شبه دينية»، ملقاة على عاتقها، في إطار الصراع على الحرية وتفوق طريقة الحكم الليبرالية الديمقراطية والنظام العالمي. ويخشى الإسرائيليون من أن «تبقي سياسة إسرائيل تجاه الصين تل أبيب خارج الجبهة الدولية التي تقيمها الإدارة. فواشنطن توضح لإسرائيل، بما في ذلك علنا، بأنها قلقة من مستوى رقابتها على الاستثمارات الصينية، ولا سيما في القطاع التكنولوجي، مما يعرض المصالح الحيوية الأميركية للخطر».

 

الحكومة السادسة والثلاثون في إسرائيل

تفكيك اللغم

في هذا الجانب يوصي معهد الأبحاث الحكومة الإسرائيلية بالتعامل بمنتهى الجدية مع هذا الملف والعمل على ما سماه «تفكيك اللغم»، حيال الإدارة في مسألة إيران. وجاء في التوصية للحكومة الإسرائيلية:

-        العمل على استعادة الثقة حيال إدارة بايدن من خلال الانتقال من الدبلوماسية الصاخبة والمتصادمة إلى حوار هادئ وحميم معها يقوم على أساس التوافق المشترك حول الحاجة لمنع السلاح النووي عن إيران وعلى قنوات التعاون الاستخباري الأمني والعملياتي بين الدولتين.

-        عدم إبقاء التهديدات بتنفيذ عمل عسكري ضد البرنامج النووي الإيراني على أجندة الحكومة وشطبها من جدول أعمالها، حيث لا منطق في خطوة كهذه في الوقت الحالي، الذي من الممكن أن يؤدي الاتفاق النووي إلى تراجع في القدرات النووية الإيرانية إلى الوراء. وتمت توصية حكومة بنيت- لابيد باتخاذ خطوات تضمن تنسيقا استراتيجيا مشتركا وإجراء حوار حول المقابل الذي ستحصل عليه إسرائيل والضمانات في حال لم يتم  تحقيق الهدف المعلن للوصول إلى اتفاق أقوى وأطول مع إيران.

أما بالنسبة للصين فيؤكد معهد الأبحاث على أن هناك مصلحة عميقة في انتصار الولايات المتحدة بالمنافسة مع الصين، وهي ملزمة بأن تنخرط في جبهة الدول الديمقراطية التي تبنيها الولايات المتحدة، بما في ذلك في سياقات التكنولوجيا (التي تجلب فيها إسرائيل ذخائر حقيقية إلى الطاولة). ودعا المعهد متخذي القرار في إسرائيل إلى حسم استراتيجي وتأييد المصالح الأميركية حيال الصين والعمل مع الإدارة الأميركية بتنسيق وشفافية كاملة في كل ما يتعلق بعلاقاتها مع الصين.

 

التحدي الثاني: ميزانية وخطة متعددة السنين

تشكل ميزانية الدولة والخطة متعددة السنوات للجيش الإسرائيلي، اثنين من السياقات الاستراتيجية اللذين يرسمان لإسرائيل اتجاها بعيد المدى في سلم الأولويات وسياسة محدثة في مواجهة الواقع المتغير.

لقد ساهم انعدام الميزانية في تعميق الشرخ الاقتصادي- الاجتماعي غير المسبوق، مع عجز متضخم وبلا قدرة على سد الفجوات الخطيرة في استعدادات الجبهة الداخلية في حالات الطوارئ، في السياقات الصحية والأمنية.

ووفق الإسرائيليين لم يسمح غياب الميزانية للجيش الإسرائيلي بتنفيذ خطته متعددة السنوات، مما أدى إلى مس بقدراته العملياتية ومواجهة التحديات الأمنية الناشئة.

في هذا الجانب يوصي معهد الأبحاث الحكومة الإسرائيلية ببلورة ميزانية تتصدى للتحديات وللواقع المتغير. فيما يقوم الكابنيت والجيش باحتساب المسار من جديد وتنفيذ تعديلات على خطة الجيش الإسرائيلي «تنوفا»، وسد ثغرات خطيرة في جهوزية الجبهة الداخلية للحرب، وذلك في ظل تعريف نقطة عمل، وأهداف وسلم أولويات، تناسب الظروف الجديدة.

 

الساحة الفلسطينية

يشكل الجانب الفلسطيني تحديا صعبا للحكومة الإسرائيلية في ظل مختلف التعقيدات الداخلية والفلسطينية والعربية، في مقابل رواسب سياسة الحكومة السابقة. بحسب معهد أبحاث الأمن القومي فقد «فشلت الاستراتيجية الإسرائيلية وانهار المفهوم الذي يقول إن الاعتراف بحكم حماس في غزة وتحسين الظروف المدنية في القطاع من جهة وإضعاف السلطة في الضفة من جهة أخرى- سيمنع مسيرة سياسية على أساس حل الدولتين في ظل الحفاظ على التوازن الأمني. لقد جاء التصعيد في غزة ليجسد أنه في لحظة الاختبار يتغلب جدول الأعمال الآيديولوجي الديني لحماس على اعتباراتها الأخرى.

وفي المقابل، يرى معدو الدراسة، وكنتيجة لسياسة إسرائيل أخذت السلطة الفلسطينية بالضعف ما قد يوصل إسرائيل تدريجيا إلى وضع تدير فيه حياة السكان الفلسطينيين. وعليه يوصي المعهد الحكومة الإسرائيلية بقلب سلم أولوياتها تجاه الساحة الفلسطينية، و«العمل على احتواء حماس وإضعافها، دون المساومة على تحسين الظروف الإنسانية في القطاع، التي هي مصلحة إسرائيلية. بالتوازي عليها أن تغير بشكل جذري نهجها تجاه السلطة الفلسطينية التي تمثل البديل السياسي لحل النزاع، والتي يجب تعزيزها بكل وسيلة كمنظومة سلطوية. كما تم التأكيد على ضرورة أن تعمل الحكومة الإسرائيلية على بناء السلطة كبديل عن حكم حماس في غزة في المدى البعيد».

 

الأردن وأهمية استقراره

لقد تسلمت الحكومة الجديدة زمام الحكم في ظل علاقات متدهورة مع الأردن، وصلت ذروتها في أعقاب أحداث الأقصى وعملية «حامي الأسوار»، وحذر الإسرائيليون من تداعيات سياسة الحكومة السابقة التي «اتخذت خطوات ساهمت في تدهور العلاقة مثل  خطة الضم، والجدال على المياه، والمواجهات حول القدس، والتخوف (المسنود) للأردن من تآكل مكانته في الأماكن المقدسة وهو أمر ساهم في مس نسيج العلاقات مع الأردن وضعضعت اتفاق السلام معه».

وقُدمت للحكومة الإسرائيلية توصية بالعمل على إعادة «بناء العلاقات مع الأردن والعمل في الساحة الإقليمية والدولية لتجنيد المساعدة لتعزيز استقراره الداخلي. في القدس، من الحيوي تعزيز دور الأردن في حماية وتعميق الوضع الراهن في الأماكن المقدسة والامتناع عن خطوات مهينة من شأنها أن تكون هدامة لمكانة الملك الأردني واستقرار المملكة، وبالتالي المس بالخلفية الاستراتيجية لإسرائيل.

العلاقات بين اليهود والعرب «القنبلة الموقوتة»تهدد إسرائيل كدولة قانون

علاقات اليهود- العرب قنبلة موقوتة

لقد تشكلت الحكومة الإسرائيلية في ذروة تدهور العلاقات بين اليهود والعرب في أعقاب «حامي الأسوار»، واحتدام المواجهات بين فلسطينيي 48 واليهود، خصوصا اليمين والمستوطنين، في أعقاب أعمال الاحتجاج التي قام بها فلسطينيو 48 داخل بلداتهم على قصف غزة وتضامنا مع أبناء شعبهم الفلسطيني، وخلال ذلك ازداد الشرخ بين العرب واليهود في المدن المختلطة مثل اللد، الرملة، حيفا، عكا وغيرها.

وفي أول بحث للحكومة في الكنيست، حول قوانين متعلقة بالفلسطينيين نشأت أزمة جديدة متعلقة بقانون لم الشمل و المعروف بقانون «المواطنة»، الذي يساهم في تفسيخ العائلة الفلسطينية ما بين الضفة وداخل الخط الأخضر. وفي أعقاب عدم قدرة الحكومة الجديدة على المصادقة عليه ومنع حدوث أزمة داخل الائتلاف الحكومي، تم تأجيل المصادقة عليه على أمل أن تضمن  حكومة بنيت- لابيد أكثرية داعمة له.

لقد وصف معدو معهد أبحاث الأمن القومي الشرخ في العلاقات بين اليهود والعرب بـ«القنبلة الموقوتة»، التي تهدد إسرائيل كدولة قانون. وبرأي الباحثين الإسرائيليين فإن ما حدث هو تعبير عن فشل سنوات طويلة لإسرائيل في مجال الاندماج، وقدرة الحكم وتطبيق القانون، حين تتفشى الجريمة والعنف. ويوصي المعهد الحكومة الإسرائيلية بالعمل على تنفيذ القانون ورأب الصدع داخل المدن المختلطة ووضع خطط وطنية وميزانيات لمعالجة المجتمع العربي، على أن تشمل الخطة في مركزها القضاء على الجريمة، وتشجيع القيادات المحلية ودعمها وكذلك تسريع سياقات الاندماج حيال المجتمع اليهودي ومؤسسات الدولة.

وفي رأي آخر حول الشرخ في العلاقات بين فلسطينيي 48 واليهود تقول ميخال سيلع، المديرة العامة لمركز الحياة المشتركة في جفعات حبيبة، التي تحذر من تداعيات الأوضاع التي شهدتها البلدات العربية والبلدات المختلطة خلال عملية «حامي الأسوار»: «إن القطيعة في العلاقات التي تشهدها إسرائيل هذه الفترة، بين اليهود والعرب، هي تراكم عقود من الغربة التي يشعر بها فلسطينيو 48 إلى جانب العداء والشك مما أدى إلى الانفجار وبالتالي القطيعة في العلاقات التي تعكس تعريفا واضحا للآخر (وفي هذه الحالة فلسطينيو 48) كعدو».

 وتضيف سيلع: «لقد قامت الحكومة الجديدة على أساس الشراكة اليهودية- العربية (دعم الحركة الإسلامية برئاسة منصور عباس الائتلاف الحكومي) وهي خطوة هامة لإصلاح الوضع. وعليه يتوجب أن تكون الخطوة الأولى للحكومة الجديدة وضع خطة استراتيجية للتعليم حول الحياة المشتركة، حيث شهدنا في العقدين الأخيرين، بعد انهيار مسيرة السلام في نهاية التسعينيات تقليص الاستثمار في التعليم الحواري لمجتمع مشترك يفترض أن أبناء الشبيبة الذين يعرفون الآخر ويحترمون آراءه، ومصاعبه، وروايته المختلفة سيكبرون ليصبحوا مواطنين محبين للسلام، يسعون لأن يعيشوا معا، الواحد إلى جانب الآخر. طالما اختارت إسرائيل أن لا تربي أبناءها على الديمقراطية، والمساواة والتطلع إلى الحياة المشتركة، فإن الفجوات في المجتمع الإسرائيلي ستتسع والعنف سيرتفع».

كما ترى سيلع أهمية في خلق منظومة تعارف ولقاء عميقين ومتواصلين بين اليهود والعرب من خلال توجيه مهني وتعليم مشترك. وفي رأيها فإن تعلم العبرية والعربية المنطوقة على مستوى عال في جهاز التعليم، خطوة هامة جدا.

يشار هنا إلى أنه بحسب معطيات المعهد الإسرائيلي للديمقراطية فإن نحو 74 في المائة من اليهود لا يتكلمون العربية على الإطلاق. ونحو 30 في المائة من العرب لا يتكلمون العبرية بطلاقة.

 

 

 

 

 

 

font change