الكهرباء والحر يشعلان الغضب الشعبي في العراق

الهجمات على أبراج الكهرباء مستمرة

طفل عراقي يدرس على ضوء المصباح في بغداد. ( أ ب )

الكهرباء والحر يشعلان الغضب الشعبي في العراق

بيروت: على مدار الأشهر القليلة الماضية، تعرضت محطات الكهرباء في العراق لهجمات، إذ تشير بيانات رسمية، صدرت عن وزارة الداخلية العراقية، إلى أنه منذ مطلع العام الحالي، وحتى يوليو (تموز) الجاري، تعرض أكثر من 100 برج للتخريب، فضلا عن 50 خطا لنقل الطاقة. وهذا ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن مناطق عدة في البلاد، وذلك على الرغم من الإجراءات التي سبق أن اتخذتها السلطات العراقية لحماية محطات وأبراج نقل الطاقة.

وأكد المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية، أحمد العبادي، استمرار عمليات استهداف أبراج نقل الطاقة، مشيراً إلى تضافر الجهود من قبل جميع الوزارات الخدمية والأمنية كالنفط والمالية والتخطيط والموارد المائية والدفاع والداخلية. والحكومات المحلية في المحافظات، مع وزارة الكهرباء، من أجل رفع مستوى التجهيز بالطاقة.

أصحاب المتاجر يستخدمون المراوح للوقاية من الحر الشديد. (غيتي)

البُعد السياسي للهجمات

هذه العمليات التي تزيد من التحديات التي تُواجهها السلطات العراقية دفعت رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى الحديث عن إمكانية وجود جهات سياسية ربما تورطت في ذلك، أو شجعت عليه.

وقال الكاظمي: «وطنيتنا لا تتقبل فكرة أن يتعمّد العراقي قتل أخيه من أجل هدف سياسي، ولعنة الله على كل منفعة أو منصب تجعل الإنسان يستهتر ويستخف بدم أخيه، ولعنة الله على كل منفعة سياسية أو مادية تسخط الإنسان لتجعله أداة يفجر أبراج الكهرباء؛ من أجل إثبات وجهة نظره، وإفشال العاملين من أجل وطنهم».

صالح: فاجعة المستشفى في ذي قار نتاج الفساد وسوء الإدارة

وأضاف: «عندما تنجرف السياسة بعيدا عن المبدأ الأخلاقي والالتزام الإنساني، فسنكون تحت سيطرة مبدأ شريعة الغاب بعينها، لن نتسامح مع الفاسدين أو المتلاعبين بأرواح المواطنين أياً كانت صفاتهم أو انتماءاتهم».

 

أسباب أزمة الكهرباء في العراق

يرى الباحث في شؤون العراق والشرق الأوسط أحمد الياسري في حديث مع «المجلة» أن «مشكلة الكهرباء هي مشكلة قديمة وأبرز أسبابها التاريخية هي قلّة الموارد المائية بسبب السدود التركية، فالعراق كان يحصل على 70 مليون متر مكعب في حين أنه بات يحصل على 45 مليون متر مكعب فقط. بالإضافة إلى التغيير المناخي وصعود نسبة التصحر وضعف وفرة المياه».

وأضاف الياسري: «بعد عام 2003، استخدمت إيران وتركيا سياسة الإكراه المائي مما أثر سلباً على الثروة المائية. وهكذا تحولت أزمة الكهرباء إلى أزمة سياسية، إذ إن احتياجات الناس مرتبطة بالكهرباء وبالتالي تحول هذا الملف إلى ملف احتيال سياسي داخلي وفيما بعد تحول إلى احتيال سياسي دولي». وتابع: «هناك رغبة سياسية داخل العراق تمنع إكمال مشاريع الكهرباء لكي يتمكنوا من استغلالها في الانتخابات وفي الصراع السياسي». وأشار إلى أن «مشكلة الكهرباء هي مشكلة موسمية حيث تؤدي إلى مظاهرات شعبية، فكلما اشتدت نسبة الحرارة تقل نسبة الكهرباء مما يؤدي إلى نزول المواطنين إلى الشوارع للاحتجاج».

وفي سياق متصل، يرى الباحث السياسي مهدي خزعل في حديث مع «المجلة» أن «أسباب أزمة الكهرباء في العراق تعود إلى سوء الإدارة الداخلية وتهالك المنظومة الكهربائية، فعلى صعيد الإدارة لم تتم صيانة الشبكة الكهربائية ومواكبة التطور الحاصل في هذا القطاع. وبالتالي فإن ما يحصل هو نتيجة سوء التعامل مع هذه الموارد الكهربائية».

اجتماع طارئ للكاظمي جراء الحريق في المستشفى

وأضاف خزعل أن هناك  سببا آخر يتمثل في «الفساد الذي يدفع بعض السياسيين للاستيلاء على أموال وزارة الكهرباء بعقود وهمية. وهذا ما يُنتج فشلاً في هذا القطاع...كما أن هناك سببا رابعا يتمثل في إرادة دولية تريد للعراق أن يتراجع بمختلف القطاعات من صحة القطاع الصحي والاقتصادي والكهربائي وغيره من القطاعات لكي يبقى ساحة صراعات».

 

رد فعل شعبي

إلى ذلك، شهدت مناطق في العاصمة بغداد ومحافظات جنوبية مظاهرات ووقفات احتجاجية خلال الأيام الماضية للمطالبة بتحسين الواقع الخدمي، خصوصا التيار الكهربائي الذي يعاني من تردٍ واضح بالتزامن مع الارتفاع الحاد في درجات الحرارة التي تجاوزت خمسين درجة مئوية في بعض مناطق العراق.

وأغلق متظاهرون طريق جسر ديالى الواقع شرقي العاصمة بغداد عدة ساعات احتجاجا على قطع التيار الكهربائي، وشح المياه الواصلة إلى مناطقهم، ملوحين بالاستمرار في التظاهر ما لم يتم حل مشكلة الخدمات.

شباب يتظاهرون بسبب انقطاع الكهرباء في البصرة. (غيتي)

الدور الإيراني

ويُشير مراقبون إلى وجود مشروع متكامل للجهات المستهدِفة للأبراج، تتوخى زيادة الضغوط على المواطنين العراقيين، وخلق رابط وتبعية للعراق بإيران في مجال الحصول على الطاقة الكهربائية.

ويلفت الياسري إلى أن «إيران لا تريد تصدير الكهرباء للعراق لأنها لا تملكها أصلاً، وقد شهدت المناطق الإيرانية في الفترة الأخيرة مظاهرات احتجاجات على انقطاع الكهرباء. ولكن طهران هي مصدر عالمي للغاز لذلك هي تفتح منافذ لتصدير الغاز، وبالتالي ترى إيران أن تصدير الغاز لبلد نفطي مثل العراق يكون من خلال الكهرباء، لأن طهران اشترطت أن تكون محطات توليد الطاقة الإيرانية في العراق غازية». وأضاف: «تعتبر إيران أن دخول أي طرف لهذا الملف في العراق بمثابة ضرب لأمنها الاقتصادي القومي، لذلك تُحرك بعض الجهات العسكرية والسياسية المرتبطة بها حتى تُعاد قضية الكهرباء إلى الواجهة. لذلك فإن عمليات الاستهداف للأبراج لا تخلو من بعد سياسي».

أما عن توقيت هذه الهجمات، فيرى الياسري أن «اختيار هذا التوقيت في استهداف أبراج الكهرباء يعود إلى أننا في شهر يوليو (تموز) حيث ترتفع درجات الحرارة بشكل كبير، بالإضافة إلى أننا على بُعد شهر ونصف من الانتخابات».

ومن ناحيته، يرى خزعل أن «بعض دوافع التفجيرات تعود إلى أعمال إرهابية تُريد الإضرار بالمال العام، كما أن ثمة دوافع سياسية من أجل خلق رأي عام ضد الحكومة خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية».

انقطاع كهربائي كامل في كبرى محافظات العراق

وأضاف خزعل: «هناك طرف ثالث لديه استثمارات مالية وشركات تتكفل بصيانة هذه الأبراج بملايين الدولارات، يمكن أن يدفع لاستهدافها». وختم مشيراً إلى أننا «نشهد على فشل حكومي في التعامل مع ملف حماية الطاقة إذ إن لدينا مديرية خاصة اسمها شِرطة الطاقة، لكنها غير قادرة على حماية الأبراج».

ولا شك أن أسباب أزمة التيار الكهربائي في العراق متعددة وتدخل بها العديد من العناصر السياسية والاجتماعية، فضلاً عن تظهيرها لمدى تغلغل الفساد في مختلف القطاعات. وأمام هذا الواقع، ومهما كانت هذه الأسباب، فإن المواطن العراقي وحده يدفع ثمن غياب الكهرباء. 

العراق.. الكاظمي يوجه الأجهزة الأمنية لحماية أبراج الكهرباء.
font change

مقالات ذات صلة