على ضفاف بردى دمشق... مهجّرو الفرات مقطوعون كما جسر مدينتهم

«المجلة» تلتقي نازحين في الداخل السوري

على ضفاف بردى دمشق... مهجّرو الفرات مقطوعون كما جسر مدينتهم

دمشق: لا شكّ أن الحروب تترك آثارها المدمّرة في واقع البنية الاجتماعية، وتنفض البنية الديموغرافية للمجتمعات عن بكرة أبيها، وهو تماماً ما فعلَته في سوريا، بعد موجة النزوح الداخلي الضخمة، والتي كان أضخمها باتجاه الساحل السوري والعاصمة دمشق.

هذا النزوح كانت له آثاره الاجتماعية والاقتصادية بالطبع، فلكل مدينة طاقتها الاستيعابية للسكان، لكنّها وصلت أحياناً إلى مراحل فاقت طاقتها بأفراد جدد وأعراق جديدة وآيديولوجيات متفرقة.

الأردن.. إحباط لعملية تسلل وتهريب كبيرة من سوريا

«داون تاون دمشق»... ساحة المتنفس

يجلس أبو حمدي مع رفاقه في ساحة المرجة بجلباب بني تقليدي وحطة رأس، هرب من ريف مدينة دير الزور، بسبب تنظيم داعش، ليعيش مع عائلته في دمشق بأمان، ويقول: «كان الواقع سيئا للغاية ودفعنا الكثير من الأموال لنأتي إلى دمشق، كنت أخاف على أبنائي من القتل أو الاغتصاب، ففضلت ترك المنطقة أنا وأهلي».

العشرات يفترشون ساحة المرجة التي باتت تشكل متنفسا للقاطنين في الفنادق الموجودة بالقرب من الساحة، فهم يحتاجون لمكان مفتوح يتنزهون فيه ويقضون وقتهم به، يقول أبو حامد: «كبار السن يجلسون في الساحة صباحاً وقد يقضون اليوم بأكمله، فيما تجد الشباب يأتون ليجلسوا مع أهلهم عندما ينتهون من العمل، المكان هنا مفتوح وحيوي وغير مكلف مقارنة مع الجلوس في المقهى».

* لا رغبة لديهم بالعودة إلى مناطقهم بسبب ضعف الخدمات وحتى فقدانها أحياناً

ويتابع: «لم يشاهد أحد ما حدث معنا عندما كنا في الديرة، الحياة هناك مختلفة عن المدينة، لكن ما الذي نستطيع فعله هنا سوى أن نستجم عوضا عن الجلوس بين أربعة جدران، الأطفال يريدون أن يلعبوا والكبار يريدون التحدث وإمضاء الوقت خاصة بعد انقضاء وقت العمل».

ومن جهة ثانية، يقول صاحب أحد المقاهي في ساحة المرجة ويكنى أبو رامي: «منذ6  سنوات امتلأ المقهى بالقاطنين الجدد ولا يكاد يفرغ حتى يمتلئ وتحديدا عند البرد الشديد أو هطول الأمطار، حتى إننا أصبحنا نقدم المشروبات بحسب الطريقة التي يعتادون عليها، فالمقهى شيئا فشيئا أخذ طابعا مغايرا عما كان عليه في السابق، كما أن عدة مقاهي جديدة افتتحت في المنطقة لتلبي الحاجة».

ساحة المرجة في العاصمة السورية دمشق (غيتي)

لا حلم في العودة؟ لنجلب المدينة إذن

لا يتوقف الأمر عند مركز مدينة المرجة فقط بل وصل إلى مناطق أخرى، وبشكل أو بآخر تم تقسيم توزيع النازحين بحسب المنطقة التي نزحوا منها، يقول الصحافي عبد الله عبد اللطيف (30 عاماً) إن جرمانا ضمت سكانا من مدينة دير الزور، بينما ضمّت منطقة جديدة هي عرطوز (على طرف دمشق) والفضل نازحين من الريف الشرقي والغربي لدير الزور ومن محافظة الرقة، أما بالنسبة للدحاديل التي يوجد بها تجمع لسكان دير الزور في الأصل، فقد زاد عدد سكانها القادمين من المنطقة الشرقية.

عبد اللطيف، الصحافي من أصول محافظة دير الزور ويعيش في دمشق منذ عشر سنوات، يقول: «السكان الجدد لا يريدون العودة لمنطقتهم بسبب ضعف الخدمات في مدنهم، وفقدانها في الريف، حتى إنهم اشتروا منازل جديدة بدمشق وأريافها، بالإضافة إلى تواجد قوات أجنبية وتقسيمات عسكرية عديدة في الشمال والشرق السوري».

ويتابع: «جلبوا مدينتهم إلى دمشق وافتتحوا مطاعم ومقاهي بأسماء ديرية ومنها على سبيل المثال: مطعم6  إلا ربع في شارع العابد، وما يعزز تواجدهم هو الاندماج مع السكان الأصليين والتعاملات فيما بينهم ولا سيما الشراكات في العمل مع البعض».

إلا أن ما يثير تفكيره هو أن أغلب أهالي مدينة دير الزور تغير تفكيرهم عما كانوا عليه قبل النزوح من ناحية العادات والعمل بالنسبة لبعض السكان القادمين من الريف وهذا ما يفترضه سبباً جديدا للبقاء وعدم العودة لقراهم وضياعهم.

* أعداد النازحين في الداخل السوري وصلت إلى6.2  مليون شخص معظمهم في دمشق

تشتكي أم رامز (اسم مستعار) لموظفة في محافظة دمشق وتبلغ من العمر60  عاماً، من الأصوات المرتفعة لجيرانها الجدد، وتشتكي من المالكين الجدد وتطلب منهم مراراً أن يضبطوا الصوت المرتفع لأبنائهم بأي طريقة، لا سيما وقت القيلولة عندما تعود من عملها منهكة.

تقول أم رامز: «كل الناس خير وبركة لم أتعرض لإساءة من السكان الجدد الذين قدموا إلى هنا واشتروا المنزل المجاور لمنزلي لكن طبيعتهم مختلفة، هم معتادون على طبيعة حياة مغايرة تماما لما نعيشه هنا».

وتتابع: «الأطفال يصرخون بصوت مرتفع جدا، أشعر بالخجل كل يوم عندما أنادي لهم وأطلب منهم خفض صوتهم، ولكن دون أي نتيجة فأنا أطلب من مجموعة أول مرة، وعندما يزداد (العياط) أخرج بغضب لأجد أن أطفالا جددا هم من يلعبون».

من جهته، يقول أحد سكان دير الزور القادمين لدمشق منذ 2015 واسمه خالد عباس (40 عاماً) ويعيش في الوقت الحالي في حي دمر البلد، إن التواجد في هذه المنطقة ليس مشابها لسكنهم في مناطقهم قبل النزوح، فهنالك «يستطيع الأطفال أن يلعبوا بعيداً عن الناس، وجميعهم أبناء لعائلات تعرف بعضها، فلا أحد يواجه حرجاً كالذي نواجهه هنا، في البداية كنا نحاول ضبط الأولاد، لكن ما من نتيجة، فهم يريدون اللعب، مع أقرانهم».

ويختم الصحافي عبد اللطيف أن واقع الحرب لا بد أنه يفرض شروطه التي لا تجري وفق ما يهواه البعض، والأمر مشابه تماما، لمن غادر هذه البلاد وتوجه للخارج، فاشترى واستوطن وغيّر عاداته بحسب المنطقة الجديدة التي وصل إليها».

نازحون بالأرقام

تشير الأرقام الرسمية بحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أن أعداد النازحين في الداخل السوري وصلت إلى6.2  مليون شخص خارج بلداتهم وقراهم الأصلية وأنهم يتفرقون على كامل الجغرافيا السورية، أكثرهم يتواجدون في العاصمة دمشق بعدد يقارب 3 ملايين شخص.

فيما تقول أحدث إحصائية لفريق «منسقو الاستجابة» في الشمال السوري، إن أعداد النازحين وصل إلى نحو 2.1 مليون نازح، من أصل أكثر من 4 ملايين سوري يسكنون مناطق المعارضة السورية.

وتبقى الأزمة السورية إحدى أكبر الأزمات الإنسانية وأكثرها تعقيداً اليوم، لا سيما وأن مشكلة النازحين في الداخل السوري واللاجئين في الخارج مرتبطة بما ستؤول إليه الاتفاقيات الدولية والإقليمية بحسب المصالح للاعبين البارزين على الساحة السورية.

الغلاء في رمضان يكسر خاطر السوري قبل سفرته

font change

مقالات ذات صلة