فرنسا تحشد العالم لدعم اللبنانيين وتتعهد بـ100 مليون يورو مساعدات جديدة

في مساعٍ لانتشال بيروت من الانهيار

الرئيس الفرنسي خلال المؤتمر الافتراضي

فرنسا تحشد العالم لدعم اللبنانيين وتتعهد بـ100 مليون يورو مساعدات جديدة

باريس: قررت فرنسا عبر مؤتمرها للمانحين الدوليين الثالث في أقل من عام، انتشال لبنان من غرقه حيث يواجه انهيارا اقتصاديا وصفه البنك الدولي بأنه من بين أشد ثلاث أزمات في العالم منذ 1850... وحرصت فرنسا على أن يكون برعاية أممية كي لا تتهم بأنها تحن إلى مستعمرتها السابقة وقد نجحت في جمع نحو 50 دولة عبر تقنية الفيديو كونفرانس ممثلة بين رئيس جمهورية وملك ورئيس وزراء، شارك فيه الرئيس الأميركي جو بايدن، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والملك الأردني عبد الله الثاني، ورئيس وزراء كل من العراق والكويت وكندا، ووزراء خارجية بعض دول أوروبا، ومساعدو وزراء خارجية كل من قطر وسلطنة عمان، ونحو 13 منظمة دولية، و5 ممثلين عن المجتمع المدني اللبناني. لم يكن هذه السنة المؤتمر صدفة، فقد قرر ماكرون أن يعقد في يوم 4 أغسطس (آب) 2021، بعد عام من الانفجار الرهيب الذي عصف بميناء بيروت، ورغم أنه وجميع قادة وحكومات العالم في إجازاتهم السنوية إلا أنه شكر لهم أنهم أخذوا من راحتهم وقتا لإنقاذ لبنان في ذكراه الأليمة.

* يتوجب على القطاع المصرفي والمالي أن يلعب دوره الطبيعي في تمويل الاقتصاد الحقيقي

ترأس المؤتمر الرئيس إيمانويل ماكرون مناصفة مع الأمم المتحدة، وذلك من حصنه الرئاسي الصيفي قلعة بريجانسون كما حدث في العام الماضي، حيث يقضي عطلته السنوية في بورم لي ميموزا، جنوب شرقي فرنسا. في الواقع نجح ماكرون كما نجح سلفه صديق لبنان الكبير جاك شيراك في جمع أموال تفوق آمال الأمم المتحدة التي قدرت حاجات لبنان الجديدة بـ357 مليون دولار في مجالات عدة لا سيما المواد الغذائية والتعليم والصحة وتنقية المياه. حيث تعهد المشاركون بتقديم مساعدات جديدة للشعب اللبناني تصل إلى 370 مليون دولار. كما أعلنوا عن مساعدات عينية كبيرة وأكدوا أن هذه المساعدة الإضافية تهدف إلى إنقاذ الأرواح ولا تمثل بأي حال من الأحوال حلاً دائمًا للصعوبات التي يواجهها لبنان.

أكد المشاركون الدوليون أن المساعدات التي وعدوا بها قبل عام قد تم صرفها بالكامل، وفق إجراءات الشفافية التي التزموا بها. وأشار المشاركون إلى ضرورة تشكيل حكومة في لبنان دون تأخير تقوم بالإصلاحات الهيكلية المتوقعة من اللبنانيين والمجتمع الدولي ودعوا إلى محاسبة الطبقة السياسية اللبنانية سبب الأزمة التي تؤثر الآن على كل لبنان وكل سكانه. هذه الأزمة مركبة ومضاعفة فهي اقتصادية ومالية وسياسية، واجتماعية أيضًا، حيث لم تعد الاستجابة للاحتياجات الأساسية وتوفير الخدمات العامة الأساسية مضمونة لجزء كبير من السكان. وشملت الأزمة الغذاء وتحولت إلى أزمة إنسانية. ولهذا قرر المشاركون أنها أزمة سياسية، وتقع مسؤوليتها على عاتق القادة السياسيين اللبنانيين، الذين اجتهدوا لنحو 11 شهرا على استحالة تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات العاجلة. لقد أتاح مؤتمر فرنسا الثالث فرصة لمناقشة التدابير التي تتطلبها الأزمة المتفاقمة ويتطلب ذلك أولاً وقبل كل شيء تشكيل حكومة تنفذ الإصلاحات الموعودة منذ مؤتمر سيدر في 2018 والتي تم استدعاؤها في 1 سبتمبر (أيلول) 2020 في خارطة الطريق الفرنسية التي أقرتها جميع القوى السياسية اللبنانية. وأكد المشاركون أن تنفيذ هذه القرارات تظل حاسمة لأي دعم مالي هيكلي من جانبهم. ورحب المشاركون في المؤتمر بتعيين السيد نجيب ميقاتي رئيساً للوزراء، وطالبوا بتشكيل حكومة مكرسة لإنقاذ البلاد. كما أصبحت هذه الأزمة، في النهاية، أزمة ثقة بين الشعب اللبناني وقادته، وبينهم وبين المجتمع الدولي. واجتمع المشاركون على ضرورة أن تكرس الحكومة اللبنانية نفسها، منذ تشكيلها، لإطلاق وقيادة واختتام المفاوضات بحسن نية مع صندوق النقد الدولي  (IMF)كما يتعين عليها التحضير لانتخابات 2022، التي يجب إجراؤها بطريقة شفافة وحيادية وفقًا للجدول الزمني.

لاحظ المشاركون في المؤتمر أن إطار عمل 3RF (الإصلاح، الانتعاش، إعادة الإعمار) يعمل الآن، ويسمح بتنسيق أفضل للمانحين ودور مهم يعهد به إلى المجتمع المدني. يجب أن يبدأ «التسهيل المالي للبنان»، وهو صندوق متعدد المانحين تابع للبنك الدولي، وفق الالتزام بالتمويل دون عقبات بيروقراطية اعتبارًا من الأيام التالية لهذا المؤتمر، من خلال تقديم منح أولية للشركات الصغيرة والمتوسطة. يقوم المساهمون الحاليون بدعوة مانحين آخرين للانضمام إليهم.

بما أن الاقتصاد اللبناني في حالة ركود عميق، يتوجب على القطاع المصرفي والمالي أن يلعب دوره الطبيعي في تمويل الاقتصاد الحقيقي. يجب أن تبدأ معالجة الأزمة المالية دون تأخير، في إطار خطة وقانون قرار مصرفي يستندان إلى قواعد عادلة وشفافة تشارك فيها الجهات الفاعلة في هذه الأزمة المالية.

وأشار المشاركون إلى أن لبنان سيستفيد قريباً من حصته (حوالي 900 مليون دولار) من التخصيص الشامل وغير المشروط لحقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي، لمواجهة الركود وعواقب الأزمة الصحية العالمية. وأوصوا باتخاذ قرار بشأن استخدام هذه الموارد بشفافية كاملة، بالاشتراك مع المجتمع المدني، وإخضاعها للمراقبة في الوقت الحقيقي والتقييم اللاحق، وأخيراً، ضمان مساهمتها في تطوير السياسات العامة المناسبة. واتفقوا على متابعة هذا الموضوع عن كثب والتعامل معه.

 ورأى المشاركون أنه، وفقًا لتوقعات اللبنانيين، يجب إعادة التفكير في نموذج التنمية في البلاد من أجل إعادته إلى مسار التنمية المستدامة والموجهة نحو الإنسان. لا يمكن أن تكون المساعدات الإنسانية حلاً طويل الأمد، ويجب أن يكون تطوير برنامج مع صندوق النقد الدولي جزءًا من منظور تجديد الحوكمة ومنظور نموذج التنمية الجديد، ودعم خطة التنمية المستدامة لعام 2030.

 

تأخر نتيجة التحقيق

تشعر فرنسا والدول المشاركة بالقلق إزاء تأخير التحقيق في انفجار 4 أغسطس (آب). كما لاحظوا بقلق الوضع العملياتي لمرفأ بيروت. فطالبوا السلطات اللبنانية باتخاذ الإجراءات اللازمة، دون تأخير، لصيانة الميناء وإعادة إعمار الأجزاء المدمرة من المرفأ.

لكن المفارقة أنه بعد سنةٍ على وقوع التفجير الأسوأ في تاريخ لبنان، والأول على قائمة التفجيرات المرتبطة بمادة نيترات الأمونيوم عالمياً، لم يزل وجهاء لبنان وقضاؤه متخاذلين عن تقديمِ أيّ إجاباتٍ شافية للشعب اللبناني حول ملابساتِ التفجير. ويبدو أنهم حولوا بوصلة التحقيق نحو «من امتنعَ عن إتلاف المواد المتفجرة أو نقلها خارجَ المرفأ؟» بدلاً من «كيفَ وقع التفجير؟»، و«من نفّذه؟» و«لماذا خُزّنَت المواد المتفجّرة في مرفأ بيروت طيلة سبعة أعوام؟»، و«من خلفها؟». وكأن القرار اتُخِذَ بالفعل لتصنيفِ التفجيرِ على أنه «حادثٌ» رغم خطورة مسؤولية التفجير الأضخم في تاريخ بلدهم. فجميع المتربّعين في القيادات الإدارية والأمنية والسياسية والقضائية اللبنانية كانوا يعلَمون بتخزين ترسانة نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، بمَن فيهم رئيس الجمهورية الحالي، ورؤساء الحكومة المتعاقبون منذ 2013، ووزراء المالية والأشغال والنقل والداخلية المتعاقبون منذ 2013، وقادة الأجهزة الأمنية الموجودة في المرفأ. بل إن النائب العام القاضي غسان عويدات كانَ، هو الآخر، يعلَم، ومثلُه النائب العام العسكري في حينه القاضي بيتر جرمانوس. كل هذا لا يستوعبه الرئيس ماكرون ولهذا تطالب فرنسا منذ اليوم الأول للجريمة بمحاسبة المسؤولين من أعلى الهرم إلى أسفلِه. المفاجأة أنه قبل مثول هؤلاء المطلوبين الجدد للعدالة بعد استدعائهم كـ«مدعى عليهم»، تضافرت الهمم السياسية المتنوعة منعاً لمثول المسؤولين المغاوير أمام القضاء.. فقد كادَ المريبُ أن يقول خذوني. وهذا ما أشعل غضب ماكرون وقال موجها حديثه للشعب اللبناني العام الماضي حينما رفض حكام البلاد تنفيذ وعودهم له بتنفيذ خارطة الطريق التي سلمها لهم لإصلاح المنظومة السياسية والاقتصادية اللبنانية، فقال كلمته الشهيرة بكل حزن وأسى: «إنني آسف على طبقتكم السياسية الفاسدة»...

لهذا دعا ماكرون في المؤتمر الدولي إلى التحقيق حول انفجار مرفأ بيروت الذي لم تصدر نتائجه بعد، مع مرور سنة على الكارثة. مؤكدا أن «المسؤولين اللبنانيين مدينون لشعبهم ولنا بالحقيقة والشفافية»، مضيفا: «تعاونت فرنسا ودول أخرى لتوفير كل المعلومات المتاحة لدينا ونحن مستعدون لأي تعاون فني» لا يزال ضروريا في إطار التحقيق «الذي يترقب كل الشعب اللبناني» نتائجه.

وانتقد الرئيس الفرنسي للمرة الثالثة على التوالي الطبقة السياسية اللبنانية التي وصفها بأنها «فاشلة» وألقى اللوم عليها في الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد. وقال ماكرون: «يراهن زعماء لبنان فيما يبدو على استراتيجية المماطلة، وهو أمر مؤسف، وأعتقد أنه فشل تاريخي وأخلاقي». وأضاف: «لن يكون هناك شيك على بياض للنظام السياسي اللبناني. لأنهم فشلوا منذ بداية الأزمة وحتى من قبلها». لقد ساهمت تناقضات الطبقة السياسية اللبنانية وميليشياتها وعدم وعي طوائفها بعدم انخراطها في المسلسل الإنقاذي اللبناني في تعميق خيبة الأمل الفرنسية والدولية. لا شك أن وتيرة التصعيد الدولي تجاه الطبقة السياسية مع تفعيل الإطار الأوروبي لفرض عقوبات على هذه الطبقة السياسية يبقى الحل الوحيد الذي يملكه ماكرون عبر ورقة المجموعة الدولية للضغط على لبنان.

* يجب أن تبدأ معالجة الأزمة المالية دون تأخير، في إطار خطة وقانون قرار مصرفي يستندان إلى قواعد عادلة وشفافة تشارك فيها الجهات الفاعلة في هذه الأزمة المالية

تحاول فرنسا ومن ورائها المجموعة الدولية إنقاذ الشعب اللبناني، ولكن بأن لا تصل المساعدات الفرنسية والدولية عبر القنوات الحكومية وقنوات الدولة كي لا يسرقها لصوص لبنان وطبقته الفاسدة التي نهبت ما يزيد على 380 مليار دولار، هي واردات الدولة وودائع اللبنانيين، وأموال مؤتمرات باريس 1 و2 وباريس 3، وسيدر وغيرها من مؤتمرات شيراك وماكرون التي لم تف أي منها بوعودها بسبب سرقة أموالها كان آخرها نجاح ماكرون خلال أبريل (نيسان) 2018، في تعبئة المجتمع الدولي في مؤتمر سيدر، حشد في إطاره استثمارات كبيرة- أكثر من 11 مليار دولار خصصها لإصلاحات الحوكمة والتحديث. ولم يحدث أي من هذه الإصلاحات وما زال لبنان متعثرا اقتصاديا واللبنانيون متعسرين، تغيرت معالم حياتهم وعرف جزء من شعبه الجوع واختفاء اللحوم من موائدهم وعادت بهم إلى زمن صعب ذكروا فيه أجواء الحرب العالمية الأولى ومجاعة الحرب الأهلية وهذا لا يليق بلبنان وشعبه الذين كانوا دائما بمثابة منارة حضارية وثقافية في بلد كان إلى زمن قريب يعتبر سويسرا الشرق. وطمأن اللبنانيين الغاضبين إلى أن فرنسا لن تقدم شيكات على بياض لزعماء البلاد. وقال إن «لبنان يستحق أن لا يستمر بالعيش معتمدا إلى ما لا نهاية على التضامن الدولي». وقرر ماكرون أن يصل الدعم المالي عبر تجمعات ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية بمراقبة وتعاون الأمم المتحدة. فأول وأجمل ثروة للبنان هي شعبه. ويلاحظ ماكرون ونحن معه بأسى أن الأزمة وآثار المأزق السياسي تجبر المزيد من اللبنانيين على مغادرة بلادهم. وفي هذا خطر كبير على مستقبل البلاد وسيقوض بالفعل قطاعات التميز في لبنان، ولا سيما التعليم والصحة. وشدد ماكرون على أن «الأزمة التي يشهدها لبنان لم تكن حتمية بل أتت نتيجة إفلاس شخصي وجماعي واختلالات غير مبررة». مضيفا: «الطبقة السياسية اللبنانية مجتمعة استمرت في تعميق (الأزمة) من خلال إعطاء الأولوية لمصالحها الشخصية والطائفية وأنصارها قبل مصالح الشعب اللبناني».

على ضوء هذا شدد المشاركون في المؤتمر على أن تشكيل حكومة للشروع في الإصلاحات المطلوبة بشكل عاجل هو الخطوة الأولى في جهد متواصل للاستجابة للتحديات التي يواجهها لبنان. يقف المشاركون إلى جانب اللبنانيين في هذا الطريق، ويعتزمون مواصلة حوارهم مع المؤسسات الوطنية والمجتمع المدني اللبناني. ويؤكدون عزمهم على نشر جميع الوسائل المتاحة لتقديم المساعدة المباشرة للسكان. لكن سيتطلب توفير المساعدة الاقتصادية والمالية الهيكلية تغييرات بعيدة المدى من جانب السياسيين اللبنانيين.

 

فرنسا تعهدت بـ100 مليون يورو مساعدات 2022

بعد أن منحت فرنسا لبنان 85 مليون يورو في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلن رئيس الجمهورية الفرنسية في المؤتمر عن وضع فرنسا تعهدات جديدة بقيمة 100 مليون يورو إضافية على مدى اثني عشر شهرًا قادمة، لدعم سكان لبنان في قطاعات التعليم والزراعة والسلع الغذائية والصحة. حيث أعلن عن تسليم فرنسا 500 ألف جرعة فايزر.

* هل سيتمكن ماكرون هذه المرة من قهر فشل فرنسا في لبنان وإنقاذ شعبه قبل أن ينشغل في حملته للانتخابات الرئاسية التي تنتظره في مايو 2022 أم سيكون لطهران كلمة أخرى

وتوجه إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالتأكيد على التقدير الذي يكنه له، ولشخصيته المناضلة من أجل الحرية، ودعاه إلى «تشكيل حكومة وإيجاد التسوية اللازمة، وتطبيق الورقة التي تم التوصل اليها قبل عام من الآن»، وأضاف أن «الأولوية الملحة الآن هي لتشكيل حكومة بإمكانها اتخاذ تدابير استثنائية في خدمة الشعب اللبناني».

وقال: «لقد تمكنا من اتخاذ تدابير صارمة ضد الشخصيات المنخرطة في الفساد والتعطيل السياسي في لبنان، ووضعنا مع شركائنا الأوروبيين نظاما خاصا بالعقوبات من أجل لبنان، ولا يجب على المسؤولين فيه أن يشكوا في تصميمنا على تطبيق هذه العقوبات».

هل سيتمكن ماكرون هذه المرة من قهر فشل فرنسا في لبنان وإنقاذ شعبه قبل أن ينشغل في حملته للانتخابات الرئاسية التي تنتظره في مايو (أيار) 2022 أم سيكون لطهران كلمة أخرى مع قدوم رئيسها الجديد المتهم بجرائم ضد الإنسانية؟ هذا ما ستعلنه الأحداث القادمة وإن غدا لناظره قريب.

 

 

 

font change