كيف نمنع الحرب الأهلية في الشرق الأوسط!؟

كيف نمنع الحرب الأهلية في الشرق الأوسط!؟

[caption id="attachment_55251427" align="aligncenter" width="620"]مسلحو "داعش" يسيطرون على مدينة الموصل في العراق مسلحو "داعش" يسيطرون على مدينة الموصل في العراق[/caption]

حسنًا... ليبيا يتقاتل أبناؤها، وداعش احتلّت الموصل والحوثيون يقاتلون الحكومة التي تقاتلها القاعدة، وأهل الهامش في كلّ دولة يتحضرون لحرب ضد أهل المركز، وإحساس الكراهية يتعاظم، حتى أنّ السؤال المنطقي صار "هل نريد حقًا أن نعيش معًا"!

الجواب عن سؤال الرغبة في العيش المشترك إمّا أنّ يكون عبر الصناديق وعقود التأسيس الاجتماعية، وإمّا أن يتميّز الناس غضبًا ويتصاعد خلافهم لتصير بينهم الحرب. في الحقيقة يبدو الاعتراف بأنّ المنطقة تقترب إلى حربٍ أهليّة -تبدأ داخليّة ثم تتسع رقعتها-أمرًا ثقيلاً على النّفس ولكنّ معطيات التاريخ والسِّياسة تدق جرس الإنذار، وتجاهل هذه النُّذر يعقّد الأمور، ويزيد من عدد القتلى.

يتفق الباحثون أنّ جهود تسوية الصراعات العنيفة بعد حدوثها تكون أكثر كُلفة من العمل على الوقاية منها وتداركها، وذلك حسب تأكيد أستاذ العلوم السياسية سامي إبراهيم الخازندار في دراسته "المنع الوقائي للصراعات الأهليّة والدولية - المجلة العربية للعلوم السياسة، ص26)؛ ويضيف عليه بيتر والنستسين وفريدا مولير (Peter Wallensteen& Frida Moller) في ورقة مشتركة قدماها في أكتوبر (تشرين الأول) 2013 بعنوان (منع الصراعات عبر آلية "معرفة المجهولات")، تناولت تقييم التعامل المباشر مع النزاعات إبّان نشوبها وكان الجديد في دراستيهما هو تقييم آليات التعامل مع النزاعات الأهلية وتصنيفها، وحاكما إطلاق وصف "فشل" و"نجاح" على عمليات احتواء النزاع بتتبع النِّزاعات الأهليّة وغيرها منذ انتهاء الحرب الباردة، وفَصّلا آليات المعالجة؛ فهي على المدى القصير تقضي بدخول طرفي النزاع في هدنة وحوار؛ وبَذل الجهود لتقييد العنف، وأكدا أنّ النجاح على مداه الطويل يعني أنّ "مُنتِج بُنية الصراع" تمّ تحديده، وأن خطةً لقلب الصراع وتحويله إلى تعايش جرى تحديد ملامحها، وبُنِيت عليها المصالح الاقتصادية والسياسية لإكساب السلام استمراريته. ولعلنا نُدرك أن "عدم الحرب" لا يعني أن الخطر زال، ما دامت القابليّة موجودة وتنتقل في اللاوعي الشعبي، فمجرّد انسراب الصراعات وآثارها لذاكرة "الطائفة؛ القبيلة؛ الأقليّة، الحزب"، يُشَكِل دُعامة لثقافة الانتقام التي تُستدعى عبر المكوّنات الخاصة (الدين، الطائفة، العرق، الأيديولولجيا) بعد أن تفصل عن الوطن، وتلعب الدّور الأبرز في حرف الخلاف السياسي إلى نزاعٍ مسلح وحرب أهليّة.

إذًا، إنّ أولى خطوات احتواء النزاع هو تحديد "هيكله"، وتخيّل إمكانيّة اندلاعه وامتداده على نطاق واسع، والاستعداد لامتداده الزماني (عبر الأجيال) والمكاني (الجغرافي)، ويمكن استحضار ما يصير جرّاء امتداد أحداث سوريا لدول جوارها، بكل ما في الحرب السورية من تشوّهات متداخلة ومركبة. ففي حالات خاصة قد لا تنتقل الأحداث بوجهها السياسي فقط ولكنها تتحول إلى "حرب دينية" و "عرقيّة" وغيره وفقًا لمعطيات انتقال الصراع، ورغبات الامتداد، حتى تخرج عن السيطرة. بالإضافة لعامل "تحالفات عابرة للدولة" لأطراف النزاع الأهلي.

يبدو الجزم بموعد انطلاق أيّة حرب أهلية ضربًا من التنجيم، ولكن بدراسة محددات النزاع وتطوّره فإنّ "ثقافة الرد"، هي الشرارة التي ينبثق عنها الانتقام، فهجمة صغيرة قد يتولّد عنها ردة فعل حمقاء، باستخدام قوّة باطشة، أو إنشاء تحالف "أهلي" إقليمي عابر للدول (كما صار في أحداث القصير؛ ويتوقع أن يصير بسبب تلعفر في العراق إن صحّ الزعم حول احتلال داعش للموصل في 10 يونيو(حزيران) 2014، فالرد هنا يغيّر القصة كاملة.

من المهم إدراك أنّ شكل الصراع بعد اندلاعه يأخذ طابعًا عرقيًا أو دينيًا أو إيديولوجيًا، بالرّغم من أنّ المسبب الرئيس هو سوء تدبير سياسي اقتصادي، ولعل من يشاهد الاقتتال المحزن في إفريقيا الوسطى خلال الربع الثاني من 2014 إلى الآن؛ يصعب عليه أن يتخيّل أن المسلمين والمسيحيين كانوا يعيشون في تسامح وتعايش حقيقي قبل عشرات السنين، وأنّهما ظلا في نضال مشترك سواء ضد الديكتاتوريّات المتعاقبة أو لأجل التطوّر، ولا يظنّ أنّ أخطاءً سياسية واقتصادية بحتة يتحمّلها فرانسو بوزيزيه (الرئيس الأسبق) وميشيل جوتوديا (محمد ضحيّة) هي ما أودت بالبلاد إلى أتون حرب دينية بدأتها هجمات غير مبررة من عناصر "السيلكا" وأعقبتها ردة فعلة انتقامية من مليشيات "انتي بلاكا"، وبالطبع يزيدها الأطراف الخارجيين استعارًا، وكلّ من يريد تحليلها لا يمكنه أن يفهم الأساس السياسي الذي خلق الصراع بسهولة!

هي فرضيّة صادمة، التخويف بأنّ النّزاع داخل البلدان العربيّة يتحرك ليصير أهليًا ومسلحًا معًا، ويتقدّم ليشكل هيكلاً بنيويًا لحرب أهليّة لها ذاكرة تورّث، وأنّ ذلك يتطلّب عملاً كثيفًا، لدراسة آليات تقليل هذا الاحتمال، وتفكيك "وعي الانتقام"؛ في ظل انتصار "إحساس الكراهية" والتنافر داخل أبناء الوطن الواحد، وانحسار رأس المال الاجتماعي للدول والأنظمة والكُتل الوطنية؛ والإحساس بانعدام التنمية جعل العقد الاجتماعي مهترئاً، وهذا كله يتطلب شجاعة الاعتراف، للاحتراس منه، ولإنقاذ المجتمعات قبل أن تقع فيما لا يمكن تداركه. فعلى كل دولة حكامًا ونخبا، أن يحددوا ضمن مخاطر الأمن القومي النزاعات الأهليّة، وكيف تقاوم وتفكك. والتأكيد بأن كل دولة لها إطار عملها وأطراف نزاعٍ محتملين وتحالفات متوقعة، هو أمر واضح.

بوسعنا الآن فعل شيء، تحفيز الجميع لوضع آلية لتفكيك النزاعات، واجتراح أفكار لتقويّة شعور جمعي يصهر الاختلافات، وسنّ تشريعات مكافحة التميز لصالح تعزيز الهوية الوطنية، وبناء المواطنة على التراضي، والسعي "لصناعة حكماء لهم كلمة مسموعة"، ومعالجات لثقافة "داحس والغبراء"، وترجيح لمفاهيم التسوية والمصالحة الوطنية.

إننا نحتاج لقدر قليل من البصيرة، والنظر إلى كوكبنا من ارتفاع مناسب لندرك أنّ كل الحروب في العالم هي حروب أهليّة، ونزاع غريب، لعل هذه البصيرة تغنينا عن الفصل السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة.
font change