سنتان على الاحتجاجات.. ولا شيء

سنتان على الاحتجاجات.. ولا شيء

يكاد لبنان يدخل عامه الثاني على الأزمة الاقتصادية الحادة التي ترافقت مع اندلاع احتجاجات شعبية في مختلف المناطق والتي يحلو للبعض تسميتها «ثورة 17 تشرين». منذ سنتين والخبراء والمحللون السياسيون يحذرون من الانهيار الكبير أو من الاقتتال الأهلي.

عند كل عنف يحصل بين الجماعات الأهلية اللبنانية على خلفيات حياتية والتي ظهرت مع نقص في مواد البنزين، يقولون: «الآتي أعظم». مع أن كل المؤشرات والأرقام تدل على أن الانهيار كبير. الشيء اللافت الوحيد هو تأقلم أغلبية الناس الباقين في البلد مع هذا الانهيار. لأنه للحقيقة كثر هم من قرروا الهجرة وفضلوا عدم انتظار الأعظم الذي يحذر منه كثر.

لا أحد يملك أرقاما عن الأعداد التي هاجرت، ولكن تأتيك الأخبار من الإمارات مثلا أو حتى قبرص بأن الأهل الذين قرروا الهجرة إلى تلك البلاد لا يجدون مقعدا دراسيا واحدا لأولادهم، بما أن المدارس استنفدت قدراتها الاستيعابية هناك. أما في باريس فقد أعلنت الحكومة الفرنسية تسهيل أمور الطلاب الوافدين من لبنان وقبولهم، حتى لو تعدوا مهلة التسجيل. كما أن هناك صورا تأتي من مطار رفيق الحريري الدولي الذي يعج بالناس الذين يتركون لبنان أو صورا عن طالبي جوازات سفر أو شهادات جامعية.. إلخ.

وبالمناسبة الهجرة من لبنان  ليست حكرا على من يستطيع دفع ثمنها. هناك من باع أغلى ما يملك من أجل أن يؤمن بطاقة سفر لابنه الوحيد كي يستطيع أن ينجو من «جهنم».

يبدو أن عامة الناس لديها حدس في غالب الأوقات يصيب؛ فلم تعد تنتظر تأليف حكومة، ولا وضع خطة اقتصادية للنهوض من القعر، ولا إقرار قوانين الكابيتول كونترول، أو مبادرة لإنقاذ القطاع المصرفي عبر إعادة تنظيمه، أو حتى استعادة بعض من أموالهم التي ابتلعها نظام الحياد اللبناني.

هم أيضا على ثقة بأن الانتخابات النيابية لن تغير في الأحوال شيئا بعكس بعض الساسة الذين يبشرونهم بعجيبة ستحصل ما إن تفتح صناديق الاقتراع.

* لقد أصبحنا على مشارف شرق أوسط جديد، حيث بلدان المشرق مفككة تحكمها مجموعات غير حكومية مسلحة، لها مرجعيتها في إيران، برضا وموافقة غربية. أليس هو الواقع في سوريا والعراق ولبنان واليمن وغزة طبعا.

وهم على حق. لن تغير الانتخابات النيابية شيئا كبيرا؛ أولا طالما هناك خارج المجلس من يملك السلاح والمال «زينة الرجال»، وأن التغيير المطروح الوحيد لدى بعض الطوائف هو تبديل في هوية شاغر المقعد النيابي.

الناس باتت تعرف أنه لن يكون انفجارا أو انهيارا. مجرد تدجين الذات على التعود على نمط حياة مغاير.

الناس تعرف سلفا أن الانهيار الذي يتحدث عنه يوميا المسؤولون وجماعتهم الصحافية هو لاستجداء نجدة الغرب. يريدون أموالا دون إصلاحات، فوحش الزعامة لا يشبع.

الناس تعرف أن جل ما سيحصل هو الإقبال على نمط حياة مضنٍ ومتعب. فالدراسة و الطبابة مثلا سيتراجع مستواهما بشكل كبير، لن تغلق المدارس أبوابها أو تتوقف المستشفيات عن استقبال المرضى إنما سيتدنى المستوى الخدماتي  الذي كانوا يقدمونه قبل انهيار العملة والأزمة الاقتصادية. لذا فإن المواطنين يفضلون الرحيل.

يرحلون وهم على دراية بأن الأمور لن تتغير.

أصبحوا مقتنعين بأن بايدن لن يرسل أسطوله لكي يمنع السفن الإيرانية من الرسو في مرفأ بيروت، كما أنه لن يعاقب لبنان أو مصارفه على شراء حمولتها من قبل «رجال أعمال شيعة». استمعوا على مدى أيام للمحاضرات التي خصصت لمخاطر المجيء بالسفن الإيرانية إلى لبنان، وتابعوا سيل النكات التي أطلقها اللبنانيون حولها، المشككة في إبحارها أو قدومها. ولكنهم لم يضحكوا. بل يأسوا أن تقابل المآسي في لبنان بالخفة التي تنشرها وسائل التواصل الاجتماعي.

ثم الذين يرحلون يتذكرون كيف أن أميركا لزمت لبنان لسوريا ثمنا لالتحاقها بحلف تحرير الكويت من غزوة صدام حسين. هكذا يومها اقتضت مصالح العمّ سام من لبنان دفع الثمن أو الأصح بعض اللبنانيين دفعوا الثمن. الباقون تأقلموا على نمط آخر من السياسة والاقتصاد.

هم باتوا أكثر اقتناعا اليوم، ومن بعد مشهد الانسحاب الأفغاني، بأن الولايات المتحدة لن تمانع في سيطرة إيران على لبنان أو حتى سوريا والعراق واليمن أيضا. فهل يصعب على من اتفق مع طالبان بعد أن أعلن محاربته، ومن ثم القضاء عليه، أن يتفق مع ملالي إيران؟

الناس تعرف أيضا وأيضا أن حزب الله لن يكون ثمنا في تلك المفاوضات الجارية بين إيران وإدارة بايدن،  كما يحلو للبعض الاعتقاد، لا بل ضامن لها. إيران لا تفاوض على مكتسباتها وأميركا لن تدخل معارك لا قيمة لها.

 الواقع يقول إن إيران بدأت بتمكين سيطرتها على العواصم التي افتخرت باحتلالها من خلال قوى محلية آيديولوجية مسلحة تملك المال، وأن هذه السيطرة لا تلقى معارضة تذكر من قبل الأميركيين حتى الساعة. فروبرت مالي المسؤول عن المفاوضات الإيرانية الأميركية والرجل الذي يسعى لتقارب بلاده مع نظام الملالي تطبيقا لرؤية أوباما للمنطقة صرح لمجلة «بوليتيكو» بأنه مستعد في حال فشلت المفاوضات  النووية لإيجاد اتفاقات جانبية وثنائية بين البلدين.

إذن ماذا بعد؟

بعيدا عن المعارضات الشعرية من قبل من يتنكر للواقع، لقد أصبحنا على مشارف شرق أوسط جديد، حيث بلدان المشرق مفككة تحكمها مجموعات غير حكومية مسلحة، لها مرجعيتها في إيران، برضا وموافقة غربية. أليس هو الواقع في سوريا والعراق ولبنان واليمن وغزة طبعا.

font change