ما أهمية وادي بنجشير المتنازع عليه في أفغانستان؟

معقل «الأسود الخمسة» بين طالبان وجبهة المقاومة

حركة طالبان تعلن سيطرتها بالكامل على وادي بنجشير (أ ف ب)

ما أهمية وادي بنجشير المتنازع عليه في أفغانستان؟

أعلنت حركة طالبان انتصارها على معقل جبهة المقاومة الوطنية في إقليم بنجشير الأفغاني، وقال متحدث باسم طالبان إنّ المنطقة «تم احتلالها بالكامل» بعد أسبوعين من القتال العنيف مع المجموعة المقاومة.
لكن جبهة المقاومة الوطنية في أفغانستان، الجماعة المناهضة لطالبان، نفت سيطرة الأخيرة على بنجشير، عبر متحدثها علي نزاري الذي قال إنّ «المقاومة منتشرة في جميع أنحاء الوادي».
واندلع قتال عنيف يوم الأحد في أجزاء من وادي بنجشير بشمال أفغانستان، بين جبهة المقاومة الوطنية وحركة طالبان، في ظلّ تمايز الأخبار بين الطرفين حول السيطرة الكاملة على وادي «الأسود الخمسة».
وكانت بنجشير آخر معقل متبق من بين مقاطعات أفغانستان البالغ عددها 34 لمقاومة طالبان، وفي حال تأكيد خبر سيطرة طالبان عليها، فهذا يعني أن طالبان تسيطر الآن على كافة المقاطعات الأفغانية.
وقال الناطق باسم الحركة ذبيح الله مجاهد في بيان له: «مع هذا الانتصار، خرجت بلدنا بشكل كامل من مستنقع الحرب. سيعيش الناس الآن بحرية وسلامة وازدهار».
وأضاف أن «متمردين قُتلوا وآخرين فروا، وتم إنقاذ سكان بنجشير المحترمين من محتجزي الرهائن. ونؤكد لهم أن أحداً لن يتعرّض للتمييز. إنهم جميعاً إخواننا وسنعمل معاً من أجل بلد وهدف".
فيما كتبت الجبهة الوطنية للمقاومة على «تويتر» أنها تسيطر على «مواقع استراتيجية» في الوادي، مضيفةً أن «النضال ضد طالبان وشركائها سيستمرّ».

عودة طالبان... نحو شراكة دولية وإقليمية أم فوضى قاتلة؟
أهمية وادي بنجشير «معقل الأسود الخمسة»

يدخل الانقسام الإثني في قلب الصراع السياسي في أفغانستان، ووادي بنجشير ليس استثناءً، فهو يحمل في طيّاته صراعاً عرقياً بين إثنية البشتون وإثنية الطاجيك.
 
وتأتي كلمة بنجشير من أصل فارسي: «بنج» (خمسة) و«شير» (أسد)، تقديراً للإخوة الخمسة الذين تقول الأسطورة إنّهم تمكنوا من احتواء مياه الفيضانات للنهر الذي يمر عبر الوادي في القرن العاشر. حالياً، يبدو أن «الأسد» الوحيد الذي يتذكره السكان المحلّيون هو مسعود، القائد المحلي الشهير الذي أصبح رمزًا للمقاومة ضد الروس وطالبان.
وبالنسبة للأفغان، يشير اسم «بنجشير» إلى ارتباطات بالمقاومة الطاجيكية ضد السوفيات خلال الثمانينات؛ لكن سحر المقاطعة الخاص يكمن في مناظرها الطبيعية وثرواثها المخزنة. إذ يتميّز وادي بنجشير بحساسية موقعه الاستراتيجي كمعقل المقاومة، وهو عبارة عن تضاريس جبلية غنية بالموارد المعدنية الثمينة على بعد 90 ميلاً شمال كابول، المنطقة الوحيدة بين مقاطعات أفغانستان البالغ عددها 34 التي ظلت خارج سيطرة طالبان.
وقد ساهم الزعيم الطاجيكي أحمد شاه مسعود، أحد قادة المقاومة الأفغانية ضد السوفيات، في جعل المنطقة معروفة في أواخر التسعينات، إلى حين تم قتله قبل يومين من تفجيرات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
وتضمّ الجبهة الوطنية للمقاومة بقيادة أحمد مسعود نجل القائد شاه مسعود، عناصر محليين وكذلك عناصر سابقين من قوات الأمن الأفغانية، الذين وصلوا إلى الوادي عندما سقطت سائر الأراضي الأفغانية بين أيدي طالبان.
ولم تسقط بنجشير يوماً سواء تحت الاحتلال السوفياتي في الثمانينات، أو في فترة حكم طالبان الأولى في التسعينات.
واقترحت الجبهة الوطنية للمقاومة ليل الأحد-الاثنين وقف إطلاق نار، بعد أنباء عن وقوع خسائر فادحة في الأرواح خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وقالت إنّها «اقترحت على طالبان وقف عمليّاتها العسكرية في بنجشير، وسحب قوّاتها. وفي المقابل سنطلب من قوّاتنا الامتناع عن أيّ عمل عسكري».

الإنقسام الإثني في أفغانستان يشكّل تحدياً جديداً لتشكيل الحكومة

يشار إلى أن البشتون هم أكبر مجموعة إثنية في أفغانستان ويشكّلون حوالى 42 في المائة من السكان، ويقيمون في المنطقة الواقعة بين سلسلة جبال هندوكوش شمال شرقي أفغانستان والقسم الشمالي لنهر إندوس في باكستان.
وهيمنت هذه المجموعة التي يغلب عليها الطائفة السنّة، وتتحدث لغة البشتو على المؤسسات السياسية الأفغانية منذ القرن الـ18.
الجدير ذكره أنّ معظم عناصر حركة طالبان هم من البشتون، حتى إن الرئيسين في ظل الحكومات السابقة المدعومة من الولايات المتحدة، حميد كرزاي وأشرف غني، ينتميان إلى إثنية البشتون.
أما الطاجيك فهم أقرب من الناحية العرقية إلى الفرس، وهم مجموعة عرقية إيرانية ناطقة بالفارسية موطنها آسيا الوسطى، وتعيش بشكل أساسي في أفغانستان وطاجيكستان وأوزبكستان. والطاجيك هم أكبر عرقية في طاجيكستان، وثاني أكبر عرقية في أفغانستان وأوزبكستان.
والطاجيك، هي لغة أخرى في غرب إيران، يتحدث بها أكثر من 7 ملايين شخص منتشرين على نطاق واسع في جميع أنحاء طاجيكستان وبقية آسيا الوسطى، وهي سهلة الفهم لمتحدثي اللغة الفارسية، التي ترتبط بها ارتباطًا وثيقًا، على الرغم من أنها قديمة في بعض النواحي.
وقد شهد وادي بنجشير قتالاً خلال الحرب الأهلية 1996-2001 بين طالبان و«التحالف الشمالي» تحت قيادة مسعود. وكان وادي بنجشير أحد أكثر المناطق أمانًا في أفغانستان وفي أواخر أغسطس (آب) 2021 أصبح المعقل الرئيسي لمقاومة طالبان في أفغانستان.
اليوم، يتعهد نائب الرئيس السابق أمر الله صالح وأحمد مسعود، نجل أحمد شاه مسعود القائد السابق للمجاهدين المناهضين للسوفيات، بمقاومة طالبان من بنجشير، التي صدت القوات السوفياتية وطالبان في الثمانينات والتسعينات.
أما وادي بنجشير المعروف باسم «وادي الخمسة أسود»، فهو مرشّح لأن يكون مصدراً للطاقة في أفغانستان، من خلال بناء العديد من السدود الكهرومائية. إذ يمكن للوادي أن يخلق قوة للعاصمة تمكنها من الاعتماد على نفسها، فلطالما كان بنجشير طريقًا سريعًا مهمًا في هذا الإطار.
ويتميّز الوادي بموقعه الجغرافي الذي يجعله حصنًا طبيعيًا، كونه يقع في شمال كابول في هندو كوش، ما يمنحه ميزة عن باقي أقاليم أفغاستان. فقد كان معقلًا للمقاومة ضد السوفيات في الثمانينات ثم ضد طالبان في التسعينات. ولطالما عُرف الوادي بأنّه منطقة المقاومة، ولم يتم احتلاله من قبل أي قوى- لا من قبل القوات الأجنبية ولا من قبل طالبان.
ولبنجشير القدرة على التحوّل إلى مركز لتعدين الزمرد. حتى خلال فترة العصور الوسطى، كانت المنطقة تشتهر بتعدين الفضة. فهناك مخزون ضخم من الزمرد البكر في الوادي، والذي يمكن استخدامه لتحقيق مكاسب مالية بمجرد أن تصبح البنية التحتية للتعدين جاهزة. كما أنّ جهود أميركا في أفغانستان، لناحية أعمال التطوير في بنجشير، ستمكّن الوادي من تحقيق أرباح طائلة.
عسكرياً، قاوم الطاجيكيون المعروفون بالمقاتلين العنيدين بتحدي كل السلطات الداخلية والخارجية. إذ قاوموا في وادي بنجشير روسيا وبريطانيا وفرنسا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين، على الرغم من أن هذه البلدان تستخدم أكثر أشكال مكافحة التمرّد فتكًا، لكنهم فشلوا أمام تصدي المتمردين الأفغان.
تجدر الإشارة إلى أنّ الولايات المتحدة اكتشفت تضاريس الوادي، وساعدت المجاهدين على هزيمة الاتحاد السوفياتي من خلال تزويدهم بالعتاد لإسقاط مئات الطائرات العسكرية الروسية في الوادي. أمّا الأهمية الاستراتيجية لوادي بنجشير، وجبل هندو كوش، على طول طريق سالانج السريع ومزار شريف، فتجعله أرضًا مثالية للمقاتلين لمواجهة طالبان.

الأمم المتحدة تطلق مؤتمراً لإغاثة أفغانستان

 
طالبان تتعهد بسلامة وأمن العاملين في المجال الإنساني

قالت الأمم المتحدة في بيان يوم الأحد إنّ سلطات طالبان «تعهدت بضمان سلامة وأمن العاملين في المجال الإنساني، ووصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين».
يأتي ذلك بعد أن التقى وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث مع المؤسس المشارك لطالبان ونائب زعيمها الملا برادار وشخصيات بارزة أخرى في طالبان، في كابول، لتأكيد التزام الأمم المتحدة بالمساعدات الإنسانية هناك.
وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في بيان: «في هذا الاجتماع، كرّر غريفيث التزام المجتمع الإنساني بتقديم المساعدة الإنسانية المحايدة والمستقلة والحماية لملايين الأشخاص المحتاجين».

 
طالبان تحتفل «بالسيطرة الكاملة» على وادي بنجشير

أظهرت صور ومقاطع فيديو انتشرت على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، راية بيضاء لطالبان مرفوعة على مكتب حاكم بنجشير في عاصمة الإقليم بازارك.
وقال المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد في تغريدة على «تويتر»: «بالجهود الأخيرة، وهذا النصر خرجت بلادنا تماما من دوامة الحرب».
وعلى الرغم من أنها لم تنكر سقوط مركز بنجشير في أيدي المسلحين، قالت جبهة المقاومة الوطنية إنّ مناطق أخرى في بنجشير ما زالت تحت سيطرتها.
وقال نزاري: «معظم منطقة بازاراك وجميع الوديان الجانبية تسيطر عليها جبهة المقاومة الوطنية».
وأضاف زعيم جبهة المقاومة الوطنية، أحمد مسعود، في منشور على «فيسبوك»، يوم الأحد، إنه يدعم رجال الدين في العاصمة كابول الذين دعوا إلى إنهاء القتال وإنه مستعد للحديث بمجرد سحب طالبان قواتها من بنجشير ومنطقة أندراب المجاورة.
وفي وقت سابق، قال المتحدث باسم طالبان بلال كريمي إن مقاتلي الحركة استولوا على جميع مناطق مقاطعة بنجشير باستثناء العاصمة في منطقتي بازارك وروخا، اللتين لا تزالان تحت سيطرة جبهة المقاومة الوطنية؛ لكن يبدو أن مقاتلي المقاومة يدحضون مزاعم طالبان.

 

font change

مقالات ذات صلة