الربيع العربي ومقتل زعيم "القاعدة".. هل هي نهاية فورة الجهاد

الربيع العربي ومقتل زعيم "القاعدة".. هل هي نهاية فورة الجهاد

[caption id="attachment_53" align="aligncenter" width="620" caption="أسامة بن لادن"]أسامة بن لادن[/caption]

في نهاية الثمانينات، أصبح رجل طويل القامة ذو كاريزما من عائلة مرموقة وثرية وجها جديدا للجهاد في أفغانستان. حظي بن لادن باستقبال الأبطال عند وصوله إلى السعودية قادما من المعركة. وقام بجولة في مدن الرياض وبريدة ومكة المكرمة بحماس المنتصر، وألقى محاضرة على الشباب السعودي عن ضرورة الجهاد ضد الكفار. اعتادت شخصيات بارزة في تيار الصحوة الاسلامي في التسعينات الترحيب بالشاب بن لادن في خطبها ومحاضراتها، والترويج له بين أتباعها بصفته نموذجا للشاب الملتزم. ولكن تغير الكثير في المملكة منذ الثمانينات، وتحول بن لادن الذي كان قدوة إلى ذكرى يريد الجميع نسيانها.

في الأول من مايو (أيار) عام 2011، قتل أسامة بن لادن في أبوت آباد بباكستان، ولم تتمكن حتى أخبار الربيع العربي أن تلقي بظلالها على هذا الخبر. من واشنطن إلى إسلام آباد، ذهل أتباعه وأعداؤه على حد سواء من النهاية المفاجئة التي كانت مرتقبة إلى حد ما لأحد أهم الشخصيات - لأسباب سيئة في مجملها - في العقد الماضي. ساهم أيضا الدفن في البحر - لتفادي تحويل قبره إلى مزار يرتاده أتباع بن لادن للتبرّك وإحياء أفكاره وأسباب أخرى - في الأهمية التراجيدية لإرثه.

تطرح حاليا العديد من السيناريوهات في ما يتعلق بمستقبل تنظيم القاعدة الذي أسسه بن لادن. ومن بين هذه السيناريوهات نهاية تنظيم لديه عدد هائل من الأتباع. وتأييدا لهذه الإمكانية، تأتي حقيقة أنه بالإضافة إلى مقتل زعيم التنظيم، فانه حتى الآن لم تلعب «القاعدة» أي دور في أحداث الربيع العربي. في الواقع، لم تترك معظم المبادئ التي طالب بها المحتجون في شوارع مصر وتونس وصنعاء - من حريات وتمثيل سياسي ومحاسبة المسؤولين - التي تجاوزت مطالب «الخبز» أية مساحة لـ«القاعدة» لكي تؤدي دورا ذا أهمية في المستقبل السياسي في المنطقة. وأصبح الربيع العربي يمثل بصورة غير مباشرة رفضا جماهيريا لرؤية «القاعدة» للمنطقة، كما يوضح هذا الرأي.

قبل الإسراع بالإعلان عن نهاية «القاعدة»، ومن أجل التنبؤ بالسيناريوهات المختلفة عن الاندثار المفاجئ للتنظيم، من الحكمة أن نحاول استيعاب ماهية «القاعدة» اليوم، بل وأيضا كيف كان دور بن لادن داخل «القاعدة»، وكيف أصبح السعودي الشاب، الابن لملياردير، متطرفا يخشاه العالم.

أسامة في شبابه


ولد أسامة، الذي يُعتقد أنه الابن السابع عشر لمحمد بن لادن، من بين 54 من الأبناء، في 1957. وفي غضون عشرة أعوام تقريبا، أصبح محمد، الذي كان مهاجرا يمنيا فقيرا يكافح يوميا من أجل كسب قوته، مليارديرا، بسبب شركة الإنشاءات التي أسسها، وبفضل سياسة الملك الفيصل النهضوية. لقد عاد البرنامج الذي قاده الملك فيصل لتحديث البنية التحتية للمملكة بالنفع الكبير على شركة بن لادن.

في صباه، كان أسامة يلعب في مواقع الإنشاء في الحجاز، حيث أقامت شركة والده كثيرا من المشاريع. ولكن لم يعرف أسامة والده جيدا، حيث توفي الوالد في عام 1967 عندما كان عمر أسامة 10 أعوام فقط.

وعلى النقيض من معظم أبناء محمد بن لادن، لم يسافر أسامة إلى الخارج للدراسة في الجامعات الأميركية أو البريطانية الكبرى. ولكن التحق أسامة، الذي يصفه ستيف كول في «حروب الشبح» بـ«الطالب الجامعي سريع التأثر الذي يحصل على منحة سنوية قيمتها مليون دولار»، بجامعة الملك عبد العزيز المرموقة المحافظة في جدة.

كان من بين مدرسي أسامة، عبدالله عزام المؤسس الروحي لحركة حماس - وقد تلاقى مساراهما من جديد في أفغانستان – ومحمد قطب، شقيق ومحرر وناشر ومروج أفكار الداعية المصري الراديكالي الشهير سيد قطب، الذي أعدم شنقا عام 1968 في مصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر. ومن بين أفكار سيد قطب، بالإضافة إلى معاداته المتأصلة للعلمانية والأمركة، مفهوم التكفير، الذي يمكن وفقا له أن يوصم مسلمون بالكفر وبالتالي يحق اتخاذ إجراء عنيف ضد "الكفار".

إذا كانت هناك شكوك في أن اتصال بن لادن المباشر مع كل من عزام وشقيق قطب قد شكل على نحو حاسم أفكاره ونظرته نحو العالم، فيجب أن يبددها تذكر أن طالبا آخر من طلاب قطب كان أيمن الظواهري الذي أصبح في ما بعد عضوا في جماعة الجهاد الإسلامي، ويعتبر واحدا من مستشاري بن لادن نفسه.

صعود وسقوط بطل


من دراسة علم الاقتصاد في جدة، إلى معسكرات التدريب في أفغانستان وباكستان، حيث انضم المتطوعون العرب إلى المجاهدين الأفغان في معركتهم ضد الغزاة السوفيات الملحدين، كانت مجرد خطوة بسيطة طبيعية اتخذها بن لادن. في ذلك الوقت، كان بن لادن مثارا للإعجاب – لهؤلاء الذين يمكنهم تجاهل أو تأييد أفكاره العنيفة – بسبب تخليه عن حياة الرفاهية الدنيوية في سبيل الجهاد.

كان بن لادن يملك خططا أخرى بخلاف طرد قوات الاتحاد السوفياتي من أفغانستان. كان من بين أهم أهدافه الإطاحة بما رآه أنظمة فاسدة في جل أنحاء العالم الإسلامي. وفي سياق غزو صدام حسين للكويت، وبعد أن رفضت دعوته لغزو العراق لمنع أي وجود عسكري للولايات المتحدة في الخليج، أصبح بن لادن معارضا وتم نفيه منها في نهاية الأمر.

وفقا لما كتبه فواز جرجس في «العدو البعيد»، أصبح «الجهاد عالميا» في بداية التسعينيات، بعد انسحاب قوات الاتحاد السوفياتي من أفغانستان. وظهرت مناهضة أسامة بن لادن لأميركا وخطط العنف في مؤتمر الجبهة الإسلامية العالمية لمحاربة اليهود والصليبيين في 1998. وكانت تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا، والهجوم الأول على مركز التجارة العالمي في 1993، والهجوم على مدمرة البحرية الأميركية «يو إس كول» في ميناء عدن اليمني في 2000، وهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) الذي سيتذكرها رفاقه باعتبارها عمله الإبداعي ويتذكرها الجميع بأسى وحزن وكراهية من أكثر فصول حياة بن لادن وتنظيم القاعدة دموية.

ولم تكن موجة العمليات الانتحارية التي هزت أرجاء العالم الإسلامي من المغرب إلى السعودية وإندونيسيا والتي تنسب إلى تنظيم القاعدة والجماعات المشابهة لها أو الجماعات الأخرى التابعة للتنظيم أقل مأساوية وأهمية. وقد اتضح أن ذلك الاستهداف العشوائي للمسلمين هو أكبر خطأ استراتيجي ارتكبه بن لادن وهو الخطأ الذي وجه ضربة قاصمة لشعبية «القاعدة» مما دفع عددا من الخبراء للحديث حول اقتراب انهيار التنظيم. كما أنها أدت إلى شق صفوف الجماعات الجهادية التي انتقدت غالبيتها علانية تنظيم القاعدة وأعلنت اختلافها حول المسار الذي يجب على الحركة الجهادية بشكل عام أن تتخذه.

بعد عشر سنوات، وبعد غزو أفغانستان - الأكثر إثارة للجدل - وغزو العراق (الذي منح تنظيم القاعدة فرصته الذهبية)، وعشرات الآلاف من الضحايا، ومليارات الدولارات التي أنفقت - أو التي أهدرت وفقا لنظرتك للأمور - قتل بن لادن. ولا تبدو حقيقة أن مقتله يمثل انتصارا رمزيا لـ«الحرب على الإرهاب» – وهي السياسة التي أصبحت مع الوقت محل انتقادات متزايدة والتي وصفها الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنها «الحرب على القاعدة» - محلا للشك. فقد ذهب القائد التاريخي لتنظيم القاعدة، العقل المدبر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، وعدو العالم الغربي ومنظومة القيم التي يعكسها. إلا أنه وكما قال أوباما في تصريحه الرسمي: «إن موت بن لادن يمثل الإنجاز الأعظم في إطار مساعي أمتنا لهزيمة تنظيم القاعدة حتى وقتنا الراهن ولكن موته لا يمثل نهاية تلك الجهود. فمما لا شك فيه أن تنظيم القاعدة سوف يستأنف هجماته ضدنا».

بين التكيف والانتشار


ويشير الخبراء إلى أن الحركة السلفية - الجهادية تعتمد إلى حد بعيد على الشخصيات الكاريزمية. وبالتالي فإن شخص بن لادن، أخذا في الاعتبار ثقله الآيديولوجي والرمزي والمالي في تنظيم القاعدة، لا يمكن استبداله. ولكن المسار الذي اتخذه بن لادن، حتى أصبح بن لادن، يقتضي الحذر في الحديث عن أن وفاته تمثل ضربة قاضية لتنظيم القاعدة. فربما يكون هناك بن لادن واحد، ولكن قصة الشاب الذي اعتنق الأفكار الراديكالية واختار في النهاية السلفية - الجهادية التي تتسم بالعنف يمكن بسهولة أن تتكرر.

فربما يكون بن لادن قد ذهب ولكن الظواهري والعولقي وغيرهما ما زالوا موجودين. وسوف يستمرون في إلقاء الخطب ونشر بذور الراديكالية سواء على نحو مباشر أو عبر الإنترنت من القرى النائية في باكستان واليمن إلى العواصم الغربية محاولين ترويج قضية تنظيم القاعدة واستقطاب الشباب الصغير.

ومن جهة أخرى، ربما يكون تنظيم القاعدة كما كان من قبل (له قاعدة دائمة وبنية مركزية وقيادة واضحة) لم يعد موجودا. ولكن، وكما يقول الخبير في مواجهة الإرهاب بيتر بيرغن، ووفقا لتحليل مكتب التحقيقات الفيدرالي، فإن تنظيم القاعدة «يرى نفسه دائما كقيادة حركية آيديولوجية وعسكرية تسعى للتأثير على الجماعات الجهادية وتدريبها». وسوف تستمر تلك الخاصية التي تميز أداء «القاعدة» في المستقبل القريب.

وبالإضافة إلى وجود شخصيات كاريزمية، فإن استمرار تنظيم القاعدة، وإن كان في شكل مختلف وأكثر تفككا، سوف يعتمد على إيجاد ملجأ آمن يستطيع أن يعيد فيه تنظيم نفسه ويمكن لأفكاره أن تزدهر فيه. ولدى التنظيم بالفعل مناطق عدة يمكنه الوجود فيها، منها العراق وباكستان والصومال واليمن.

كما أن الإشارة إلى الانتفاضات العربية باعتبارها الحدث الذي سوف يعمل على تهميش تنظيم القاعدة وإقصائه في النهاية تبدو افتراضا متعجلا حيث إننا في مرحلة ما زالت فيها أحداث المنطقة العربية في طور التطور. ومن السيناريوهات المحتملة، والذي يحمل قدرا من المعقولية، هو أن المنظمة سوف تستمر في الوجود وسوف تنفذ هجمات ثانوية ولكنها لن تصبح لاعبا أساسيا في المشهد الجيوسياسي في المنطقة كما كانت حتى وقت قريب. وفي النهاية، وكما أثبتت ردود الفعل تجاه هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، فإن مدى ثقل «القاعدة» الاستراتيجي يعتمد إلى حد كبير على قدرة التنظيم على التكيف وإيجاد مؤيدين جدد، في ظل إصرار البعض، بخاصة الولايات المتحدة، على مطاردة أعضائها.

كما أن الأحداث في مصر وسوريا واليمن يمكن أن تتطور في كثير من الاتجاهات المختلفة وإذا ما كانت هناك أسباب تجعلنا نتفاءل بشأن بعض تلك الدول (تونس، على سبيل المثال)، فهناك أسباب عديدة تجعلنا قلقين بشأن غيرها، تحديدا اليمن التي يتمركز فيها تنظيم القاعدة. وحتى في مصر، التي كانت الفكرة العامة عن الإخوان المسلمين فيها، هي أن الجماعة تخلت عن الراديكالية وترحب بالحداثة، فإن التصريح الذي انتقدت فيه الجماعة بشدة الولايات المتحدة نظرا للعملية التي شنتها على «الشيخ أسامة»، ومن دون إدانة لأفعال تنظيم القاعدة، يعد تصريحا مقلقا في أفضل الأحوال. كما أنه يضع علامة استفهام حول موقف الإخوان من تنظيم القاعدة إذا ما استحوذوا على السلطة في مصر.

وفي ظل أننا لا يمكن التنبؤ بتطوراتها، فإن الانتفاضات العربية يمكنها أن تعمل ضد تنظيم القاعدة ويمكنها، في الوقت نفسه، توفير فرص لازدهاره. فربما تخلق الانتفاضات في العالم العربي حكومات غير قادرة أو غير مستعدة للتعاون في الصراع من أجل التخلص من تنظيم القاعدة سواء من حيث جمع المعلومات الاستخبارية أو من حيث المنحى الذي يوازيه في الأهمية وهو منع نشر الأفكار الراديكالية. وفي النهاية، ليس هناك من ولد راديكاليا، ولا حتى أسامة بن لادن نفسه.

مانويل ألميدا .
font change


مقالات ذات صلة