القيادي في «حزب الشعب» محمّد المزليني لـ«المجلّة»:دستور النهضة أدّى إلى الدمار الذي وصلت إليه البلاد

الرئيس التونسي قيس سعيد

القيادي في «حزب الشعب» محمّد المزليني لـ«المجلّة»:دستور النهضة أدّى إلى الدمار الذي وصلت إليه البلاد

تونس: من المشروع التساؤل عمّا أنجزه الرئيس قيس سعيّد طوال الفترة التي مرّت منذ تفعيل القرار، رغم قصر الفترة، أيّ ما يقارب شهرا ونصف الشهر، وبالتالي السؤال أو بالأحرى التساؤل عمّا يزال في جعبة الرئيس من قرارات أعلن عديد المرّات أنّها ستصنع القطيعة مع ما كان سائدًا قبل لحظة التفعيل.

لطرح هذه الأسئلة وأكثر، التقت «المجلّة» بالقيادي في «حزب الشعب» والوزير السابق محمّد المزليني، الذي كان معه الحوار التالي:

الوزير السابق محمّد المزليني

* ما قراءتكم للوضع الذي كان قائمًا في تونس قبل يوم 25 يوليو 2021، وكذلك المسوّغات التي اعتمدها الرئيس قيس سعيّد لتفعيل الفصل 80؟

- نحن في حركة الشعب كنا نؤكد أن نتائج انتخابات 2019 فتحت على أزمة في البلاد، حيث أفرزت مجموعة من الكتل المتنافرة والمتصارعة والتي لا يمكن أن تتفق على حكومة قوية ومسار حكم ناجع، في المقابل كان هناك ما يشبه الإجماع حول الرئيس، لذلك منذ البداية كنا نطرح الحلول الممكنة لتجاوز الأزمة ولتفويت الفرصة على حركة النهضة وزعيمها راشد الغنوشي للاستفراد بالسلطة والحكم في تونس وهو ما كان يخطط له لنقض منظومة الإخوان والإسلام السياسي في تونس وفي الإقليم.

إصرار النهضة على السيطرة على كل المؤسسات وكل مراكز الحكم والقرار جعلها تلجأ إلى العمل على إسقاط حكومة الفخفاخ وهو ما فتح على أزمة بدأت تتعقد يوما بعد يوم، خاصة عندما تبين أنّ النهضة تدفع بشكل غير مسبوق، رئيس الحكومة هشام المشيشي، للصراع مع رئيس الدولة ومن ثمّة تأزيم العلاقة بين طرفي السلطة التنفيذية وما زاد الطين بلة، حرصه مع حزامه السياسي على تشكيل حكومة تقدم خدمات لهذا الحزام وتوغل في الفساد.

أعتقد أن الغضب الشعبي المتزايد جاء نتاج عوامل عديدة منها الجائحة وطرق التصدي لها حكوميا وأيضا عجز الحكومة وتدنّي مستوى الوزراء وأيضا انحدار مستوى البرلمان والنواب، إلى مستوى غير مسبوق مع إصرار الغنوشي على مزيد من ترذيل العمل البرلماني والحياة السياسية وترك الحبل على الغارب لبعض الكتل البرلمانية للتنكيل بالرئيس.

يوم 24 يوليو كانت كل مؤسسات الدولة منهارة تقريبا في مستوى الحكومة والبرلمان والوزارات وحتى بعض المؤسسات السيادية بما في ذلك القضاء وجميعها مؤشرات تنبئ بمصير مظلم ومجهول للبلاد، فكان تحرك 25 يوليو يطالب بوضع حدّ لمنظومة الحكم الفاسدة وعلى رأسها الحكومة، والبرلمان الذي طالب المحتجون بحلّه، وتوجهوا لمقرات حركة النهضة التي يحملونها مسؤولية تردي الأوضاع والفشل طيلة 11 سنة من الحكم.

إذن قرار الرئيس بتقعيل الفصل 80 وما رافقه من إجراءات مثّل الحل الوحيد الممكن لإنقاذ البلاد ومؤسساتها من خطر الانهيار الكامل ولكنه أيضا فوت الفرصة على راشد الغنوشي ومريديه الذي كان مستعدا لحرق تونس مثل نيرون ولعل خطابات الهاروني النارية كانت أبرز دليل على ما نقول.

 

* هناك جدل بين الفرقاء في تونس على مستوى التوصيف بين «انقلاب على الشرعيّة» مقابل «التصحيح الثوري». كيف تحسمون هذا اللغط؟

- لا يمكن أن نتحدث عن انقلاب عندما نطبق فصلا في الدستور ولا معنى لتطبيقه دون الإجراءات المصاحبة وإلا يكون عديم الفائدة ولا يؤدي إلى أي نتيجة.

ثم أمام الخطر الحقيقي المحيط بالبلاد والعباد، هل تترك الأوضاع على حالها، مخافة وصف الرئيس بالانقلابي أم يتقدم في معالجة الأوضاع مع احترام حزمة من الالتزامات منها الحريات ووحدة الدولة واستقلالية القرار الوطني.

الجماعة [أيّ النهضة] وضعت دستورا على المقاس، يؤسس لتفتيت الدولة ولا يمكن أن يساعد على بنائها، لذلك لا بد من عمل أي شيء، خاصة إذا كان الشعب صاحب السلطة والسيادة يرغب في ذلك بنسبة عالية، عاشها الجميع في تونسن تعبيرا عن الفرح بإجراءات 25 يوليو ليلا، التي وردت في كلمة رئيس الجمهورية.

 

* لا أحد ينفي القبول الذي لقيه قرار التفعيل في نفوس عدد غير هيّن من التونسيين، لكن هذا لا ينفي بقاء كثير من الأسئلة دون إجابات واضحة بخصوص المستقبل، أو ما تسميه النخب غياب «خارطة الطريق». كيف تفسّرون ذلك؟

- بعد 25 يوليو أصبح الرئيس مسؤولا عن كل شيء تقريبا والمطلوب دون شك توضيح الرؤية لكيفية إدارة المرحلة المقبلة، خاصة أنه أكد أكثر من مرة على استحالة العودة لما قبل 25 بما يعني أن البرلمان بصيغته تلك، صار من الماضي. هناك رغبة أيضا وطلب ملح لتكليف شخصية كرئيس حكومة أو وزير أولا، وتشكيل حكومة تتكفل بإدارة الشأن العام، لكن يبدو أنّ رئيس الجمهورية انشغل كثيرا بترتيب المسائل الأمنية والدبلوماسية والصحية في مواجهة جائحة كوفيد. نأمل أن يعلن قريبا عن الحكومة وعن ملامح المرحلة المقبلة وكيفية إدارتها كما وعد بذلك عند تقديم بيان للشعب.

لا شك أنّ وجود حكومة مسألة ملحة، خاصة أن حجم الملفات المطروحة كبير جدا، وهي ملفات شديدة متشعبة. لكن يبدو أننا لسنا فقط في وضع استثنائي بل أيضا أمام رئيس استثنائي له مبرراته ورؤيته لتسيير البلاد.

 

* يقود الرئيس قيس سعيّد حملة على الاحتكار، وكما قال: «التلاعب بقوت التونسيين». ما حظوظه في ذلك، خاصّة وأنّ العمق الشعبي يريد أن تترجم هذه «الحرب» بارتفاع ملموس في القدرة الشرائيّة؟

- في موضوع الاحتكار والحفاظ على قوت التونسيين، أعتقد أنّ الرئيس مطالب برسم التوجه وإلزام الحكومة المقبلة والإدارة والقضاء بصرامة وجدية على ظاهرة الاحتكار والتلاعب بقوت الناس، دون إغفال مسألة اقتصاد الريع.

لقد بدأنا مسارا إصلاحيا عندما كنا على رأس وزارة التجارة، ويمكنني الجزم، بأن لا أحد قبل ذلك التاريخ تجرأ على أي من قراراتنا وما اتخذنا من خطوات، لكن للأسف توقف مباشرة بعد مغادرتنا للوزارة، ويمكن أن أذكر العديد من الملفات مثل التوريد العشوائي والتهريب وملف الحديد والأعلاف وتربية الدواجن والماشية وملف الأدوات المدرسية ومسالك التوزيع ومخازن التبريد، حيث شرعنا في وضع منظومة معلوماتية تسمح بتتبع الأثر في هذه المسالك.

 

font change