المملكة تعدّ مبرمجين سعوديين للمنافسة عالمياً في تقنية المعلومات

برامج تقنية ضخمة في مجال الاقتصاد الرقمي

سعوديون يحضرون «هاكاثون» قبل بدء موسم الحج السنوي في جدة (غيتي)

المملكة تعدّ مبرمجين سعوديين للمنافسة عالمياً في تقنية المعلومات

جدة: إذا حصل ونسيت محفظتك، التي تحتوي على أوراقك الثبوتية وبطاقاتك المصرفية وسجلات سيارتك، وخرجت من منزلك أو مكتبك، فإن ذلك لم يعد مشكلة على الإطلاق في السعودية، فكل ما تحتاجه من أوراق وبطاقات، صار متوفراً على هاتفك الذكي. فقد خطت المملكة خطوات كبرى في التحول الرقمي منذ عام 2006 ضمن خطط خمسية مؤسسية، ولا يزال العمل جارياً على مزيد من رقمنة الخدمات والإجراءات والمال وحتى المجتمع.

ومن أجل تحقيق الرقمنة الشاملة، أصبح تبني الاهتمام بالقدرات والأصول والبنية التحتية الرقمية السعودية وتعزيز الابتكار والممارسة، سواء لدى القطاعات الحكومية أو الخاصة أو لدى القطاع الثالث (الأهلي والخيري)، إحدى الأولويات الوطنية السعودية، فيما بدأت نتائج ذلك الاهتمام بالظهور مع تصنيف المملكة الثانية عالمياً بين دول مجموعة العشرين ضمن تقرير التنافسية الرقمية لعام 2021 الصادر حديثاً عن المركز الأوروبي للتنافسية الرقمية.

ولأن التميز الرقمي، يحتاج إلى أفكار ورؤى وخطط تنفيذية، عقدت في الرياض قبل أيام فعالية Launch KSA بمشاركة 10 شركات من عمالقة التقنية حول العالم، فيما أعلن رئيس مجلس إدارة الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، فيصل الخميسي، أن «لدى المملكة استراتيجية واضحة، بجدول زمني محدد للاستثمار بالكوادر الوطنية، من أجل الوصول إلى هدف مبرمج من بين كل 100 سعودي بحلول عام 2030».

فلماذا تسعى السعودية إلى تحويل واحد في المائة من مواطنيها إلى مبرمجين؟ وما هي الأساليب التي ستتبعها من أجل تحقيق ذلك الهدف؟ وهل لذلك علاقة باقتصاد ما بعد النفط وتكون مجتمع واقتصاد رقمي؟

 

الأمية الرقمية

يقول الرئيس فيصل الخميسي في فعالية Launch KSA إنه «ليس من المبالغة القول إن أهمية تعلم البرمجة، ستصبح بوقت قريب بنفس أهمية تعلم القراءة والكتابة».

ومر تعرف الأمية في السعودية بعدة مراحل، شملت عدم القدرة على القراءة والكتابة، ومع تطور التعليم وصلت إلى 3.7 في المائة فقط عام 2021 بعد أن كانت نحو 60 في المائة عام 1970. وفي أواسط التسعينات، بدأ مفهوم الأمية يتغير بالتدريج مع إدخال مادة «الحاسوب» (الكمبيوتر) إلى مناهج التعليم الأساسي في المرحلة الثانوية، وتوسيع مفهوم الأمية لمن لا يتقنون- على الأقل- مبادئ التعامل مع برامج الحاسوب الأساسية. ومع الوصول إلى العقد الثاني من الألفية، صار من الصعب إجراء التعاملات في غالبية القطاعات الحكومية والمصرفية؛ دون القدرة على استخدام الهواتف الذكية. أما ما يذكره الخميسي حول أهمية البرمجة، فهو ينبئ بتطور إضافي «ضمني»، يقوم على مبدأ مساواة تعلم القراءة والكتابة بالبرمجة (بالطبع بعد أن أصبح استخدام الحاسوب والهواتف الذكية من البديهيات)، وبخاصة مع وصول التغطية السكانية للإنترنت في السعودية إلى نسبة 99 في المائة.

* التميز الرقمي، يحتاج إلى أفكار ورؤى وخطط تنفيذية، لذلك عقدت في الرياض قبل أيام فعالية Launch KSA بمشاركة 10 شركات من عمالقة التقنية حول العالم

ويؤكد الخميسي على «أهمية البرمجة بوصفها البذرة الأساسية لنجاحات قطاع تقنية المعلومات على المستوى العالمي»، وهذا يدل على نية السعودية المستقبلية في تجاوز السوق المحلية والانطلاق نحو المنافسة الإقليمية والعالمية. وهذا يتطلب وجود عدد هائل من المبرمجين السعوديين، ممن يتقنون العمل على مختلف لغات البرمجة ويتمتعون بمعارف وخبرات عالية. وهنا يبرز السؤال الأهم: كيف سيتم تأهيل مبرمج واحد من كل 100 سعودي؟ ما هي الآليات والوسائل؟

 

استثمار رأس المال البشري والمادي

شهدت مناسبة Launch KSA إعلان وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، المهندس عبد الله السواحة، إطلاق 3 برامج أساسية:

  1. برنامج «همة»، وهو برنامج تقني عملاق يتمتع بحزمة مالية سخية تبلغ 2.5 مليار ريال (667 مليون دولار) تدعم سوق التقنية بأكثر من 20 منتجاً مع برامج ومشاريع مصممة لدعم الرياديين المبتدئين والمتقدمين.
  2. برنامج «قمة»
  3. برنامج «طويق»، الذي يضم عدة مشاريع، أولها أكاديمية «سدايا»، وهي مشروع تقيمه الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي يعمل على تطوير البرامج والمعسكرات التدريبية لبناء قدرات وطنية، تقود قطاع البيانات والذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، وذلك وفق دراسات لتحليل الاحتياجات والمهارات في سوق العمل.

كما تضاف إلى ذلك الحاضنات ومسرعات التقنية في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، إلى جانب الشركة السعودية للتنمية والاستثمار التقني (تقنية) المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، التي يتفرع منها مثلاً شركة «بياك»، التي تعمل على تمكين الابتكار من خلال بناء وتشغيل ودعم وتطوير بيئة الابتكار السعودية، إلى جانب نقل التقنية إلى إدارة المشاريع في جميع قطاعات الأعمال المختلفة. كما أن الشركة السعودية للاستثمار الجريء ويضاف إليها مجموعة معتبرة من المستثمرين الملائكيين وكذلك منصات تمويل الملكية الجماعية، يقومون باستثمار مليارات الريالات في مشاريع، أغلبها ذو طبيعة تقنية.

ويضاف إلى أن خريطة الابتعاث السعودي، صارت أكثر تركيزاً على المجالات الأكثر تخصصاً في قطاعات التقنية والذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والرقمنة. وعلى سبيل المثال، أرسلت شركة «نيوم»، القائمة حالياً على تطوير مدينة نيوم برأسمال 500 مليار دولار، دفعات متتالية من الطلاب المنتمين إلى المجتمع المحلي لمناطق شمال غربي المملكة، أي موقع مشروع نيوم، لدراسة الاختصاصات المرتبطة بالتقنية والرقمنة في أرقى جامعات العالم في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان. كما تركز وزارة التعليم في برامج الابتعاث حالياً على الاختصاصات ذات الطابع التقني.

ويبقى السؤال إلى أين سيقود الاستثمار في رأس المال البشري عبر البرامج داخل المملكة وبرامج الابتعاث في الخارج واستثمار رأس المال المادي عبر الرعايات وحواضن ومسرعات الأعمال والشركات؟

 

الاستعداد لاقتصاد ما بعد النفط

يبدو أن الاستعداد المبكر لاقتصاد ما بعد النفط في شقه الإنتاجي، ينحو بتسارع في أحد أوجهه الرئيسية باتجاه التقنية والرقمنة، وذلك من أجل بناء اقتصاد وطني قائم على البيانات والذكاء الاصطناعي والرقمنة. كما أن المشاريع العملاقة التي يضخها صندوق الاستثمارات العامة والشركات التابعة له، تحتاج إلى بنية تحتية رقمية وأشخاص أكفاء، ذوي قدرات متفوقة لإدارة وتطوير مدن ذكية، وكذلك النهوض بمسؤوليات الحكومة الرقمية، التي أنشأت لها هيئة خاصة.

كما أن التطبيقات والمنصات الرقمية السعودية في مختلف المجالات، من النقل إلى التجارة إلى التوصيل إلى البنوك وغيرها، أصبح مورد رزق لمئات الآلاف من الأفراد، كما أن بعضاً ممن أثبت جدارته منها، أصبح قادراً على اجتذاب رؤوس أموال أجنبية إلى المملكة.

إن التحول الرقمي السعودي وإفراد رؤية المملكة 2030 اهتماماً خاصاً به، يوحي أن صانع القرار يعول كثيراً على الرقمنة في المجتمع والحكومة والأعمال، والانتقال السلس نحو الاقتصاد غير الهيدروكربوني، أي مرحلة ما بعد النفط. قد يستعجل البعض النتائج، لكن تأهيل واحد في المائة من مجمل السعوديين ليكونوا مبرمجين، ليس بالأمر الذي يمكن القفز فوقه بسهولة، إنه أسلوب سعودي جديد في النظر إلى مستقبل المملكة والعالم.

 

font change