محلّل اقتصادي لـ«المجلّة»: الاستقرار في تونس مشروط بالجمع بين الإصلاح الاقتصادي وعدم المسّ بالفئات الفقيرة

رجل الأعمال والمحلّل الاقتصادي التونسي أحمد بن جديديّة

محلّل اقتصادي لـ«المجلّة»: الاستقرار في تونس مشروط بالجمع بين الإصلاح الاقتصادي وعدم المسّ بالفئات الفقيرة

تونس: إنّ غلبة الجانب السياسي والتأويل القانوني والتكييف الدستوري على نقاشات النخب في تونس، وكذلك الاختلاف بشأن الأبعاد القانونية لتكليف نجلاء بودن بتشكيل الحكومة، لا يمكن أن يخفي الأسئلة الملحّة والمسكوت عنها من قبل النخب التونسيّة بخصوص الشأن الاقتصادي، وما هي التبعات الأكيدة على مستوى الاستقرار الاجتماعي، علمًا أنّ الجانب الأكبر ممن ساندوا قيس سعيّد بمجرّد تفعيل الفصل 80، فعلوا ذلك بسبب تردّي الوضع الاقتصادي، من غلاء للمعيشة وتراجع في القدرة الشرائيّة وارتفاع البطالة، مع تفشّي الفساد وانتشاره في زمن حكومة المشيشي والحكومات التي سبقتها.
هل ستشكّل هذه التحديات الاقتصادية في الأساس الرهان الأكبر أمام حكومة نجلاء بودن؟
وما هي حظوظ نجاحها في تأمين الحدّ الأدنى والضروري لضمان الاستقرار؟
وهل من وصفة للخروج من الأزمة؟
للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، التقت «المجلّة» برجل الأعمال والمحلّل الاقتصادي التونسي أحمد بن جديديّة:

* ما هي أولويات حكومة نجلاء بودن على المستوى الاقتصادي؟
- شخصيّا أفضل الحديث دائما عن «السياسة الاقتصادية» بدل الاقتصاد، لأنّ الوضع الاقتصادي في أيّ بلد أو حتّى في أيّ مؤسّسة من القطاعين الحكومي أو الخاص شديد الارتباط بالخيارات السياسية لأصحاب القرار. عندما تتحدّد الرؤية السياسيّة، من السهل وضع الخطة الاقتصاديّة.
على المستوى الإجمالي، حكومة نجلاء بودن، مطالبة بتخفيض الإنفاق بأقصى ما يمكن، والرفع في مداخيل الدولة بأقصى ما يمكن كذلك، للخروج أو على الأقلّ التخفيض من حجم التداين. هذا دون أن ننسى المحاذير الأهمّ، وعلى رأسها عدم الذهاب في سياسة تقشفية تزيد من معاناة الطبقة الأشدّ فقرًا. لأنّ المساس بهذه الفئة التي تضخمت في السنوات الأخيرة، كفيل بتفجير الوضع الاجتماعي.

* هل يمكن خفض الإنفاق إلى أقصى درجة دون المساس بهذه الفئات الفقيرة؟
- الإجابة عن هذا السؤال تبتعد بنا عن المجالين الاقتصادي والسياسي إلى مجال علم الاجتماع وحتّى علم النفس، ليكون السؤال: ما قدرة هذه الحكومة تحت قيادة رئيس الدولة، على إقناع الجانب الأكبر من التونسيين بتحمّل التقشّف الذي ستعيشه البلاد لعدّة سنوات؟ فلا أحد قادر على القول إنّ الخروج من الوضع الحالي أو بالأحرى عدم التردّي إلى وضعيات أسوأ، سيتمّ بين عشيّة وضحاها أو بين شهر وآخر. الانفراج أو بالأحرى بوادره الأولى، لن تبدو قبل سنتين على الأقلّ.

* ما الشروط التي يجب توفرها لتحقيق هذه القفزة الهامّة؟
- أهمّ خطوة تكمن في إغلاق الفترة الانتقالية التي تعيشها تونس، بدءا بإعداد قانون انتخابات جديد وتنظيم انتخابات تشريعيّة، والتأسيس لاستقرار، يأتي شرطا أكيدًا ضمن ما تطالب به المؤسّسات الماليّة الدوليّة، سواء البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، وهما الشريكان الأوّلان على درب الإصلاح الاقتصادي.

* لكن شروط مثل هذه المؤسسات لا تولي أيّ مكانة للجانب الاجتماعي وحماية الفئات الأشدّ فقرًا، ممّا يهدّد بتفجير الوضع الاجتماعي في تونس؟
- صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، أو حتى البنك الأوروبي للتنمية، لا تعطي الأوامر والجميع يطيع. بل هي أطراف تقبل النقاش، ومن هنا وجب أن تؤسّس تونس لفلسفة حوار مع أيّ من هذه المؤسّسات، تقوم على الجمع بين الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي من ناحية وكذلك الحصول على قروض يتمّ صرفها من أجل تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد.

* هل هذا كاف، للخروج من الأزمة؟
- أشبه تونس حاليا بالدلو المثقوب، مهما ضخخنا فيه من سيولة، ستضيع وتذهب هباء..

* ما هذه الثقوب وكيف يتمّ التخلّص منها؟
- على المستوى علم الاقتصاد، الإجابة متوفرة لدى طلبة سنة أولى اقتصاد، وحتّى لدى من يحوزون ثقافة اقتصاديّة محترمة. السؤال هو على مستوى السياسة الاقتصادية، وهنا نقف أمام الخيارات والاستعداد أو الشجاعة على اتخاذ قرارات جريئة.

* ما هذه القرارات؟
- أهمّها وعلى رأسها الإصلاح الجبائي الذي سيرفع من مداخيل الدولة، وثانيا وضع نظام تعامل إداري ومالي، يجمع بين الشفافية وسرعة الإنجاز، عبر رقمنة جميع المعاملات المالية، ممّا سيقضي بصفة كبيرة على التهريب والاقتصاد الموازي.

 

font change


مقالات ذات صلة